السبت، 20 مارس 2021

* الحلم ...* شعر مصطفى الحاج حسين

 * الحلم ...*

شعر : مصطفى الحاج حسين .
آهِ أمّي من هذا البِعادِ
ما عادَ قلبي يحتملُ أشواقَهُ
ولا عادت روحي تتَّسعُ
لكلِّ هذا الحزنِ
يَبكيني البكاءُ في كلِّ ليلٍ
حينَ النّومُ يتلبّسُ صوتَكِ
ويتراءى لي وجهُكِ
على دمعِ وسادتي
يخجلُني ابتعادي عنكِ
وكأنّي اخترتُ هذا المصيرَ ؟!
لماذا يا أمّي منعوا دمي
أن يتدفّقَ في عروقي ؟!
وأخذوا منّي ابتسامتي
رغماً عن شفتيَّ ؟!
وزرعوا طريقَ عودتي بالمشانقِ
أذكرُ كم عذّبتُكِ وأنا صغيرٌ
وأذكرُ كم غفرتِ لي حماقاتي!
ولكنّي أحبُّكِ يا أمي
وحقِّ حليبِكِ الطّاهرِ
وحقِّ دمعِكِ حينَ كنتُ أبكي
وحقِّ راحةِ يدِكِ
يومَ كانت تمسِّدُ لي أوجاعي
سامِحي غيابي
ولا تعتبي
على عصفورٍ يرفرفُ في القفصِ
أقدامي نخَرَها الانتظارُ
وأجنحتي مكتوفةُ الإرادةِ
أكتبُ إليكِ بلا كلماتٍ
لأنَّ أحرفي رهنُ الاعتقالِ
أناديكِ بلا صوتٍ
لأنَّ صوتيَ محتجزٌ
ليسَ عندي غيرُ حلمي
وأنا أحلمُ بلقائِكِ
ولن أتوقّفَ أو أكفَّ
عن هذا الحلمِ يا أمّي *.
مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول

مقدمة ديوان "وطني الجريح" للشاعر التونسي الأسعد التايب بقلم الشاعر طاهر مشي

 مقدمة ديوان "وطني الجريح" للشاعر التونسي الأسعد التايب بقلم الشاعر طاهر مشي

**********************************************************
تجسيم تيمة الوطنية في ديوان "وطني الجريح" للشاعر الأسعد التايب
"جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه، ولكن الأجمل أن يحيى من أجل هذا الوطن"توماس كارليل(كاتب إسكتلندي وناقد ساخر ومؤرخ. 1795 – 1881).
في خضم هذا الوضع المتردّي وتفشّي البلاء في كل العالم، فقد برزت العديد من الأقلام التونسيّة والعربيّة تنشد الأوطان، أقلام جريحة طغى عليها حبّ الوطن سيما وقد شكّلت الغربة دافعا وحافزا لنبش الجراح وتعديد النّكبات الموصوفة في الدّول العربيّة،
ويُعدّ الشعر الوطنيّ غرضا متجدّدا منذ بداية العصر الحديث، وهذا ناتج عن التقلّبات الحياتية والأوضاع المأساويّة والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية وما تعانيه الشعوب العربيّة خاصة في العشرية الأخيرة بتعاقب الثورات وما انجرّ عنها من تدنٍّ لمستوى المعيشة وكثرة المآسي التي ألمّت بالشعوب.
ةيضع الشاعر الأسعد التايب بين أيدينا هذا المنجز، ديوان "وطني الجريح" لتنسج ثوبا مختلفا عمّا سبق من شعر في حبّ الوطن،
فالتجربة الشعرية التي نتصفّح مخاضها، شكّلت مولودا فتيّا من رحم المعاناة والمآسي التي ألمّت بالوطن، حتى تتجسّد تيمة "الوطن" في كلّ النصوص التي أفرزتها هذه التجربة الغنيّة الحافلة بالإبداع، لتختلف الصور وتتعدّد في كلّ نصّ من يراعه، ولتتشكّل صورة (تونس)، فقد كتب الشـّاعر عن الوطن وعن البعد عنه وحبّه المتغلغل في صدره، بكلّ ما يحمل من أبعاد إنسانية وقيم حياتيه لتجسيد الوجدان في شكل قصيدة ...
فنجد تيمة الوطن في ديوان «وطني الجريح» متصدّرة هذا العمل الإبداعي بصورة جليّة ومتينة وبهرجة مزركشة في حلّة رسمت لوحات شعريّة في حبّ الوطن، فقد طوّع الشاعر الخيال، وجارى الأحداث الواقعة لاطّلاعه ومتابعته الشّديدة لوضع البلاد، فكرّس ما أمكنه من جهود لوضع مسار إبداعي متميّز حتى لا أقول منفرد لأنّ الصورة يتوارثها الأجيال، لكن الصياغة تبقى وليدة الحسّ الفنيّ والإبداع الشعري، حتى تصل الرّسالة المقصودة للقارئ،
وليست هذه دراسة لعمل إبداعي، بل هيّ محاولة لقراءة ما بين السّطور لما ورد في مجمل هذا الديوان الشعري، مسلّمين بأنّ قصيدة النّثر هي موطن للإبداع وسبيل ينتهجها الشاعر للتعبير عمّا يختلج بوجدانه.
وبرز جليا بعدُ الشاعر عن وطنه فولّد ذلك في نفسيّته مشاعر متفاوتة لتجسيم الصورة الشعرية، بأبـعادها المختلفة، فيفرز من رحمها الحبّ والحنين وندرك من خلال بعض الصور خوف الشاعر على الأهل والبلاد، فيصوغ شعرا حالما بغد أفضل في خضمّ هذا التضارب المعيشي والوضع المتردّي لما آلت إليه البلاد شأنها شأن البلدان العربية.
فتيمة الوطن تشكّلت منذ عتبة العنوان "وطني الجريح" إذ يسافر بنا الأسعد التايب إلى عالم الإحاسيس والمشاعر، فكأنّي به ينزف ليحاكينا في مولوده هذا عن الجرح كما تصوّره وكما عاشه في بلاد الغربة، فهذا النتاج كتلة من الأحاسيس التي أفرزها البعد عن الوطن وقد وجد للسان قلمه جرأة في الوصف ونحت للصورة وعرض لمشهد بعض الأحداث الأليمة التي ألمت بالوطن...
وقد قال في قصيدة: ألا يا وطن
مِنْ جَلَلِ المصائب
والخداع
قَد ضَاقَ صَدْرِي
فِي بَحْرِ الضَّيَاعِ
أمَا تَدْرِي يَا بَحرُ
كَم ضِقْتُ ذَرْعًا
فلِكُلِّ نَاعٍ للخَضْرَاء
نَاعٍ.
ويبرز في هذه القصيدة عمق الجرح الذي يسكن ضلوع الشاعر وهذا البعد عن الوطن لم يمنع مشاعره من الهطول سيولا لرسم لوحة بديعة تتشكّل في خطوطها صورة الوطن والغيرة التي تتملّكه وحبّا إليه.
وإنّ الدّلالات في جلّ نصوص شاعرنا تخفي في عمق عبارتها وجعا وحملا ثقيلا فتتجسّد العبارة في صوته وترتسم العبرة في بلاد الغربة، وتطغى مشاعر الحسرة والحزن والشجن والشوق والحنين والحبّ .
وقد صاغ الشاعر الخطاب المباشر في العديد من النصوص بسلاسة ولغة مبسطة لنقل الواقع، حتى ندرك عمق المعاناة وجرحه المرسوم في نبضه من خلال القصائد على آمتداد الوطن.
فقال في قصيدة: اغتصاب وطن
مَا زِلْتُ أَرْثِي كَنْز مَوْطِنِي
الذِي غَدْرا نُهبْ
شَرّ الطُغَاة المُسْتَترَ
أشْكُو إلى الله العَلِي المُقْتَدر
فقد تتعدّدت الصّور في جل النصوص لكنّه جرح عميق وحسّ وطني وثيق بين الشاعر والوطن فترتبط العاطفة بالمشاعر ليخرج الإحساس معلنا وطأة الفقد والبعد. لكنّ الصّلة وطيدة بين الشاعر وبلده لا تنقطع فهو في الأعماق يرسمه في كل قصيدة، ليبرز جرحه المكنون معبّرا على قلقه عن الوضع الذي آل إليه.
قال في قصيدة: العودة
فيا أيها الزمن ولِّ عنّي
ولا تقترب من حدود الجسد
وخذ من وتيني دواء لشعبي
لتجعله الرّوح فيهم وتد
فأبقى وفيا لها للأبد
فتونس في قلب الشاعر وفي جوهر نتاجه ونبضه الذي ينزف دما، لكنّه تجاوز في عدّة نصوص حدود الوطن، ليشمل جلّ الأوطان العربية التي سكنتها الفتن وتردّي الأوضاع السياسية فيها والنزاعات المتواصلة جرّاء الثورات والأحداث المأساوية ناشدا السّلم والسّلام للأوطان العربية وقد تعكر صفو الربيع العربي، ما أفرز من قضايا تغنّت بها الأقلام العربية، وغيرها في أوطان منكوبة أخرى.
قال في قصيدة: صفقة القرن
أسفاه على ذي الدّماء التي قد أريقت
وا حسرتاه على صمتهم
وتلك الخيانة
خجلت شعوب العرب
ربما يبكينا العالمْ
فالوطن أمة نلتحف بردائها وهو الحضن الدافئ والملجأ والمرسى الذي يتعبّد الإنسان في شطآنه، فهو الميناء لكلّ السفن حيث نخلد لنستريح كلما تعكّر صفونا وأضنتنا رحلة الحياة القاسية، فهو موطن للمحبين والعاشقين ، إذ نجد ذراعيه مشرعتين لتعود إليه أنى تلعثمت خطانا فينقذنا من الضياع ويمحو بحضنه سنوات الغربة.
فما تنتصر الأوطان إلا بوعي شعوبها وتونس تبقى في القلب تتغنى بها الأقلام وربيعها مزهر رغم الكبوات التي تعترض شعبها خلال السنوات العجاف الأخيرة التي يمرّ بها.
هذا ما أوحى به القلم بعد إستعراض نصوص الشاعر الأسعد التايب ولم أتقصّ كل مواطن الجمال في وأترك للقارئ سبيل الغوص في مكامن هذا المنجز وسيجد روعة الحرف.
هو مولود بهيّ ينتظر نجاحه
وبالتوفيق لهذه الوطنية المخلصة.
الشاعر طاهر مشي.

للحقيقة عدة أوجه قراءة بقلم شيخ النقاد العرب / أحمد طنطاوي لنص ( الوقحة ) ل/ أمل المنشاوي

 للحقيقة عدة أوجه

قراءة بقلم
شيخ النقاد العرب / أحمد طنطاويahmed
Ahmed Tantawy
Tantawy
لنص ( الوقحة )
ل/ أمل المنشاوي
Amola Elmenshawy
.................
النص
.......
الوقحة
***************
اليوم... كنت عنيفة جدًا، بل أنني كنت وقحة كذلك! لم أعتد في نفسي مثل هذه الوقاحة، حتى من يعرفونني لم يرق لهم أن أكون هكذا... !
جاءت لتزورني من لم أعتد زيارتها لكنني استقبلتها بترحاب، بدت عليها أمارات التحفز والغضب، وعندما سألتها عن ذلك قذفتني بسيل من الاتهامات التي لم أتوقعها؛ اتهمتني بالخوض في سيرة ابنتها، واخذت تهدد وتتوعد إن لم أنفْ ما قلته سيكون ردها قاسيا !
بدا عليُ الهدوء بينما بركانٌ من الجحيم يغلي بين ضلوعي. أخذتني الأفكار لذلك اليوم الذي اتهمني فيه الطبيب الذي يعالجني من مرض صدري مزمن.. بالجبن! كان يبتسم ابتسامةً ماكرة عندما قال لي ذلك.. كان من عادتي أن أذهب إليه برفقة زوجي، فيفحصني دون أن يكشف من جسدي إلا القدر القليل جدًا، أما في ذلك اليوم، فقد غادر زوجي لبعض شئونه وتركني أنتظر منفردة إلى أن يأتي دوري؛ دخلت حجرة الكشف وحدي! عندما رآني الطبيب وحيدة أصابته الدهشة، لكنه كان أكثر أريحية إذ أمرني أن افتح زرارًا آخر من كنزتي حتى يتمكن من الفحص الجيد؛ فاستجبت رغم استيائي، ولم أبد اعتراضًا، فما دمت في أرضك فأنا خاضعة لقوانينك. جاء زوجي واستأذن في الدخول في الوقت الذي انتهى فيه الطبيب من الفحص؛ فعدّلت ملابسي ونهضت. نظر لي الطبيب نظرةً ماكرة وقال هامسًا وعلى ثغره ابتسامة اتهام :
_خوافة !
اكتفيت بنظرة بلهاء مستنكرة، ولم اتكلم و لم أدافع عن نفسي ، فدفاعي عن نفسي هو اتهام له، وقد اعتدت أن أتهم نفسي! وما الضير في ذلك فالنساء في بلادنا دائمًا مذنبات، هكذا علمتني جدتي، ولهذا لم اخبر احدًا بذلك الرجل الذي تبعني ذات صباح حتى مقر عملي، وفي المساء عندما انتهيت وجدته ينتظرني؛ ثم تبعني حتى باب البيت! فتملكني الخوف وظننت بنفسي سوءا، فتشت في ملابسي و في مشيتي فلم أجد خللا..تربيت على الالتزام بما يوافق عقيدتي، لكن ما حدث جعلني أتساءل : ما الذي فعلته؟
في اليوم التالي أخبرني أبي أنّ ابن الحلال قد طرق بابي وحان وقت سعادتي! وعندما قابلته وجدته ذلك الذي كان يتبعني بالأمس! شعور سعيد امتلكني كنت أبتسم خجلًا كلما تذكرته، شخص تراه لأول مرة فيكون شريكك للأبد بلا مقدمات، شعور رائع رغم أنه مخيف، وتكمن روعته في المفاجأة، والأروع .. أنه ليس بي خلل! لم أهتم يومًا أن أعيش قصة حب، لكنني أحببته عندما علمت أنه اختارني، وما كان اختياره لي إلا بدافع الحب، أليس كذلك ؟!
في لقاء عاطفي جمع بيننا في فترة الخطوبة سألته عن سبب اختياره لي، أخبرني أنه كان يراني كل صباح وأنا ذاهبة للعمل، ثم قال باسمًا
_ لم أكن أعلم أنك تحبينني إلى هذا الحد إلا في ذلك اليوم الذي ابتسمت لي فيه!
كانت كلماته مفاجئة، لكنني ابتسمت وغضضت طرفي، فلم أشأ أن أخيب أمله و أخبره أنّ ابتسامتي كانت لأنني تذكرت مشهدًا مضحكًا من مسرحية كوميدية شاهدتها في الليلة السابقة، وأنني لم أره من قبل.
حتى في العمل كعادتهم جلس الزملاء يمرحون وقت الراحة، ويتبادلون النكات أو يتسلطون على أحد منا فيسخرون منه لموقفٍ مضحك مرّ به، وبدا لي أن أحدهم أراد تسليطهم عليّ ليسخروا مني لموقف طريف مررت به وكان حاضرا، لكنه سرعان ما تراجع وحوّل الأمر على زميلة أخرى وضحكنا جميعًا، وعندما التقاني منفردة أخبرني أنه لم يشأ أن يحرجني وأحجم عن سرد الحكاية بعدما غمزت له بعيني اليسرى، ففهم أنني لا أريده أن يحكي، قال ذلك برقة متناهية جعلتني أرتاب قليلا، لكنني شكرته على حسن صنيعه وانصرفت دون أن أخبره أنّ غمزة عيني هي حركة لا إرادية تحدث من حينٍ لآخر! العجيب .. أنه كلما رأني غمز لي وابتسم ..
كنت معبأة بالألم عندما علت نبرة جارتي حتى اخترقت جدران صبري، تذكرت الابتسامة المكذوبة التي جعلتني أسيرة بلا فداء، و تذكرت الغمزة غير المقصودة التي جعلتني موصومة بالانحراف، وتذكرت سوء ظن الطبيب وكان هو الاولى به!
لذلك لم يكن مفاجئًا أن تخرج جارتي من بيتي باكية متهمة إياي بالوقاحة وسوء الأدب .
والحقيقة، أنني كنت حقًا كذلك ! فقد قلت لها بكل وقاحة :
_ أنا لم أفعل ذلك !!
#أمل المنشاوي ١٧ مارس ٢٠٢١
.....................
القراءة
.........
بطلة النص كأنها أحد شـــــــــخصيات تشيكوف .. بطل مثخن بالجراح
العميقة , يعانى قسوةآلام بطل تراجيدى تتركز مأساته في نقطة محورية
و خطأ ما_ نبيل غالبًا _ لا دخل له في إيجاده , إنما وضعته الظروف في
لهيبه , و عليــــه أن يعانى تبعات هذا التورط القدرى _ كالتردد الهاملتى ,
و غيرة عطيل , و طيبة الملك لير البلهاء ... و هكذا .
و على هذا فيمكن في ظل قراءة أخرى النظر للنص من زاوية ( الكيان
النفسى المختل ) الذى أصابه عطب ما ارتيابًا أو تهيبًا و شــــكًا مرضيًا
و وساوس تجتاح الأجواء من حين إلى حين و تؤرق المسار .
قراءة تتوقف عند المنحى النفسى للشخصية كهاجس و معوق عن التكيف ,
و هو جانب يستدعى الشفقة الدرامية الحانية على البطل الضعيف المعذب
تحت وطأة هذه الأوهام التي تــــؤرق مضجعه , في مقابل القراءة الأخرى
الباهرة ( الاجتماعية \الثقافية ) التي تناولت بالتفصيل وضــــعية المرأة
كأنثى ما زالت تقع في دوائر الذكورية غير المتفهمة و المتسلطة .
القراءة الحديثة تنادى القراءات المتعددة مختلفة الاتجاهات و الألوان من
منطق أن الحقيـــقة تتميز بالأوجه المختلفة , و لا تعتمد الوجه الواحد فقط
بالمنطق النسبى .
أحيى الكاتبة الرائعة التي أجادت النسج و ســـارت بالسياق بشكل تناغمى
تسلسلى تأكيدى التفافًا بخطوط الزوايا الراسمة لجوانب الشخصية التي
يغرقها وسواس فقدان الثقة نتيجة عوامل كثيفة مرتدة كانت فيها التعاملات
خاطئة مع الطفل الغض الذى يتكلس بما يُطبع عليه من مــــظاهر قد يكون
أغلبها خاطئًا .
................
أحمد طنطاوي..١٩ مارس ٢٠٢١

قراءة بعنوان:" دعوة للبحث عن كنوز لا زالت مخفية في روااية بغداد وقد انتصف الليل فيها"... للروائية حياة الرايس Hayet Erraies بقلم الناقدة سهيلة حماد

  قراءة بعنوان:" دعوة للبحث عن كنوز لا زالت مخفية في روااية بغداد وقد انتصف الليل فيها"... للروائية حياة الرايس Hayet Erraies

الإطارالعام: التّاريخ الخميس 18/03/2021
قراءة قدمتها بخيمة الإبداع، ضمن نشاط نادي السرد توفيق بكار، في رحاب شارع الحبيب بورقيبة، بتونس العاصمة، من ٠أمام النّصب التّذكاري لابن خلدون الواقع بين الكاتدرالية والسّفارة الفرنسيّة في ( البلاد السّوري) كما كان يطلق عليها زمن الاستعمار وبعده كما ورد في الرّواية على مقربة من (باب بحر)، ...ذاك الموقع الجغرافي الذي شدّ الرّوائيّة... على مرأى من نصب "سي لَحبيب" والمقصود الحبيب بورقيبة -محرر المرأة التونسية، بعد أيام من الاحتفال باليوم العالمي للمرأة-...
قراءة كان من المفروض أن تقدم منذ السنة الفارطة في فضاء دار الثّقافة ابن خلدون بنادينا (نادي السّرد توفيق بكار) بإدارة الدكتور مصطفى المدايني Abou Yosra
========
===========
(بغدادُ و قد انتصفَ اللّيلُ فيهَا)
عنوانٌ مخاتلٌ، يحرّكُ في الذّهنِ مشاهدَ عبرَ البوّابةِ الرّمزِ "بغدادَ". بغداد كانتْ منذ القدمِ معراجًا للقصِّ، والرّواياتِ، فمنذ شهرزادَ، و منْ قبلهَا ملحمةُ جلجامشُ، و العالمُ يثبّتُ أنظارهُ على عالمٍ مفعمٍ بمادّةِ القصِّ و الحكايةِ و منجَمِ الخيالِ، الذِي كان أصلُ منبعِ الرّوايةِ من المقامةِ التي أوجدتْ السّاردَ العليمَ، إلى الأسطورةِ و فنِّ حبكةِ تأليفِ الحكيِ والمماطلةِ في كشفِ العبرةِ والغرضِ في النّهايةِ بالتّشويقِ والتّزويقِ والتّنميقِ والتّرميزِ، والتّعوّدِ على فنِّ إبداعِ إلتقاطِ أسرارِ العلاماتِ، و الرّموزِ من المتلقّي وفكِّ طلاسمِ المنطوقِ واقتفاءِ اكتشافِ المحذوفِ بتتبّعِ المذكورِ بحسبِ ضوابطِ شروطِ التّقديرِ...
بغدادُ عنوانُ التمدّنِ و الحضارةِ ماذا وقدْ انتصفَ اللّيلُ فيهَا ؟
أهيَ بدايةُ سردِ شهرزادَ الحكايةَ على أميرها شهريارَ؟..
أم هي صفّارةُ إعلان قصفٍ على شوارعِها...
الزّمنُ منتصفُ اللّيلِ... زمنٌ سرمديٌّ...سمتُه التّكرارُ ...
في الذّهنِ اشتعلت أيقونةُ حربِ الخليجِ، و تحالُفُ العالَمِ على قصفِ العراقِ بحجّةِ امتلاكهِ النّووي، وبدايةُ القصفِ من أمامِ نُزلِ هارونَ الرّشيدِ، الذي نقلتهُ جميعُ راديوهاتِ و تلفزيوناتِ العالَمِ ...
الخبرُ يحيلنا على محذُوفٍ، حالةُ بغدادُ وقد انتصف الليلُ فيها...
أيّ منتصفٍ تقصدُ سيّدةُ الحكايةِ وقدْ مرّتْ ببغدادَ أزمنةٌ؟...
فالزّمنُ المعطَى إيقاع غيرُ معرّفٍ زادَ في التّظليلِ كما هو الحالِ، الذي يعرّفُ بالحواسّ، موضع خلافٍ لاتّهام هاته الأخيرة بالنّسبيّة لمن عايشَ الوضعَ وتابعَ الأحداثَ في نفسِ الزّمنِ ...
على ما يبدُو هي مشاغبةٌ و مشاكسةٌ لذهنِ المتلقِّي وإعلانُ إرسالِ خبرٍ سِمتُه ظرفٌ زمكاني ليتشظّى حالاتٍ وانفعالات و ملاحمَ في ذهنِ المتلقّي، تحيلنَا على نظرياتٍ التلقِّي التِي بدأ البحثُ فيها منذُ إعلانِ عهدِ الحداثةِ إلى ما بعدَها...
عنوانٌ ورد في شكلِ جُملةٍ اسميّةٍ مركّبٍة ينبىءُ بمحتوًى مركّبٍ ...
(بغدادُ وقد انتصف اللّيل فيها )
روايةٌ احتوتْ على 240 صفحةً صدرتْ عن دار ميارة سنة 2018 .
تضمّنت:
تصديرا للكاتبةِ
إهداءً
ومقدّمةً غيريةً
وفاتحةَ شهيةً
روايةٌ تدخل في باب االسّيرِ الذاتيّةِ والاعترافاتِ الغيريّةِ لبعض الذّواتِ. حيثُ لعبتْ تقنيّاتُ السّردِ بأنواعِها إلى جانبِ اللّغةِ والأسلوبِ والذّاكرةِ والتّشظِّي والمشهديّةِ دورَ البطولةِ، من الألفَ إلى الياءِِ موقّعاً بإيقاعِ الحذفِ والتّكثيفِ، والمفارقةِ، معَ أنسَنةِ المواقعِ الجغرافيّةِ وأسمائها وتطورها عبر الأزمنةِ ببثّ الرّوحِ فيها والاستنجادِ بكلِّ الفنونِ وكلّ العصورِ ... كما لعبَ الحوارُ والمونولوجُ دورًا استراتيجيّا مخابرتيّا، في دفعِ الحكائيّةِ للسّيرِ بالرّوايةِ نحوَ التّشويقِ وتوليدِ الأحداثِ، لمشاغبةِ المتلقِّي وكسرِ كلِ توقّعاته، من دونِ أن تفلتَ منهَا غرزةٌ، أو تنشِّزَ في الآداءِ، وقدْ قسّمتْ حياةُ الرايسَ، روايتَها إلى عدّةِ فصولٍ بلغت الثّمانية وعشرين فصلا ، حتّى تضمنَ عدَمَ ملل قارئها، لذلكَ كانتْ الفصول، متنوّعةَ المواضيعِ متداخلةً في بعضِها البعضِ بشكلٍ مذهلٍ لشدِّ هذا الأخيرِ، فاسحةً لهُ المجالَ لهضمِ المعروضِ. اختلفَ طولُ الفصلِ علَى حسبِ الغايةِ والمادّةِ المتوفّرةِ، فقد بلغَ طولُ فصلِ (شياطينِ الجامعةِ)، صفحةً وسطرينِ ونصفاً وكأنّها أرادتْ أن تنبّهَ المرسل إليه، إلى لحظةِ ميلادِ أديبةٍ و بدايةِ مكابدةِ رحلةِ الكتابةِ " الشّيطانُ أظنّهُ حينَها دخلَ عالمِي وقلمِي وأوراقِي وسكننِي وصارَ مُلهمِي الأبدِي" لتُعاضد بذلك الميتاسرد في ص86 فصلٌ كانَ أوّله هزلا وآخرهُ جدًّا...
وقد شهدنَا لحياةِ الرّايسِ أربعَة تواريخَ ميلادٍ:
الأولُ؛ كانَ لحظةَ ميلادِها على يدِ وحيدة بالحاجِ
والثّانِي؛ لحظةَ وصولِهَا بغدادَ،
والثّالثُ:؛ ميلادَ أديبةٍ،
والرّابعُ؛ ميلادَ ما بعدَ قصفِ المفاعلِ النّووي ببغدادَ.
افتتحت فصولها ب "ساعة الوداع"
كما عنوت الفصل الرّابع عشر " خليّة النّحل"
والفصل الأخير "عروس المربد"
عناوينَ الفصولِ تكشف عن رحلةٍ وجوديّةٍ لمحطّاتِ مسيرةٍ وكينونةِ حياةِ ذاتٍ...
طبعا هذا في قراءةٍ انطباعيّةٍ سيميائيّةٍ للعناوينِ قبل الدّخولِ في تفاصيلِ الفصولِ ...
عناوينٌ مخاتلةٌ انبنتْ على إيقاعِ تّكرارِ معانى- الأوّلِ، والحبِّ والحربِ والأمِّ- والتّكثيفِ والمحسّناتِ البديعيّةِ وثنائيّاتٍ ومفارقاتٍ جمعتْ الأديبَ بالفيلسوفِ، حضرَ القرآنَُ عبر التّناصِ، كذلك المسيحُ عبرَ المسيحياتِ، وبغدادُ، والعراقُ، وتونسُ، وباريسُ الحلمِ، والمقدسُ عبر المقدسي، والحنينُ عبر بُرغلِ أمّي والأسطورةُ والفلسفةُ والرّغبةُ والبعثُ والحبُّ والحربُ والحرُّ كمَا حضرتْ الحروفُ الأبجديّةُ... عناوينٌ مثيرةٌ اشتغلتْ عليهَا الرّوائيّةُ وكأنّهَا جمعتْ بهَا كلَّ أدواتِها لتتوِّجَ بهَا فصولها . محتوًى دسمٌ مكثّفٌ جدليٌّ مثيرٌ لمجتمعينِ، يحملُ كلٌّ منهمَا صورةً مشوّهةً عنِ الآخرِ نتيجةَ انغلاقِ السياساتٍ، غرّبتهمَا عن بعضهِما البعضِ، عمّقهَا الاستعمارُ وغذّاهَا اختلافُ الرُّؤى والتّطرّفُ الفكري والدّينِي والسّياسي، في محيطٍ جيوسياسِي متضاربِ المصالحِ تطغَى عليهِ تجاذباتٌ دينيةٌ، حضاريّةٌ، ثقافيّةٌ، و سياسيةٌ، يتأرجح بين نظامين الأوّلُ رأسُماليٌّ متغوّلٌٍ، والثّاني نظامٌ شيوعيٌّ بدأ يتقهقرَ لصالح النّظام الأوّلِ بعدَ أن أثبتَ عدمَ قدرتِه على الصّمودِ والمقاومةِ...
روايةٌ تتعالقُ معَ الذّاكرةِ الإنسانيّةِ والتّاريخ، ما بين مقدّمةِ جليلة الطريطر، والفصل الأوّل (ساعة الوداعِ الحارقةِ)
يقع نصّ غرائبيّ شكلا، من الصّفحة 11 إلى الصّفحة 16، يأتي امتدادا للعنوانِ وظلُّ ظلالِ ذاكرةٍ، ذاتُ "الأنا"، ولذواتٍ تاريخيّةٍ، تحملها الذّاكرةُ الإنسانيّةِ، لذواتٍ في حاضرِ وواقعِ الرّوايةِ، تُوقِّعُ بصمتَها، لتكونَ رافدًا، ومرجعًا، تنتسبُ إليه النتائجُ، ومنصّةٌ تعيدُ طرحَ أسئلةٍ، تفتحُ نوافذَ على التّاريخِ، تعيدنَا بغرضِ تأريخِ البداياتِ، لربطِ أسئلةِ الحاضرِ مع نشأتِها، ومرجعيّتِها، في الزّمنِ السّابقِ، لمعرفةِ أصلِ الظّاهرةِ، والتّعرفِ على فصلِها، ونسلِها، حسبِها، ونسبِها، ومنبَع الأزمةِ، وجذورَها التّاريخيّةِ، للمقاربةِ بغرضِ زعزعةِ ورجِّ المتلقِّي، للتأمّلِ لإعادةِ قراءةٍ جديدةٍ، لأحداثٍ ووقائعٍ تاريخيّةٍ بعد إعادةِ تركيبِها، بإدخالِها لعوالِمِ الرّوايةِ، بتسليطِ الضّوءِ على مَناطقِ الظلِّ، وبعضِ المسكوتِ عنهُ، وانعكاساتهِ علَى الذّواتِ لاختبارهِ في واقعٍ تجريبِي، يعبقُ من الحقيقةِ والتّخييلِ، يفرضُ نفسهُ على القارئِ حيثُ تتقارعُ شخوصُ الرّوايةِ، ليدافِع كلٌّ عن نفسهِ بصوتهِ وبلغتِه وبحسنِ تقمّصِه للدّورِ، عبرَ منطقِ وحبكةٍ، كان فيهَا الإيهامُ السيّدَ، ولسانُ البيانِ، للإيقاعِ بالمتلقِّي بعدَ التّأثيرِ عليهِ، لإقناعهِ لتصديقهِ، وهكذا صارت الرّوايةُ التي بين أيدينا بحرُهَا السّردُ وكلُّ أنواعِ الفنونِ، وأدواتُها اللّغةُ وريشتُها الحروفُ ، وألوانها الشّاعريّةُ والبلاغةُ والمشهديّةُ، عبر المجازِ، للإيحاءِ بقصد الانزياحِ، والإبداعِ، والإيقاعِ، للعزفِ على أوتارِ الذّاكرةِ ودغدغةِ الذّهنِ، بحثًا عن لحنٍ مشابهٍ، ونغمٍ لذيذٍ، تنتشِي لهُ ذائقةالقارئِ، بحسنِ التّأثيثِ والوقفِ عند التّفاصيلِ، لإدخالهِ في بيئةِ النصِّ، باستحضارِ أشيائِه، بحيثُ تقلّصَ الواقعُ الحاضرُ للمتلقِّي، فاسحًا المجالَ لأبطالِ الرّوايةِ لاكتساحِ فضائِه محولًا إياهُ ركحًا لاحتواءِ شخوصِ الرّوايةِ بأدواتِهم وأثاثهمْ، ولباسهمْ، ولغتهمْ، ومنطقهمْ وروائحهمْ وأحلامهمْ وطموحاتهمْ، لآداءِ أدوارهمْ وفقَ تفضيّةٍ مدروسةٍ، وبحثٍ مسبقٍ تلَى فكرةً سكنتها، فهل أخفقت أم وُفِّقت؟ وهل يمكن اعتبارها نجحت في تخطي الوقوع في خطإ تقنِي ينقصُ من قيمة روايتها باعتبارها روايةٍ تاريخيةٍ، كالخطإ مثلًا في ذكرِ تواريخَ مفصليّةٍ؟ أو عدمِ الاعتناءِ بمُوضةِ العصرِ، للرّوايةِ المرجعِ، وكلُّ ما لهُ علاقةٌ ببيئةِ الحقبةِ التّاريخيّةِ والاجتماعيّةِ والعمرانيّةِ والثقافيّةِ والفكريّةِ السّائدةِ التي ستؤثرُ حتمًا على شخوصِ الرّوايةِ في ثنائيّةٍ ضدّيةٍ حتى تقضِي على المللِ؟ ...
استخدمت تقنية التّشويقِ عبرَ المخاتلةِ تأخيرا وتقديما استرجاعًا وقفزًا وتوقّفًا لسبرِ أغوارِ بعضِ الشّخوصِ، معَ الحرصِ على كسرِ أفقِ انتظارِ المتلقِّي للمتعةِ لمنحِ القارئِ فسحةً لملمةِ بناتِ أفكارهِ ليتعالقَ مع النصِّ لتحصلَ الفائدةَ من الجدلِ...
كانت هذه بعجالةٍ، دعوة بالمختصر المفيد لتحفيز القارئ للاطلاع على الرّواية، بقصد الغوص في تفاصيلها بكلّ دقّة وعناية لاستكشاف بقية كنوزها...علما أن هذا التقديم هو جزء من دراسة مطوّلة سأنشر بقيتها في قادم الأيام على صفحتي.
تعرضتُ فيها لبعضِ أبعادٍ رصدتُها ورأيتُ أن أتناولَ كلَّ واحدةٍ في مقالِ لئوفِيَ الروايةَ بعضًا من قيمتِها الأدبيةِ الحداثيةِ العاليةِ والرّصينةِ، في إطارِ ملامسةِ الرؤيَا، بحثًا عن الأديبةِ من خلالِ أثر أُعتُبرهُ سيرةً ذاتيةً، ذاتِ خصوصيةٍ متفردةٍ في منهجية العرضِ والطّرح واللّعبِ على مفرداتِ اللغة، بحرفيّة، مزجت بين الأدبِ والفلسفةِ، في عرسٍ عربي إقليمِي كسرَ الحدودَ منفتحٌ على الآخرِ وعلى كل أشكالِ الفنونِ وفقَ مدٍّ وجزرٍ في التاريخِ...خدمت رؤية الأديبة في إطار مقاربةٍ بين الهنا والهناك المنفتحِ جغرافيا...بحثا عن إنسانيةِ الإنسانِ ...من خلالِ العلاقاتِ التي تربطُ الأفرادَ بعضها ببعض.
وفي الختام أشكر حسن انتباهكم واستماعكم ...
تاريخ إنجازها مارس 2020 زمن الحجر الأول( للكرونا -كوفيد 19- الجائحة المستجدة )


صراع الأقوياء قراءة تحليلية لنص (صرخة من الأعماق) للقاصة الجزائرية / فايزة عبد السعيد بقلم الأديب المصري / محمد البنا

 صراع الأقوياء

قراءة تحليلية لنص
(صرخة من الأعماق)
للقاصة الجزائرية /
فايزة عبد السعيد
بقلم الأديب المصري /
محمد البنا
...................................................
صرخة_من_الأعماق
على استحياء جاءتني تتمايل
تضمر خبثا، استرسل في إبراز مفاتنها ببطء يشعل كل كياني، سالبا جل اهتمامي، سرعان ما أسفر حياؤها ليستحيل جرأة تخدرني بعسل شفتيها الذي علم السم كيف يقتل.
علقتني في شباك أوهن البيوت...
قدت عباءة ثباتي من دبر... همت بي وهممت بها، لولا زمجرة ذلك الثرثار الذي لا يفلتني أبدا وبالأخص في الأوقات الحاسمة ، يسحبني من قمة تأهبي لفتنة ما
كأنه أخذ مكان ظلي... حتى ظلي يدعني وشأني، يشغل فقط ساعات عمله!
يصرخ بصوت غير منقطع، كأنما قد عجنت حباله من الصدى!
لا تهجع ولا تهدأ، كنت دائما أخبره بأنني أتمنى لو يغرب عن وجهي، لكن كيف وهو لا يملك ساقين حتى!
بتلك اللحظات بالغت بقسوتي عليه.
_تستفزني نظراتك التي تصوب سهامها نحوي أينما اتجهت، ألست أعمى؟!
تبا لبصيرتك اللعينة، يبتسم بهدوء يفقدني اتزاني،
بوقار يستمده من لحيته البيضاء وعباءته الناصعة، فهو كالكفن تماما، لكنه يكفن فقط رغباتي الجامحة!
هذه كانت أكثر المرات التي تمنيت فيها إعدامه!
لأن تلك الساقطة التي بين جنبي!
كانت تغمزه من الطرف الآخر، محاولة بخبثها ترويضه.. لكنها عبثا تحاول فهو لا يراها أصلا،
بعد أن يئست منه كما يئس إبليس من أهل القبور،
حاولت أن تدس السم في علاقتنا!
نهرته بقسوة مفرطة قائلا: لطالما تمنيت غيابك، لكنني اليوم أتمنى أن تموت...
أرعد الحزن في سماء ثباته، فبرقت بعينيه المبيضتين،لتسبح حمرة نور خديه بزخات الأسى..
طأطأ رأسه الذي كسر قلبي الغافل، وهو يردد
ألا يكفيك غيابي وابتعادي عن الجميع
...سأجتمع بالمخاطب والمتكلم، وننظم جميعا لحزب "الضمير الغائب".
فايزة عبد السعيد..١٩ يناير ٢٠٢١
..............................................
القراءة
.........
إنه الصراع الأزلي بين القيم العليا ويمثلها الضمير ( العدالة المطلقة والحق المطلق ) وإشاراته السيميائية في النص على سبيل المثال لا الحصر " بلا ساقين، أعمى، بصيرة، لحية بيضاء، عباءة ناصعة"، والرغبات الغرائزية المتمثلة في أوج صورها ( الرغبة الجنسية ) وإشاراتها السيميائية في النص " خبث، مفاتن، عسل شفتيها، همت به وهممت بها، الساقطة" وبينهما يمضي الانسان معظم حياته، فلا هو بالملائكي النقي شديد النقاء ولا هو بالشيطان الصرف( الأنا )، وقد تنبه عالم النفس الشهير الطبيب سيجموند فرويد، وأسس عليها منهاجه في العلم النفسي وتفسير الأحلام ( الأنا العليا والأنا وال هو )، وأتى النص الجميل تأويلًا وتصويرًا مؤيدًا وبطلاقة لما ذهب إليه فرويد، بل وزاد فأقنع مكملًا الرؤية والفكرة بقول الله جل جلاله في آي كتابه الكريم ( ونفسٍ وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها ) فقدم الفجور على التقوى لما له من قوة وفتنة وسطوة وسهولية المنال، بينما التقوى هى الطريق الصعب والذي يحتاج الى المجاهدة والصبر والمقاومة، وقد اقتصر النص هنا على ثنائية من ثلاثية فرويد، واكتفى بتركيز الصراع بين الأنا العليا ( الضمير )، وال هو ( الغرائز ) لأنهما وببساطة هما محور الصراع الأزلى وما ( الأنا ) إلا نتيجة حتمية لهذا الصراع، حيث أنها تتبع المنتصر فيهما قسرًا، وهو ما أدى بالكاتب إلى اختيار ضمير المتكلم كساردٍ للنص، مع حرصه الشديد على تلافي الوقوع في براثن الخاطرة، فتقمص ببراعة ( الأنا، مع ميل بوضوح متعمد إلى ال هو ) وكان ذلك من أهم أسباب نجاحه، بالاضافة إلى أنسنة الضمير وانطاقه في حوارية بارعة واضفاء الشعور الانساني عليه، وما يمنع إذ هو ( الضمير ) في الأصل جزء لا يتجزأ مننا كآدميين، ويمضي النص متكئًا على تناصية قرآنية ( أوهن البيوت، قدت من دبر، همت بي وهممت بها، لولا زمجرة ذلك الثرثار) متناولاً ببراعة ما ورد من آيات في سورة يوسف، ويواصل الكاتب تخيله الإبداعي فأضاف في خاتمة نصه تضافرًا بين الضمائر وتكاتفًا لنصرة الحق في ثورة على الفساد والإفساد والمفسدين.
نص جيد في مشهديته جيد في سلاسته السردية..جيد في لغته البسيطة المعبرة بدقة عن ماهية الصراع الداخلي في أروقة ودهاليز النفس، أعتمد بعض الجمل الشاعرية بمهارة وتوظيف محكم، ومنها ( أرعد الحزن في سماء ثباته// تسبح حمرة نور خديه بزخات الأسى).
وإن جاز لي أن أتوقف متأملًا، أتوقف عند جملتي الخاتمة، وهما
١- ألا يكفيك غيابي وابتعادي عن الجميع
٢- سأجتمع بضمير المخاطب وضمير المتكلم، وننظم جميعا لحزب " الضمير"
أيهما أفضل كخاتمة للنص وكلاهما جيد بل وممتاز، إلا انّ المنطق دائمًا يعطي الأفضلية لشيءٍ ما ويختصه دون غيره، لأنه الأقوى والأجمل والأقرب للكمال، والأشمل رغم خصوصيته...لذا إذا نظرنا إلى (٢ ) نجد فيها القوة وامتداد الصراع بين الخير والشر، ودعوة للتكاتف ضد الآثام، إلا أنها أفصحت بطريقة مباشرة عن بطل النص ألا وهو الضمير الإنساني ذاته، بينما لو تأملنا (١) لوجدنا فيها ما يؤيد العنوان ويتماهى معه ويؤكد عليه، فهى صرخة من وجع، ورجاء من يأس، وإشارة سيميائية في منتهى القوة والبلاغة إلى فساد البشرية في مجملها ( غيابي وابتعادي عن الجميع ) فالجميع أمسوا بلا ضمائر حية، ولم يتبق للضمير ملجأ يلوذ به ويتكئ عليه إلا صاحبنا هذا، وكأنه يقول له في أسى المقولة الشهيرة ل يوليوس قيصر " حتى أنت يا بروتس!".
وبناءً على ما سبق من شرح، فأني أميل بقوة إلى انتهاء النص عند (١) وحذف (٢).
...........................
محمد البنا..١٤ مارس ٢٠٢١