قراءة بعنوان: وجه الشّبه بين شبح الكورونا و الطّاعون لألبار كامو
في قصيدة "حجر أبدي" لفاطمة هاشم الآغا
براع في النّظم، و إتقان في توازن اللّفظ و المعنى، وانسجام المشهد، مع رعشة الفؤاد، والشّوق و اللّهفة، وصبر أم على الوجع بالدّندنة على صدق مشاعر الأمّ التي أشعلت نار كلّ أمّ غادر أبناؤها عشّها، و غدرها الزّمان بحرمانها من ضمّهم في آخر جولة، بحكم إرهاب قاهر، فرضه الجبابرة تطاحنوا من أجل اقتسام العالم بواسطة مخلوق بيولوجي، طُوِّر من قبل مخابر تأتمر تحت أوامر عسكريّة مخابرتيّة، تتّجه أصابع الاتّهام تارة نحو هذا أبيض وطورا آخر نحو ذاك أصفر و بلد غربي في صفقة كانت ابتدأت إبّان ذُروة أزمة فعليّة وحلف عسكريّ مخبراتيّ يرجع تاريخه إلى سقوط بغداد لم نسمع عنه إلّا الآن والكلّ يتّهم الكلّ لإكمال مسرحيّة بطلها أبيض وأصفر في هذه المرّة فيما تخلّف دبّ و مدلّل وراعي بشر ...اشتركوا من أجل سحق البشريّة و إتمام مشروع كان ابتدأه داعش بيدق راعي بقر ليكون هذا خبره و تتمّة لمبتدإ مقنعين الشّعوب، أنّهم يدافعون على الإنسانية و حماية السّلالة البشريّة، مبدأ كان قد أقرّه فلاسفة القرن الماضي، و على رأسهم راسل الذي يرى أنّه من الضّروري، أن يحتكم العالم تحت إمارة شيخ محنّك، لا بد أن يكون من الغرب لخبرته ورصانته ، و مقدرته في إدارة الأمور ... و إلى وقت قريب كان برتبة راع بقر في أفلام هوليود .. أحكم الخناق على رقبة زعيم قوميّ ... بدائرة تشبه الصّفر الذي اخترعناه و قدّرناه ...فكان أن غادرنا، فارّا من جهلنا و الحال أنّنا ظننّا أنّنا توجناه وعلّينا قدره و مقداره ...
قالوا" إن أجود الشّعر أكذبه"،و ها إنّك بمقابلة صدق المشاعر، بالواقع وبالصّور البلاغيّة، و المحسّنات البديعيّة، أسكرتنا برمزيّتك الاستعاريّة، و جبرت خواطرنا، بفصيح الكلام وأجمله، رغم ما أصابنا من همّ وغمّ من أنباء متضاربة...
تحيلنا القصيدة، على الطّاعون لألبار كامو، تلك اليوميّات التي تنقل لنا قصّة مدينة وهران، التي تمّ عزلها على إثر الطّاعون، و ما أحدثه ذاك الوضع المأساوي الكارثي لدى الذّوات، حيث أنتج غربة وجودية، تعمّقت بحكم المصير المأساوي الكارثي، الذي بدا محتوما، اتصف بالّأمل واللّامستقبل، و قد صاحبه شعور بالقلق، و الضّيق حيث تحوّل الزّمن عدوّا حقيقيّا للوجود يشبه الغول ...
فالغول في رواية الطّاعون ما هو إلّا الكورونا، في زماننا هذا و قد تجاوز مدينة وهران، ليصير عالميّا، كونيّا تشاركت فيه كل الشّعوب، فالكارثة محرقة كالتي قام بها هتلر في حق رهط من البشر، المعروفة بالهولوكوست ، و العزلة صارت عزلة أفراد بل وصل بنا الحال إلى عزلة أمّ عن ابنها، و ربّما قد تبلغ العزلة، فصل أم عن جنينها في مستقبل الأيّام ...أمّ لا تخاف من أن تُصاب بعدوى من ابنها، بل أم تخاف أن تنقُل هي إلى ابنها شبح فيروس الكورونا ... فهي مستعدّة أن تفديه بحياتها ...
وإن شاقها فراقه، فهو لازال يسكن جسدها كما يسكن أضلعها و ذاكرتها حتى عينها لا تفكّر في أن تلومه على تأخّره حيث تقول :
لا تقتربْ...
لا تقتربْ فالعين تلقاكَ
إنَّما عنك أمنعُ نفسي
فأنا للصَّبر أويْت
أنا على ذمَّة الفقدِ
انتهَيْت
ما نسيتُك
ما انثنَيْت
كيف أنساك
في الضُّلوع
لكَ سُكنى
لك بَيت
جمرُ شوقي لفَّ قلبي
آليتُ صمتي
ومشَيْت
نبضُ روحي نذرُ عمري
لعَينَيك
أنا افتدَيت**
أحاورُ نفسي:
ـ لمَ تأخرْتَ؟
عندما عدْتَ...
...
لن أقابلَك...
لن أضمَّك
أخاف عليك
فأنا أرحلُ...
و الآنَ أنتَ ابتدَيت
لن أعاتبَكَ
أنت في عمري سرَيْت
لن أقبِّلَ وجنتَيك
لن أصافحَها يديك
سأكتفي بعناقٍ للعيون
آه منها كم بكَيت...
سهيلة بن حسين حرم حمّاد
تونس زمن الجائحة والحجر العالمي مارس 2020
=====
=========
** حَجْرٌ أبديُّ **
آ الآنَ أتيْتْ!!!
أتركْتَ كلَّ الزَّمنِ
واليومَ انتقَيتْ!!!
اليومَ مسحْتَ البعدَ
وإلى القرب انتمَيْت؟
كم وكم تقْتُ إليك
كم اشتهَيْتُ
أن أحضنَك أن أضمَّك
غبتَ عني...
ونأيت
لا تقتربْ...
لا تقتربْ فالعين تلقاكَ
إنَّما عنك أمنعُ نفسي
فأنا للصَّبر أويْت
أنا على ذمَّة الفقدِ
انتهَيْت
ما نسيتُك
ما انثنَيْت
كيف أنساكَ!!!
في الضُّلوعِ
لكَ سُكنى
لك بَيت
جمرُ شوقي لفَّ قلبي
آليتُ صمتي
ومشَيْت
نبضُ روحي نَذرُ عمري
لعَينَيك
أنا افتدَيت
أحاورُ نفسي:
ـ لمَ تأخرْتَ؟
عندما عدْتَ...
كنتُ عن نفسي اختَفَيت
...
لن أقابلَك...
لن أضمَّك
أخاف عليك
فأنا أرحلُ...
و أنت الآنَ ابتدَيت
لن أعاتبَكَ
أنت في عمري سرَيْت
لن أقبِّلَ وجنتَيك
لن أصافحَها يديك
سأكتفي بعناقٍ للعيون
آه منها كم بكَيت...
من ظنوني كم اشتَكَيْت
مدجَّجةٌ بالشِّوق
خلفَ أوجاعي اختفَيْت
...
ألقاك خلفَ أسرابِ الأماني
طيفَ روحٍ
غادرَتْني واكتوَيْت
ليس حزناً
إنما شوقاً قضَيْت
..................
فاطمة هاشم الآغا.. / سوريَّة /

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق