قراءة بعنوان: الرّمز كدال ومدلول وتطوّر مفهوم ملفوظي (الأنا و الأنتِ) وتجاوز الصّورة الذهنية المفردة في قصيدة
( شاعراً مثليَ، لا تعشقي) للدكتور مديح صادق /العراق
===========
=============
( شاعراً مثليَ، لا تعشقي)
مديح الصادق، من كندا
إيَّاكِ... إيَّاكِ أنْ بشاعرٍ شِبهيَ
يوماً تُغرمينَ، وحاذِرِي
أنْ تتبعي نبْضَ قلبِكِ إذ يرِقُّ
وصوبَ تاجرٍ رأسمالُهُ الحروفُ
مِن كلِّ صِنفٍ، ومِن كلِّ لونٍ
يُجيدُ اقتناصَ رَويٍّ، ورصفَ القوافي
وفي النفوسِ كما الغوّاصُ ينفذُ
فيستجلي البواطِنَ والخَوافي
مِن دُرَرِ الكلامِ أحلى العقودِ صاغَ
هدايا، بلا مُقابلٍ يُهدي
للحِسانِ، مُنيراتِ الوجوهِ،
ومَنَ سَلبنَ العقولَ بلا رحمةٍ
على شِغافِ قلبِهِ أجَدنَ عَزفاً
وعلى نايِهِ عزفنَ ما رقَّ وطابَ
إيّاكِ وعِشقَ الشعراءِ مِن صِنفي؛ فهُم
مُغرمونَ بعِشقِ أوطانِهِم
وإذْ على رقابِ شعوبِهِم أحكَمَ الطغاةُ
أصفاداً، والحمائمَ وراءَ أسوارِهِم قيَّدوا
فلا تعجَبي...
أنَّ مَنْ عشِقتِ؛ على الأعوادِ مَصلوبٌ
بنصفِ اللسانِ، بجُرمِ قولِ حقٍّ
وبالخيانةِ العظمى أمامَ إمَّعةٍ
مخفورَ مِعصمَينِ يُقادُ
إلى حتفِهِ...
شاعراً شديدَ بأسٍ، مِثليَ
لا تعشقي...
فقدْ يَنفَضُّ عنْ مجلسِهِ الوثيرِ
مَنْ كانَ بِهِم يومَ عِزٍّ عامراً
اللاحسونَ فتاتَ موائدِ الرعاعِ أمثالِهِم
اللاهثونَ وراءَ سرابِ عرشٍ خادِعٍ
مَن لا دينَ لهُم، وليسَ لهُم مذهَبٌ
وعليهِ كما على الحسينِ أغارَ الذينَ
بأغلظِ الأيمانِ بايَعوهُ قبلَ ليلةٍ
وصوبَ مَنْ أجادَ، كما تُخرَسُ النوابحُ
بالمالِ؛ اشترى نِباحَهُم
تذكَّري وصيَّتي، صديقتي...
قلبُ الشاعرِ لا مزلاجَ، ولا قفلَ لهُ
وشبهُ رياضِ الجنَّةِ للصالحينَ
مُتاحة رياضُهُ
حاتمِيٌّ، بلا حدودٍ يجودُ
ساعةَ ذو الحاجةِ نادى، أو استعانَ بِهِ
هوَ مُلكٌ مُشاعٌ، بعقلِهِ، وكِيانِهِ
للناسِ، كلِّ الناسِ، مَن أوفى الطِيبَ مِنهُم
ومَنْ فَضلاً مِنهُ قد أنكرُوا
آهٍ، بقدرِ صَبرِ العراقِ على البلوى
وأمَّهاتِ اليتَامى
ومَن بكواتمِ غَدرٍ غادرُوا
إيّاكِ وعِشقي، صديقَتي...
أحسِني الظنَّ بي
قبلَ أنْ لِعتبةِ داريَ تَخطينَ
وبابي تطرقين...
فبعضُ الصداقاتِ حُبٌّ مصيرُها
كالغيثِ حينَ بقطرٍ يُستهلُّ
وأُولى ملاحِمِ الجنونِ
قد كانَ صداقةً مُستهلُّها
ومِنْ هناكَ أولى الخيوطِ حِيكَتْ
وكانتْ الحكايةُ...
==========
==============
قراءة بعنوان: الرّمز كدال ومدلول وتطوّر مفهوم ملفوظي (الأنا و الأنتِ) وتجاوز الصّورة الذهنية المفردة
( شاعراً مثليَ، لا تعشقي)، قصيدة ذات معنى ظاهرها نصيحة وباطنها حقيقة لكلّ أديب حامل لرسالة يرغب في تمرير رؤيته والتغيير من أجل إيجاد واقع آخر أجمل...
تأتي القصيدة في شكل درس يوجهه الأديب لكل أنثى حتى لا تقع في عشق موهوم.
"( شاعراً مثليَ، لا تعشقي)
إيَّاكِ... إيَّاكِ أنْ بشاعرٍ شِبهيَ
يوماً تُغرمينَ، وحاذِرِي
أنْ تتبعي نبْضَ قلبِكِ إذ يرِقُّ
وصوبَ تاجرٍ رأسمالُهُ الحروفُ
مِن كلِّ صِنفٍ، ومِن كلِّ لونٍ
يُجيدُ اقتناصَ رَويٍّ، ورصفَ القوافي"
فهو يحذّرها عبر ملفوظ (إياك) التي يكرّرها في المحبّر والتشظّي عبر النّقاط لتشريك المتلقي، لتدرك كلّ أنثى أنّ عليها أن تتريّث، منبّها إيّاها بأنّ الشّاعر رأس ماله الحروف، يشكّلها كما يرغب ويريد. تلك كانت الرّسالة الأولى الواضحة... وبتتبُّع الرّمز (الشّاعر) دالا ومدلولا يتبيّن لنا أنّه أيقونة دلاليّة مجرّدة تعني الشاعر والشاعرة في الآن نفسه بحكم تداول صنعة الشّعر في الحذق والآداء من كلا الجنسين وعليه يستحيل الخطاب رسالة كونيّة تجعل من ملفوظ (الأنتِ) ضمير المخاطب الذي يعود على الأنثى ملفوظا مجردا هو الآخر يعني الشّاب والشّابة الأنثى والذّكر على حدّ السّواء، لتتشكل الدلالة وتأخذ صورة الإنسان عموما في أيّ مرحلة من مراحل العمر تعاملت أو تتعامل أو ستتعامل مع شاعر أو شاعرة بمفهوم الأديب في مفهومه الشّامل والمطلق صنعته الغزل والتغزل ورتق الفتق و النسخ والنسج والتأليف وتوليف الألوان وتطريز الحروف... من أجل جذب المتلقي وقدح ذهنه لبلوغ مقصد وهدف ورؤيا عبر خلخلة ساكن من أجل إحداث ذهول أو انبهار واندهاش وإعادة ترتيب أوراق وتغيير وجهة أو قرار...
لذا بناء على ما يبقى ذكره وبتوليد المعنى على حسب السّياق في إطار سيميائي مقصود عن وعي أو لا وعي من الشّاعرالمغترب مديح الصادق، وفي نطاق تفعيل العلاقة الجدليّة بين الشّاعر والمتلقّي، يتبدّى لنا نصّ القصيدة النّثرية كأنّه يحثّنا لنتأمّل حقيقة قد تغيب عن البعض. فمن الضّروري أن يعي ويدرك الكل دور الأديب في الحياة والمجتمع، من المهم أن يعلم و يتعلّم الناقد قبل القارئ العادي، أن يفصل بين النص والأديب، من حيث حقيقة التّجربة والواقع والخيال والتّخييل... فالأديب تنضج خبرته الأدبيّة شيئا فشيئا، حيث يتمّ تطوّرها باستمرار متحرّرا من الذّاتية، ليصبح أكثر موضوعيّة في طرحه... يخلق الشّخصيّات على الورق، يكلّفهم بآداء أدوارهم ويتابعهم برصانة، حتى لا ينفلتوا منه عبر سارد عليم، أو ربّما بإقحام نفسه ليلعب دورا معهم في الرّواية والقصّة أو الملحمة، في كنف ديمقراطيّة، لبثّ رؤية ورسالة حتى وإن كانت قصيدة توهم بأنّها تنطق بضمير المتكلّم (الأنا) فهي تكون عادة بناء على فكرة تتناسب مع الموضوع الذي قد يستقيه الأديب الشّاعر من محيطه، يكون ربّما عايشه أو قرأ عنه، تابعه وترصّده حمل وزره حتى تخمّر بذهنه، وليس بالضّرورة تعبير عن حالة عاشها أو تبنّاها، مانحا الفرصة للمتكلّم للتّعبير عن فكره ورأيه ووجدانه، ليمارس حياته على الورق وفق خطّة موضوعة تمثّل الشّخصيّة المعنيّة، وأيضا مانحا المتلقي فرصة تبني أو نبذ أي وجهة نظر، وعليه كان لابدّ أن يتميّز كلّ متكلّم حاضر على الورق بالإتقان في أداء دوره، فمن المهمّ أن يجيد الأديب تقمّص الدّور بشكل يوحي بالصّدق، كي ينجح في تمرير رؤيته أو رؤاه... لذلك كان لا بدّ أن يتهيّأ لذلك... فإذا أقنع نجح وبرز، في حين أنّه إذا لم يقنع أخفق، ويكون دليلا على عدم تمكّن واستهانة بالقارئ واستسهالا بأمر الكتابة وتسرع قد يدفع ثمنه باهضا، معنى هذا أنّه لم يدرس موضوعه كما يجب، وبالتالي استحقّ الفشل والخيبة؛ فإن أي عمل أدبي هو معاناة وبحث وتمحيص وجهد دؤوب مستمر، وحذق صنعة تعتني بالشّكل والمضمون والتّنضيد والوصف والتّوصيف بميزان الحكمة والتّدبير بمعيار معرفي موضوعي ، زيادة على حسّ وإحساس مرهف ب(الأنا) لا بذاته فحسب، للتّعبير عن حالة وجوديّة تنتابه أو وجدانيّة عاشها ويعيشها، لكن هي أيضا إحساس بالآخر بالوجود بالموجود بالمحيط بالطبيعة بالأهل بالوطن بمعاناة الآخر حيث ما كان بدقّة في التقاط الحدث وإتقان صياغة معنى، وفي هذا نضرب مثلا العشق الصّوفي فهو عشق مُسقط على الذّات الإلاهية والوجود. فالصوفيون يوظفون المرأة والخمر كرمزين للدلالة على أوجه الشّبه والتّقاطع في بلوغ النّشوة بالشيء، الخمر أو التغزل بذات أنثى من حيث هي جسد مادة فانية، للارتقاء بذلك الإحساس الذي كان موجها نحو الفناء لتقريب الصورة من المريد لبلوغ المعنى ومضرب المقصد في بلوغ نشوة الفناء في الذات الإلاهية.
كذلك (الأنا) في شتّى العلوم الإنسانيّة يصعب إدراكها وتحديد مفهومها بسهولة فهي مراوغة يستعصي تعريفها ذلك أنّها زئبقيّة تتشكّل وتتلوّن بحسب الوضع والموضع والموضوع وفي هذا يقول (بولعشار مرسلي) في أطروحته (الشّعر الصّوفي في ضوء القراءات النقدية الحديثة): إنّه "من الصّعب تحديد مفهوم (الأنا) بصورة واضحة، لأن مفهومه موجود في مختلف العلوم الإنسانيّة بمعان مختلفة، قد نجده بمعنى الذات في علوم الفلسفة، ونجده بمعنى الشّخصية في علم النّفس، وبمعنى الهويّة في علم الاجتماع، والتّجريد في علوم العربيّة، وغيرها من العلوم الأخرى...ص107 استقى المعنى والفكرة من متن (الأنا) في الشعر الصوفي) (ص 2 )لصاحبه عباس يوسف الحداد، الذي ألحقه (بولعشار مرسلي) بهامش الصفحة المذكورة أعلاه؛ وبذلك تتحرر (الأنا) من الصّورة الذّهنية في مفهومها الضيق لتأخذ معنى أكثر شموليّة محكوم بالسّياق يتشكّل ويتلوّن على حسب الضّرورة الشّعرية والفكرة المقصود تسويقها، وهذا المعنى يقودنا إلى أنّ الكتابة صنعة وحرفة وعليه يجب الحذر في التّعامل مع أي نص وأي قصيدة فهي تعبير عن حالة وجدانيّة فكريّة يقوم الأديب بصياغتها بناء على عرض وطلب للتّعبير عن حالة اجتماعيّة ونفسيّة فلسفية أو أدبية لها غاية وفائدة... لمعالجة موضوع ما يدخل عادة في باب التّجريب.
سهيلة بن حسين حرم حماد
الزهراء في 22/09/2021
ا

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق