الخميس، 24 ديسمبر 2020

جديلة ياسمين بوصفها مشروعا تربويا قراءة في المجموعة القصصية (جديلة ياسمين) للكاتبة الجزائرية المبدعة زهراء كشان. بقلم الناقد عبد الرحيم خير

 جديلة ياسمين بوصفها مشروعا تربويا قراءة في المجموعة القصصية (جديلة ياسمين) للكاتبة الجزائرية المبدعة زهراء كشان.

أصبحت القصة القصيرة اليوم من وسائل التربية والتعليم الأوسع انتشارا والأكثر جذبا والأعمق أثرا في نفوس الأطفال خاصة في المراحل العمرية الأولى، وذلك لما تتركه القصص من أثرٍ كبيرٍ في نفوسِ الأطفال من خلال المشاركة الوجدانية لمشاعر وعواطف وانفعالات الشخصيات، حيث يشارك الأطفال أبطال القصة أفراحهم وأحزانهم ويتخذون أبطال القصص مثلا وقدوة يقارنون أنفسهم بهم، ويكتسبون منهم الأخلاق والسلوكيات الحميدة. وقِصص الأطفال هي تلك القِصص التي تُخصص للصغار، بهدف تعليمهم، وتحفيز قدراتهم العقلية، وتطوير ملكاتهم، وإكسابهم المعارف والمهارات عن طريق حكايات هادفة موجهة تجمع بين العرض الشائق المسلي والأهداف التربوية، وتوفر المتعة والتسلية والتعليم، وتضمن التفاعل والمشاركة.. وترجع أهمية قصص الأطفال الهادفة إلى أنها تحقق عدة أهدف، فجبانب الأهداف العلمية والمعرفية المبثوثة فيها فإنها تغرس في الأطفال الأخلاق والسلوكيات الحميدة، واليوم أصبح لقصص الأطفال أهمية كبرى في تنمية مهارات الطفل كونها تساهم في ثقل قدراته العقلية، وتكسبه السلوكيات الحسنة، بأسلوب ومنهج لايقوم على النصح والتوجيه المباشر كطرق التعليم التقليدية وإنما تعتمد إثارة الخيال وتنبيه الطفل إلى مواقف وأحداث وسلوكيات واقعية يتفاعل معها ويتعلم منها بنفسه، والمجموعة القصصية (جديلة ياسمين ) إلى جانب كونها قصصا ترفيهية مسلية فإنها تعد مشروعا تربويا متكاملا يتخذ القصص القصيرة قاعدة للتربيةوالتعليم؛ تربية الطفل على المبادئ والقيم والأخلاق، وينطلق نحو تنمية معارفه ومهاراته، عن طريق القراءة المسلية التي تزيد من تركيز الطفل وتحبب إليه المطالعة والتّعَلُّم الذاتي. وقد تميزت المجموعة القصصية جديلة ياسمين بأنها جمعت بين عناصر الفن القصصي واعتمدت منهجا تربويا متكاملا سعت من خلاله لتحقق أهداف خَططت لها مسبقا ومن هذه الأهداف: ١-- الهدف التعليمي: وهو المعلومات والخبرات التي يكتسبها الطفل من عملية التعلم عن طريق القراءة أوالملاحظة، ولتحقيق الهدف التعليمي حرصت الكاتبة في معظم قصص المجموعة على تقديم معلومات مفيدة تناسب أعمار الصغار وتزيد من مهاراتهم ويكتسبون منها معلومات مفيدة عن الإنسان ممثلا في شخصيات تاريخية كشخصية الرسام إيتيان دينيه والذي عرف بعد نصر الدين دينيه( مولده ونشأته وحياته)، والأماكن كمدينة قسنطينة الجزائرية ( موقعها عاداتها تقاليدها شهرتها، آثارها ومعالمها السياحية وموقعها الجغرافي وتاريخها العريق ) كذلك كانت المجموعة غنية بالكثير من المعلومات المفيدة والتي قُدمت بأسلوب شائق يضمن فهمها من قبل الصغار معلومات جديدة ومفيدة عن ( أشخاص - أماكن - بلدان - معالم سياحية - حيوانات وطيور - فواكه ونباتات )كما تضمنت قصص المجموعة صورا مختلفة تنمي عند الأطفال مهارات متعددة؛ كمهارة الرسم والتلوين والكتابة، والحفظ والتذكر والتلخيص وصولا إلى مهارات عليا كالإبداع بسرد أحداث القصة أو كتابة نهاية من إبداع الطفل وخياله، أو كتابة قصة مشابهة من مواقف حياتية مر بها ... ٢---الهدف التربوي: هو التغيير الذي تسعى القصة إلى تحقيقه من خلال (مواقف وأحداث و سلوكيات) أيجابية أوسلبية تقوم بها شخصيات القصة وتسلط الضوء عليها وتبدأ في نقدها في حال كونها سلبية أو مدحها وتقديرها متى كانت إيجابية وفي مجموعة جديلة ياسمين اهتمت كشان اهتماما كبيرا بالقيم التربوية وحرصت على غرسها في نفوس الأطفال؛ قيم الحق والعدل والأمانة وحب الوالدين واحترام الآخرين وحماية الوطن والدفاع عنه كما تضمنت المجموعة قيم المواطنه والأخوة والتكافل وإعانة المحتاج والعفو والسماح والاعتذار عند الخطأ والاهتمام بالتربية والحرص على تعليم الصغار القيم والمبادئ. والمدقق في مجموعة كشان القصصيصة يجد أنها ليست قصصا مسلية فحسب بل هي منهج تربوي أُسِّس على رؤية نقدية للتربية والتعليم، حيث تقدم القصة ثم تتبعها بمجموعة من الأنشطة الإثرائية والأسئلة المقالية والاختيارية والتي يستطيع الطفل من خلالها أن يُقيم نفسه ومكتسباته، وفي نهاية كل قصة تُقيم الكاتبة بينها وبين القارئ الصغير جسرا للتواصل عبر مجموعة من الأسئلة والأنشطة الإثرائية، إن تمكن من إجابتها فإن الكاتبة تدعوه بالعبقري الصغير وتطوقه بجديلة ياسمين جائزة ومكافأة لموهبته وتفوقه، وإن لم يتمكن الصغير من الإجابة شجعته على مراجعة القراءة وإعادتها مرة أخرى. ولأن فن القصة القصيرة له عناصر محددة فإن كيشان بملكتها السردية وأسلوبها المميز استطاعت توظيف هذه العناصر بما يخدم فكرتها ومشروعها التربوي ومن أهم هذه العناصر التي وظفتها . ١ - الشخصيات وهي العنصر الفاعل والذي يُنقل الحدث من خلاله حيث تقوم بدور الناقل للأفكار والأفعال التي يكتبها الكاتب، وشخصيات جديلة ياسمين معظمها شخصيات واقعية مألوفة( الأب ، الأم ، هشام، أنور ، الصياد ، ليليان ، نور...... ) وبعضها شخصيات خيالية ( العصفور الأبيض، الثريا ) هذا المزج بين الشخصيات الواقعية التي تقدم المثل والقدوة، والخيالية التي تنمي خيال الطفل وتفتح آفاقه ومداركه للولوج بعوالم غير مألوفه، ثثري الخيال وتزيد الخبرات وهو ما كان ينعكس في النهاية على شخصيات القصة بالإيجاب فنجد الطفل أصبح إيجابيا متفاعلا نشيطا يعتذر عما كان منه من صفات أو سلوكيات مشينة. ٢-- الموضوع هو الذي ينقل الفكرة التي تسعى القصة لطرحها والتعبير عنها، وقد تنوعت أفكار وموضوعات المجموعة القصصية جديلة ياسمين فاحتوت المجموعة على عشر قصص مختلفة الموضوعات حملت كل منها فكرة قدمت الكاتبة في كل قصة منها قيمة تضاف لمجموعة القيم التي يجب أن تنمى لدى الصغار، كما تميزت موضوعات جديلة ياسمين بالنظرة التاريخية بعرضها لأماكن تراثية وشخصيات تاريخية وتسليط الضوء عليها ليتعلم الصغار تاريخهم ومعالم بلادهم وشخصيات كان لها تأثير في حاضرهم . ٤-- الأسلوب وهو قدرة الكاتب الإبداعية على صياغة العمل الأدبي

وقد تنوع أسلوب الكاتبة بين الوصف والحوار والسرد، وتميزت لغتها بالوضوح والبساطة والايجاز كما كانت العبارات قصيرة معبرة تصل إلى الفكرة بأقل كلمات، كما أعتمدت كشان اللغة الشعرية أسلوبا للوصف؛ وصف الحدائق والأماكن والمدن بكلمات منتقاة بعناية تلامس عواطف الصغار وتزكي ملكة الطفل الإبداعية ليعبر بأسلوبه عن أحداث ومواقف حياتيه مشابهة. ولعل تميز المجموعة القصصية للأديبة زهراء كشان يرجع إلى النقاط التالية . ١-- قدمت كشان أنماطا مختلفة من القصص تباينت بين الواقعية والخيالية أوكانت خليطا منهما معا واتخذت ذلك طريقا لإثراء مهارات الأطفال وإكسابهم رؤية واقعية للتعامل مع الأحداث، وتوسيع مداركهم وتنمية قدراتهم على التخييل والإبداع وذلك باستخدام مستويات لغويةً مختلفةً وتوظيفها بمهارة بما يخدم موضوع القصة وطريقة عرضها ومناسبتها للمرحلة العمرية المقدمة لها.
٢-- اهتمت كشان بالنواحي الترفيهية المسلية كاستخدام الصور والرسوم المساعدة في توصيل الفكرة، وكان للصور والرسوم المبثوثة في ثنايا القصص أهمية كبرى في تفتيح أذهان الأطفال وذلك بربط الصور والرسوم بالأماكن واستحضار خصائص وصفات المكان من خلال ربط المكان بأحد مكوناته فالزهرة وهي من مكونات البستان أو الحديقة تعيد إلى ذهن الطفل هذا البستان أو الحديقة بما فيهم من أشجار ونباتات وأعشاب، وطيور وغير ذلك، كما اهتمت الكاتبة بنواحي الترفية والتسلية من رسومات وصور كانت داعمة للفكرة وتقف جنبا إلى جنب مع النواحي التربوية والتعليمية وقد رأينا أنه لم يطغَ جانب على آخر فاكتملت الإفادة وتحقق الهدف المنشود . ٣ -- حرصت كشان على صياغة القصص من خلال مفردات واضحة ومعبرة وأسلوب شائق تميزت كلماته بالجرس الموسيقي والعبارات الرشيقة المعبرة عن المواقف والتي تتناسب مع موضوع القصص مبتعدة عن الغموض والكلمات صعبة الفهم والتفسير، وإن كانت قد نثرت بعض الكلمات الصعبة في مواضع متفرقة عادت إلى بيان معانيها بنهاية القصة، بغرض إثراء معجم الأطفال اللغوي وتزويدهم بكلمات ومعانٍ جديدة، وتنمية مهارات البحث والتفسير وهو أيضا هدف قياسي لبيان تفاوت المستويات التعليمية ومدى قدرة الطفل على الاستيعاب والتحصيل. ٤ -- حرصت كشان على تناول الأنماط السلوكية المختلفة الحسنة والسيئة وذلك ليقارن الصغير بنفسه بين السلوكين ويرى عاقبة كل منهما وقد اهتمت كيشان أن تحتوي القصص بنهايتها على مكافأة أو جائزة لصاحب السلوك الحسن وعقاب وحرمان لصاحب السلوك السيئ ( قصة العصفور الأبيض والثريا) أنور النشيط في مقابل هشام الكسول مكأفأة أنور ببعض الألعاب والهدايا ومنع هشام وحرمانه من أي جائزة جزاء لكسله، والعبرة من القصة ندم هشام واعتذاره لوالدته، ومن هذا الموقف يتعلم الطفل كيف يختار الطريق الصحيح والسلوك القويم بنفسه دون نصح أو توجيه أو تدخل مباشر وهو ما ينمي مهاراته ويصحح تصرفاته وسلوكياته الخاطئة.
في النهاية يمكننا القول أن (جديلة ياسمين ) ليست مجموعة قصصية عادية وإنما هي مشروع تربوي تعليمي مميز أستطاعت الكاتبة فيها ومن خلال استخدام وتوظيف القصص القصيرة الهادفة والموجهة إلي معالجة بعض الأنماط السلوكية الخاطئة وتقويمها بأسلوب غير تقليدي لايقوم على النصح والإرشاد والتوجيه المباشر وإنما يقوم على الاستنباط والتعلم من مواقف وأحداث حقيقية أو خيالية يجد الصغير نفسه مشاركا لأبطالها، مقتديا بهم ومتعلما منهم محبا وممارسا للصفات والسلوكيات الحسنة وكارها ومبتعدا عن السلوكيات والتصرفات السيئة .
خالص الأمنيات للكاتبة بدوام الإبداع والتوفيق ولمشروعها التربوي بالنجاح وتحقيق الهدف المنشود
الناقد عبد الرحيم خير
L’image contient peut-être : 1 personne, texte

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق