الأربعاء، 16 نوفمبر 2022

عتاب الأحبّة بقلم الشاعرة---روضة بوسليمي... تونس

 ¤ عتاب الأحبّة ...

...حين تغيب !
يجتاحني تيه المدن
أتصاغر ...
أتصاغر حدّ الذّوبان
كجمرة هدّتها ريح الشّمال
لك الله يا قلب
لكِ الله يا روحا بنفسجيةّ الحزن
... حين تغيب !
يستفحل القيظ في صدري
أشتعل
أشتعل حدّ التّوهان
كغيمة ضلّلتها عتمة المكان
فأستجير بجريد روحك
وأستحضر بركات الطّوفان
التي تنحني لها رقاب الجبال
يا اغنيات تهدهد أنهاري
يا خمرة تغري موّالي
...حين تغيب !؟
تحتلّني جيوش الدّهشة
أيا من تشرق شمسي من كفّيك
انا الفراشة التي أدمنت الضّوء
المزهر في جنائن وجنتيك
تعال أقل لك :
-- أنا التي أعلنني أسيرةَ روحك
حين هتكت مفاصلي نظرة من عينيك
أوّاااااااه منك !!!
كم احتاج مزيدا من التّوّغل في ذاتك
التي أودّ !
كم أشتهي مزيدا من التّبدّد في أمدية
عطرك والنّدّ !
يا من أتحسّس فيه مساربي
متى ترحل إليّ !؟؟
يا قصيدا تغنّيه العصافير
وسكارى الهوى
اوّاااااااه منك !!!
يا من به القلب اكتوى
يا من اشقاني حتى أوجعني !
يا أحزانا تسكنني !
يا من لأجله أرتق فجاج المدى
حتى نبلغ من الرّضاء سدرة المنتهى
------♧------روضة بوسليمي... تونس
Peut être une image de 1 personne, position debout et foulard

مقاربة في ديوان الشاعرة منى الماجري: " وجهها الآخر الذي لايعرفني" بالمركز الثقافي " ريدار" منزل تميم 20 اوت 2022 بقلم الأديبة نعيمة الحمامي التوايتي

 مقاربتي في ديوان صديقتي الشاعرة منى الماجري: " وجهها الآخر الذي لايعرفني" بالمركز الثقافي " ريدار" منزل تميم 20 اوت 2022

بقلم نعيمة الحمامي التوايتي
تصدير:
يقول بودلير: "إنٌ النثر الشعري موسيقي، بدون إيقاع وبدون قافية، منساب مع الترددات الغنائية للروح، مع تموجات الحلم".
على هذه الترددات الغنائية للروح وتموجات الحلم نصافح
ديوان "وجهها الآخر الذي لا يعرفني" للشاعرة والسينمائية التونسية منى الماجري. هو باكورة أعمالها الشعرية. صدر عن الدار الثقافية للنشر والطباعة والتوزيع بتونس في 2021. ضمٌ 36 قصيدة نثرية في 90 صفحة.
قدٌم للديوان الشاعر ، الإعلامي عبد الحكيم الربيعي.
تضمن الديوان أيضا سيرة ذاتية مختصرة للشاعرة.
منى الماجري هي أستاذة متحصّلة على الماجستير في اللغة العربية. وممثّلة توٌجت بجائزة أفضل دور أوّل في المهرجان التونسي للسينما سنة 2019 عن دور "نازلي" في شريط" ولدي" لمحمّد بن عطة. شاركت بدور الأم في شريط " "حفيد عائلة مراد" للمخرج أيوب يوسف...
انفتح الديوان على تصدير لباسكال قينيار. وانغلق على مقتطفات شعرية.
تضمن أيضا اهدائا خاصا شمل الأصول والغصون . فى الاهداء، الذات الشاعرة حبَتْ نفسها وتشبٌهت بطائر دؤوب رحٌالة يتوق إلى الحرية والحركة على مكُوك سندبادي ، فذاتيتها لا تتحقق إلا بالحركة تقول الشاعرة من خلال هذا الإهداء. والحركة قد تكون رقصا روحانيات عبره تسمو إلى عالم نقي.
نتساءل عن خصوصية التجربة الشعرية لصدقتنا منى الماجري؟
إن الوقوف على هذه الخصوصية يستدعي منا الوقوف عند العتبات: أساسا عنوان الأثر وصورة الغلاف. سنُحاول القيام بمقاربة سميائية نسبر من خلالها مدى علاقة العتبات بالمتن.
العتبة الأولى: العنوان:
" وجهها الآخر الذي لا يعرفني." العنوان جاء مخاتلا
الهاء والأنا وعلاقة الصراع والصدام ، وغياب التجانس بين الأنا والهي, الآخر..
وجهها الآخر: الهي. الغائبة بالحضور في الأنا تعكس حالة من التشظي والانشطار تعيشها الذات الشاعرة
. الهي ذات.
والانا ذات ...ونحن ذوات...والمرأة نساء. يُخاتلنا العنوان منذ البداية ويُربكنا وفي الآن يحفزنا على ولوج النص للتعرّف على مناخات الكتابة الشعرية عند السيدة مني وسبر أغوار عالمها ويورطنا في السؤال عن الواقع النفسي والمجتمعي المتأزم الذي تعيشه الشاعرة. هذا الواقع الذي سبرته فنّيا من خلال عالم السينما والآن تسبره شعريا فالشاعرة توظف فنونا شتّى لتقصّي أعماق هذا الواقع الرديء وجعل منها ذواتات متعدٌدة بعضها لا يعرف بعضها فكانت الكتابة هي آليتها لمقاومة الضغوطات لتتعرّف الأنا عن الأنا في واقعها. الكتابة هي المنقذ. وهي الملجأ..السيدة منى تجعل من الشعر آلية للمقاومة والإنعتاق فهي تلتزم مع المتلقي بانها تقدم له شعرا كما جاء في التعريف الأجناسي للكتاب. هذا الكتاب هو ديوان شعر. فتبني من حروف الشين. والعين. والراء . رعشة وعرشا تلوذ بهما من غائلة الإكتآب والعتمة وكل ضروب القمع النفسي والمجتمعي وتسمو بها إلى عالم الهدوء والسلام وهذا يحيلنا على التصدير الذي وشّحت به ديوانها فالكتابة ليست غاية في حدٌ ذاتها. الكتابة هي الحنين إلى الفرح وإلى التحرّر من براثن البؤس والألم.
احتل العنوان أعلى الكتاب. خُطٌ باللون الأصفر الذي يحيل على النور والقوّة على الإنشراح وانتشار الضوء بكثافة .
جاء العنوان على خلفية فنية تمثلت في لوحة تشكيلية هي صورة الغلاف ,العتبة الثانية في الديوان.
في سيميائية الصورة والتواصل
صورة الغلاف؛ لوحة تشكيلية للفنانة الصديقة الشاعرة هاجر ريدان. موسومة ب" رحلة أمومة "
، تقدٌم لنا اللوحة مجموعة من الأشكال والألوان وشخصان: امرأة وطفل.
تفاصيل كثيرة تختزنها و استفهام يتشكٌل بفسيفساء الألوان وانسحاب مساحات النور والظلام وهندسة الأشكال التي توحي بالانشطار والتشظي
فللوحة دلالاتها التي تضعنا أمام إشكالية اللغة التشكيلية. فهي لغة مرئيّة متطوّرة
وتستدعي قراءات "
ومقاربات مختلفة، سسيولوجية ونفسية وغيرها من المناهج.
لكن تظلّ القراءة التشكيليّة هي الأقرب للعمل الفنّي لأنّها:
-1- تُمثٌل نسيج التواصل بين المتلقي والفنان
-2- تخترق " الظاهر " أي الحدسي المباشر
للكشف عن " الباطن" , عن الإيحاء والدلالات للوقوف على مختلف العلاقات بين العناصر التشكيليّة والأنساق التعبيريّة.
بيٌن"رولان بارث” في كتابه "مبادئ في علم الأدلّة"أن هذا النظام : " الظاهر / الباطن "هو أساس كلّ القراءات".
لذلك سنعتمد القراءة التشكيليّة في تناول صورة الغلاف
" رحلة أمومة" هي لوحة بين التشخيصي والتجريبي بتقنية زيت على قماش. أبعادها: 40/60
في مرسمها تحتل اللوحة موضعا هاما في مجموعتها التشكيلية وتُبرز طفلا ماسكا بأمّه. امرأة بوجه منشطر
فبدت بوجهين و تحيط بالجسد فسفساء من الأشكال" والألوان: الأزرق والبرتقال الذي يتخلّله اللون الأسود للشعر.
فما هو الخطاب الذي تريد اللوحة أن تمرره إلينا بلغة الشكل واللون و بحركات الخطوط و هذا التوزيع للظلال وهذا الانشطار القادم إلينا من عمق اللوحة،
وما هي علاقة اللوحة بالمتن؟
هذه الفسفساء من الاشكال والالوان ماهي إلا شظايا وانشطار. تعكس معاناة الإنسان عموما والمرأة خصوصا معاناة نفسية واجتماعية واقتصادية من نتائجها التشوهات التي اصابت الجسد. وادت إلى التشظي والانشطار.
تُبرز اللوحة إمرأة بكل ما فها من تلوينات. هذا التشظي والعلاقة بالآخر الذي جعل المرأة نساء والذات ذواتات في اللوحة هو أيضا ما يُبْرزه عنوان الديوان الذي بين يدينا فصورة الغلاف والعنوان متماهيان ومتناسقان لأنّ التشظي وتعدّد الذواتات هما التيمة المحورية للوحة وللديوان.
اللوحة تعكس إذا تجاذبا بين المرأة الأم والمرأة المبدعة في رحلة من التشظي والانشطار.
هذه رحلة عاشتها منى الماجري في " وجهها الآخر الذي لايشبهني" في مرحلتين. فكان التقاطع بين الرسم بالحرف والريشة متماهيا في انزياحات متعدٌدة
المرحلة الاولى: مرحلة المرأة الأم، الشمعة التي تنير درب الآخر. فالطفل في اللوحة ماسك بامه.يبدو متخفٌيا ومحتميا بها في الظاهر. لكنّ القلق الوجودي باد.والرؤى حمالة اوجه؟؟؟
إمراة: أُمٌ، زوجة مربية، حاضنة اجتماعية ...
و طفل: مشروع انسان, الآخر
المرأة يحرٌكها وعي معرفي ومجتمعي. تؤمن بالمعادلة التي تقول: طفل في بيىة سليمة يعيش في كنف الحماية والرعاية النفسية والاجتماعية =رجل يفكٌر وانسان يحمل قيما كونية. فاستبطنتها بعمق.
هذه المرحلة، عاشتها السيٌدة منى في الاسرة، بالوان متعدٌدة جعلت الذات تنشطر وتتشظى إلى ذواتات داخل العائلة وخارجها.
منى هي الزوجة والامٌ الحاضنة والمربية وهي الاستاذة ايضا.منى المتشظية في ذواتات مختلفة تعيش مع الآخر" الهو" ومن اجله ، في خدمته مرحلة تكون فيها الأنا المنغمسة في صلب اليومي تُكابد في محيطها القريب والبعيد تؤدي رسالة. تبني الجيل. تعِدٌ المواطن. والهوس بالنجاح: "نجاح "الهو" مرادف لنجاح"الأنا" تحدٌى يدفعها دائما إلى الامام
إنها مرحلة البناء.
ومرحلة ثانية هي مرحلة منى المبدعة التي توظٌف فنونا شتي في حقلها الابداعي. فهل
تستبطن اللوحة أيضا دعوة إلى أن يتوارى الطفل / الرجل إلى الخلف قليلا و أن ينصت كثيرا للمرأة، بعدأن احتمى بها ومنها نهل النفسي والثقافي والحضاري ليكون وليرتقي ويفسح لها مجالات الشان العام لتوظٌف ما راكمته من تجارب؟
إنّنا ننتقل إلى التمرٌد على المألوف والثورة عليه لتصرخ اللوحة بألوانها الصاخبة والشاعرة بحرفها المتمرّد في وجه الضغط المجتمعي الذي تعيشه المراة فيكباها ويكون من معيقات السمو النفسي والمادي.
.
اللوحة التشكيليةوالنص الشعري كلاهما خطاب
متمرّد ينسج رؤى ابداعية من الخطاب المتواري بالداخل.
رؤى ابداعية يُشكٌل جسدَها الحرف والشكل واللونُ. وتضاريسها حركةُ المسح و السحب على الألوان والصور الشعرية.
وكلاهما رسالة وصرخة تُذكٌِرُ بدور الفنون من اجل ثورة ثقافية تعيد تشكيل العالم من حولنا.
وإذا كان اللون الاصفر المشعٌ الذي كتب به العنوان يضيء شغف الشاعرة بلحظات الفرح المعتقة فإنٌ انفتاح الديوان
على تصدير لباسكال قينيار: "الكتابة ليست غاية في حد ذاتها. الكتابة هي الحنين لفرح ما"، يُرسٌخ ذلك.
- قراءة في المتن:
شمل الديوان عناوين تدل على ألوان النفس المتقلبة
في صراعها الدائم بين ثنائية المضيء والمعتم.
فالقصائد في تماسكها تشكل صورا بنيت من تفاصل الواقع المتجذرة في الذاكرة ومن المتخيل فنفذت إلى العمق الانساني تبرز تجلياته الوجدانية والروحية وتنشرها من خلال تيمات متنوعة جعلت من الديوان بستانا شعريا نهل:
من الطبيعة ومن سلاسة اللغة
من الطبيعة نهل قصائد:
مطر، جفاف، بحر، حكاية البرد، صديقي المطر، شجرة التين، كنوز البحر، عين ونجمة، أنا والريح، رفقة الشمس". ووردت العناوين على شكل مفردة فكأن بالقصائد لوحات تحيل إلى التجريد
اما اللغة فهي أصل البناء ولا يستقيم أي نص أبداعي بدونها لأنها وسلة المبدع وآلية القاري والناقد رغم اختلاف زوايا النظر وطرائق التناول. فسلاستها عند الشاعرة والتخصيص من خلال الإشارة والإضافة، والمركبات العطفية لرسم علاقة الذات الحميمة بهذه العناصر الطبيعية تتجلٌلى من خلال القصائد التي تقترب فيها من عناصر الطبيعة: تستيقظ الروح وتنتشي بروائحها كالعطور والبخور. تلتقطها الشاعرة وتعود بها إلى اناها، إلى نفسها، إلى الذات.
انظر إليها في قصيد "مطر"ص 21
المطر، هذا المطر أعرفه جيدا
ففي كل زيارة له
أعود ركضا إلى نفسي، أطرق بابها بنفس متقطع
أعود إليها بعد تيه في أزقتها
عندما يطرق المطر بابنا، أشعر بالنوم يغشى عيني المندهشة أبدا.
صداقة حميمة مع الماء، الماء جزء أساسي في التكوين يوحي بالأمان والحياة .المطر ماء عذب نقي رمز أنثوي تندمج من خلاله في عالمها الذاتي. وتنغمس في الحلم إثر الإحساس بالارتواء. والبحر مثل الماء الأبوي فإذا كان المطر يبعث على الارتواء فللبحر روائح تنعش الروح وتبعث فيها الحركة والانشراح والفرح
فهو يفيض بروحانياته فيجعل الجسد ليٌن وخفيف فيتحرك كما الروح.
.
قصيد البحر ص34
اشتهي البحر
يقف على الباب
يرتدي جلبابه
ذاك الذي يخبئ روائح العيد
اشتهي البحر يفتح ذراعيه
يقول لماذا تأخرت
فنحن دونك والعيد نكون بلا عيد
وتغمرني رائحة البخور
تغمرني رائحة الجامع
تفيض علي محبة ذاك البحر
يتحوٌل ماء المطر إلى رمز أنثوي وماء البحر إلى رمز ابوي في "تجاذب بين الماء والنار. فماء البحر دافئ عميق كذاكرة قديمة للرحلات البحرية والعبور والرحيل والعودة. وظل ملاذا للحلم والانغماس اللاوعي حد اشتهاء الغرق. " الناقدة هيام الفرشيشي"
ما أجمل أن يشرق الزورق بالشمس العارية تتغنج للماء
لا بأس إن غرق، فما أجمل أن نغرق
على رقص، على بلسم ودفء وبعض رواء.
"وهو اندماج رمزي يحيل على سعادة الجسد في اندماجها مع نشوة الروح، مضيفة إليه عنصر الشمس كقادح لاندماج الحلم بطاقة الحركة. فالبحر يجب أن يكون مضيئا لأنه يستوحش الظلام: "
البحر يخاف الظلام
يتسول قبسا."
- الوطن حضر في أكثر من قصيدة
منها:
"يا وطني، وطن وجندي، جمهوريتان، فينق، هذه البلاد، شمل".
وتعبر منى الماجري عن همومها الوطنية. في نص "وطن وجندي" ص 70على سبيل المثال. وتكشف عن موقف ذاتي، تبرز من خلاله الذاتية الشعرية المباشرة للوعي المنظم، والتشكيل المرئي، وإدراك أيديولوجي. من خلال حسها الشعري وشدة وعيها بقوة الحرف وقدرة الشعر على المقاومة
باتت تطرز له قميص الصوف
ولما استيقظت وجدته نائما في العراء
ومهدت له فراشا حذو النجوم
عند الصباح وجدته في خرابات البناء..
جندي يطوي ركبته يهيء بندقية
والوطن في الحانة يقبل ساق عاهرة عند المساء.
تبدو الصور ، واقعية، ، فالجندي ينام في العراء في الأماكن المهجورة، يطوي ركبته وهو يهيئ البندقية. هو ينكر الذات من أجل حماية الوطن، بينما هناك من يتاجر بالوطن ويقبض لينفق أموال العمالة على النساء المدنسات. ثنائة الدنس/ الطهارة وتستعمل مفردة أخلاقية "عاهرة" لتدل على سقوط القيم الوطنية. وهي بذلك تحمل هما وطنيا إزاء الخيانات والنكبات. وتشير إلى الارتفاع (النجوم) مقابل السقوط (الحانة)، حتى الوطن فقد صفته القدسية وانغمس في الرذيلة. مما يدل على انتفاء هذه القداسة لدى البعض، في المقابل يعيش الجندي في العراء يذود عن وطن وقع تدنيسه.
"وجهها الآخر الذي لا يعرفني" لمنى الماجري يتدرج بنا من الصور المألوفة والمتخيلة إلى اللاوعي لتبرز من خلاله أحاسيسها وحالاتها الوجدانية المتعددة. مستدرجة صورها الموغلة في الخصوصية وفرادة الخيال. لأنها تدور حول ذاتها الخاصة، وتصويرها من الداخل:
كان الفضاء حالكا
وكان رجلا يتسلق الحائط
يشرئب إلى مربع النافذة
المحاطة بالضوء
وكان يقشر الإطار
كأنه يقدح قبسا وقبسا لبقية الظلام.
- ومن ألوان النفس ومعانيها المتقلبة ابين ثنائية المضء والمعتم: قصائد:
"الأحمر والأسود، مدرسة الحب، حلم، مخاض، عند المساء، أنا الصيادة، زاوية للفرح، اكتمال، جوارح مرهقة".
من وعلاقة بالأخر المختلف قصائد:
"زائر، عبق العابرين، ذاك الراحل، خطى وسط الطريق، فوانيس، قهوة العمر، رصيف، سماد، طوفان، كورنا". ولم ترد هذه النصوص مرتبة في عناوين كبرى
ترسم صورا ابداعية من داخل الذات من حلمها المتيقظ في فضاء البحر
ففي قصائد "وجهها الآخر الذي لا يعرفني" نرى الشاعرة، في سخرية سوداء، تتعرّض إلي عصرنا المعولم الذي أفقدنا لذة الكتابة الشعرية وكأنها تدعوه إلى التوقف فالشعر سمو وحياة واكتشاف
تقول الشاعرة في قصيد "قهوة العمر":ص53
والقهوة شربناها على عجل
لم نعرف، لم نعرف أبدا لذة الاحتساء
… ونحن ندافع الزحام، ضاع ضوع القهوة وأثر سكرها
فالروح الشعرية تجد ملاذها في الروح العميقة المتأملة لا في الجسد لأنها تحررها
نجدها تمزج بين جمال الصورة الطبيعية وخيالها. وترسمها بوجدها ثمّ تقدمها للمتلقي شهية أنظر نص "شجرة التين" ص 65 التي اتستحضرت صورتها الحسية المتخيلة. فرسمت لوحة تشكيلية بديعة مزجت فيها جمال الطبيعة وصورة الانسان فأنسنتها
نعم لشجرة التين عيون عسلية
وخدود خضراء، أو هي وردية
عند كل مساء ينهل من عطرها...
إن الاختناق الفردي يصنع الاختناق الجماعي، نحتاج إلى الشعر لأنه قيمة «إذا كان النثر يمثل ظل الكتابة فالشعر جوهرها»، تتوج تجربتها المتميزة التي عرفت
إن الفنون عامة والشعر خصوصا هو إثبات للوجود وتحقيق لإنسانية الإنسان.
نعيمة الحمامي التوايتي اديبة وناقدة من تونس
.

الأحد، 23 أكتوبر 2022

الخاتمة المباغتة في القصة قصيرة جداً (مرايا صدئة) للكاتب المصري محمد البنا. بقلم الناقدة سهيلة حماد الزهراء... من تونس.

 الخاتمة المباغتة في القصة قصيرة جداً (مرايا صدئة) للكاتب المصري محمد البنا.
بقلم سهيلة حماد الزهراء... من تونس.
النص: مرايا صدئة 
اختتمت حديثها عبر الهاتف:
- سأنتظرك أنا وزوجي في المقهى المواجه لمكان عملك.
- كيف سأعرفكما؟
- لا تقلق... ستعرفنا لحظة أن ترانا.
أنهى عمله، دخل المقهى، أدهشه التشابه الشديد بين ملامحه وملامح زوجها،
بادرته قائلة:
- أخيرًا عثرنا عليك، بعد بحثٍ دام لسنوات
- لمَ يا سيدتي؟
- زوجي عقيم وأنا اعشقه، وأرغبُ في إنجاب طفلٍ يُشبهه.
لم يُغره عرضها السخي، ضحك حتى بدت نواجذه، مال عليها هامسًا:
- طفلي الوحيد... لا يشبهني.
حدثتني زميلتي يوما بأن امرأة فائقة الجمال في الأربعينيات من القرن الماضي كانت ملتحفة بسفساري حريري، كعادة أهالي مدينة تونس في ذاك الزمان، لكن على غير العادة كانت تمشي بمفردها... تفوح منها رائحة عطر معتقة، تثير البهجة والاجتياح  اعترضت طريق خالها ذات أمسية تتبختر في مشيتها تترشق بقبقابها... حاملة بيدها (صرا) كذاك الذي تذهب به النسوة إلى الحمام التركي للاستحمام، فطلبت منه أن يمنحها طفلا خشية أن يطلقها زوجها -الذي زعمت أنها تحبه ولا تستطيع العيش من دونه- مثيرة بذلك شفقته، علما أن محدثتي تؤكد لي أنها لا تعلم إن كان خالها لبى الطلب أم رفض، أم أنها تكتمت على الموضوع.
هذه الحكاية أثارها نص الأستاذ محمد البنا
(مرايا صدئة) للوهلة الأولى.. غير أن المرايا التي فقدت بريقها وجزءا من وظيفتها إما بصفة جزئية أو كلية  بفعل الصدإ، مع ما أنجر عن ذلك  من تشوه على انعكاس الصورة جعلتني أقف أتأمل في هذه الحقيقة التي تتوافق مع رمزية القفلة الحوارية، المختومة بنقطة واحدة: "طفلي الوحيد ..لا يشبهني." لتحسم هذه الجملة الأمر، موهمة القارئ بحقيقة واقع القصة الممسرحة في مختبر القص التي جسدها البطل العقيم الذي تخيل أن زوجته  أنجبت له  ابنا لا يشبهه قبل به.. خشية أن يكتشف الناس عقمه فتضرب رجولته.. اختلط الواقع بالخيال..  فبدا لنا كأن السارد الأنا انتابه الشك  في كل شيء.. فبدا العقم لديه صدءا معرقلا معيقا حاجبا  لحقيقة قد تشي بخيانة ما.. فاخترع من خياله سيناريو مفتعلا  وهميا  لحوار دار  بينه وبين امرأة لزوج عقيم يشبهه ترغب في إبرام  اتفاق بينها وبينه بموافقة زوجها لتنجب منه ابنا يشبه زوجها لتلجم الألسنة حتى تنفي عن نفسها تهمة الزنى وعن زوجها صفة الديوث لاحقا..
 جاعلا منهما مرآة عاكسة كاشفة لأغوار نفسه المنكوبة التي تحلم بالخلود من خلال سليل يخلفه غير أن نفسه  تملكها الشك في كل شيء وعدم اليقين بكل شيء.. بعد أن طال الغش كل شيء فلا العذرية عذرية ولا السليل سليل ولا الشبيه نسخة حقيقية، بعد أن ضاعت التقاليد وغاب العرف والسنة الحسنة  وبات  الكل تقليدا.. والرشوة سنة حميدة.. والإغراء تجارة..
إن نسق سياق الخاتمة جاء مباغتا مخيبا لآمال القارئ تتعارض مع حتمية الهدف المنشود المرسوم من قبل الزوجين، ضاربة عرض الحائط، محدثة مفارقة  لنهاية تعيدنا  إلى  العنوان لنتأمل في حقيقة الدال والمدلول تتقاطع مع رؤية شيخ النقاد Ahmed Tantawy من جديد  محاولين فك كل رمز من الرموز لنكتشف  أن المرايا الصدئة  هي ظل نفوس مهترئة أضناها الضياع فباتت مغلوبة على أمرها تقبل  بتياس الهوى.. بعد أن ساد الفساد  وتعطلت أنظمة الظلال الناتجة عن الانعكاس المتمرد.. بعد غياب الشفافية كأنه تمرد على الكينونة البشرية وصيرورة الزمان فكل شيء بات فاقداً لمعناه بعد أن فقد كنهه ورائحته..
الأسلوب:
جاء النص من السهل الممتنع موجزا مكثفا اعتمد على الرمز والإضمار والإيحاء، عبر  الحوار الذي دفع بالحكائية عبر استنطاق الشخصيتان  مستخدما السؤال والتعجب  ما أغنى السارد عن الإسهاب والتوضيح..كأنه بذلك أوكل للقارئ نسج نص مواز لننطلق  من الفكرة التي نجح الكاتب محمد البنا  في توظيفها بحسن اختيار قالب القصة القصيرة جدا..
اقتصر السرد على ثلاث جمل فعلية جاءت الأفعال  مزيدة تعتمد الحركة على وزن أفعل (أنهى أدهش) وعلى وزن افتعل (اختتم) وفاعل (بادر) وفعل ثلاثي (دخل) .
"اختتمت حديثها عبر الهاتف"
"أنهى عمله، دخل المقهى، أدهشه التشابه الشديد بين ملامحه وملامح زوجها"
"بادرته قائلة".


 

الجمعة، 6 مايو 2022

قراءة في المجموعة القصصية "الصعود إلى الهاوية" للكاتبة منجية الحاجي.

 قراءة في المجموعة القصصية "الصعود إلى الهاوية" للكاتبة منجية الحاجي.

تعددت المواهب وباتت الأقلام العربية تتفنن في نحت اللوحات الإبداعية، مسايرة للأدب الغربي أو لأسلافنا المبدعين، ولم يعد الكاتب مقتصر على منهج وحيد ليبرز جمال حرفه وبديع قلمه، حيث تعددت الإصدارات الأدبية (شعر – مقال – قصة قصيرة – قصة قصيرة جدا – دراسات أدبية – ومناهج نقدية ...وغيرها من النماذج .... ) فبات الكاتب متميزا في هذا أو ذاك،
لقد تعددت القصص والمجموعات القصصية المختلفة التي تغزو الساحة الثقافية في كل حين، ورغم اختلاف المناهج والمدارس الأدبية إلا أن رونق القصة وجمالها وحسن صغتها وتركيبها ما يزال يلزم الكاتب بما توفر إليه من أدوات لحبكة القصة وتطويع قلمه لتشكيل الصورة الجيدة حتى يعيش القارئ ويشترك في المشهد البديع الذي صوره الكاتب، كما تعتبر القصة من بين الفنون الأدبية البليغة حيث يصور الكاتب الواقع المعيشي ومشاكل الحياة وطرح لبعض المشاكل والشواهد التي يعيشها الكاتب كما لا تخلو من التصورات الذهنية وما تفرزه القصة من غايات وتحقيق أهداف يرسمها الكاتب لتبليغ رسائله،
ولعل المجموعة القصصية التي بين يدينا، "الصعود إلى الهاوية" للكاتبة المتميزة منجية الحاجي، قد حققت هذه الميزة التي لمستها في القصص الواردة في هذا المنجز،
هي شاعرة وقاصة بإمتياز، حيث تنوعت إصداراتها بين الشعر والسرد، ليولد من بين أناملها أجمل اللوحات الشعرية، والصور البديعة،
و"الصعود إلى الهاوية" هي مجموعة قصصية شكلت بطاقة تعريف لقريحة المبدعة حتى تمتع القارئ بسرديات قصيرة، فيها من الخيال الخصب والواقع الملموس، لتشكل ذاتها في مجموعة من القصص القصيرة جسّدت فيها تجربة الحياة وآثارها المعنوية على فكرها النابض.
وباعتبار أن القصة القصيرة هي حدث، أو حادثة تشكل موضوع متكامل من شخصيات ومقومات السردـ لتأم موقفا تاما يترك آثاره لدى القارئ، فإن القاصة منجية الحاجي أبدعت في تجسيد عناصر القصة ومقوماتها، حتى يتميز منجزها بجمالية الإبداع وسلاسة السرد فتراها تشد القارئ كلما توغلت في رحم معاناة الحدث، فالقصة القصيرة تتميز بفكرتها التي تمثل جزء من الحدث الموصوف، وكذلك جزء من الشخصية والزمان والمكان لتكتمل القصة ونبرز مفاتن السرد في جمالية بديعة تسافر بالقارئ في رحلة ممتعة مع أصالة الحرف وجمال اللغة وحسن المشهد المصور بحرفية،
وقد شدتني بعض القصص المتميزة لحبكتها الجيدة والواضحة، فمن خلالها يمكن أن نأكد أن الكاتبة قد أجادت في السرد ورواية الأحداث بدقة ودراية،
كما ورد في هذه المجموعة للقصص القصيرة:
كرسيّ يختنق
في عصمة بغل
المقصلة
وباعتبار أنّ القصة القصيرة هي أفكار مبلورة بحنكة، فقد تميزت جل القصص بالواقعية، وتكاثف الأحداث التي أحكمت بلورتها الكاتبة والشاعرة منجية الحاجي ولعل دورها كشاعرة قد ساعدها في كتابة القصة القصيرة التي أعتبرها شخصيا موازية للشعر من حيث الفكرة والأحداث والهدف،
كما أن هذه المجموعة لا تخلوا من الحوارية السردية والخطاب المباشر الذي وضفته كاتبتنا منجية الحاجي في بعض النصوص كقصة:
(اخلع نعليك ...)
" أدلى بدلوه إلي البئر المهجور كجبّ يوسف.
لم يجد غير مسودّة الماضي تخنقه العبرةّ وغصة بالوريد.
-من أنا؟ من أكون أنا !؟
-هل وكّلني الله على شؤون خلقه؟
-أي مصيبة اقترفها؟
-هل كنت فاقد العقل، - تحركني أياد خفية؟
-تأكل بفمي الأشواك."
وقد طرحت العديد من القضايا الاجتماعية والنفسية في بعض النصوص
حيث لمحت بدايات رائعة مشوقة لهذه المجموعة المتميزة التي انتقتها كاتبتنا بعناية وقد اعتمدت المفردات المعبرة والجميلة في كل النصوص ولم تتغافل على أهمية العناصر الأساسية من مكان وزمان لسرد الأحداث وقد كانت الأحداث سلسة مترابطة تشد القارئ كلما وطئ صفحات هذا المنجز المتميز.
هذه المجموعة تميزت بثراء محتواها الأدبي حيث ستلعب دورا هاما في نسج خيوط الضوء والعبرة لكل القراء بما فيها من مواضيع مختلفة وقد احتوى الغلاف على رسم تشكيلي يربط القارئ بالمحتوى بريشة الفنان ماهر بنعمار يستوطنها الرّمز والإيحاء
وقد حمل هذا المنجز 23 أقصوصة تميزت كلها على بعضها البعض، حيث قامت على سلسلة من الأحداث، مرتبطة بذات الكاتبة وما شهدته خلال الرحلة الحياتيةـ أحداث شدتني بشغف، لما فيها من جمال اللغة وحسن السرد وتبليغ المراد.
بعض العناوين المشوقة (مرآة خرساء، في عصمة بغل، نفسها والكفن، صكّ الغفران ...)
كما شكلت الشخصيات في أقصوصاتها عنصرا أساسيا، بنيت عليه أحداث القصة، وقد تعددت الشخصيات في بعض القصص وفي البعض الآخر كانت شخصية ثابتة منفردة في آداء دورها بامتياز.
"الصعود إلى الهاوية"، هذا المنجز المتقن بلغته السهلة وسرده السلس، يحاكي الواقع الملموس الذي عاشه ثلة من فئات المجتمع العربي،بغض النظر على التموقع الجغرافي الذي يعبره الكاتب بإنتاجه لتصل صرخة القلم لكل الربوع،
وفي خاتمة هذه القراءة، أترككم مع مقتطفات من المجموعة القصصية
جزء من قصة: اخلع نعليك ...
ركبت المطية مع إتباع حنظله حتى ملني الرّكوب، كما ملتني الدروب الخاوية.
كمن يكنس البحر بأسنان المشط.
خلقت من صلصال وطين.
هيا طأطأ رأسك و...
نظف ما علق بك من دم، وعانق نبوءة الحصاة، قد ينفخ في وريدك الميزان من حكمة الله، ويتجلى لك عطر الميزان، وفطرية الإيمان.
ارسم الكون فوق نصبه بتسابيح الجهر باسم آية الصخر.
لكن كيف ؟ وثوب القذارة يتبعني؟
هيا أمضى قدما
اخلع نعليك وتطهّرْ
وصلي لربك وانحرْ!
اغتسل بماء العين ، فملح العين طهارة
فجرا قصد المصلى متعثر الخطو... انهمرت دموعه .. سكنت جوارحه..
سجد وأطال السجود..!
جزء من قصة: في عصمة بغل
الأشجار السامقة تناجي سكان السماء، المنزل أقيم في هذا المدّ الرحب الأخضر قبالة المنحدرات المترامية .
كلاب الحراسة تمشّط المكان...تراقب الشاردة والواردة،متأهبة لأي حركة أو حدث مباغت، كل الأماكن مطوقة ومحروسة بحرفية عالية ..
البغل هناك، يجوب الأزقة والحواري، يتبختر مصعّرا وجهه شطر السماء. وهو يلبس ربطة عنق في الساق اليسرى ويبتسم، يعض على شفتيه بأسنانه البيضاء وهو يردّد، "وأخيرا سأكون الحاكم للغابة، فكم تمنيت أن البس جوربا اسود دون أن يلومني احد، أو يفرض عليّ لونه أو مقاسه .... أو...
كنت أعيش على التبن اليابس، وأبيت في الخرائب وفي المغاور وتحت سفوح الجبال اقتات على بقايا الفتات.
افترش ظليّ وأنام على تخوم المزابل، تطاردني فزّاعة الأسد، لا أعرف من النوم إلا قليله و من الطعام ألا أقذره، وحتى الصلاة أصليها خلسة كي لا يقال اني من سلالة القدسين أو الأنبياء، فيدخلونني قسرا في سجون مظلمة ،وان سولت لي نفسي رفع راسي أمامهم، يجلدونني بلا شفقة ولا رحمة لتنهال علي العصي كمتاريس رصاص تغتال فيّ كل حياة، وأُعذّب عذابا نكرا ..
الآن ...الآن فقط تغير الوضع . مات الأسد وقلت فصيلته واندثر أعوانه وحراسه ومن لف لفيفه كل.
جزء من قصة: كرسيّ يختنق
"قليل ذلك كان يمضغ الثلج.. وعقله يمارس العجز، يفتش عن صوته داخل كل الدروب الممزوجة برذاذ الوهن
فلا يجد غير ريح تصفر في الأركان.
- عجبا أنا أمارس كل الطقوس وأسجد لكل الأديان، فتنسدل ستائر العتمة وينكسر زجاج الوجوه. تحولها إلى قناطر من وهن، تجرها قاطرة الزمان.
يا أبي ما لهذه العجلة ترفض الدوران.
قال إنها تدور.. هي كغيرها ستدور... وتدور... وتدور،
لكن هذه العجلة لا تدور يا أبي، وكرسيّها ثابت، أنا لا أحب الكراسي الثابتة
أخاف أن يجتاحها الصدأ وتكون مخبأ للجراثيم.
يا بنيّ كل الكراسي متشابهة، كالثعابين تلتف حول بعضها لتنفث سمومها
وتكون فزاعة في الأرض.
يا بنيّ ثق أن كرسي عجلتك سيدور لا تخف لا أحد فوق الإختناق ولا أحد فوق ظلمة المأوى، كلنا على الدّرب سائرون رغم تماسك الكراسي وتشبّث الرّاكبين والجالسين. "
جزء من قصة: المقصلة
" تعود بالصراخ للوراء لأكثر من ألف وجع، تنهض من ظلمة القبر يرتسم بمخيلتها شريط سينمائي مرعب.
تستمع لأصوات أناس تخشبت قلوبهم.
أماه!!!
يخرج ندائها مدويا يكسر جدران صمتها.
تتمرد على طفولتها الهشة، تغويها لمسات أمها، بأنامل ترتعش.
وهي تصرخ... يا رجل لا تفعل بابنتك ذلك.
إنها صغيرة، لا تحطّمها أرجوك
تخرج الكلمات متقطعة لتجد نفسها ملقاة على الأرض،
إذا هو مصر على ما عزم عليه، لعله محقا، ثم تنهض وتستلم.
كان عليه أن يكون الرجل الأول الذي يخرج عن قوانين ورثها عن أجداده.
يحملها بين ذراعيه
أنت خائفة يا ابنتي؟
لا أبي
أنا أحبك وأحب أن أذهب معك.
أحسّت أول مرة بفرح لا تعادلها كنوز الدنيا، حين حملها بين ذراعيه وهي تلعب بشعر لحيته."
من المجموعة القصصية للكاتبة منجية الحاجي (الصعود إلى الهاوية)
هذه القراءة تقديم بسيط للمنجز، وليس نقدا ولا أي صفة أخرى،
تمنياتي للكاتبة بمزيد التألق والمزيد من العطاء
الشاعر طاهر مشي