الأحد، 28 فبراير 2021

لقاء السحاب ........ قراءة سيميائية في نص الفنار للأستاذة الأديبة أمل البنا بقلم الناقدة كنانة عيسى

 لقاء السحاب

........
قراءة سيميائية في نص الفنار للأستاذة الأديبة أمل البنا
الفنار
تزحف كتل السحب الداكنة في موكب جنائزي ،بينما الريح العاصف يقذف الموج ليضرب الشاطيء والصخور المتاخمة للفنار،مر بيده المرتعشة علي جبينه عابرا"الرواق المؤدي إلي الحجرة التي يجلس بها رفيقه،وجده ما زال منهمكا"في اصلاح الراديو الذي بدأت اصوات صفيره في التصاعد عبر الأثير،متبرما"يلقي بأجزائه المفككة فوق المنضدة قائلا"في سخط :لا فائدة..لا فائدة..اللعنة ،سبعة أيام في هذا الدوام اللعين،لاأسمع فيها لإنسان ،غير صليل الريح،وطبول الموج التي تبتلع الشاطيء وأنا عالق هنا ..وأنت أيها الأبكم،لم َجاءوا بك إليّ؟ ،لمَ؟،أتشاركني الأفق البغيض لنهدي السفن ؟،أم أشاركك اللعنة التي اصابتك صغيرا"
يزوم في سورةٍ قاذفا"بالأجزاء المتبقية أمامه إلي الأرض ،يعدو بعدها مسرعا" نحو النافذة الزجاجية يفتحها ،يتضخم في أذنيه صليل الريح ،يطبق بكلتا يديه علي أذنيه صارخا" :أريد صوتا" ينطق إلي جواري ،صوتا" ينطق إلي جواري
كشبح مغاري خمدت طاقته بالكهوف الغارقة يرتمي إلي الأرض، بينما يداه تتعلقان إلي النافذةأعلي رأسه... يقف الآخر مبهوتا"مراقبا"له،يتجه في هدوء إلي النافذة يحررها من يديه ،ليغلقها،يتراجع مثقلا"إلي المنضدة يجمع فوقها الأجزاءالمبعثرة ،ينظرإليه بطرف عينيه قائلا":أيها الأبله ألم تفهم بعد ،أنه لم يعد يجدي معه شيء،يبدو أن لا عقل لك أيضا"
يعاود جمع الأجزاء الملقاة ، بعدها يذهب إلي النافذة الخلفية ،يلصق وجهه بها ،يتتبع أضواء الميدان البعيد والمنازل المتاخمة له ،تسرب إلي قلبه الذائب اصداء مرارات بعيدة...تمتد أصابعه النحيلة للوصول إلي نافذة الحافلة المكتظة التي يستقلها مع أبيه،منعته الجموع التي لم تكترث به أو برغبته لأن يرقب الطريق ..يتراجع مهرولا"كلما اجتمع مع الصبية في الساحة للعب،يطبقون عليه بلاذع القول كلما تقدم بأهدافه عليهم ،حتي لا يجد غير الانسحاب سبيلا"..يتذكر اليوم الذي فاضت به دموعه الجارفة وهو يري الفتاة التي أحبها تعبر الطريق في يد أحد أصدقائه.ذهب بعدها إلي الشاطيء يلقي أحجارا"في وجه الريح العاصف ،غامت عيناه في رذاذ الموج.كلما أطبق علي حجر ،استمع إلي صوت الصبية الملاحقين له وهم يسخرون من عاهته.وقف متجمدا"عندما اكتشف ذاك الشخص الذي يختفي رويدا" وسط الموج ،تلفت حوله متراجعا" ،أخذ يعدو ولم يعثر علي أحد،عاود النظر إليه فلم يجد غير الموج ،الموج فقط
أفاق علي صرخة هستيريةلرفيقه جعلته يركض إليه ليتسمر إلي جوار المنضدة المتناثر عليهاالقطع المفككةو بعض خيوط لأشغال الإبرة،وجده يقف أعلي النافذةالتي فتحها،يأتي بحركات مارد تنفض الريح ثيابه الخرقة قائلا":أتعلم أننا لا شيء،لاشيء أيها الأبله
أخذ يضحك في هستيريةمتنامية اصطكت معها أسنانه المرتجفة مع صليل الريح
قال:خائف أنت مثلي ،أري ذلك في عينيك..مسخ اّخر يجبن بالحياة
هم للانطلاق إليه،استوقفه قائلا":إياك أن تتقدم خطوة و إلا قذفت بنفسي ،أخذ يضحك صائحا":أتراك تشفق عليّ؟ ،أم تشفق علي نفسك إذا وجدوني ملقا" علي الصخور هنا.. أيها الأبله أنت حتي لن تستطيع الدفاع عن نفسك
ترنح إلي خارج النافذة وهو ممسكا"بها،واختفي للحظة عاود بعدها البزوغ في جلبة شيطانية
قال:أتحب أن أعاود اللعبة ؟.حسنُ،ستري أي مصير سوف أصحبك إليه أيها الرفيق
ترنح إلي الخارج مرات،في كل مرة كان يضحك ضحكته الصاخبة التي تنقلها الريح كلما مضي مع أزيز النافذة...لحظات انقضت ،ارتدت بعدها النافذة إلي مكانها بقوة الريح،انطلق إليها عبثا" يحاول الوصول إلي صوت له ،لا صوت غير الريح...هم إلي الهاتف يمسك به ، بينما اشارات سفينة بالأفق تقتحم الظلام
القراءة
في نص مدهش كنص (الفنار) تبرز الكاتبة عناصر السرد القصصي بقوة رهيبة، متمازجة في لوحة مذهلة في مشاهد ثلاثة، فيخرج المتن واضح المعالم. محدد الرؤية القوطيةِ، بهيئة سلسَة سوداوية ولغة حسية أتقنت خلق البيئةالزمكانية فأعطتها روحًا جامحة ستحتل عقول القراء وخيالهم وتجبرهم على التواطئ مع حيثياته ، فتنسج معالم اختلال نفسي حاد سيذهلنا في تجلياته الإنسانية ،حيث الإنسان بانكساراته هو مركز الحدث وهوالذي يتكئ عليه القارئ لفهم النص وإدراك أبعاده،فيتوغل في الحوار، ويصبح جزءًا من الخطاب السردي،. فيصغي لاستخدام الأفعال المتمكن الذي يحدد سلوك الشخصيات الانفعالي واللامتوازن
والذي سيصدر عنها من أفعال تراكمية تفاعلت مع المجتمع وتأثرت به. لتشكل جوهر الخلل النفسي وسماته
يظهر لنا المشهد الاستهلالي شخصيتين متناقضتين في مكان سوداوي معزول يظهر كبيت منارة يهدي السفن التي ضلت طريقها في ظلمة البحر إلى شاطئ الأمان ، يشغله أصم أبكم يقوم بتصليح جهاز راديو متهالك، مراقبًا انفعالات نفسية متواترة لرفيقه المختل الذي نرى لغة الخطاب السردي من خلال منطلقه ومنظوره، فهو في حالة تزعزع وقلق، يقتله صمت المكان الهادر بأعاصير موجه وكآبته، يتمنى أنيسًا لوحدته القاتلة
فنراه يفتح النافذة بنقمة وتمرد مستفزا رفيق وحدته الصامت، محاولًا استفزاز هدوئه واستكانته. لكن الكاتبة تنقل دفة الحدث الانسيابية إلى مهارة العودة بالزمن (flashback),
حين تظهر لنا أجزاء متعاقبة من حياة البطل الأصم المليئة بخيبات عاهته وظلم المجتمع له وفقدان حبه الوحيد، وكأنها توغل في ذهن القارئ مبررًا منطقيًا لعزلة الشخصية وصمتها وهدوئها القاتل.
في المشهد الثاني يتراءى لنا شخص ثالث يخرج من ماضي البطل ذي الإعاقة، يتشكل في عمق المعاناة الذهنية ويبتلعه موج البحر العاصف، وكأن إرهاصات المرض النفسي لا تنتهي بالهلوسات بل تبدأ بها،فهذا الغامض هو رمز مقموع لذاته الحرة من كل قيد، والخالية من كل عيب
في المشهد الثالث، يستيقظ الأصم على هستيرية صديقه الذي غلب عليه جنونه، فهو متعلق بحافة النافذة، غير واثق مما يريد فعله، هل يقتل نفسه فيورط رفيقه متهما إياه بقتله كما ورد في النص :
"قال:أتحب أن أعاود اللعبة ؟.حسنُ،ستري أي مصير سوف أصحبك إليه أيها الرفيق"
لكن النهاية المفتوحة التي خلقتها الكاتبة بإتقان تعمدت أن تترك باب النافذة المتأرجح بسبب الريح موحيًا بسقوط بطلنا المتنمر على الحياة الآثمة، بينما سيبقى الأصم الأبكم في كامل هدوئه حتى في لحظة نهايات الموت النفسي القاتمة كما ورد في النص
لا صوت غير الريح...هم إلي الهاتف يمسك به ، بينما اشارات سفينة بالأفق تقتحم الظلام
نص قوطي نفسي بامتياز يتقاطع إلى حد كبير مع آخر قصة كتبها كافكا في آخر أيامه بعن ان الجحر (the Burrow) العزلة النفسية التي تظهر كأمان بينما هي انتحار بطيء ممنهج
وفي قصة أخرى كتبها
إدغادر آلن بو ولم يكملها بسبب وفاته، وتحمل ذات العنوان تماما المنارة (the lighthouse)
وبطل ادغار الن بو يعاني بشدة من مرض
التي يعاني البطل فيها من مرض (paranoia)، الارتياب شك مرضي، بسماع أصوات غريبة من الجدران و تلاحقه الهلوسات في كل لحظة
والتي تتقاطع مع نص الأستاذة أمل في تحديد ملامح، المرض النفسي للبطل حيث نرى انفصاما ثلاثيا بارعًا
) لمريض نفسي واحد فاقدا لسمعه ونطقه يتصارع مع ذواته المنسلخة عنه ويتحدث معها ويتخاطب وإياهاو يخلق لها عوالما متفردة من الجنون الآني حين ينتحر أحدها ويغوص الآخر في عمق المحيط بلا أثر ويبقى البطل الملعون بعاهته ونقائصه قادرا على الانعزال والانغلاق في كآبته و وحدته، كما ورد في النص
قال:خائف أنت مثلي ،أري ذلك في عينيك..مسخ اّخر
إذا أزمة بطل الفنار المنفصم هي أزمة وجودمنقسم بسبب اضطرابات تراكمية فصلت بين وعيه ولا وعيه وخلقت لهوية المكان لديه اغترابًا إنسانيًا على شكل هلوسات ومخاوف وتعددية في الشخوص المريضة تعيش جحيمًا متكرر الزوايا يدور في حلقة مفرغة، وكأن الإنسان محكوم بخيباته وانكساراته كما هو محكوم
بحياته الظالمة والقاسية.
نص مدهش يتسع لقراءات عديدة، قد تبدو متناقضة ومتباينة، لكنها تتجاوز المنطق المألوف في التحدث عن مفهوم التحديق ونظرية الآخر،ماذا عن ذواتنا الأخرى
بظلالها الشريرة والحامحة والكسيرة التي لا تظهرها المرآة وكما يقول رولان بارت:
- "إن النص الأدبي الحقيقي هو نهاية لا تزال تبدأ، و بدء لا ينتهي
.
دام الإبداع
كنانة عيسى..٢٧ فبراير ٢٠٢١

الخميس، 18 فبراير 2021

" ليلة عيد حب " بقلم نونا محمد

 " ليلة عيد حب "

فلتدعني
ألبس ظلالك
لغةً
ولهفةً
شغفاً يأسرني
مابين أضلاعك
همسةً
أكن بك مجنونة
فمن عناقك
سيدي
كيف أشفى
ولمَ أشفى.. !!
أنثى أنا
بلا منافي وطن
ولا أفق سماء
ولا حدود لثورتي
مابين يديك
بهسيس
شهقة
أنثاك انا
أهطل على جبينك
حباً
مطراً
عطراً
حبات قطّر
تنبتُ على خديك
وردة
برحيق شذى
الأقدار
أتساقطُ على
جفنيك
غيمة
معزوفة حب
ثلج
ونار
موجة
هاربة من أعماق
البحار
تتراقصُ على
شفتيك بهمجيةٍ
كالإعصار
فأنا أنفاس الحياة
أعبر كل الفصول
وأسافر مابين
شرايينك
منذ بدء الخليقة
وما بعد التاريخ
كنسمةٍ
في البراري
والسهول
وصمت التلال
كليلةِ عيد حب
أطوف بوجدانك
كتنهيدةٍ
تتراعش على ثغر
شهرزاد
كألف ليلة وليلة
قصيدة
تغفو على جفن
المساء
قبلة
قبل ولادة الكلمات
كتميمةِ الساحرات
كأيقونةِ الحكايات
كإرتعاشةِ النجمات
على عنق هواك
نداءاً
ودعاء .
بقلمي نونا محمد

الوصال بين الكمال والمحال سقوط حر قراءة تنويرية لنص " فنجان قهوة بارد فوق سطح طاولة ساخنة" ل / محمد البنا بقلم الأستاذة الناقدة/ جيني فؤاد

 الوصال بين الكمال والمحال

سقوط حر
قراءة تنويرية لنص
" فنجان قهوة بارد فوق سطح طاولة ساخنة"
ل / محمد البنا
بقلم الأستاذة الناقدة/ جيني فؤاد
............
وكأن الإضطرار بالفعل هو سيد الموقف !!..
وكأنه فى حاجة لأن يتذكر .. أو أن الذكرى الموثقة أثنت قلبها هى عن الخضوع حتى تثنى قلبه هو عن الخفق والإلحاح ..
وكأن عرش القلوب أقوال وتتويج وإرادة بعينها ..
بل وكأن إرادة القلوب الصادقة تتناءى فى القصد والرغبات ..
وماذا تكون المرأة فى قلب الرجل الذى يحب بصدق إلا كاملة مكتملة !!..
بالمكان والمكانة والشكل والموضوع مكتملة ..
بالظاهر والباطن مكتملة ..
بالإحساس والوجدان والكيان مكتملة ..
نعلم أن أمر القلوب يختلف .. منطق الإحساس وإملاءات الشغف تختلف ..
لكن أى صدق أجمل من ان توافق الإرادة الوجود !..
أن تواتيه تلبيه فى ظل الكينونة والترنيمة الاجمل ..
لكن ....
الفكرة فى النص ليست بهذه البساطة .. ولم تتأتى لها الأسباب والظروف لكى تتهادى وتكتمل وتتحقق معزوفة الحلم ..
فهناك معيار ومعيار ..
هناك الإستفهام الأكبر حول المرأة "المتزوجة" التى لا يصح لها وفق أى تبرير أن تنجرف وراء جموح القلب ..
وهناك الرجل الذى أعلن بكل احتدام الشعور رغبته وقراره وتحرره ..
أمور كثيرة تدور فى المساحة الممتدة بين الشرط والإصرار .. بين الإرادة والقدرة .. بين تفاصيل المرة فى "كل مرة" ومساحة القبول والصد ....
فجوة عميقة ماثلة قاهرة بين إرادة الحب وإرادة الشرط ..
لسنا بصدد الأسباب والتفسير والرفض والإدانة رغم أنها المحور الأهم والمساحة المعصومة التى لا يجب المساس بها ..
لكن مقياس الفكرة يبحر بنا بعيدا فى الأعماق.. يسير بمحاذاة المانع والوقوع .. يحاور الإنحدار .. يستنطق حدود الميل وانجرافه الأعمق .. يندفع إلى التيار الجامح ويطرح الحب بين هديره الأعلى ..
الحب وفكرة الذاتية والأنانية المغرقة المتورطة .. فى ظل محظور وثيق لا يجب المساس بقدسيته ..
وأنانية مكابرة تعيش الإزدواجية المستبيحة وفق منطقها الخاص .. وفق شروطها وحدودها فى القناعة والمحظور الشخصى ..
رغم كل الأطر التى تدين نفسها لازالت ترى الحب وفق التصور المتجنى الذى لا يبصر إلا مساحته وأهوائه ..
نحن أمام نفس تهفو ولا تغفل السقوط .. لكنها تريده سقوطا بريئا وفق معايير واهمه منحازة للقلب ومبرراته !..
تتخذ الخطوة وتسعى وتصر على شكل الخديعة الذى ترتضيه ..
وكأن خيانة الفكر والروح هى المثالية والتضرع فى عالم الإحساس .. وكأنها أقصى ملاذات اللجوء التى يمكن للقلب الخضوع والتنسك فيها !!..
ثم هناك جانب آخر للفكرة وهو مشتق من طبيعة وفطرة الرجل والمرأة وهو الأعمق فى مقاربة خصوصية هذا الإحساس ..
وقد تجلى ذلك من خلال براعة الوصف عبر مسار النظرة المرتحلة .. تلك النظرة التى تاقت واستطالت وعاشت البداية والمرور والإستقرار بين الظلال ..
أى شروح ووصوف أجمل وأبلغ من هذه الرحلة العشقية فى البوح والكتمان .. وبأجمل ما تكون الإطراقة الوصفية فى الإستغراق والإعتمال ..
إنها المناجاة التى لا تعلم عنها إلا أزمنة الحرمان .. الظمأ الذى يشهدها ويشهد الحب على الإرادة التى تريد أن تكون ..
إنها لحظة السرد الأروع أستاذى والحروف تكاد تلمس المرادات والبوح يجاهد ويشهد الشكوى على اعتمالات النفس الأسيرة الحسيرة ..
لن نناقش الصدق والزيف فى كلماتها لأنها أول ما ظلمت وخانت نفسها ..
حتى مع مجاراة الواقع .. ضعفت وجمح القلب فى غير دائرة الوطن الشرعى ..
ماذا تطمح فى دنيا قلبها الجامح وهى لازالت تزعم أنها تلتزم الحدود !..
تريد العرش والقلب والشروط أم هى وجاهة ومكانة اجتماعية لا تستطيع التنازل عنها !..
تشتهى السعادة وفق حجج وذرائع العقل المعصوم ..
ثم تبرئ الروح والوجدان من وصمة الخيانة بمعناها الشهير !!..
ليس مثل الأهواء مطية حين نريد أن تجتاز وعورة الطريق ..
واهمة إذ تتصور أن الحب فى معناه الصادق الحقيقى يقبل بكل هذه المهادنات ..
الحب أنانى فى منطقه الصادق إذا صح التعبير وقلما يقبل بمنطق السلامة وأهون الخسائر والشطر الذى يمكن التنازل عنه ..
الحب أكثر هيمنة وسطوة واجتياحا من كل ذاك التصور .. هو كل الإفراط بالمعنى الأجمل والأصدق للكلمة ..
المواءمات والتوازنات هى إملاءات العقل الذى أعلنت طائعة أنها تمنحه ..
هذا العقل المتورط الذى يعلى أنانيته فوق شريعته ومبدئه ..
قد تحيا الشغف ظواهر وطقوس ومراواحات ..
لكن أمام لحظة الصدق ينكص وينهزم الإدعاء دائما .. ببساطة لأنه لن يقبل ولن يتحمل تبعات الإحساس !!..
فى ساحة الفكر الجميل الذى تخامرنا وتظللنا نسائمه ..
هو لم يطالب إلا بشريعة الحب الذى لن يرتضى ولا يعرف سواها ..
لحظة إبائه هى الأغلى ..
لحظة الفيض الحبيس هى الأسمى ..
لحظة ارتباكه واعتماله وغمغمته الحائرة هى الأصدق ..
الحب أعقد الأشياء سيدى ..
وأبدا لا يخضع ولا يصح أن يخضع للأحكام والتقييم ..
حالة انهمار القلب وفى أشد لحظات الضعف هى كل العنفوان ..
الإحتياج يسقم القلب بقدر ما يظمأ ويلح نعم ..
والحب يبقى الحب لا يقبل إلا الإجتياج والإمتلاك ..
الحب كينونة الذات التى لا انشطار فيها ..
إحساس هو أعمق وأعقد من كل التنظير والتفسير ..
لكن يبقى الأصدق والأغلى والأوفى أن نكون للصدق والنقاء كما يجب أن نكون ..
قد تكون القهوة الباردة هى أبلغ شاهد فى الإجابة على سؤال يتردد فى مقهى الواقع ..
وقد تكون القهوة الباردة المتناثرة فى أرجاء الحديقة الكونية الشاسعة هى الخاتمة البديعة لانهمار لن يتوقف يوما عن الجريان والهدر !!..
تحياتى أستاذ محمد البنا ..
النص جميل ويطرح الكثير أستاذى .. وكلما أوشكت على إصدار الأحكام وهى جلية واضحة يحجم القلم فى ساحة هذا الإحساس العصى على التطويع والتقرير ..
أصدق التحية والتقدير..
جيني فؤاد..١٥ فبراير ٢٠٢١
....................................
النص
.......
فنجان قهوة بارد فوق سطح طاولة ساخنة
.... قصة قصيرة...
..............................
_ أرجوك..كن لي كما أريدك أن تكون
قالتها بعد صمتٍ طويل، فتداعت الكلمات من بين شفتيها طلقات رصاص، أطلقتها لتصيب هدفها لا لتقتله، ثم رفعت عينيها في خجلٍ وتؤدة كمن يصعد جبلًا ويحاذر انزلاق قدميه.
- حسنًا يا سيدتي..وماذا عنك ؟
دنت بجسدها منه في غنجٍ، حتى كادت تسكره حرارة أنفاسها، ثم أسكنت نظراتها في قلب حدقتيه وهمهمت
- أنا..أنا أريدك بجانبي ما بقيت في صدري أنفاس..لك عقلي..توجتك ملكًا على عرش قلبي..ملكتك وجداني..أنت ..أنت وحدك
تلألأت في محجريهما دمعتان، أبى أن يتسللا وينسابا على وجنتيه، فرك كفيه ليستمد منهما بعض قوة، وغمغم بأحرفٍ متناثرة وعتها أذنيها، ومسّت شغاف قلبها، فضمّت كفه اليسرى بين كفيها بحنو، وهمست
- أنت..أنت حبيبي
سحب كفه برفق متحررًا من قبضتها عليها، واستطالت نظرته بدءًا من راحتي كفيها مرورًا بذراعيها لتستقر بين ظلال رموشها الليلية
- إذًا..كوني لي كما أريدك أن تكوني
اعتدلت جلستها حتى استقام ظهرها على خلفية المقعد وقالت بنبرة جدية لا تخلو من حدة
- ولكني زوجة لأحدهم..
سكتت هنيهة ثم أردفت معاتبة
- لم تضطرني في كل مرة أن أذكرك بذلك؟!
أغمض عينيه الحزينتين برهةً، ثم باعد بين جفنيه حين سأله النادل
- لقد بردت قهوتك يا سيدي!.. هل آتيك بفنجانٍ آخر ؟
مد يده في جيبه، وأخرج حفنة نقود وناولها له، وبينما يهم بالنهوض ليغادر، لمح بطرف عينه امرأةً أربعينية تجلس إلى طاولة في زاويةٍ قصية من حديقة المقهى، وعيناها معلقتان بالمدخل الرئيس، وعلى الطاولة فنجان قهوة لا أثر لتصاعد دخانه.
محمد البنا..١٣ فبراير ٢٠٢١


لغة الجسد والزمن اللزج في السرد قراءة نفسية في نص * فنجان قهوة بارد فوق سطح طاولة ساخنة* للقاص / محمد البنا بقلم الناقدة السورية المتفردة / كنانة عيسى

 لغة الجسد والزمن اللزج في السرد

قراءة نفسية في نص * فنجان قهوة بارد فوق سطح طاولة ساخنة*
للقاص / محمد البنا
بقلم الناقدة السورية المتفردة / كنانة عيسى
..........................
في نصوص وجودية نفسية تتحدث عن الحب نجد أنفسنا وقد توقفنا عن كوننا أنفسنا، فنحن كمن يتململ مخلوعًا عن نفسه، لنسائم تتسرب من شقوق صغيرة لجدار يخفي خلفه مكانًا وزمانا هائلي التلاصق والامتداد والغرابة والاتساع
على عكس النصوص العشقية المعتادة نرى للمكان شخصية موحية طوطمية، لزجة ومرنة تنقل القارئ بريبة لمشهدين يحصلان في زمنين مختلفين ربما، أو في عالمين متوازيين، أو ربما في خيال جامح لشخصية السارد العاشق الذي لا يفاوض ولا يقايض بل يعبر العوالم بفنجان قهوة. ونادل سيسأله على الدوام إن كان سيبدأ طقسه من جديد؟
يبدأ الكاتب النص برجاء واضح الملامح ليبدأ مشهدا طقسيًا،عاشقان على طاولة، قهوة ساخنة تتوسط اللقاء ثم تلك المواجهة التي ستستمر بالتكرار، هي واثقة جدا من حبه لها وتعلقه بها وتمكنها من قلبه، فلغة الجسد الموحية التي أظهرها الكاتب لنا تبرز تحكم السيدة بمشاعر الرجل الماثل أمامها بكلماتها المدروسة وأسلوب إغوائها وقوة شخصيتها وعلنية موقفها النرجسي المزدوج كما ورد في النص :
طلقات رصاص، أطلقتها لتصيب هدفها لا لتقتله (مدركة تماما لم تقول وتفعل)
دنت منه (إرادة ضمنية بالإغواء)
أسكنت نظراتها (التحديق المبطن)
بينما نرى طريقة كلام السارد المتوازنة ونبرته التي توحي بعجزه أمام معادلة صعبة في الاستغراق بالحب ثم رفض دكتاتورية الحبيبة في مسافات أمان حيادية تصر على خلقها، فهو رغم حبه الكبير غير راضخ لمشيئتها ذو وجود آني متقلب وعقل متيقظ هائم، فتحتال بلغة الجسد على التأثير على غريمها مرة أخرى بلا جدوى،
ضمت كفه اليسرى بين كفيها
أنت..أنت حبيبي
فالحب بالنسبة له امتلاك واستحواذ كاملين، لا يمكن أن يقتسم ولا أن تكون جذوته آنية أو عبثية أو مقسمة لفصول ومشاهد
الحب طقسي كلي شمولي دكتاتوري. مدمر فالسارد يسحب يده من كف الحبيبة، يكفكف دمعًا داخليا متصابرًا مصغيا لذريعتها المتكررة بأنها لن تكون له أبدًا لأنها زوجه رجل آخر.... ويقفل السارد المشهد على نفسه
ونري الفجوة الزمنية التي تفصل اللقاء عن القهوة الباردة والنادل الذي يثير الهواجس بسؤاله كيقظة داخلية يستيقظ فيها القارئ من استغراقه فكأن مغادرة السارد لطاولة لقائه الفارغه التي ربما حدثت وربما تسللت من ذاكرته وربما تحدث في زمن مواز، قد تزامنت مع مشهد.
المرأة الوحيدة التي تنتظر.. بفارغ الصبر قدومه
فكأن القصة العشقية محكومة بالانفصال والفراغ والاستحالة. والدلالة على سطوة الزمان واحتياله هو قهوة السارد الباردة وقهوة السيدة الساخنة والعوالم المنفصلة ،أو المتوازية ،أو المتصلة بثقب الزمن التي سيليغيها الحب من وجهة نظر الكاتب مهما كان مستحيلا
إذهال يا أستاذ محمد
كنانة عيسى ..١٣ فبراير ٢٠٢١
..........................
النص
.......
فنجان قهوة بارد فوق سطح طاولة ساخنة
.... قصة قصيرة...
..............................
_ أرجوك..كن لي كما أريدك أن تكون
قالتها بعد صمتٍ طويل، فتداعت الكلمات من بين شفتيها طلقات رصاص، أطلقتها لتصيب هدفها لا لتقتله، ثم رفعت عينيها في خجلٍ وتؤدة كمن يصعد جبلًا ويحاذر انزلاق قدميه.
- حسنًا يا سيدتي..وماذا عنك ؟
دنت بجسدها منه في غنجٍ، حتى كادت تسكره حرارة أنفاسها، ثم أسكنت نظراتها في قلب حدقتيه وهمهمت
- أنا..أنا أريدك بجانبي ما بقيت في صدري أنفاس..لك عقلي..توجتك ملكًا على عرش قلبي..ملكتك وجداني..أنت ..أنت وحدك
تلألأت في محجريهما دمعتان، أبى أن يتسللا وينسابا على وجنتيه، فرك كفيه ليستمد منهما بعض قوة، وغمغم بأحرفٍ متناثرة وعتها أذنيها، ومسّت شغاف قلبها، فضمت كفه اليسرى بين كفيها بحنو، وهمست
- أنت..أنت حبيبي
سحب كفه برفق متحررًا من قبضتها عليها، واستطالت نظرته بدءًا من راحتي كفيها مرورًا بذراعيها لتستقر بين ظلال رموشها الليلية
- إذًا..كوني لي كما أريدك أن تكوني
اعتدلت جلستها حتى استقام ظهرها على خلفية المقعد وقالت بنبرة جدية لا تخلو من حدة
- ولكني زوجة لأحدهم..
سكتت هنيهة ثم أردفت معاتبة
- لم تضطرني في كل مرة أن أذكرك بذلك؟!
أغمض عينيه الحزينتين برهةً، ثم باعد بين جفنيه حين سأله النادل
- لقد بردت قهوتك يا سيدي!.. هل آتيك بفنجانٍ آخر ؟
مد يده في جيبه، وأخرج حفنة نقود وناولها له، وبينما يهم بالنهوض ليغادر، لمح بطرف عينه امرأةً أربعينية تجلس إلى طاولة في زاويةٍ قصية من حديقة المقهى، وعيناها معلقتان بالمدخل الرئيس، وعلى الطاولة فنجان قهوة لا أثر لتصاعد دخانه.
محمد البنا..١٣ فبراير ٢٠٢١