الثلاثاء، 13 أبريل 2021

المفردة اللغوية ..وجمال التوظيف في قصيدة الدكتور علي الطائي اذا هدرت على ساق بقلم الاديب حميد شغيدل الشمري

 قراءة

....
المفردة اللغوية ..وجمال التوظيف في قصيدة الدكتور علي الطائي اذا هدرت
اسم القصيدة اذا هدرت على ساق
موضوع القصيدة غزل
عدد ابياتها سبعة عشر
البحر مجزوء الوافر
.....
من خلال الاطلاع على السير الشخصية للعديد من الادباء واعلام اللغة والباحثين تجد ان هناك عامل مشترك يربط كل المفردات والكلمة الرصينة والبناء الجمالي للنص بانواعه ان كان نثرا او شعرا او قصة
لقد كان الادباء يوزنون العبارات الادبية بميزان التبر ويتبارون في تاطيرها باطار الابداع ان هذا العامل المشترك جعل هؤلاء الادباء يجدّون ويجتهدون ويتنافسون ويسهروا الليالي ويبحثوا في امهات الكتب من اجل كلمة جميلة وان يعرضوا على المتلقي جمال وروعة اللغة العربية التي تمتد الى افاق لم تبلغها اي لغة اخرى وابحث يوميا في العديد من النصوص لاجل ان اجد مبتغاي.
وقد اطلعت على قصيدة جميلة من مجزوء الوافر للشاعر الدكتور علي الطائي وهو شاعر بابلي محدث استخدم مفردة لغوية واحدة في سبعة ابيات من قصيدة لا تتجاوز سبعة عشر بيتا وكل مفردة تختلف بمعناها عن الاخرى وهذا يدل على الوعي الكامل للشاعر بلغته وقدرته الفائقة في توظيف الكلمة .رغم انه طبيب اي خارج اختصاصه.وما يزيد النص جمالا استخدامه لقافية ذات موسيقى عالية تهز المتلقي وكانها اختصت بالغزل.
ان في العربية جناس كثير ولكن من يستطيع ان يوظف هذا الجناس في عصرنا الذي دخلت عليه الكثير من المؤشرات السلبية ووصل الجهل باللغة الى أخطء لفظ المفردة القرآنية ومن خلال قراءتي هذه اردت ان اركز على موضوع واحد فقط في القصيدة هو المحسنات اللغوية ولا سيما الجناس. احث اخواني الادباء على البحث والتنوع واتحافنا بجمال لغتنا ومدى اتساعها واتساع معانيها.
لننظر البيت التالي من القصيدة وهو المطلع:-
(اذا هدرت على ساق
تلف الساق بالساق)
ثم يقول:-
(هدرت العمرفي صغري
فشاب الخمر والساقي)
هنا اختلف المعنى في هدرت كذلك في الساق
لتعطينا جمالية وروعة..تشعرك بتناغم جميل ثم يردف:-
(وذا هدر يعاتبني
ويدفع بي لاحراقي)
قفزت هنا المفردة مرة اخرى وبمعنى مختلف جدا عن المعاني السابقة الهدر هنا الجاهل ثم
(هدير القلب من عتب ينازعني باعماقي)
ثم
(كطفل راغ في هدر
باعياء واهراق)
وهكذا وظف كل ما اراد بصورة جمالية رائعة..
اذن التعمق في معاني الكلمات يمنح النص جمالا وبهاء وليس الاعتماد على الذاكرة اتمنى من الكل ان لايدعوا الرفوف مغبرة وان يتبحروا في اللغة من اجل الابداع والجمال اللغوي والحفاظ على الصور البهية
النصوص كثيرة والابداع يملا الكون ولكن المحافظة عليه اصعب من مناله.
دعوة من القلب للجميع بان يغوصوا في مكنونات لغتنا العربية..ولاترككم مع النص
الذي امتاز بالموسيقى العالية والشفافة والبساطة التي منحته صورا جميلة
بوركت شاعرنا.
النص
إذَا هَدَرَتْ على ساقِ
(بحر مجزوء الوافر)
إذَا هَدَرَتْ على ساقِ
تُلَفُّ السّاقُ بالسّاقِ
كأنَّ الوُرْقَ مزمارٌ
يُناديني بأشواقي
حَمَامُ الأَيْكِ أشجَاني
وَصُفرٌ تلكَ أوراقي
هَدَرتُ العُمرَ في صِغَري
فشابَ الخَمرُ والسّاقي
حَملتُ الآهَ أعوَامًا
وملَّ الدَّمعُ أحداقي
تُواسيني عَلى هَمِّي
وَهَمِّي لازِمٌ باقِ
فذا هَدَرٌ يعاتبني
وَيدفعُ بي لإحْرَاق
كلامُ العَذلِ أرَّقَني
يُزاحِمُني بآفاقي
دَعوني دَمعَتي حَيْرَى
سَلُوا جَفْني وآمَاقي
هَديرُ القلبِ مِن عَتَبٍ
يُنازعُني بأعماقي
مآسي الُحبِّ تُغرقُنا،
فهل تَسعَى لإغراقي؟
كَفانا نأمَلُ الذِّكرى
وما أمَلٌ لإعتاقي
كَطِفلٍ راغَ في هَدَرٍ
بإعياءٍ وإرهاقِ
فَعُدنا دونَ تَحصيلٍ بمَخسَرَةٍ وإخفاقِ
طَمَحنَا بعدَ مَنآنا
نُمَنِّي النفسَ بالباقي
تُحالُ الأرضُ هَادِرَةً
بفَيضِ الماءِ دفّاقِ
فيُغني العِشبُ صحراءً
بذي غَدَقٍ ورَقراقِ
تُنازِعُني لكَ العُتبَى
وفيكَ تلوذُ أرماقي
Peut être une image de 1 personne, position assise et intérieur

الأحد، 11 أبريل 2021

مراوحة بين الظلال والمحال قراءة نخبوية لنص ( الساعة الثالثة إلا ربع فجرا) للأديبة السورية/ كنانة عيسى بقلم الأديب المصري / محمد البنا

 مراوحة بين الظلال والمحال

قراءة نخبوية لنص
( الساعة الثالثة إلا ربع فجرا)
للأديبة السورية/ كنانة عيسى
بقلم الأديب المصري / محمد البنا
...........
النص
......
الساعة الثالثة إلا ربع فجرًا
...........
ستبقين في الجهة المقابلة من غرفتي، تصغين إلي،تمدين أصابعك خلال الجدار، تطرقين على جدار القلب ثم تنسحبين ،فيلهث ذلك النبض بالتدريج...
لا أقوى إلا على التمدد، أنظر إلى أصابعي، أعدها بلاجدوى،فلا شيء يتغير منذ ذلك الحادث الغريب ،تصارعني خفقات صدري الملتهب، لا أدرك من منا لا يزال على قيد الحياة
أصرخ بملء حنجرتي ولا يسمعني أحد
-لم أقصد... قتلنا....كان مجرد خطأٍ. هلّا عدتِ لأجلي؟
ألمس ذراعي المتوهجتين بالبرد،تدميني، أنفاسك رغم غيابك،أنظرُ إليكِ وأنت تغرّدين في تلك الزاوية المقابلة لسريري من علوٍ، كأن المكان ينتمي إليك وحدك.
. وأتساءل كيف تقفزين بكل تلك الخفة عبر الاسمنتِ والطّين و الأزمنة، عبر الغرف المعدنيةِ وشاشات المراقبة، تقبّلين بحرارة تلك الأنابيب الموصولة بجسدي الفارغ كذلك اليومِ الذي فقدتني فيه.
أسقط في جسدي المخلوع بخفةٍ أراك تغردين بلا أجنحةٍ.
تخلعين عنك حزنًا أعرفه ويعرفني تقولين لي ويدك ممدودة بالنور تجاهي
-حان وقت العودة... أسامحكَ.
يحطُ حقلٌ من السنابلِ في شعرك، تكاد رائحته أن توقظني من سباتي، تمدين قمرًا شاحبًا ،فتنسج تلك الجدران نوافذها من بلور هش ، أفتح عينيّ بصعوبة، يطالعني نورٌ ساطع، أصغي لضجيجهم ،لا أرى وجوههم خلف الأقنعة البيضاء، ألمحكِ مسجاةً بجانبي ودمك العطر قد انسكب بهدوءٍ فأخفى جبهتك وعينيك المنسدلتين في صمتٍ.
أرتبكُ في حضرة جسدك الجريح، يختلج قلبي الذي بات يخفق في صدرك. تستيقظين ... شهقتك تفتح لي نفقًا لولبيًا عائمًا بالضوء، أحلق بعيدًا عنك وأنا أرمق جسدينا الممددين ،
كلٌّ منا في غرفة..نصارع لبقاءٍ مستحيلٍ.
ترتعشين بالحياة وأنا أغادرها ، ألمح خفقان صدرك، تعود الملاءة الزرقاء لتدفئ وجهي البارد، وتنمو أجنحتي كإقحوان عينيك.
أسمع لغطهم دون خوف....
أعلن الموت السريري في الساعة الثالثة إلا ربع
...........
كنانة حاتم عيسى ٢٣ مارس ٢٠٢١
...........
القراءة
.........
أجد أنه لزامًا عليّ ألا أتحدث عن اللغة فقد أجادتها ببراعة، ولا عن المشهدية فالمشهد ماثل حيًا في مخيلة أي قارئ له، ولا عن تقنيات السرد من حبكة ومعالجة وأسلوب سردي، فقلما يُخطئ قاص ( ناقد ) في أيٍ منهم، وكذلك عناصر القص الستة وقد توافرت بصورة أو بأخرى، وما تمتاز به القاصة من إضفاء الشاعرية على نصوصها باللجوء الى المحسنات البلاغية كالأطناب والتقابل والصور الشعرية، وأول ما سأبدأ به في دراستي لهذه القصة هو تصنفيها ككتابة تنتمي لما بعد الحداثة، حيث يتوارى الحدث ( حادثة السيارة او الطريق او أيًّا ما كان نوع الحادثة) في خلفية النص ويأتي ذكره مبهمًا، حيث لا ضرورة لتفصيله أو توضيحه، إذ يعتمد البناء القصصي ( في ما بعد الحداثة ) على المشهدية السردية التصويرية المشعة بالشعور والمشاعر، وقد نجحت الكاتبة في تحويل الحروف إلى شعور ومن ثم تدفق الشعور أنهارًا من المشاعر .
هذا هو النص المشهدي كأنموذج يفيض حياة، رغم أن المتن في معظمه لحظات احتضار.
أي قدرة هذه، وأي إبداعٍ هذا!!.
ولم يخلو النص من الشاعرية فبدت لنا قتامة المشهد كأنوار مضاءة ومضيئة..رأينا الأبيض النوارني متمثلاً في جدران مستشفى، وفي أجنحة تحلق، ورأينا الطبيعة بألوانها جمعاء في تغريد وعبر نوافذ، وانابيب، ورأينا الأحمر في شرايين قلب، ورأينا الازرق في ملاءة سرير، ولمسنا الفصول في برودة يدين وجسد، وشعرنا بالدفء في لمسة أصابع، واقتحمتنا الحياة بعنفوانها في جسدٍ يفارقها..أي براعة تلك صيغت في سطورٍ قليلة!!
وتلك النهاية الواثقة أنّ الموت ليس موتًا بل اقتصرت الكاتبة عمدًا على اثباته موتًا سريريا، فللحياة بعده شأنٌ آخر وصورة إخرى..ربما نجهلها الآن وسنعرفها غدا، وربما ينحو النص إلى حياته الممتدة بامتداد حياتها، حيث يخفق قلبه بين أضلع صدرها.
وللعنوان أيضًا دلالته وارتباطها الوثيق بالمتن، الساعة...زمن قد يكون محدودًا وقد يكون ممتدا، الثالثة..كنا أنا وأنتِ اثنين...صرنا ثلاثة ( الكائن الثالث..جسدها وقلبه ) إلا ربع...لا يزال من الوقت متبقي ربع ساعة ( فترة الأفاقة ) حتى تكتمل الحياة الجديدة ( فجرا).
وإن جاز لي أن أتوقف سأتوقف عند نقطتين، أولاهما غرفتين منفصلتين إلا أنّ الاتصال الشعوري حيٌ وكأنّ لا جدارٌ فاصل، وكيف يفصلهما جدار وقد مدت أصابعها وأخترقت جدر قلبه!
وثانيهما ..الجملة (يختلج قلبي الذي بات يخفق في صدرك فتستيقظين) حيث يطل المجاز بارزًا من الجملة، مؤكدًا عمق العلاقة العاطفية والوجدانية بينهما، او يندرج المشهد تلقائيا متماهيًا مع كونهما في مستشفي، وعملية نقل قلب سليم لجسد منتهي لا سبيل لنجاته، إلى جسد يؤتمل نجاته وتخليصه من بين أنياب موتٍ محدق، فمن الموت توهب الحياة( نصارع لبقاء مستحيل) الاستحالة لأحدهما، ( ترتعشين بالحياة وأنا أغادرها، ألمح خفقان صدرك، وتعود الملاءة الزرقاء لتدفئ وجهي البارد).
نصٌ لولا طوله المقبول لصنفته قصيدة شعر صينية حيث توافرت فيه كل خصائصها المعروفة من حيث الجمع بين الانسان والطبيعة و الأجنحة او الطيور او ما شابه في مزيج متجانس يطرب السمع ويريح العين، ويحفز الذهن.
...............
محمد البنا ٢٤ مارس ٢٠٢١

الاختيار الصعب..وسيلة أم غاية ؟ قراءة تحليلية لنص / أحمال للقاصة / إيناس سيد جعيتم بقلم الأديب / محمد البنا

 الاختيار الصعب..وسيلة أم غاية ؟

قراءة تحليلية لنص / أحمال
للقاصة / إيناس سيد جعيتم
بقلم الأديب / محمد البنا
*****
أحمال
_____
ينسابُ الدمعُ في هدوءٍ على وجنتيها، فلا تتكلفُ عناءَ إخفائِه، أو ربما لم تعد تأبهُ بنظراتِ الشفقةِ التي تتابعُها من الركابِ حولها، تضغطُ بشدةٍ دون وعيٍ على المظروفِ الأبيضِ المزينِ بشعارِ المستشفى الحكومي الذي غادرته منذ ساعةٍ أو أكثر، على المظروفِ كتب اسمُها بإهمالٍ يتناقضُ وهولَ ما يحوي، تشتعلُ خلايا مخِها بأفكارٍ سوداويةٍ أكثر مما تشتعلُ بفعلِ علتِها، ناولتها الممرضةُ المظروفَ الذي يحملُ نتائجَ فحوصاتِها بإهمالٍ وامتنعت عن الإجابةِ عن تساؤلاتِها، هاجمها الخوفُ بضراوةٍ فخارت رجلاها ولم تقويا على حملها، كيف ستنتظرُ إسبوعًا للعرضِ على الطبيبِ ليخبرَها بما كشفتهُ فحوصُها؟ ماذا ستفعلُ إن قالها؟ كيف سيتحملُ جسدُها العلاجَ الذي يُصَبُ كنارٍ داخل الخلايا ليحرقَ الجيدَ منها مع الخبيث؟ وهناء....وحيدتها...
(آهٍ يا ابنتي، ظلمناكِ يومَ أحضرناكِ لهذه الدنيا، ما أورثكِ أبوكِ إلا فقرًا وما استطعتُ أن أهبَك من جمالِ الشكلِ شيئا).
أغمضت عينَيها فداهمتها صورُ المريضاتِ في القسم، وجوهٌ صفراءٌ وأجسامٌ أكلها العلاجُ أكثرَ من المرضِ، نساءٌ تبدو الحسرةُ في ملامحِهن، فقدنَ رموزَ أنوثتِهن، اجتثتُ ايدي الجراحين ارحامًا واثداءً، واجتث (الكيماوي) تيجانَ رؤسهِن، ما همها إلا صورَ المرافقِينَ لهن، على اختلافِ أعمارهِم وأجناسهِم جمعتهم الحسرةُ والألم، فتحت عينيها لتزدادَ دمعاتُها وأنفاسُها تهتفُ (هناء)...
مرت محطاتٌ لم تحصْها، قارب القطارُ على آخرِ محطاتهِ، ارخت عينيها لما تحملُ من همٍ مغلف، حاولت أن تتحسسَ أملًا بالنجاةِ بين أوراقهِ،
(اللعنةُ عليكم جميعًا، أما من عاقلٍ بينكم؟ أما من رحيم...؟
كيف تضِنون على من يقبضُ الخوفُ قلوبَهم بكلمةِ نعم أو لا؟
هو سؤالٌ بسيطٌ جدًا نسأله جميعًا، سنحيا..؟
تبا للفقرِ الذي ألجأنا إليكم..)
تعاودُ الهتافَ، هناء...
يقفُ القطارُ ينساها من رافقوها الرحلةَ ويمضون لحالهِم، تهمُ بالنهوضِ فيكبلُها ثقلُ ما تحملُ بمقعدِها، تنظر له بضيقٍ ما كان ينقِصُها إلا المرض!
تحاملت لتقف، جرجرت رجليها والمظروفَ يزداد ثقلًا، في لحظةِ عبورِها البابَ قرر أن يريحَها، فانسل من بين أصابعِها ليسقطَ عبر الفراغِ الضيقِ الفاصل بين عربةِ القطارِ والرصيف، صاح عليها أحدُ الشباب:
لقد وقع منك شيءٌ يا سيدتي.
أجابته في راحةٍ وخفة:
أحملُ ما يكفيني.
...........
ايناس سيد جعيتم ٢٤ مارس ٢٠٢١
................
القراءة
.........
وها نحن الآن أمام واقعية سحرية، ولكنها لا تنتمي بحال إلى واقعية جبراييل ماركيز..نعم واقعية سحرية مختلفة أختلافًا جذريًا عن تلك المدرسة السردية بعناصرها ومقوماتها، إنها واقعية سحرية ينبع سحرها من شجن المشهد، ونزيف الوجع من شقوق الحروف..نص تصويري آخاذ مشاهده مؤلمة حد البكاء، الوجع والألم يستشري في السطور كما السرطان في الخلايا، وليت الكاتبة أكتفت بالمرض وهمه والمرضى وهمومهم، بل زادت فأوجعت وأضفت مرافقين فأوغلت في سراديب الوجع ليفيض المشهد أوجاعا تلو أوجاعا، ثم ضفرته بإبنة ( هناء ) من لها بعدها؟..غير فقر أورثه أبوها، ودمامة أورثتها لها أمها، وضياع حتمي ستورثه لفلذة كبدها إن هى رحلت كما رحل من قبل أبوها، إمعان وتوغل وتعمق لامس القاع، ليفجر بركانًا من التساؤلات..سألتها لنفسها...من الظالم ومن المظلوم؟..وأي مجتمعٍ هذا الذى بلغ فيه الاهمال والتحقير مبلغه، فلم يسلم منه كلاهما..لا المرضى ولا ملائكة الرحمة ( سابقا )!.
وبعيدًا عن المدرسة التأويلية وهى الأقرب مضمونًا وفهمًا للاسقاطات السياسية للنص وفك رموزه وتبيان صلاتها بعضها ببعض وترابطها، سأجتهد محللًا النص من زاوية ابعاده الاجتماعية الانسانية.
نص يلقي بصيص ضوء خفي على ما يعانيه المرضى في المستشفيات الحكومية، والخاصة بمرضى السرطان خاصة..من إهمال وسوء معاملة، لكنه رغم خفوته إلا أنه أضاء بما يكفي.
ثم تفاجأنا القاصة بخاتمة صادمة موغلة في الإيلام للمجتمع كله بلا استثناء..إذ تترك الغلاف وراءها في اشارة الى تخليها عن محاولة العلاج، مشيرة بأصبع الاتهام للكل..الكل بلا استثناء.. وتختار البقاء بجوار ابنتها..أهى هكذا اختارت الحياة؟..أم اختارت الموت البطئ؟..ظاهر لحظة التنوير يوحي باختيارها الحياة، وباطنها يوحي باختيارها الثاني، ولا يفوتني أن أشير إلى أن لحظة التنوير تلك اقتحمها شاب، فما دلالته ؟ وسواء ذُكر الشاب في النص مصادفة او عن عمد، فإن الدلالة قد وقعت وبرقت كصاعقة رمزية بليغة واسقاط محكم على عجز هذا الجيل عن فرض حل، إذ أنه نبه لسقوط الغلاف، ثم تم إخراسه بالقوة او بعدم الاستماع له، أو بالتغاضي العمد عما نبه له من مغبة ما حدث.
وهكذا مضت الكاتبة تاركة النهاية مفتوحة وليختر كل متلقي ما يناسب احساسه بالمأساة
...................
محمد البنا ٢٥ مارس ٢٠٢١

روح النص عنصر من عناصر القص قراءة تأملية بقلم الأديب المصري / محمد البنا في نص(لحظات حرجة) للقاصة الجزائرية/ فايزة عبد السعيد د

 روح النص عنصر من عناصر القص

قراءة تأملية
بقلم الأديب المصري /
محمد البنا
في نص(لحظات حرجة) للقاصة الجزائرية/
فايزة عبد السعيد
................
النص
......
#لحظات_حرجة
بحركة خاطفة، سبقت هاتفي إلى السقوط، بمرونة أذهلت عظامي التي قفزت من سباتها المبهم، طبعا
فالتهور والارتباك غيرمسموح بهما، إذا كان الأمر متعلق بسلامته.
وبمهارة لاعب محترف يمتلك فنيات عالية، قذفته عاليا
لكن مشهد تهشمه في مخيلتي جعلني بسرعة البرق أتداركه، وبعد مد وجزر، وصعود ونزول بمنطقة برزخية بين السماء، والأرض، التقطته أخيرا وأنفاسي أيضا.
ثوان قبل لقطةالارتماء!
بينما كنت أراسل صديقتي المفضلة على المسنجر،
التي تحبني كثيرا، أقصد أنها معجبة بشخصيتي الأنيقة، والمرتبة، الراقية...
فهي تعلم وتعرف عني كل شيء إلا الحقيقة طبعا،
فلطالما حدثتها عن مستواي الاجتماعي، والفكري، الأخلاقي، المذهبي، السياسي، وحتى عن الجمعيات والملتقيات الفكرية، والمنتديات الرياضية..
المهم، متأكدة أنني أذهلتها بشخصيتي...
وأنا أحدثها، عن اللقاء المهم، الذي كنت بصدد
حضوره هذا المساء، في قاعة ثقافية،
بلحظة لا وعي داهمتني فجأة...
لا أخفيكم سرا، غبائي يفاجئني كثيرا، خاصةحينما أقحم الكثير من التكلف والتفلسف دفعة واحدة إلى عقلي الفارغ..
ضغطت على زر الاتصال، وما إن داهمني رنين الاتصال،
حتى لحقه الارتباك، دقات قلبي تحتفل به بكل سخرية،
اختلطت الأزرار، وأنا أفكر في الفوضى المتصارعة من حولي، وصور الفنانات الهابطات تتراقص من خلفي، الألوان السحرية التي تمسح ملامحي الضبابية
الباهتة من السهر غائبة تماما، كيف ستبدو صورتي
بكاميرا جهازي القديم، الذي أعطانيه أخي
بعدما ابتاع لنفسه هاتفا أحدث تساءلت؟!
شعري غير المسرح تذكرت، ببيجامتي التي لا أخلعها إلا نادرا تفاجأت، فزدت البلة للطين؛ والمكالمة المباشرة فتحت...
_ماذا أفعل؟
_أين ذكائي المزعوم لينقذني؟
يا إلهي كم طال عمر تلك اللحظات،
حمدت الله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، لأن كل ذلك الغباء مجتمعا، متحدا مع التهور والبلادة، لم ينجحوا في مراوغتي، ومنعي من الوصول إلى منطقة الهدف،
الذي كان زر إخراس الهاتف نهائيا.
وأنا أحتفل بنشوة الفوز عليه بحركات ساذجة،
أطلق أبي صافرته، التي أعادت الاتزان المفتعل إلي،
وهو يقول لأمي:
ليت الدولة تتخذ قرار التجنيد الإجباري للفتيات.
فايزة عبد السعيد..١٧ مارس ٢٠٢١
................
القراءة
.........
وإنه لمن أشد ما يلفت نظر المتلقي، عندما يطالع النص لهو روحه الشبابية، وحيوية سرده المتدفق كشلال هادر، مطعمًا بسخرية تتخفى خلف كلماته وجمله.
نص يحاكي أنموذجًا مثاليًا من نماذج جيل الشباب المعاصر، والمتوافق تمامًا مع محدثات العصر وأحدث ابتكاراته التقنية ( الهاتف المحمول )، ذلك الذي جمع في يماثل كف يد جميع المتناقصات، فهو الصامت الناطق، الصديق اللدود، جالب المتعة وسارق الوقت، وهو أيضًا الجامع المُفرّق، أقامت الكاتبة على أحداثياته بنيان نصها، بروح مرحة لا تخلو من طرافة وشقلبظات ضاحكة، ومواقف كوميدية خفيفة الدم بطلاقة وعفوية.
نص برعت الكاتبة في سرده بضمير المتكلم، لكنه ومنذ بداية استهلاله يشعر القارئ أنها تخاطبه، إلى أن يتقين من ذلك عين اليقين حين تقول (لا أخفيكم سرًا..).
نصٌ يُحكى بشخصيتين، أحداهما ظاهرة تتسم بالخداع والتفلسف والكذب والتجمل، توازيها أخرى باطنة تقر بالحقيقة ( الفراغ العقلي)، تصم بنات جيلها، وتنصفهم، وتلقي ضوءًا خافتًا على مظلوميتهن ( المرتبة الثانية ) بعد ذكورية تتبوأ دائمًا المركز الأول في كل شيء(جهازي القديم الذي أعطنيه أخي بعد أن أشترى جهازًا جديدا).
وتمضي الكاتبة في سردها المتدفق إلى أن تختتم النص بالجملة الجادة المتماهية تمامًا مع ناطقها، الأب المتابع عن كثب وبعين ثاقبة مجريات الأمور (ليت الدولة تتخذ قرار التجنيد الاجباري للفتيات ).
تغيّر الصوت فتغيرت الروح.
أخيرًا ارى أنه لزامًا عليّ أن أنوه إلى سقوط بعض الكلمات ( عفوًا ) فبدا الربط مختل او منقطع في عدة فقرات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر(ثوان قبل لحظة الارتماء ) والمفتقد ها هنا (في) مع حذف النقطة الناهية لما قبلها، فتكون هكذا( وأنفاسي، في ثوانٍ قبل لحظة الارتطام).
.............
محمد البنا..٢٨ مارس ٢٠٢١


عندما ينبت الزغب قراءة نفسية بقلم / محمد البنا في نص ( تحرش ) للأديبة / أمل المنشاوي

 عندما ينبت الزغب

قراءة نفسية
بقلم / محمد البنا
في نص ( تحرش )
للأديبة / أمل المنشاوي
................................
النص
______
تحرش
*********
صنعت لي أختي الكبرى دمية من الصوف؛ فانطلقت بها فرحة إلى صديقتي الثرية لأريها أن لدي ألعابًا مثل التي عندها. التقاني بابتسامته المعتادة، وصعد بي إلى الغرفة المهملة أعلى سطح بيتهم مُعبّأً جيوبه كعادته بألوان شتى من الحلوى؛ كنت أتلذذ بمذاقها وأنا بين ذراعيه، وهو يتلذذ بشهدي كما كان يقول.
اعتدت أن أقضي اليوم كله ألعب مع أخته، بينما تساعد أمي أمه في شئون البيت نظير مبلغ من المال.
نلعب ببراءة الأطفال بينما يراقبنا هو من بعيد بعيون صقر، ومع الوقت ..ما كنت أطلب اللعب وإنما .. أدمنت الحلوى.
أخبرني ذات يوم أنه راحلٌ في اليوم التالي، وسوف يحضر لي دمية جميلة مثل دمى أخته غالية الثمن، نظير مزيدًا من الشهد وكذلك الحلوى.
عندما عاد .. كانت الدمية تسير على قدمين متأبطة ذراعه والناس من حوله يهنئون. اختبأت في غرفتي أيامًا لا افهم ماذا يحدث ولكن حزنًا أصابني.
انتبهت على يد صغيرة تربت على كتفي وتقول :
_ صفية .. هيا لنلعب، فقد أحضر لي أخي دمية جديدة، انظري .. إنها ترقص وتغني وتقول ماما وبابا
صمتتْ قليلا ثم قالت لائمة نفسها :
أعلم انك غاضبة لأنني انشغلت عنك بأخي وعروسه، وتركتك تحلمين بالدمية الجديدة وتنتظرين أن نلعب بها معا.. ولكني ها أنا قد أتيت
شعور كئيب يجتاحني، ابتسمت بخجل وأمسكت الدمية بتردد
كانت دميتها فاتنة.. لكني الآن أتوق لحلوى.
#أمل_منشاوي ٢٨ مارس ٢٠٢١
..................
القراءة
.........
عندما يكون الفارق بين حلوى وحلوى، منطقة رمادية تمكنت القاصة من ابرازها ببراعة، وبين براءة الطفولة وانماء الشبق، مسافة زمنية قطعتها بطلة النص بتمهل، وبسيطرة اللاوعي غير المدرك لمغبة الأمور، ففي التعود إدمان، وكلاهما - الشبق وطعم الحلوى- لهما مذاقهما اللذيذ والممتع، وكلاهما شهوتان لهما بريقهما الأخّاذ، وإدمانهما الذي لا يسلم منه هاو أو مجرب، أو حتى ممارس بالصدفة، فما بالكم والمكافئ ها هنا صقر!
صقر تخصصه صيد الحمام، وذئبٌ بشري يتقن انتهاز الفرصة تلو الفرصة.
مبرر بسيط يتناسب مع طفولة بريئة قدمته الكاتبة كمدخل لأقصوصتها، ألا وهو الدمى، وحب الاطفال - خاصة الاناث- لها، ومهدت لعمق الفكرة بمبررات موجبة ومؤدية حتمًا لما بعدها عن قناعة ومنطقية، كما ورد في النص مبرري الفقر والغفلة.
والطفلة طفلة نمت مبكرًا، وتخطت سنها بعدما أيقظ ذئب مكامن شهوتها الغريزية، فالطفلة أنثى صغيرة استغل ذكر شهوة حبها للحلوى فى انماء متعمد لشهوة أخرى لم يئن طرحها بعد، لكنه سعى بخساسة وأنانية لريّها وبسخاء، فنمت قبل موعدها، كطرح فاكهة في غير موسمها.
ولعله من المناسب هنا أن أذكر عدة أمثلة تحققت في علم النفس على مدى قرون سابقة، فالقاتل لأول مرة يعتاد القتل، بل ويمضي فيتلذذ به، وكذلك المغتصب، وكذلك المُغتَصبة إن تكرر اغتصابها اعتادته بل وتدمنه أيضًا، ولا تجد شهوتها طريقها إلى النور إلا به.
وها هى بطلة النص تنحو نفس المنحى، ففي جملتها الأخيرة (..تتوق لحلوى ) ..أي حلوى ومن أي واهب لها أو مستغل او شبق..إنه الآدمان.
نحن أمام نص يعرض مشكلة اجتماعية معاصرة بجرأة وحيادية مطلقة دون أدنى تدخل للكاتب في مجرياته بالرأي أو النصح أو اقتراح حلول، فهذا ليس مهمة المبدع، فمهمته الأولى والأخيرة هى القاء الضوء لينير المشهد المظلم، لتتولى الجهات المتخصصة على كافة المستويات دورها المنوطة به.
..........................
محمد البنا..٢٨ مارس ٢٠٢١