الظاهر والباطن
قراءة تحليلية
بقلم الأديبة السورية المتألقة
الأستاذة / كنانة حاتم عيسى
لنص " ذرات رصاص "
للأديب المصري الكبير / الأستاذ محمدالبنا
...................................
ذرات رصاص
..................
يتجاذبه طرفا مغناطيس، يقف مُتحيرًا، فقد خارت قواه، ولم يعد يقوى على تبين مساره الصحيح، يرنو بعينٍ يائسةٍ إلى الطريق المغبّر دخانًا وترابا، وبعينٍ متشككةٍ إلى الطريق النوراني المتسربل بعباءةٍ سوداء ماطرة.. تسقط بعض حباته، يتذوقها مرغمًا، يهلع!..لا يجد سوى طعم الدم، يهرع بعينيه إلى ملامسة التراب، يفزع!..يهمهم :الطعم ذاته لكن اللون مختلف.
يمجه، يمتعض، ما يزال بعضٌ من رائحةٍ تزكم أنفه، وهدير رصاصٍ يصم أذنيه، يأمر يديه أن ترتفع، وترتفع، وترتفع، أصبعٌ في أذنه، وأصبعان على عينيه، وأصبعان على أنفه، يبتسم بعد أن فعل فعلته، وتشبثت قدماه بالبقعة العمياء.
محمد البنا..٢٠٢٠
......................
القراءة
..........
الظاهر والباطن في نص ذرات رصاص
يبدع أستاذنا الكبير محمد البنا في رائعة مدهشة،تختزل عناصر السرد المكتملة وتجلياته في أسلوب رمزي مبتكر
اعتمد وجودية الموضوع و الحدث وغموض وقوعه
الظاهري. بتغيير طبيعة الأشياء وماهيتها.
فالسارد الغامض يحدثنا عن( مجهول ما)
قد أنشبت الحيرة مخالبها في قوة بصره الفيزيائية الظاهرة، التي تنقّله مكانيًا وزمانيًا في تجاربه الإنسانية، فتختزن ذكرياته وأحلامه و كل مايراه بارتباطها بعقله، وتمتلك نواصي حواسه ما ظهر منها وما خفي، فتقف به أمام مفترق طرق جوهري، مرتبطة بكينونته المتذبذبة القلقة في حقيقة وجوده،بين درب أشعث غائم للحياة الشبيهة بالموت بصعوباتها ومشقاتها وخطوبها ،وبين درب مشرق ماطر وبهي سيرتقي بروحه لأنه نوراني بحت، رغم أنه مختنق بالتجارب الإنسانية الموجعة( لا يجد سوى طعم الدم) ، فينظر إليه بعدم اليقين والتردد.
ويعود للدرب المغبر، تتذوق عيناه التي تلعب دور حواسه جميعها، طعم الدم ذاته، طعم التجربة القاهرة المضنيه،
فتدخله في ارتباك وذهول وتتداخل حواسه الخمس بحواسه الباطنية الداخلية، يحاول البحث عن قرار يفيه مسؤولية اختياره المرير ، هل يسعى في درب الحياة القاتمة بأغلالها وتجاربها القاسية؟ أم يمضي في درب الألوهية الحدسي الذي سيرتقي به بتجارب أكثر قسوة للوصول للحقيقة؟
(المجهول) هو الإنسان الذي سيضحي برحلة وجوده الباطنية الشاقة، بتجاربها ومآسيها وآلامها صانعًا وهمه الخاص كي لا يختار فيأثم وكي لا يتحمل تبعات قرار قد ينقذه وقد يهوي به. سيتشبث بالبقعة العمياء متغافلًا عن حقيقة وجودية واحدة. البصيرة الذاتية المتعلقة بالوعي الباطن وتجارب الإنسان الحسية هي من ستنقذه وما ذرات الرصاص وهديرها إلا موت ذلك الحدس الذي سينقذ الإنسان من خوض تجارب قد خاضها قبلاً دون أن يعي ذلك.
فالبقعة العمياء في عيوننا هي نقاط لا تستقبل الضوء، لأنها عند مدخل العصب البصري، وحتى تكمل صور ما نراه، تقوم أمخاخنا بملء الفجوة بما تتوقعه من اكتمال.وتتلاحق لحظات العمى بتلاحق الأنفاس، فطالما نحن على قيد الحياة نعمى... باحثين عن الحقائق بين البصيرة والتبصر والبصر، فكم من تفاصيل واقعية يمكن أن تتغير في الصورة ونحن نرمش فلا ندرك حقيقتها، بينما يعوضها الحدس الذي لا دليل على واقعيته. ولعل ما يلخص هذا النص الرائع والمذهل لكاتبنا المبدع هو
ما نشرته دورية «نيو ساينتست» عن ذلك اللغز تحت عنوان مخيف هو: «الوهم الكبير» هو وهم أن ترى عيوننا ما تعمى هي عنه.
كنانة عيسى ١٤ أبريل ٢٠٢١


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق