الأربعاء، 23 فبراير 2022

إضاءة في قصيدة ـــــ مُــرَّ بـــي ــــــ للأديبة فائزة بن مسعود بقلم طاهر مشي

  إضاءة في قصيدة ـــــ مُــرَّ بـــي ــــــ للأديبة فائزة بن مسعود

شهد الشعر العربي على مر العصور تطورا جذريا في كل مكوناته ولم يقتصر على الحداثة الجزئية الكلاسيكية في الألفاظ والمعاني.. بل تعدى ذلك لظهور أنماط جديدة غزت الساحة الثقافية استئناسا بما ورد في الثقافات الغربية وغيرها. من أبرزها الأدب الفرنسي.
ولكلّ مخاض مولود متميز منفرد يحمل في طياته موروث وتقاليد أمة من الأمم، قد لا يكون مألوفًا، فيدوّن كل ذلك تاريخا تقلِّبُه وتعود إليه البحوث والدراسات بغية التصنيف والإنصاف.
ومن هنا نعبر،
حتى نتصفح جمال النص النثري ـــــ مُــرَّ بـــي ــــــ للأديبة المتميزة فائزة بن مسعود، هذه المبدعة التي غمرت صفحاتنا نورا وبهاء،
فتسافر بنا في عالم الجمال وأبعاد العزف المنفرد باعتبار أن القصيدة نثرية...والقصيدة النثرية لا تعترف بالحدود الجغرافية بل هي إمتداد جميل لخلق عالم خاص خضّبته الرائعة الأستاذة فائزة بنمسعود برحيق الجمال وحسن الصيغة لتعلن مملكتها الخاصة بأسلوب مجدد في رسم اللوحة بأناة بديعة ومتميزة فأحسنت إختيار عنوان معزوفتها العذبة لتعزف لنا الإحساس والنبض الدافئ ـــــ مُــرَّ بـــي ــــــ
هذا المدخل الذي خصتنا به الشاعرة المتألقة لتبني عليه أحداث هذه اللوحة المزركشة وتمطرنا بجمال العزف في موسيقى منسابة مسترسلة بلغة بليغة ودلالات ملموسة من شأنها أن تمرق بسلاسة للمتلقي ناحتة لوحة فسيفسائية على جدار الصدّ فيتلهّف القارئ لمتابعة الأحداث ليكون الشوق فيصل النص ومضمونه
يا هوًى أكابده
وصدّه يزوّد آهاتي
مُــرَّ بـي
فبحار الشّوق
تلاطمت أمواجها
وقد أبدعت في استعمال آليات الدلالة التي تظهر جمالية القصيدة النثرية فتُوغِل بنا الشاعرة في ضوضاء الشّوق وتحسن الوصف لتبرز الصورة الشعرية الجميلة.
فالصورة الشّعرية قوام الشعر، ومن فيض المعاني ترسم اللوحة الجميلة
وحنينها أفاض محيطاتي
والشواطئ بعيده
وبـــرّ الأمان غائم
فقد كان هذا الإيقاع موزّع على كلّ الجُمل، ليزداد العزف رقّة ونتبين تمكن الشاعرة من الأدوات ومهارة العزف.
فتصف لنا الشاعرة تفاصيل الغياب، وما خلف من خدوش في محيطها
ودروبي تعاريج
تكدست فيها الظلمات
وحولي صمت قاتل
ملأ كل فراغاتي
وقد أضافت هذه المشاهد والصور المكثفة جمالية خاصة في قصيدتها لتحسن البوح بتفاصيل الغياب وهذا الوجع الذي ألمّ بذاتها
لكن سرعان ما تعود بنا الشاعرة لتعزف سيمفونية اللّقاء كأنّها تروي لنا الحلم في هيئة قصيدة،
مُــرَّ بــي
ولو كنت سراب حلم
أو حتى برقا خُلَّبا
يضيء سماواتي
مُــرَّ بــي
وأخمد نيران عشقك
المتأججة في القلب والروح
وامتدت ألسنتها لمساماتي
مُــرَّ بــي
دثِّــرني وزمِّلــني
هذه القصيدة شكّلت بناءً متكاملاً أساسه شعري قوامه اللغة الجميلة والصورة المتميزة فشكّل النّصّ وحدة متكاملة ناهيك على حسن التشكيل وبناء قصيدة نثر متميزة
إن قصيدة النثر في ملخّص هذه الإضاءة البسيطة أراها مزيجا بين النثر والشعر لتتلألأ حبات عقدها فتبرق الحروف والكلمات
نص أعجبني وشدني إليه كثيرا وقد سافرت مع روعته بموسيقى هادئة وبديعة وصور مكثفة وبلاغة موصوفة حيث كمن جمال الحرف والمعنى.
دام تميزك سيدتي الفاضلة
طاهر مشّي
النص
""""""
ـــــ مُــرَّ بـــي ــــــ
مُــرَّ بـي
وداعب خلجاتي
يا هوًى أكابده
وصدّه يزوّد آهاتي
مُــرَّ بـي
فبحار الشوق
تلاطمت أمواجها
وحنينها أفاض محيطاتي
والشواطئ بعيده
وبـــرّ الأمان غائم
فكيف ألقي مرساتي؟
ودروبي تعاريج
تكدست فيها الظلمات
وحولي صمت قاتل
ملأ كل فراغاتي
ووجع الفراق فاق
صبري
وبُعـد اللقاء خيّب انتظاراتي
مُــرَّ بــي
لأشرح لك الشوق كله
وإن شئت من الشوق أختصر
وتنوب في الشرح زفراتي
وفي غيابك ما جدوى كلماتي
مُــرَّ بــي
ولو كنت سراب حلم
أو حتى برقا خُلَّبا
يضيء سماواتي
مُــرَّ بــي
وأخمد نيران عشقك
المتأججة في القلب والروح
وامتدت ألسنتها لمساماتي
مُــرَّ بــي
دثِّــرني وزمِّلــني
فحمى هواك
بلغت الغليان
وما عادت تقاس بالدرجات
مُــرَّ بــي
يا مقلب قلبي ومكيّف نبضاتي
تعطّف ومُـرّ بي
وأقِلْ في غرامك عثراتي
فائزه بنمسعود
بالتوفيق إن شاء الله
Peut être une image de texte

الجمعة، 11 فبراير 2022

سوق المحاباة بقلم الأديب محمد المهدي حسن

 سوق المحاباة

دأبنا التجنّي
و بالتفاهات يحلو لنا التغنّي
أطعمنا القبح سقيا
و زعموا أنّه فنّ
و ألبس شكله رقية
بعد أن صادق عليه المجلس الفنّي
في مجالس المجاملات
و السعي إلي الهدايا والدعابات
تنكس الهامات
و يعلو بعضها محاباة
و ينطلق التصفيق و الهتافات
روتينا من البروتوكولات
دونما فقه للكلمات
هي فقط محاباة
تصنع الأمجاد من دعاية
و يموت المبدع نكاية
لأن من جعل للفنّ وصاية
إستأثر لنفسه بالمحاباة
من ارتجى بفنّه فخرا
فعليه بعتبات البلاطاطات
و من مهره إلتزاما و فكرا
سطر للبشر طريق النجاة
لا نرتجي على جهدنا شكرا
و خسيء من نوى به أن يقتات
محمد المهدي حسن
( 9/1.2015)

قراءة في قصيدة ... جحود ... للشاعرة لطيفة الجلاصي بقلم الأديبة جميلة بلطي عطوي

 قراءة في قصيدة ... جحود ...

للشاعرة لطيفة الجلاصي
التحليل
"يعدّ العنوان من أهمّ العتبات النصيّة الموازية المحيطة بالنصّ الرئيس ، حيث يساهم في توضيح دلالات النص ، واستكشاف معانيه الظاهرة والخفية ان فهما وأن تفسيراً وأن تفكيكاً وان تركيباً. ومن ثم فالعنوان هو المفتاح الضّروري لسبر أغوار النصّ ، والتعمق في شعابه التائهة، والسفر في دهاليزه الممتدة."
بل البعض يقول " العنوان هو النصّ والنصّ هو العنوان "
والعنوان "جحود " ورد لفظا مفردا ،مصدرا لفعل جحد يجحد بمعنى انكر الشيء رغم علمه به والجحود أيضا هو عدم الاعتراف بالجميل .
والشاعرة من خلال العنوان تطلق صرخة تؤبّن فيها انهيار القيم في علاقة ثنائية بين فاعل الجميل وناكره
من أجل ذلك تستهلّ القصيدة ب "حسبنا الله ونعم الوكيل " وهو قول
المسلم عندما يتعرّض للظلم في الحياة أو عند الردّ على المنافقين الذي يريدون إضعاف عقيدته فيقول حسبي الله ونعم الوكيل، ويكون معنى هذا الذكر أن الله سبحانه وتعالى هو حسب هذا المسلم أي كافيه، والقائم على أمره في جميع شؤونه من رعاية ورحمة وحفظ وإجابة دعاء وكفّ الأذى والسوء عنه، وجلب الخير
وموقف الشاعرة من الواقع المفجع يتجلى من هذا المطلع الذي يثبت أن الإنسان اسقط في يده فبات عاجزا عن الفهم والوقوف في وجه التيار المخزي
ثم تتدرّج إلى التفصيل :
"دفعوا بمستقبل الوطن إلى الجحيم
أباحوا الحقد والكره بين البنين"
ليصدمنا هذا الضمير المستتر " هم"
فمن يكونون يا ترى ؟
هؤلاء كما نفهم من السياق اعداء الإنسان يسعون إلى تدمير الوطن ببتّ الشقاق والفراق بين افراده (الجحيم.. الحقد .. الكره) كلمات من قاموس العدواونية التي تزرع في الناشئة ( البنين) حتى يتحولوا إلى معاول هدم ودمار
ولا خير في امة او وطن ضيّع نشأه فضاع.
الشاعرة هنا تهمس بأن أساليب التربية وتاطير الناشئة وحدها تكون جدار صد ضد؟ الضّياع بل اعتمادها يؤمّن حياة الأفراد والجماعات ويحمي الوطن من الهزّات .
لكن ما الذي يحدث ياترى ؟
إن المتأمّل في النص يكتشف ان الصيّادين في الماء العكر ضربوا الوطن في مقتل فإذا بالشّقاق يحدث الشّرخ بين الأفراد وخاصة في مجال يعتبر الرافعة الأساس لبناء الوطن ، التّعليم وما ادراك ما التّعليم إذ لا خير في امّة عمّها الجهل فبات ابناؤها اعداءها
والشاعرة تؤكد بمرارة أن الأمر خطير عندما يعتبر التلميذ معلمه عدوا بل " شيطانا رجيما" فتنشا الهوّة بين المتعلّم والمعلّم ذاك الذي قيل فيه زمن الصدق والأمن
قم للمعلم وفّه التّبجيلا
كاد المعلم ان يكون رسولا
ذاك المربّي صاحب الرّسالة ، من يعدّ الأجيال درعا للوطن يضحي منبوذا ( يلام..يهان..يطعن) وهنا نستجلي المأساة التي تنشا فيها القطيعة بين المربّي والمتعلم ليُفتح باب الجهل على مصراعيه فتضيع الناشئة وتُهدر الاخلاق
بل يستشري العنف وتلك لعمري علامات على بداية الانهيار .
لذلك تقول الشاعرة ضمنيا متى ابيحت الفوضى اعلمْ أن الدّمار على الأبواب
وهاهي تجسّد الخطر الدّاهم فتعرض السلوكيات اللّاسوية التي تصبح عليها الأجيال ( البنين) فلا علم ولا رحمة بل
" بافكار إبليس تزود
أزلد .. عربد"
علامات لا تبشر بالخير والتلميذ يرفع في وجه استاذه السّاطور والسّكين
وبدمه يكتب الوعيد.
" احذروا السّخط واالغضب"
وتنقلب الموازين في زمن هجين .
يتحوّل فيه المربّي عدو المتعلمين
ويصبح العنيف مثلا يقتدى به
بل علامة تميّز في عرف المتمرّدين.
وأختم فأقول: القصيدة في مجملها صرخة مدويّة تعرّي أصحاب الاقنعة وتكشف النّوايا الخسيسة لدى باعة الوهم ، دعاة الزّيف والنّفاق.
القصيدة
جحود
حسبنا الله ونعم الوكيل
دفعوا بمستقبل الوطن إلى الجحيم
أباحوا الكره والحقد بين البنين
فأضحى المربي شيطانهم الرجيم
بعد ان كان بمنزلة الرسول الكريم
عشقوا الفوضي والجهل
و اعلنوا لهما الدعوة
هدفهم ان نمتطي الجهل
ونسبح في بحر من الظلمة
حزني ووجعي على وطن
المعلم فيه يلام
ودون وجه حق يهان
يطعن بالساطور والسكين
بيد تلميذ ظنه ابنه الأمين
علمه الحرف والكلمة
وزرع بقلبه الرحمة
ولكنه اختار الجحود والغدر
وبأفكار ابليس تزود
ازبد ...عربد...
وبدم استاذه كتب
احذروا السخط والغضب
فصار بين اترابه القدوة
لطيفة مجمد الجلاصي

الشاعر التونسي -طاهر مشي : محاورة وتقديم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

  الشاعر التونسي السامق  -طاهر مشي : "سيعود الياسمين لحقول الوطن و جناحاته محمّلة بالحب والسلام والحنين الوقّاد لكل ماهو جميل في هذا الكون الفسيح.."

النص الإبداعي في تجلياته الخلاقة-لا يتشكّل لديَّ إلاّ بوصفه استجابةً جماليةً بالغة التعقيد لعاملين متداخلين:لحظة الحياة ولحظة الشهادة عليها.ضغط اللحظة الواقعية،كونها الباعث الأول على القول،وضغط اللحظة الشعرية،بما تشتمل عليه من مكوناتٍ ذاتيةٍ وثقافيةٍ وفنية..( -طاهر مشي)
"القصيدة المشتهاة هي التي تسكننا ولا تفارقنا مدى الحياة،في كل مرة نكتبها نقول لا ليست هي،ونبقى نبحث عنها بين طيات أفكارنا وذاكرتنا حتى ولو عشناها
القصيدة ” المشتهاة “هي نداء الروح العميقة التي لا تتأجج إلا بفعل الكتابة،فهي تمنحنا الحياة للبقاء على ناصية الفرح ، كلما ضاقت بنا سبل الدنيا،نبحث عنها بين طيات الحروف ،ربما كتبتها ..لكنني أبقى أبحث عنها حتى لا أضيع بوصلة الفرح في حروفي..” ( -طاهر مشي)
يصاحب الحرف والقلم-في حله وترحاله، ليكتب للفرح والشجن،يصافح الورق بين بهجة وألم، في رحاب عشقه للأرض والوطن والمرأة والإنسان،يحسن العبارة وينحتها فتستحيل تحفة فنية مدهشة، بالتحرر يحلم، لا يوقفه بطش ولا وهن. تأخذنا عباراته نحو الأعماق، فنلمس الوجع والأمل وكذا عشق الحياة والمرأة والإنسان، من إحساسه ننهل الحنين و الأشواق..
كلماته في عرض الوجع أطواق،تحملنا نحو اشراقة لا بد لها أن تكتمل-وحتما ستكتمل-
هو الشاعر الشاعر التونسي الذي ذاع صيته في أرجاء الوطن العربي وخارجه- -طاهر.مشي يقول في حديث-مقتضب-معي،وأزعم أني-سرقت منه-بضعة كلمات مازال رنينها يداعب شغاف القلب..فالرجل يسكنه الشعر،ويمتلكه-قسر إرادته-القلم-وتحكمه بالتالي إمبراطورية-عمياء-لا ترى النور إلى حين ينبلج صبح القصيدة..
”بانتمائنا للمكان،بملامسة الحياة، سنجثو على أثر ابتسامة ركبها المجهول في رحلة تفتيشها عن عنوان اطمئنان،باحتضاننا السماء، وتقبيلنا الأرض،سنواصل نحو ذاك الحلم،بتأبّطنا الحرية بنزفها المتهاطل،و الماسح لكل حزن،لن نبحث عن الصرخة الضائعة في غياهب الظلم،سيقطف وجداننا تربة الرحيل و سيحمل كل المسافات،عندها ستصغر أيها الألم،فما عاد العمر يثمله صهيلك،و ستبقى أيها الوجع تنتحب على أنقاض الأنين،فيعود الياسمين لحقول الوطن و جناحاته محمّلة بالحب والسلام والحنين الوقّاد لكل ماهو جميل في هذا الكون الفسيح..
بحبر الرّوح ودم القصيدة..سنمحو هذا الخلراب الذي يسكننا..
“سألته-سؤال مخاتلا-:”كيف تنظر إلى خريطة الشعر العربي اليوم؟ومَن من الشعراء جذب اهتمامك وشعرت عبر أعماله بنكهة التجديد والأصالة والعمق؟
فأجاب دون تردد:“-خريطة الشعر العربي ما زالت واضحة المعالم على الرغم من محاولة بعض المتشائمين طمسها، فللخارطة رموزها وتضاريسُها الإبداعية، وهناك شعراء رواد شكّلوا قمماً إبداعيَّة لهذه الخارطة لا تطالها رياح التعرية المحملة بغبار العولمة، من أمثال السياب والبياتي والفيتوري والماغوط وصلاح عبد الصبور والجواهري.. وغيرهم.”
ثم أردفت سؤالي بسؤال فأنا-بكل تواضع ودون نرجسية عمياء-لا يعتريني الكلل والممل حين أحاور قامات شاهقة في الشعر بحجم  -طاعر مشي:-كيف يقيّم     -طاهر مشي-حركة الشّعر الحديث؟
”هي حركة، كما التي نعرفها مسطرة في كتب التاريخ الروحاني للإنسانية،تشتمل على الجيد المُغاير،والسيئ الرديء، والزمن سيكونُ حاكماً عادلاً يفرزُ ويفصل،ويحكم بالإستمرار والخلود لكل ما يستحق ذلك..الجميل في الحركة الشعرية الجديدة أنها تنحى منحى تجريبي يُنتج أحياناً ما هو مُدهشْ،وقادر على التواصل مع روح عالم جديد،ومُستمر في تجدّدهُ،والشّعر كذلك.”
وبسؤال مغاير سألته علني أظفر منه بجواب يشفي الغليل..
-حين أنادي في هدأة الليل:”أيا شاعرنا القدير- -طاهر مشي “أيكون في النّداء معان قويّة كتلك التي قالها الفلاسفة عن شعر هولدرلين..؟
وكان جوابه هذه المرة مربك وينم عن دراية عميقة بمفاصل الشعر العربي الحديث،إذ يجيب:“لأنني لازلت أجهل- -طاهر مشي–لم يحدثْ أن فعلتها.ولكنني دائماً ما أقرأهُ بوضوحٍ على البياض،ذاهباً به نحوَ اعترافاتٍ أعمق،كي يتسنى لي قراءتهُ بشكلٍ أوضح.حينَ أعرفهُ تماماً،وقتها سوف أفعل،وأخبرك ما إذا كانت معانٍ قويّة كائنة في ندائي عليه،أم لا،دون تشبيهٍ بأيّ آخرْ.”-
أذكّرك أيها القارئ الكريم بما يلي : حين أحاور شعراء معروفين على الساحة التونسية والعربية أمثال الشاعر الألمعي  -طاهر مشي،أستلّ قلمي من-غمده-أبسمل،ثم أشحذه جيدا،وأخوض بالتالي “معركتي” التي طالما أخرج منها خاسرا..لكن هنالك هزائم هي إنتصارات،كما هنالك أنتصارات أكثر إيلاما من الهزائم،وأعتقد-جازما-أنّ-طاهر مشي-أجبرني على -رفع الراية البيضاء..–يتشكّل -النص الإبداعي-
-لديك.انفعال، عزلة، انكسار، أم لحظات صفاء ؟؟
ردا على هذا السؤال يقول -محدثي- -طاهر مشي-:“النصّ يتشكّل من مجموع هذا وذاك، بمعنى أنّ حالة الكتابة تكون تتويجا لإرهاصات تقدّمت عليها بصمتٍ بالغٍ،وترقُّبٍ مصحوبٍ بارتفاع تأمُّليّ.ما يهمُّني هو اللذّة التي تنتجُ عن هذا الكلّ،باتصالي مع عمق ذاتي والبُعد الإنساني اللذين تنصهرُ بهما الأشياء والأسماء والأفعال..الخ.وهذا يعني أنّ-النص الإبداعي في تجلياته الخلاقة-لا يتشكّل لديَّ إلاّ بوصفه استجابةً جماليةً بالغة التعقيد لعاملين متداخلين: لحظة الحياة ولحظة الشهادة عليها. ضغط اللحظة الواقعية،كونها الباعث الأول على القول، وضغط اللحظة الشعرية، بما تشتمل عليه من مكوناتٍ ذاتيةٍ وثقافيةٍ وفنية.
في اللحظة الثانية تتجلّى فاعلية التشكيل السردي-مثلا-حين يتلقّف اللحظة الواقعية،أو لحظة الانفعال بالحياة التي لا تزال مادةً خاماً،ليلقي بها في مصهره الداخليّ،ويعرّضها لانكساراتٍ عديدةٍ،وتحولاتٍ جمّة،حتى يخلصها من شوائب اللحظة ومن تلقائيتها الساذجة،أو غبار اندفاعها الأول المتعجل..ويظل النص الإبداعي:شعر..نثر..قصة..رواية..إلخ في تشكله ملتقى كلّ رفيفٍ روحيّ أو لغـويٍ : اللذةُ وشحنةُ العذاب،الذاتُ والعالم،حركةُ الحياة ونضحُ المخيلة.”-
كاد- -طاهر مشي أن ينصرف بعد أن أرهقته-نسبيا-بأسئلتي الملحاحة لولا خجله النبيل ودماثة أخلاقه العالية،إذ استجاب للرد عن سؤالي الأخير..
-ما هو رأيك بالنقد الآن ،وهل واكب مسيرة الشعر التي نشهد فوراناً لها منذ سنوات قليلة؟
وكان الجواب مستفيضا كالعادة..
“ما يثير الحزن حقا هذا التراجع والنكوص الذي يعرفه النقد الأدبي في جامعاتنا وأوساطنا الأدبية ،فالمشهد اليوم يبدو فقيرا لغياب مدارس نقدية عربية حقيقية،في المقابل يمكننا الاستشهاد بالتجريدية الأوروبية والسريالية والبنيوية والتفكيكية وغير ذلك،أما التراث العربي القديم فإنه مليء بالشواهد التي ما زلنا نستنزف قواعدها،لقد أصبحت المناهج القديمة مستهلكَة تكرر نفسها دون أن نجد نقدا حقيقيا للنصوص الشعرية مما شجع-كما أشرت-على انتشار الرداءة والإسفاف والشعر الهابط ،ومن ثم كان على النقاد (وأنت واحد منهم-قالها بإبتسامة عذبة) أن يقوموا بأدوارهم وأن يصطفوا جنبا إلى جنب مع الأدباء والشعراء لأن الشعوب المغلوبة في وطننا العربي تعول عليهم في قراءة الواقع ونقد مساراته،وهنا يبدو دور الجامعات المتخصصة في دمج الأدب المعاصر بالعمل الأكاديمي وتفعيل دور النوادي الأدبية والمؤسسات الثقافية المعنية لأن التغيير لا يحدث إلا بشكل جماعي..”
..قبعتي..يا شاعرنا القدير..
محمد المحسن

قراءة تقدية لقصيدة تأويل ما لا يجب للشاعر الكبير محمد خليفة قراءة نقدية بقلم الأديب محمد هلال البيلي

  دراسة نقدية لصديقي الرائع محمد هلال البيلي لقصيدتي ( تأويل ما لا يجب)

صدقا أنت مبدع حد الإدهاش
هذا هو الجزء الأول من الدراسة
أنتظر الجزء الثاني بشغف أيها العملاق
............ ............. ..........
قصيدة
(تأويل ما لا يجب)
محمد خليفة
الرأس للحجاج...
والإسراء لي
والماء لا يروي القطاف قطافنا
هل أمنا هذا المسافر...
في الحنين بلا وجع؟!
يا أول الماء المسافر...
في ملامحنا سدى
صمت الكلام عن الكلام...
فأورقت نار بحجم الكون...
بين الأوردة
السيف للحجاج...
والتأويل لي
والدرب يا زرقاء دانية
على أبواب سيدها
تلوم السالكين...
تطيل سجدتها...
وتقرأ ما تيسر من أنين الأوسمة
والغاصبون بكارة الفجر الذي
ما مل شوقا في العيون
يدندنون
(الآن وقت قطافها)
هذي رءوس القوم...
يا بغداد عارية
وما غاب الهجير
هذي دموع النسوة اللاتي...
على نهر الحكاية...
قد حملن الشعر...
في أرحامهن صبابة
حتى إذا جاء المخاض
تنصلت كل القبائل...
من جديد
لو تورق الأرحام يوما
يا بلادي يؤمها
موت جديد
.......................
الرمز وما أدراك ما الرمز والرمزية
يستعمله من يدرك كيف يقتني الذهب ويستعمله من أدخل نفسه عنوة في عالم الفكر الشعري المغلف بالغموض
الرمز مدرسة متعة التناول واستطاعت أن تموضع ذاتها في مكانة مميزة في منطقة راقية من كومباوند الشعر الحديث
وقاما بتجسير للعلاقات الفنية في البناء المتطور في هيكلة مشوقة للقاريء النخبوي العاشق لفك رموز ودلالات الحالة
وإن كان من مرتكزات الرمزية
الغموض والفن للفن وإدراك قيمة القبض علي اللحظة الحضارية في اللاوعي الفكري وأن الرمز في حد ذاته غاية وأن الفكر الشعري يغلف بالغموض
فلا أنكر أننا أمام حالة رمزية مدهشة كلنا يتابعها باهتمام شديد
شاعر الوعي والمرجعية الفكرية والتمرد العقلاني المتطور
محمد خليفة
هنا في قصيدته
تأويل مالايجب
يلقي بكمية متفجرات رمزية كفيلة بأن تشعل ألف ناقد وباحث وعاشق للتفكر والبحث والتنقيب والتحليل
هو يقول
الرأس للحجاج والتأويل لي
الحجاج قتل رمزا عبر التاريخ
ويعتبر من ثوابت الرمز وسكونية الإيحاء ونمطية الترميز وهذا ليس كلامي وحدي
فبين الثابت والمتحول دارت الكلمات الموحية ذات الطاقات الكامنة في سيرورة تاريخ أدبي عربي كبير
ولكن الجديد عند محمد خليفه هو ضربة البداية
الرأس للحجاج
أي رأس يقصد؟
هيا لنفتح القراءات بين القراءة الأولي والمسيئة لها وبين القراءة الثانية والمسيئة لها فكل قراءة تلغي ماقبلها وهذه هي الإساءة الفنية لا الحرفية
هيا
الرأس للحجاج
هل يرمز إلي رأس مقهور جديد في حلقة الظلمات والرمز والفكر الانطباعي التاريخي التراكمي في صورة الحجاج
هل الرأس هنا تعني القمة والعلو ومقدمة الشيء
هل الراس عند محمد خليفه تقع في دائرة إيحائية خبيئة لم تظهر بعد
يقول خليفه
الرأس للحجاج والإسراء لي
فإذا كان الإسراء المصطلحي هو ما حدث لسيد الخلق سيدنا ونبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم
فما هو الإسراء هنا؟
والإسراء لغة هو السير ليلا
المعني يقترب ودلالة الخوف من بطش الحجاج في وجدان بطل النص تتضح
هل كان من سنن السابقين في تلك العهود الهروب ليلا
هل الإسراء هنا في شخصية بطل النص هو الإسراء الانعكاسي الذاتي
قل ياخليفه
أفصح ياشاعر
هنا نتجه إلي( بعد ما بعد الحداثة )
وما حدث من زلزلة منهجية وضجة فكرية عظيمة
فبعد أن جاءت(مابعد الحداثة بالنستالوجيا وهي الحنين والعودة إلي الماضي العام بكل مافيه
والأدبي بما مايعنيه وأعادت مابعد الحداثة الأدب والفكر الشعري وحاربت تقانات وجماليات الحداثة فأعادت نمطية التجارب وروتينية الأداء الفني الشعري واستغرقت في الانعكاس الذاتي الاختزالي
ثارت عليها(بعد مابعد الحداثة)
وانقلبت علي الماضي بكل أشكاله الحدودية السكونية النمطية وأعادت عمومية التعبير الذاتي الخلاق كمرآة مجتمعية تعكس الوجع الجمعي في فضاء مفتوح او فضاء عمومي للوصل بين الرأس هنا وهو الحجاج برمزية القائد
وبين الجموع التي فضلت الإسراء هربا من واقع مظلم في عيون بطل النص
ومن هنا كانت روعة إطلالة محمد خليفه علي السجادة الحمراء في مهرجان القصيدة
إلي أن ينقل الحقل الدلالي (القهر) بمفردات قاموسية متوحدة الدلالة تحت لفظ القهر
لقد انتقل بنا خليفة المتوهج
بحرفة المتعقل وثقل القلم المتزن
أنظر معي حيث يندفع البطل بحدودية التحرك في ملعب القصيدة
يقول
والماء لايروي القطاف
أي قطاف؟
قطافنا
هنا مسألة لغوية دقيقة للغاية
فإذا كان القطف لغة هو أوان قطف الثمر
فلماذ كتب خليفة
والماء لايروي القطاف(أي الثمرة الناضجة المكتملة النمو التي لم تعد بحاجة إلي الماء لكنها يجب أن تقطف فورا)
وفي نظر البعض كان الأجدر أن يكتب والماء لا يروي البذور أو الجذور أو الأراض
لا
هنا المعني تجاوز تقريرية ومباشرة الماء والثمرة والقطف
هنا دلالة الفقد هنا دلالة ضمنية علي الشعور باللاجدوي ومزج حالة الإحباط بالوعي الفكري في دراما الموت المؤجل
المأء لايروي في هذه الحقبة الزمنية الآنية
الماء لايروي إذن فعطش الارواح أقوي في نفوس العاشقين لكل جميل في هذه الحياة
وإذا كان الماء لايروي فالفناء قادم
وإذا كانت القطاف هكذا فلا تأكلها فإن بها إشارة إلي السم القاتل في عالم لا يرتوي ولا يروي
إلي هنا شخصية بطل النص قد رسم محمد خليفة سماتها بدقة شديدة
الضعف الاستكانة الهروب الاستسلام
ثم ننتقل إلي نقطة اكثر تشويقا في النص
سؤال الحائر الغير مراقب فقد دخل آلي نار القصيدة دون أن يدري أو ندري نحن
يسأل
هل امنا هذا المسافر في الحنين بلا وجع؟
يسأل عن مجهول ذهب بلا عودة
ثم يلقي بكلمته التي قطعت الطريق علينا ويبرز قدرته في استدعاء الرمز الطبيعي
الماء
نعم
النص كله اساسه الماء
يدور حول الماء
الماء هو البطل السنيد في النص
فالماء بدلالته المباشرة يعني الحياة
إذن نحن بين بطلين في سيناريو النص الأدبي
المسافر المجهول المثالي
والماء المسافر في الملامج
وهل المسافر هو الماء هو الحياة والحلم المفقود
أرهقتنا ياخليفه فلا ترسل لي نصا قريبا لأحلله وأقدمه فأنت تتعمد إلقاء القنابل الفنية وتتركها لتنفجر هنا
لا خلاف
إذا كان المسافر المجهول هو الإمام المفقود في وجدان الأمم في تجربة انعكاس عمومي
وآذا كان الماء هو الحياة والرسالة والأمل
فنحن معك للنهاية
هنا عدول لغوي مباح للمعني الوظيفي الواقعي للماء إلي المستوي الفني الإيحائي في ارض ممهدة بالنص
في غياب الماء اورقت نار في الأوردة
إنزياح دلالي وانحراف لغوي أن تورق النار ولا تشتعل
صورة جديدة
فالاشتعال اتجاه وصفي سطحي للغاية لكن أن تورق فهنا دلالة بلاغية للنمو
وأما عن الفارق بين
نار بحجم الكون في الأورده
و
نار بحجم الكون بين الأوردة
فإن (في )الأوردةتحيلك إلي حالة سكون واستقرار للنار في الوريد
لكن بين الأوردة
تعطيك الإحساس بسرعة جريان النار ببن ممرات الأوردة إلي كامل الجسد
وهنا سؤال جذبني
لما كتب خليفة
فأورقت نار الجحيم بين الأوردة ولم يقل بين الشرايين؟
فقد اعتاد الشعراء استعمال الشريان في التوظيف اللغوي أكثر من الأوردة
إنه اللاوعي اللغوي ياخليفه وما أجمله
الفرق بين الشرايين والأوردة يظهر جمال هذه الصورة
فعلميا
الشريان يقوم بحمل الدم المؤكسج إلي جميع أجزاء الجسم ما عدا القلب
لكن الأوردة تقوم بحمل ثاني أكسيد الكربون من الجسم إلي القلب للتخلص من ثاني أكسيد الكربون
إذن دلالة الأوردة أقوي وأجمل وأعمق تدل علي أن الشعور بنار القهر تحرق الأوردة إذن هي تهدد حياة جسد الأمم بالفناء
لأن ثاني أكسيد الكربون سيقتل كل جميل في جسد هذه الحياة إذا احترقت الحياة
ثم يعود لرمز تاريخي أكد عليه مرة أخري
السيف للحجاج والتأويل لي
نعم لقد اتضحت الصورة
الرأس للحجاح السيف للحجاج
الإسراء لي التأويل لي
هنا يتدخل المكر الفني طرفا في المعادلة الفنية
التأويل والتفسير هنا ينبع من ذات من عاصر تجربة الضغط المجتمعي المتحقق في جدول التاريخ الفعلي القابع في بئر وسر وخفاء وجدان بطل النص
إنتهي الجزء الاول من قراءة تقدية لقصيدة تأويل ما لا يجب
للشاعر الكبير محمد خليفة
قراءة نقدية
محمد هلال البيلي
Peut être une image de 2 personnes, personnes assises et intérieur