السبت، 8 يناير 2022

الكنكنة ( كان ومشتقاتها)..مقادير ومحاذير بقلم الناقد محمد البنا

 الكنكنة ( كان ومشتقاتها)..مقادير ومحاذير

........................
لا ينكر إلا مكابر أنّ الفعل ( كان ومشتقاتها) هو أكثر الأفعال تداولًا في لغتنا العربية الجميلة، فللفعل أهمية خاصة وضعته بلا منازع عمودًا من أعمدة اللغات اللسانية جمعاء، وليس أمره أو أهميته قاصرةً على اللغة العربية فقط.
والسؤال ها هنا - المطروح بقوة- لم نحرص دائمًا ونشدد على الإقتصاد في استخدامه سرديًا حين صياغة أقصوصة- خاصة القصة القصيرة جدا-؟ ونكاد ننصح المبتدئين بالابتعاد عنه نهائيا!!
إذ كيف ننصحهم بترك ما هو أساس لغوي!!
والجواب بسيط..
كان..فعل يفيد الماضي والقريب، والمبتدئ سرديًا لا يملك من أدوات القص وتقنياته ومهاراته إلا القليل، لذا يميل أداؤه السردي إلى الأسلوب الحكائي، ومن أهم سمات الأسلوب الحكائي هى ( كان، وكنا وكنت وكانوا،..،..،..)، ولكي نغير من أسلوبه من الحكائية إلى السردية، نأمره بالابتعاد عن ( كان ومشتقاتها) نهائيًا أو قدر المستطاع، أما المتمرسون سرديًا فننصحهم فقط بالاقتصاد في استخدامها خاصة في القصة القصيرة جدا، وذلك لأن من ضروريات ق.ق.ج. سرعة الايقاع السردي التصاعدي من البدء وحتى الانتهاء، علاوة على أن استخدامها بكثرة في مساحة سردية محدودة( القصة القصيرة) ينحو بالنص من السردية إلى الحكائية، وبما أن لكل قاعدة شواذ، فالشاذ مقبول إن أحسن وأجاد القاص تضفيره داخل متن أقصوصته، وذلك إن ارتأى لذلك ضرورة، مثل أن الحدث برمته حدثٌ زمنه انتهى، وسبل الإجادة والتمكن كثيرة..فهل هناك أقوى بلاغة من بلاغة القرآن الكريم؟!..وقد ضم بين ضفتيه ( كان ومشتقاتها ) آلاف المرات!.
ويحضرني الآن قصصٌ للقاص المصري البارع/ يحيى الطاهر عبدالله..رحمة الله عليه، استخدم فيها ( كان ومشتقاتها) بتقنية أحدثها وقتئذ - نهايات القرن الماضي- باللجوء إلى الإضافة..ولنأخذ لذلك أمثلة تبين المقصود بتقنية الإضافة..
مثال :(١)
كانت أمي جميلة...
كانت أمي جميلة وبها بعض دمامة..
كانت أمي جميلة وبها بعض دمامة لا تنتقص من جمالها..
مثال : (٢)
كنا نلعب الكرة..
كنا نلعب الكرة ونسبح في النهر..
كنا نلعب الكرة نهارًا ونسبح في النهر عصرًا ونتسامر أمام دارنا..
وما قلناه آنفا عن الكنكنة ينطبق حرفيًا على مثيلتها ..الجملة التقريرية..فالجملة التقريرية في حد ذاتها تعد من أروع بلاغات اللغة وعمود من أعمدتها أيضًا، وأيضا حفل بها قرآننا الكريم في صيغ متعددة نذكر منها الإستفهامية ( هل.أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورا) سورة الانسان.
جملة استفهامية لكنها تقريرية لا تحتاج لإجابة لأن الإجابة تضمنها السؤال نفسه.
فلم إذًا نعترض على تضمين جملًا تقريرية في بعض النصوص؟
والإجابة أيضا بسيطة، وما يكون اعتراضنا إلا مسببًا ولعلة، والعلة عادة تكون في كون الجملة المعترض عليها حجرًا على فكر المتلقي وتلزمه قسرًا بما تريد، او ان تكون مقحمة من كاتب النص، وليس العلة في كونها جملة تقريرية، ويحضرني هنا أيضًا نصًا اعده من أروع ما أبدعت القاصة المصرية / أمل البنا Aml ELbnna ألا وهو نص (ذباب) وقد حفل بالجمل التقريرية الموظفة ببراعة في متن النص.
محمد البنا ٧ يناير ٢٠٢٢
Peut être une image de 1 personne

الجمعة، 7 يناير 2022

"تأثيرات دونينغ وكروجر" بقلم الكاتبة أمل محمد ياسر سورية/ دمشق

 "تأثيرات دونينغ وكروجر"

أمل محمد ياسر
سورية/ دمشق
في علم النفس نجد تحليلات للشخصيّات بشكل كبير ، نجد أشياءً قد ظننّاها أموراً بديهيّة في النفس البشرية ، إلّا أنّ علماء النفس أثاروا الجدل نحوها وتعمّقوا في طيّاتها بتجارب كبيرة على أُناس كُثر حتّى يخرجوا لنا بنظرية ذات أبعاد وزوايا ومنحنيات مُدهشة ، بل حتّى نجدهم قد وضعوا مؤشّرات بيانيّة تدلّ عليها مُعتمدين على استجوابات تحت امتحانات دقيقة ، يعتمدون من خلالها على الملاحظة والمقارنة .
ومن ذلك عالما النفس - ديفيد دونينغ و جوستن كروجر - فقد أضافا إلى أرشيفهما نظريّة أخرى أسمياها ( دونينغ وكروجر ) وهذه النظرية لم تأتِ عبثاً بل هناك قصّة حقيقيّة لها ، ربّما يجدها البعض من محض الخيال على أرض الواقع ، ولكنّها حقيقة متوّجة بشهود وذلك حيث أنّ هناك شخصاً قد حضر حِمام نفسه للسطو على أحد البنوك ، وليخفي ملامحه وضع عصير الليمون على وجهه كقناعٍ يجعله غير مرأيٍّ أو مجهولٍ لمَن حوله ، بحيث كان واثقاً ثقةً عمياء بما فعله وبأن لا أحد سيتعرّف على هويّته الحقيقيّة .
وبعد عمليّة السطو بساعة كان قد أُلقي القبض عليه من خلال تسجيلات كاميرات المراقبة ، والغريب بالأمر أنّ الشخص هذا قد كان في اندهاشٍ بأنّ الشرطة قد تعرّفت عليه ، أو كيف تعرّفت عليه ، وشكّه هذا جعل الشرطة تظنّ بأنّه تحت تأثير مُخدّر ما ، فأجرت بعض الفحوصات واكتشفت بأنّه بكلّ قواه العقليّة تماماً.
وقصّة هذا الرجل الغبي الّذي ظنّ نفسه قد تفوّق على نفسه بالتفكير والتخطيط ، جعلت عالمَي النفس ( دونينغ وكروجر ) يقومان بتجارب جديدة على مجموعة من الأشخاص من شخصيّات عديدة وتصنيفات وخبرات مختلفة في مستوى التفكير والعلم والذكاء ، فوضعوا هؤلاء جميعهم في امتحانٍ عام وبدأت دراستهم بملاحظة لغة جسدهم وطريقتهم بالجواب وملامحهم ثمّ قياسها على أجوبتهم العمليّة على الورقة الامتحانيّة ، وبعد خروجهم وجدوا بأنّ الأشخاص الفاشلين في الامتحان قد كانت لديهم ثقةٌ عمياء بأنّ الامتحان كان مستسهباً لديهم وسهلاً للغاية ، وفي الاتّجاه الآخر على العكس تماماً فقد كان القلق يملأ أعينهم وملامحهم مرتبكة مُتصّورين أنّ الامتحان لم يكن مُوفّقاً وبأنّهم في غاية الفشل ولم يبلوا أيَّ بلاءٍ حسن .
وبذلك قد لاحظ العالمان بأنّ إدراك الإدراك لهؤلاء في إشكاليّة خانقة وتعقيد غريب ، حيث أنّ الشخص الغبي الأحمق كان لديه ثقةٌ مرتفعة ربّما تصل عنان السماء ، وتقديره لذاته جعل مَن حوله يظنّ بأنّه الأنجح والأمهر . والآخر الذكي مقارنةً بمعارفه ومهاراته فقد كانت ثقته ربّما معدومةً إلى حدٍّ ما وقيّد ذاته بسلاسل الخذلان .
طبعاً لكلّ سببٍ مُسبّب ، وبذلك بعد التدقيق والتمحيص والتحليل خرج العالمان بفتوى وبنظريّة غاية بالأهمية وذلك بأنّ قلّة الذكاء أو الغباء بشكل مباشر قد تجعل البعض يبرزون أنفسهم بمرض العظَمة أو التفوّق الوهمي ، وبهذا يكونون قد قاموا بخدعة بسيطة يوهمون مَن حولهم بذكائهم .
أمّا ذاك الأخير الذكي وذو المهارة المرتفعة نجده مرتبكاً ظانّاً بأنّ مَن حوله يعلمون بما يفكّر أو من شدّة علمه يظنّ بأنّ هناك أشياءً لا يعلمها ، معتقداً بأنّ مَن حوله يعلمون بذلك فيغلب عليه الشكّ والقلق .
وفي بيان قد رسمه العالمان حيث وضعا مؤشّر الثقة العالية متوجّهاً نحو الشخص الغبي بحيث ربط الإسهاب والغلو بشعور الثقة ، يرافقه درجة من الغباء المباشر ، بينما التفكير العملي والفكري والمنطقي غير مرتبط بالثقة بل يرافقه شعور الشكّ غالباً.
ومثال على ذلك نجد بعض المتقدّمين الحمقى لبرامج المواهب يبرزون أنفسهم بمقدّمات خدّاعة وهميّة بحيث يكون عرضهم غايةً في السخرية والأداء الفاشل . وبالنهاية تكتشف الأوراق المخفيّة تحت تلك الثقة المتبلورة بداء الجهل ووهم العظمة وتقدير الذات.
أمّا عن الصنف الآخر الّذي يظنّ بأنّ مَن حوله على علم بما يعلمه والذي تنطبق عليه مقولة سقراط : "فقط عندما تعلم .تعلّمْ أنّك لا تعلم" فداء عدم الثقة يمتلكهم دائماً وهم قليلون جدّاً نسبة للصنف الأوّل .
وينطبق على الصنف الثاني مبدأ " لا أحبّ أن أعرف شيئاً عن كلّ شيء ، بل أريد معرفة كلّ شيءٍ عن الشيء.."
وكما قيل " خير الأمور أوسطُها.."
فعلينا بأن ندرك الإدراك الصحيح
أين نحن؟ ومن نحن؟ وكيف يجدر بنا أن نكون في حال توازنٍ بين معرفتنا وثقتنا ، ولا نشرك أنفسنا بمواضيع لا نعلمها واهمين مَن حولنا بأنّنا نتكلّم وتكشف أوراقنا بأنّنا صفر وبأنّنا محض خيال .. فكم من عالمٍ رغم علمه الكثير قال: لا أعلم ....
Peut être une image de 1 personne et foulard

تيار الوعي السردي بقلم الناقد محمد البنا

 تيار الوعي السردي

...........
كان عالم النفس الأمريكي / وليم جيمس أول من أطلق هذا المصطلح النفسي عام ١٨٩٠، واستقام هذا المصطلح من بعده كمصطلح نقدي في النقد الأدبي على التقنية الأدبية التي تسعى لإظهار وجهة نظر الشخص من خلال تسلسل الأفكار كتابيًا، وهذه الأفكار أما أن تكون من خلال محادثة غير مترابطة، أو متعلقة بأفعال وتصرفات، ويقصد به أيضًا الانسياب المتواصل للأفكار داخل الذهن.
تيار الوعي السردي:
هو أسلوب سردي يعطي انطباعًا بوجود عقل في العمل الأدبي يقفز من ملاحظة أو احساس أو انعكاس إلى التالي بسلاسة عبر انتقالات غير تقليدية.
من رواده من الروائيين العالميين فريجينيا وولف، ويليام فولكنر، جيمس جويس.
من رواده من الروائيين العرب نجبيب محفوظ( اللص والكلاب)، آدوارد الخراط، جمال الغيطاني، صنع الله ابراهيم ( نجمة أغسطس).
ويقع تحت هذا المسمى كل من التقنيات السردية الآتية :
الاسترجاع/ الارجاع
مناجاة النفس
التداعي الحر
الوصف والتكرار.
ومن ضمن رواياتي التسعة تصنف روايتي ( كاجوال) تحت هذا المسمى، واعتمدت تقنية التداعي الحر والاسترجاع والإرجاع، تاركًا للقارئ مهمة الترتيب الزمني لكل أحداث الرواية، وكذلك قصة( حلوى المادلين المخدد) للكاتب (××××)، تخضع أيضًا لهذه التقنية السردية، وقد أشارت الناقدة السورية / كنانة عيسى Kinana Eissa إلى ذلك خلال تناولها النقدي للقصة عاليه، وأبانت بمهارة اعتماد الكاتب على هذه التقنية من خلال محادثة بدت في ظاهرها غير مترابطة، بينما الرابط الخفي هو خيط رفيع يربط كل الأفكار التي وردت على لسان طرفي المحادثة.
Peut être une image de 1 personne