الأربعاء، 6 يناير 2021

دراستان لنص ( عيش بايت) ل/ محمد البنا يقدمهما عملاقا النقد العربي أحمد طنطاوي وكنانة عيسى

 عندما تكون الرتابة سر الجمال السردي

.......
دراستان لنص ( عيش بايت)
ل/ محمد البنا
يقدمهما عملاقا النقد العربي
أ. Ahmed Tantawy
أ. Kinana Eissa
.........
عيش بايت
استيقظ فزعًا ، كمن لُدغ فجأةً من ذنب عقرب
قوم يا محمد ..الضهر إدّن من ساعة ، عايزين عيش -
تمتم وهو يزيح غطاءه عن جسده، ويهم بمغادرة فراشه
بالراحة يا حاجة ..فزعتيني ..الدنيا ماطارتشي -
لاحقته طلقاتها وهو ماضٍ في طريقه للحمام
-العيش الصابح هيخلص زي كل يوم ، وهترجع لنا متشملل وف إيدك عيش بايت
لم يلتفت إليها ، وقبض على لسانه؛ كي لا يبارح فمه ما اعتمل داخل صدره .
يسرع الخطى عابرًا الردهة في طريقه صوب باب شقته، تطل ابنته الصغري عليه
إطلالة خاطفة، ثم لا يلبث أن تدق أذنيه صيحتها الآمرة
-استنى يابابا
تسمّر مكانه، حاول أن يلوي عنقه لينظرها، إلا أن أوجاعًا مزمنة تعاني منها فقرات
رقبته، حالت دون ذلك، استطردت وهى تقترب منه
" ارجع وغيّر " التي شيرت " ده، مش ماشي مع " الشوذ -
ارتد كالمنوّم يمشي بتؤدة عائدًا لغرفته . _
رنين هاتفه الجوال يتصاعد، كم يكره أن يتحدث أثناء قيادته للسيارة، يعاود الرنين،
يرد مرغمًا
بابا ...تعالى خدني من تحت البيت ، ف الوقت ده مش هلاقي تاكسي فاضي -
لم تتركه ينتظر طويلاً أسفل العمارة التي تقطنها، قبّلها، وقبّل حفيدته الصغرى،
التي ما إن لمحته؛ اندفعت بجسدها الصغير، وكادت أن تفلت من بين يدي أمها .
في طريقه للمخبز، تصاعد رنين هاتفه للمرة الثالثة، ناوله لإبنته التي ما إن أنهت
المكالمة، التفتت إليه
إسلام بيقوللك عدّي على أي مكتب دفع فوري ، عشان النهارده ميعاد دفع فاتورة النت -
انحرف بسيارته باحثًا عن هذه النوعية من المحال المتخصصة، دلّته إبنته على أحدهم .
ترجل من سيارته أمام المخبز، الذي كان خاليًا من زبائنه، كما ألفه في هذا التوقيت
من كل مساء .
محمد البنا ..٢٠١٦
........................
اللجوء للعامية _ و كان يحيى حقى يؤمن بها جدًا _صورة
من صور التجسيد و التوافق و التمســـك بأهداب الواقعية و أشكالها ,
و كنوع من انطباق الشكل على المضمون أو المبنى و المعنى تحقيقًا
للتجانس و الموائمة .
النص يرسم إنسانًا فطريًا بسيطًا لا تزينه الفلسفات العميقة المغرقة ,
و هذا مقصود كما قلنا _ ...
إنسان هو نحن في الأغلب , و التصوير هو لعناصر و مفردات حياتنا
اليومية الرتيبة التي تأسرنا في شباكها , فتحيلنا مع الوقت إلى الآلية ,
و تمثِّلنا كأننا أحد تروس ســـــــــــاعة كبرى صورها شارلى شابلن في
فيلمه الخالد "الأزمنة الحديثة " و كان يقصد بها انهيار قيمة الإنســان
( كجوهر ) أمام [ جهامة ]الآلة و الانفجار الصنـــــــــــــــــــــــــاعى ..
الرتابة التي سُرد به النص يستدعى السياق النفسى الملول الذى صوره
"ألبير كامو " في رائعته الغريب ...
كل شيء عادى .. كما هو ... و التكرار الأبله هو السمة و القانون .
و سنظل في تلك الدائرة الجهنمية , نفقد ذاتنا الحميمة بالتدريج , حتى
نقترب من شكل الروبوت الذى ستؤكده تمامًا ( الشريحة ) القادمــــــة
حتمًا............. شـــــــــــــــــئنا أم لم نشأ !!!
ـــــــــــــــــ
تحية و تقدير للكاتب الكبير أستاذنا \ Mohamed Elbanna
أحمد طنطاوي..٥ يناير ٢٠٢١
...........................................................
...................................
لا ريب أن استهلال النص وقراءته المبدئيه تعلن النص كسرد حلقي بسيط، تتصل بدايته الموحية بنهايته في دائرة زمنية متصلة بالنسبة للمتلقي، حيث لا حدث ظاهر ولا بؤرة منفصلة ينبثق منها القص.
امتاز النص بلغة سلسة باللهجة المحلية ليبصر القارئ هوية المكان و طبيعة الزمان العلنيين.،لكن رمزية النص تبرز عمقًا مجتمعيًا يحمل على عاتقه ذنبا تراكميا لا يد للبطل أو لعائلته فيه.
يبدأ النص بهذا الاستيقاظ العجل والمزعج, لرب أسرة يتآكله روتين قاهر مستهلكًا، صباحات وجبت أن تكون هادئه رصينه، يلام فيها على تقصيره في تدبير طزاجة خبز المائدة، وتظهر الزوجة النكدة، والأبناء المتنمرون والمستغلون وحتى الأحفاد المدللون، كصورة نمطية مرفوضة تعودنا عليها والتي ظهرت كعقبة حقيقية أمام
نهار يجب أن يمر في حياة مواطن عادي بأقل الخسائر الممكنة،مواطن أثقلته هموم تأمين أبسط حق من متطلبات الحياة المعيشية، لكن الكاتب ما أراد لنصه (خبزه البايت) أن يلقي باللوم على أسرة من يدور عليه الحدث،، بل أراد له أن يكون إشارة ناقمة على خلل مؤسساتي، لا يضمن للإنسان في مجتمعات العالم الثالث
الحياة الكريمة بمعاييرها المألوفة إنسانيًا.
(الخبز البايت) هورمز فجوة زمنية يقع فيها كل روتين
وهو يتكرر كل يوم... وربما للأبد، وليس مع هذه الأسرة بالذات، إنما مع كل أسرة تعيش ظروفًا شبيهة، وهي تنطبق على الأفراد الذين يعيشون في مجتمعات أنهكتها البيروقراطية و الشللية، والفساد المجتمعي وتردي الأوضاع العامة، لكل بلد من بلدان القهر خبزها البايت
، حلقتها الزمنية التي تخلق في نفوس أبنائها ذلك الصراع النفسي بين الشعور وبين اللاشعور، بين الأنا الإنسانيه ورغباتها،بين القناعة والتعود، وبين الصبر والتصابر، وبين الحقيقة المجردة و حقيقة الواقع.
خبز البارحة هو الحلقةالمفقودة، هو كاحل أخيل الذي سيكون سبب سقوط مجتمعات لا تأبه بأوجاع أبنائها ومعاناتهم ،
هو دوامة تخلى عنها الزمن وترك لها حرية تكرار ذاتها للأبد.
دام إبداع الكاتب الرائع
.......
كنانة عيسى..٥ يناير ٢٠٢١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق