التقمص أو التناسخ مابين ( الغنوصية : الانغماس في العالم الروحاني والأنثروبولوجيا : علم الإنسان)
--------------------------
تقمص الروح أو التناسخ هو المفهوم الفلسفي أو الديني القائل بأن الجوهر غير المادي للإنسان ( الروح) تبدأ حياة جديدة بشكل مادي أو جسد مختلف بعد الموت البيولوجي للجسم...
كما وتعد القيامة هي عملية مماثلة أكدت عليها بعض الأديان ، حيث تعود الروح إلى الحياة في نفس الجسد .
يعرف مفهوم تناسخ الأرواح أو عودة الشخص البشري إلى الحياة بجسد آخر - وهي فكرة فلسفية أو دينية- تبدو في الحقيقة كأنها أمر خيالي، حيث يفسر هذا الأمر بأنه عندما يموت الجسد ماديا تنطلق الروح لتتقمص وتحل في جسد آخر بحسب ماقدم في حياته الأولى وهنا في هذا النص الروح التي تكررت وعلى لسان الشخصيات كانت روحا ذهبية أي حاكمة
-فرانسوا / الملك لويس الرابع عشر أو الخامس عشر
-محمد / أحد الفراعنة الحكام
-شنتو / جندي قائد عند جنكيز .
فالسمة المشتركة هنا ( القيادة والرفاهية / من عليّة القوم)
ماميز النص هنا أن التناسخ لم ينتظر فناء الجسد / الفكرة التخيلية هنا المطروحة هي وجود ثلاث حيوات لنفس الشخص وقد تكررت في حيوات أخرى سابقة يذكرها أصحابها ، فهو فعلا بعد خامس مجهول شامل لحيوات ضمت أبطال القصة من فرنسا إلى الصين إلى مصر ...
نقاط الاتصال في النص :
------------------------------
فرانسوا المحتضر يتصل بتوائم أرواحه الموجودة أيضا في نفس الزمان قبل أن يغادر الحياة
( لم يشعر محمد بأية آلام تفيد بأنه سيغادر جسده لم ينبهه الج إلى اقتراب الانفصال أو الموت)
يحضر محمد وشنتو بحضور الزوجة وتبدأ مكاشفة لسر يحتفظ به كل واحد منهم ...
بنهاية هذه المكاشفة يتبين أن هذه الروح الذهبية بأبعادها الثلاثة ماكانت إلا ساكنة لأجساد حاكمة ومالكة منذ القرن السابع وحتى القرن الرابع عشر ومابعده ...
الطوطم موجود لأجساد دفنت في مقابر ملكية متنوعة أو شكلت كتماثيل لهذه الروح التي زارتها في حيواتها السابقة ...
نص تخيلي جميل جدا ولافت وحتى العنوان البعد الخامس الذي يسدل عليه المزيد والمزيد من الإبهار والتفكر ...
-----------------
بالتفكر في المعنى المراد إيصاله من هذا النص :
---------------------------------------------------------
فرانسوا الذي هو من باريس / فرنسا يمثل الدين المسيحي الأقدم فهو الأكبر سناً..
شنتو من شنغهاي / ربما يمثل بوذية أو أي معتقد آخر / حضارة أخرى
محمد من مصر / يمثل الاسلام وكلهم أخوة لهم نفس الروح وهذا يدعو إلى التآخي بين الجميع فكلنا في النهاية أخوة في الإنسانية على الرغم من اختلاف الأديان والمذاهب / الأفكار والمعتقدات/ الحضارات والطقوس ...
كلنا أبناء هذه الأرض ...
الأسلوب الشيق في السرد والسرعة لعبت دورا في إيصال الفكرة وعقد الحبكة بطريقة جعلت المتلقي مصدوما يحاول فك الشيفرات على طريقة إدغار آلان بو في رموز قصصه وغرائبيتها وذلك ذكرني بقصة الحشرة الذهبية التي تجعل المتلقي لاهثا لمعرفة سرها وهنا أنت كقارئ ستلاحق النص كلمة كلمة حتى تصل للزبدة التي ستكتشفها خاصة وأن التناسخ والذي دخلنا منه إلى هذا النص لم يتحقق بأركانه فالتناسخ لايتم إلا بفناء الجسد وهنا الجسد ثلاثي والأرواح واحدة والأعمار مختلفة والديانات مختلفة أيضا ...
أما العنوان فيأخذك إلى بعد خيالي لتدخل في غرائبية النص وتحاول أن تجد هذا البعد لتفك شيفرته وتسقطه على أرض الواقع ...
بالنسبة للخاتمة الرائعة تجعلك مشدوها تفكر بعظمة هذه الشخصية التي كانت تبلغ من العمر عشر سنوات عندما اكتشفت في رحلة أنها كانت فرعونا مصريا
طبعا فكل الحضارات بدأت من عند الفراعنة ابتداء بالبناء والتحنيط والتداوي ومازالت آثارها على الإنسانية حتى الآن...
----------------
الخطاب السردي :
----------------------
بعد قراءة النص والتمعن به جيداً ، نتوصل إلى غاية الكاتب والرسالة التي أراد بثها إلينا من بين سطوره ألا وهي ( الإنسانية) ، نعم فكلنا بشر ( أبيض / أسود، مسلم/ مسيحي/ بوذي/ هندوسي.....) تجمعنا الإنسانية فنحن أبناء سيدنا آدم عليه السلام، ....
وكما عودنا أستاذنا البنا في كتاباته نجد مهارة كبيرة في تدفق السردية مع إضمار لمفاتيح النص بين السطور وإظهار للحبكة المحكمة بجدارة ، حيث ننتهي متوافقين مع عنوان غرائبي اختاره بمهارة متماهيا مع فكرة ( مستحيلة) لكن وافقناه عليها من خلال سرد متقن سلس محبوك حوّل الوهم والخيال إلى حقيقة وشخوص من لحم ودم على الرغم من عدم واقعيته...
الرمزية في النص:
-----------------------
المتابع لنصوص الأستاذ محمد يعي أنه لايميل لاستخدام الرموز بطريقة مباشرة بل يعتمد المواربة والموارة فهو أستاذ بالإبهار ...
مثلاً العنوان ( البعد الخامس) على الرغم من أننا نعي أن الأبعاد أربعة / إحداثيات ثلاث / بعد زمني حسب نظرية النسبية لإينشتاين ...
هنا قد أضاف لها بعداً خامساً متخيلاً ، تقصّده ليجعلنا نبحث عنه في نصه ونتلهف لإيجاده وكلنا دهشة منذ البداية وحتى الخاتمة، لنتابع مجريات السرد متفكرين وباحثين عن هذا البعد الإضافي...
وأيضا فقد تقصّد أن يكون أبطاله من أعمار مختلفة لينفي صفة التوأمة عنهم ويأكد فكرته ويجعلنا نتابعها حتى النهاية ( الأخوة الإنسانية)
حيث ذكر على لسان أحد أبطاله ( محمد) كيف لم يشعر بأي عوارض مرضيّة جسديّة دلّت على اقتراب الأجل...
نهاية أقول نص رائع جدا أستاذنا وسعادتي كبيرة بالغوص فيه واكتشاف كنوزه
نتعلم منكم دائما
ريم
--------------
النص
البعد الخامس
..................
لم أكد استلقي على فراشي استعدادًا لنوم هادئ، بعد نهارٍ شاقٍ أجهد جسدي أيما إجهاد، إذ برنين هاتفي الجوال يطرق رأسي بلا هوادة، أمسكت به وألقيت لمحةً خاطفة على شاشته المضيئة، بغية تبين هوية هذا المتصل المزعج، انزعجت وانقبض قلبي بشدة لحظة أن تبينت أنّ المهاتفة من باريس، وأنّ المتصل أنا
- خيرًا..ماذا حدث يا فرانسوا؟
- محمد..أنا أحتضر، لقد أخبرني الطبيب أنها ساعات قليلة ويُقضى الأمر
قالها بصوت متهدج ونبرة واهنة، وسكت للحظة ثم أردف في رجاء
- تعال الآن، استقل أول طائرة يا محمد، ولا تنس أن تتصل ب شنتو، فقد فشلت كل محاولاتي للإتصال بشنغهاي
كان كل ما يشغلني ويرهق ذهني، وعيوني متعلقتان عبر نافذة الطائرة بركام من السحاب القطني الكثيف أسفل جسم الطائرة، كيف ؟..كيف لم أشعر بي؟.. لم أمرض!..لم تنتابني غصة! ..وفجأة..هكذا أحتضر فجأة!!..كيف؟..كيف غفلت عن نفسي؟!
جلسنا - أنا وشنتو - على طرفي سريره، كان لايزال يعاني من غيبوبة طارئة، هكذا أخبرتنا زوجته وهى تبكي، بعد أن تعافت من تداعيات صدمتها حين رأتنا.
أمسكت بكفه اليسري بحنو، واحتضن شنتو يده اليمنى بين كفيه، ودمعتان تطفران من عينيه، فتح عينيه ونظر لكلينا وابتسم، ثم همهم بكلمات تناثرت حروفها، فهمنا منها أنه يرجونا الاقتراب من شفتيه، فدنونا.
ابتلع ريقه بعد أن هدأت نوبة عطس داهمته فجأة، ثم همس ونحن بالكاد نسمعه
- لا تحزنا..إنه الأجل ولا قدرة لنا في الهروب منه، أزفت ساعتي، وحان وقت رحيلي، لذا سأخبركما بالسر الذي أخفيته عنكما لأربعين عامًا مضت
- سر!..أي سر ؟!..نحن نعرف كل شيء يخصنا، حتى أدق تفاصيل حياتنا رغم فوارق السن بيننا..أي سر يا فرانسوا؟!
- أنتما فعلًا تعرفان كل شيء عني، وأنا أعرف كل شيء عنكما، ولكن هذا السر..لا..فقد جاهدت ألا أحدث به نفسي حتى لا تكتشفانه
- قل إذًا..ما هو ؟
طلب من زوجته أن تضع وسادة خلف ظهره، بينما نحن نساعده للنهوض قليلًا حتى استقام ظهره الى خلفية السرير، حينها أشار لزوجته بمغادرة الغرفة واحكام غلق الباب خلفها
- تعرفان أننا نحن الثلاثة روحٌ واحدة، وهى كما تعلمان حالة نادرة في عصرنا هذا، ولا يعلم عنها شيئًا سوى ثلاثتنا، ولكن حدث - منذ أربعين عامًا حين زرت مقبرة العظماء - أن اكتشفت أنني كنت ملكًا في القرن الرابع عشر، وأنّ الجثة المسجاة تحت التابوت الأبانوسي جثتي، وأحجمت أن أخبركما بذلك وقتئذ لسببين أولهما أنك يا محمد كنت لا تزال طفلًا لم تتجاوز العاشرة من عمرك، وكذلك أنت يا شنتو كنت لا تزال رضيعا
- والسبب الثاني يا فرانسوا؟
- السبب الثاني كان خشيتي أن تسخرا مني أو تظنّا أنّ بي خبلاً أو مسّني جنّي
حاول شنتو أن يكتم ضحكته- فالوقت لا يناسبه قهقهةٌ أو مزاح- لكنه لم يستطع، مما أثار استغرابي بل واستنكاري أيضًا، واندهاش فرانسوا، الذي لم يسطع أن يخفي اندهاشه رغم ما يعانيه من سكرات الموت
- وأنا أيضًا أخفيت عنكما سري الذي علمته عندما كنت رضيعًا، ووعيت كنهه عندما بلغت الحلم
- سر يا شنتو أنت أيضًا!..قل..قل ما هو ؟
- حلمت أنني كنت جنديًا مغوليًا في الجيش الذي أعده القائد العظيم جنكيز خان في القرن السابع الميلادي
كتمت ضحكتي وتصنعت الدهشة مما قالاه آنفا، ولم أخبرهما ما حدث لي حينما كنت في السنة الرابعة الإبتدائية، وصحبتنا مدرسة التاريخ في رحلة مدرسية إلى المتحف المصري.
محمد البنا...القاهرة في ٢٣ فبرار ٢٠٢١


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق