الثلاثاء، 9 فبراير 2021

قراءة في قصيدة ... رقصة الدّيك ... للشّاعرة بسمة الهوّاري بقلم الأديبة جميلة بلطي عطوي

 قراءة في قصيدة ... رقصة الدّيك ... للشّاعرة بسمة الهوّاري بطلب منها

العتبات:
التّجنيس:
قصيدة نثريّة حداثيّة بما يحمل المصطلح من تداعيات باعتبار التّجنيس مسلكا من المسالك التي ترتكز عليها عمليّة تناول نصّ ما فهو يساعد المتلقّي على الاستعداد للمجالات التي سيُبنى عليها النّصّ ، بمعنى ما تلعبه الذّاكرة في استحضار نصوص مشابهة خلفيّة ثقافيّة تُعتمد في تناول مثل هذه النّصوص.
العنوان
يقول جرار جينيت " العنوان هو العلامة الجوهريّة والعنصر الأهمّ من عناصر النّصّ الموازي حتّى كاد يستقلّ بعلم خاصّ به مهمّ هو علم العنونة" لذلك سنركّز على العتبة الثانية وهي العنوان :
رقصة الدّيك ... تركيب شبه إسنادي بالإضافة بما في دلالة هذا التركيب من خصائص ومنها أساسا وظيفة المضاف إليه المعرّفة بالمضاف والمخصّصة له.
إضافة إلى احتواء هذا التّركيب على معجمين
معجم الجسد : كلمة " رقصة" في مجال الفنّ منهج تعبيري يعتمد الحركة والجسد للتّعبير عن إحساس أو موقف.
معجم الحيوان : "ديك " بما لهذا الاسم من دلالات حسب المعاجم اللّغويّة ومنها نكتفي بما يلي :
الدّيك : ذكر الدّجاج
الدّيك : الرّبيع لتلوّن نباته
نلحظ إذن أنّ العنوان طريف ، مشوّق، يشدّ المتلقّي من خلال المزاوجة بين المعاجم ومن هنا تظهر أهميّة اختيار العنوان باعتباره المدخل الجامع لما يتحدّث عنه النّصّ.
و"رقصة الدّيك " كم قلنا عنوان يثير الفضول ، يستقطب الاهتمام ويحفّز على القراءة.
للوهلة الأولى يتبادر إلى الذّهن نزو ع القصيدة إلى منحيين
- 1 - الفرح .... المطلّ من خلال لفظة رقصة ، كلمة في السّائد والمألوف تحيل على النشاط
- أو الفرح
- 2 - الألم ..... من خلال العلاقة بين الكلمتين رقصة والدّيك وهي في المخيال الشّعبي تذكّر بصورة الدّيك المذبوح أو بحالة التّخبّط التي يكون عليها الطّائر بعد ذبحه
ثمّ يتأكّد هذا المعنى عندما نقرأ القصيدة فنستجلي جملة المعاجم المعتمدة
معجم الألم ..... الأحزان/ اللّيل الحالك/ الوحدة / غريقا / أحلامي المتدحرجة / أشواقي المنتحرة / فصول الشجن / أحلام تتبخّر .
التقابل واضح جلي بين المعجمين ، فرح واهم ( رقصة ) وألم مستشر في غضون القصيدة يحيل على واقع ذات متأزّمة ، تعيش حالة تمزّق . وضعيّة تؤكّدها الصّور المنسابة في شريان النّصّ.
الصّور
أ - ما يجسّد المعاناة :
معلّقة بين انتظار ولقاء
يمضي العمر متأبّطا حقيبة الأحزان
ساعات تمرّ كأنّها ليل حالك
وجوه باهتة
( وحدة مهترئة )
نتبيّن هنا تأثير واقع ضاغط يكاد يقضي على بقايا الصّبر، ذات محاصرة ، سجينة الألم حدّ الإحساس بالعجز
ب - الانتفاضة : بارقة الأمل أو الحلم
أترقّب غيمات
تورق نبضي
تنفخ تنّور صبري
أتحمّم بسبائك الضّوء
يغدو غريقا بدماء الشّمس المتوهّجة
تبدو الذات متأرجحة بين الواقع المضني والخيال الباحث عن منافذ النّجاة،
بحث عن زمن هطول يرمّم ، يداوي ، ينفخ في تنّور الصّبر وبذلك يكون الخيال ملاذا وفاتحة خلاص.
التّرديد أو اللّازمة "بين انتظار ولقاء " يسجّل حالة نفسيّة راكدة تزيد من هواجس الذّات فتشتدّ المعاناة لكنّ السّعي لا يتوقّف وهو ما دفع الشّاعرة إلى وقفة تأمّل تسترجع فيها حياتها انطلاقا من :
علاقة الذّات بالزّمن
الماضي حاضر بقوّة ... ذكرى تلاعب بها القدر
الحاضر .. اعتماد الأفعال المضارعة جدار صدّ في وجه المأساة
أتحمّم / يغدو / يسألني / أحاول / أغيّر / أرتدي / أشعر.
نزوع إلى التطهّر والتحوّل بل .سعي إلى التّجاوز لتغيير الواقع.
لكنّ الحلم يظلّ سجينا
أحلامي المتدحرجة في كلّ واد
أشواقي المنتحرة على أعتاب الوقت
يستلّ من غمدي فرحة اللّقاء
يرسم على أديم وحدتي فصول الشّجن
تأرجح يذكّرنا بأسطورة سيزيف يجهد نفسه ،يبلغ بصخرته الذّروة لكنها تتدحرج من جديد فيتدحرج معه الفعل وتعود الذات إلى المعاناة بعد أن توهّمت الخلاص والفرح
غير أنّ التّحدّي يظلّ سمة الإنسان بل قدرة
أحاول رتق الذّاكرة
أغيّر ملامحي الباهتة
أرتدي جمال الصّباح
تؤمن الشّاعرة بقدراتها ، بما زرع فيها من السّمات الإنسانيّة ومن خصائص الشّعراء فتمتلك زمام النّفس وتعبّد الطّريق نحو الضّوء ( كي أشعر بدف قصيدتي النّاعسة)
لذا نقول الفنّ سلاح ، والشّعر معبر إلى دنيا مغايرة ، دنيا لا يعرف الحلم فيها إخفاقا ، تلك هي القصيدة النّاعسة محفّة بل براق والنّفس كما الطّير تضرب بالجناح في عوالم الفوز.
لكنّ القدر حتم راصد والواقع حقيقة لا يمكن أن تغفل عنها النّفوس مهما حاولت بل في كثير من الأحيان تجد نفسها مجرورة ولا قدرة على الإفلات:
فلا يبقى بين أصابعي إلّا دخان أحلام
تتبخّر
في سماء العمر
ويتجلّى البناء الهندسي للقصيدة ، مرحلة خضوع تكاد تلغي الفعل ثمّ انتفاضة بحثا عن منافذ الضّوء ، عن الحياة بما هي ردّ اعتبار لذات سجنها الألم وقد كانت الشّاعرة بارعة في عمليّة السّرد بين الواقع من جهة والحلم من جهة أخرى عمليّة تولّت فيها اللّازمة (بين انتظار ولقاء ) وظيفة المعبر أو قفزة التّجاوز بحثا عن الجديد ، توقا إلى الفرح. .
وهو كذلك بناء يكشف سبب اختيار العنوان " رقصة الدّيك" في علاقة بمأساة الذّات المتأرجحة بين الواقع والحلم ، بين الانتصار والهزيمة ، بين الموجود المنشود .هو الحنين يعبّد السّبل ، يضرب في المعابر المنسيّة وتظلّ الأنا قرينة الشّوق توّاقة إلى استعادة ما فقد لكنّ الأخر طيف ، مجرّد طيف (هارب من ضجيج العمر ، يستلّ من غمدي فرحة اللّقاء)
تلك هي " رقصة الدّيك" ،الدّيك المذبوح يتوهّم أنه يفرّ من قدره لكنّه في الحقيقة أسير الحتم.
ختاما أقول إنّ الشّاعرة بسمة الهواري تمتلك زمام اللغة فتملك بها القدرة العالية في التعامل مع البلاغة بمكوناتها والصورة وما تستدعيه من إتقان و بعض الصّور تكشف جانبا من مواهبها إذ أنّها ترسم بالكلمات وتلك لعمري ميزة . وهي علاوة على ذلك تحقق في القصيدة النثرية جماليات المخزون الثقافي من خلال بناء الصّور والانزياحات إضافة إلى ما تنطوي عليه القصيدة من مسائل نفسية وجودية وفلسفية لتكون القصيدة بذلك قريبة من نفس المتلقي تشدّه بالموسيقى حينا ، بالصور حينا وبالقضايا أحيانا .
القصيدة
رقصة الدّيك
معلّقة
بين انتظار ولقاء..
يمضي العمر
متأبّطا حقيبة الأحزان..
أترقّب غيمات
تورق نبضي..
تنفخ في تنّور
صبري..
ساعات تمرّ
كأنّها ليل حالك
لا يعقبه فجر..
كلّ الوجوه
باهتة ..
تمرّ في غفلة
من وحدتي
المهنرئة..
بين انتظار ولقاء
أتحمّم
بسبائك الضّوء
في عيون الشّفق
فيغدو النّدى
غريقا
بدماء الشّمس
المتوهّجة..
يسألني الياسمين
عن أحلامي
المتدحرجة
في كلّ واد ..
عن أشواقي المنتحرة
بأعتاب الوقت..
عن ذكرى
تلاعب
بها القدر..
يجيئ طيفك الهارب
من ضجبج العمر
يستلّ من غمدي
فرحة اللّقاء..
ويرسم على أديم
وحدتي
فصول الشّجن..
أحاول رتق ذاكرة
طال بها المقام
بنجع النّسيان..
أغيّر ملامحي الباهتة
أرتدي جمال الصّباح
كي أشعر بدفء
قصيدتي النّاعسة
على مشارف الشّوق
وأمسك بخيط الأمل ..
فلا يبقى بين أصابعي
إلّا ..دخان أحلام
تتبخّر
في سماء العمر..
بسمة الهوّاري



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق