المعنى ومعنى المعنى في" نساء في زمن الرداءة "
قراءة تحليلية بقلم / أميمة الحسن
في نص (نساء في زمن الرداءة)
للقاصة السورية / صديقة صديق علي
........................
نساء في زمن الرداءة :
تحلّقن حول طاولة مستديرة، مأخوذات بحديث السيدة التي أفتتحت النقاش بجدية وحماس أجبرتهن على الصمت والإنصات :
- لم يكن شكسبير يعلم أنه سيحضر إلى بقعة عربية قصية وأن أمرأة دعته وستقرأه، ..ولا تشيخوف كان قادرا على أن يخمن شغف النساء بالقراءة له بعد أكثر من مئة عام على رحيله ،رغم أنه أكد بأنه يكتب للأجيال القادمة عله يغير شيئًا، وحده ديستوفسكي لن يستغرب انشغالنا به، فهو أسس لزمن يكون فيه للخير والمعرفة وجود، وسنقول له ما قاله لنا يوما :
-خيرٌ للأنسان أن يكون تعيساً وعارفاً من ان يكون سعيداً ومخدوعاً، نحن حقا يا سيدي لم نعد مخدوعات ولكننا لسنا سعيدات وهذا فقط ما تغير بنا.
- أتخيل فرحة قاسم أمين بنا، عندما يحضر سنخبره أن تعليمنا لم يتوقف عند الابتدائية التي ناضل كي نصل إليها، وأن حال الأمة سيتحسن بفضل تحسن أحوالنا فنحن لم نكتف بما توقعه – "هؤلاء الناس لا يريدون من المرأةِ أنْ تَتَعَلَّمَ إلا ما يفيدها في إدارة منزلها" – لكن ياسيد قاسم ها نحن أصبحنا ندير المدارس والجامعات والمؤسسات و..و ...لو حضر نزار قباني لرأى كيف هي المرأة المغايرة لحريم السلطان .. وعلى ضيوفنا أن يفهموا أن أفكارنا، تجاربنا، مشاعرنا و حصيلتنا المعرفية هي الأهم من تجاربنا المعيشية التقليدية ..علّهم يفهموننا ويشاركوننا التأسيس لابستمولوجيا موقعية نسوية لهؤلاء جميعا تركنا كرسيًا فارغًا على يسار كل منكن .
طال حديثها الشيّق لساعات طوال وطالت مداخلات الحاضرات عن الكتب التي قرأنها. وبات على يسار كل منهن كاتبٌ قرأت له وعليها تفنيد ما تحصلت عليه من معارف ، وعندما انتهين علت رؤوسهن فخرا وصرن كمن يتنفس هواء الحرية لأول شهقة.
- استراحة نشرب بها القهوة ونستغلها بالفكاهة قليلًا .قالت رئيسة الجلسة مبتسمة كي تعطي للجلسة نداوة الواقعية كما اسمتها:
- أطلب من كل واحدة منكن أن تسلّم هاتفها النقال للتي تليها وتقوم هذه بقراءة آخر رسالة وصلت ودعونا نصغي :
أربك طلبها الحاضرات ..لكنهن كالمسحورات سلمن هواتفهن بتلقائية
رسالة قصيرة1
زوجتي الغالية أعدي لنا الغداء، أنا قادم ومعي زملائي
أيتها المغضوبة لم لا تردي أين أنت؟ لقد أحرجتني أمام ضيوفي
رسالة 2
أختي كفي عن الخروج دون أذني ..سيأكل أهل الحارة وجهي
رسالة 3
زوجتي المجنونة ألم ينته بعد هذا اللقاء التافه؟ هذه الحيزبون تضحك على عقولكن وستخرب بيوتكن.
رسالة 4
أمي لم أعثر على جواربي علي الخروج
أمي لا تردي لقد أكلت صديقاتك عقلك
رسالة 5
ماما الغالية سآتي وزوجي ..لم أطبخ اليوم كنا بالسوق ..
رسالة 6
قلت لك ألف مرة لا تتركي الإضاءة مشغلة ..حضرتك لا تدفعين فاتورة الكهرباء بل أنا من سيدفع ,يلعن أبو من علمك قيادة السيارة ..عودي بها حالا أحتاجها .
مع انتهاء كل رسالة كانت رأس صاحبتها يخفض تلقائياً وعيونها تتسمر، بانعكاس وجهها المحمر على الطاولة الصقيلة. بقيت الرسالة السابعة التي تخص السيدة رئيسة الجلسة وصاحبة الفكرة إلا أن المكلفة بقراءتها كانت مترددة ولكن الرئيسة وقد ندى جبينها بقطرات من العرق البارد حثتها على أن تفعل دون إحراج أسوة ببقية السيدات:
رسالة 7:
حضر ولدنا وزوجته وتركا الأطفال هنا وغادرا البيت فورا ..أتعبني الركض خلفهم ..رفاقي ينتظرونني في المقهى أرجو أن تكفي عن الثرثرة و فعل مالا تتقنينه، وتعودي لمهامك الأهم .
بانتهاء الرسائل غشاهن الخجل، وجلسن مطأطآت الرؤوس صامتات .ثم رفعت إحداهن رأسها جالت نظرها على رؤوسهن وجلجلت قهقهتها في الصالة، تبعتها ضحكةُ الأخرى وكدومينو .. تدحرجت الضحكات تترى لتملأ أصداؤها فضاء المكان .
صديقة صديق علي
.............
القراءة
...........
يطرح السرد ويتنقل قلم الكاتبة برشاقة في إشكاليات المرأة المثقفة المعاصرة، وقد أمسكت الكاتبة المبدعة بدفة الحرف وبكل مهارة أبحرت بنا من خلال السرد، المتمثل في الراوية وصديقاتها، لتكشف لنا عن العالم الداخلي الإنساني والعالم الخارجي المادي، ولمست وجع المرأة العربية ومحاولاتها لتعزيز دورها، وتأكيد نجاحها مستعينة ببعض النماذج، و قد اتخذت الكاتبة نمط محدد في ذلك الطرح عن طريق لغة تقريرية في البداية لتعود وتغير طريقتها متعمدة التنقل والتنوع في لغتها ربما حسب متطلبات و مجريات السرد، و من خلال رسائل النسوة في النص ترسل لنا الكاتبة رسالة تعيد لنا إنتاج اللحظات المقتنصة ببراعة مدهشة، لتصور حال المرأة في المجتمع وفق مرجعياتها التراكمية وقراءتها للواقع الحقيقي، فنحن هنا نقف أمام سرد نخبوي يرصد مشهد من الواقع المعيش، يلقي الضوء فيه على حال مجموعة من النخبة النسوية، يجتمعن ويؤكدن من خلال طيات السرد رضاهن التام عن انجازات المراة في مجتمعهن المحلي أو الإقليمي، لافرق، فالاشكالات المطروحة في الرسائل المتتالية عرت المكانة الحقيقية وكشفت بعض الأوضاع حالات إنسانية موجودة واقعا، و من خلال الرسائل المرسلة للشخوص في النص ذكرنا السرد أننا صناع هذا الواقع، فالرجل منذ الصغر يتربى على تميزه عن اخته ويعامل حتى من قبل الأم معاملة خاصة فمن الطبيعي أن يتنامى فيه هذا السلوك وأغلب فئات المجتمع يتعاملون مع الأم، الاخت، الابنة، بتلك المعاملة كوضع طبيعي مسلم به، وفي الرسالة الخامسة قد دك وعرى النص من خلالها أن المراة ليست ملاحقة من الرجل فقط بل المراة أيضا وجميعهم ملاحقون من منظومة مجتمعية ليس من السهل الفكاك منها إلا باستمرار مواصلة المرأة النضال وانتزاع حقوقها. اخيرا نص كتب بطريقة مبهرة، بشكل مكثف، وقد أرسل رسالة داخل الرسائل واختتم بطريقة ساخرة وفق شروط كتابة القصة القصيرة.
أميمة الحسن 20 نوفمبر 2020
ّّّّّّ................
........


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق