البنيوية وأثرها في النص السردي
قراءة للأديبة العراقية/ نور الزهراء
لنص ( المسافة صفر )
للأديب المصري / محمد البنا
...............
النص
.......
المسافة صفر
قصة قصيرة
.................
خلال المسافة القصيرة التي تفصلني عن باب غرفته تنتابني الهواجس، فأقدم ساقًا وأؤخر أخرى..تُراه سيباغتني كما فعل البارحة؟..أسائل نفسي مندهشًا..ما الذي دعاه للنفور مني وأنا طبيبه؟..وكيف واتته الجرأة لمهاجمتي، وقدماه بالكاد تحملانه؟.. أمشي بتؤدة صوب بابه متمهلًا خطوي، بينما الردهة تعج بالمهرولين في هلع، بدا لي كأنهم لا يرونني!، حتى الممرضة المكلفة بمساعدتي في العناية بذلك المهووس نزيل الغرفة (١١)ألفيتها تجلس القرفصاء واضعةً رأسها بين كفيها، وتجهش باكية..فكرت لبرهة أن أدنو منها وأسألها عن سبب بكائها، إلا أنني تراجعت في اللحظة الأخيرة..لا أدري لم !
دنت خطواتي من الباب المغلق، ولدهشتي وجدته مغلقًا بالشمع الأحمر!..أيقنت لحظتها أنّ حدثًا جللًا قد وقع، فوقفت متحيرًا لا أدري ماذا أفعل، بينما اقترب مدير المصحة وبرفقته آخر يرتدي زيًا أمنيًا، سمعته يقول له: لقد انتحر..حالتة النفسية كانت متردية، وهاجم طبيبه ليلة أمس
دنوت منه متسائلًا: من الذي انتحر يا كتور ؟
وقع مغشيًا عليه لحظة إن التفت إلي، فانتابني الذعر، وعجزت قدماي أن تبرحا مكانهما، هنيهة وأفاق، سأله الضابط، فأجابه: إنه هو!..كان هنا!!..أين ذهب؟
محمد البنا..١٠ أبريل ٢٠٢١
.................................
القراءة
.........
حينما يكون الاسم محمد البنا يكون خلفه قصة لها ألف باب وباب. تدخلنا لعالم قص مختلف عبر بوابة الحرف وهذه المرة ( المسافة صفر) قصة غلب عليها المشهد الواحد ومكان محدود وحوارية البطل ( الراوي) مع نفسه بمشهدية رائعة تدخل القارئ داخل قلق البطل وهو يحاول فتح الباب، إذ برع الكاتب بنقل التصور النفسي خلال فترة زمنية محددة بشكل ملحوظ هي حركة واحدة لا غير بمقبض الباب الذي شكلا حاجزا وفاصلا بين هواجسه ومخاوف وبين ذكرى مرعبة يحملها عن مهاجمة مريضه له يتخللها حديث آخر أسئلة يتمية الإجابة سبب صنيع مريضه به كل ذلك نقله الكاتب بحرفية تامة وهل ينقل لنا الأبعاد الثلاثة فتح الباب والهواجس المخيفة من عاقبة فتح الباب والأسئلة الدائرة بينهما. أحادية الحدث المتخذ داخل النص لم يمحِ صورة المشهدية المتعددة التي نقلها لنا البطل ( الراوي) الممرضة وهي تبكي ومجيء مدير المصح برفقة الأمني ليعلنا انتحار مريضي لسوء وتردي حاله. ليكتشف البطل ( الراوي) الحدث الأكبر غرابة والذي لم يكن يعلم به إلاّ لحظة الذهول انه لم يكن على قيد الحياة فكانت ( المسافة صفر) لا تحتاج لذلك القياس الكليومتري لوسم الحروف بالنقط. لقد نقل لنا الكاتب بابداع أحداث نص متكامل البناء السردي والقصصي على لسان روح فارقت الحياة ببراعة فنان واصفا لنا المشهد النفسي والواقعي بعدسة مصور بارع ملتقطا أدق التفاصيل الصغيرة ونقلها لنا بزمكان محدد وشخوص قليلة لم يكن سوى البطل ( الرواي) شخصية رئيسة وشخوص جملت النص بما يخدم الممرضة ومنظرها الباكي ورجل الأمن ومدير المصح الذي شكل حلقة الربط مابين الحقيقية ( موته) والخيال بوجود شخصه إذ كان ناقوس الحقيقة. وذلك المهووس المنتحر وكان وصفا دون رسما ذكرا دون شخصا مثل بلورة اكتمال ذروة النص القصصي. اعتمد الكاتب على تفعيل دور علامات الترقيم والتي أضافت معانٍ داعمة للنص مقوية للحدث إذا لعبت علامات التعجب دورا بازرا باضفاء ملامح تشخيصية للحدث كأنك ترى الدهشة المرتسمة على أجوه القصة وكما فعلت العلامات الأخرى ( الاستفهام) والفازة التي مثلت خطوط فصل بين عَالَم وآخر. كما لعبت الجمل الإنشائية دروعا ببراعة إذا تلاعب الكاتب بها بمكر محنك ليحرك لنا مشاهد النص بإبعاده الثلاثة ( فتح الباب ، والهواجس ، والأسئلة المرافقة للبطل) وكل هذا رسمه لنا الكاتب ب( مسافة صفر) لا مقياس كيلومتري واقعي تقاس بها سوى مقياسا من نوع آخر وظفه الكاتب ببراعة ليقيس لنا الأحداث ويعطي إحصائيات للمسافة داخل النص القصصي وهو ( المقياس النفسي) الذي ينماز بالمرونة والمط لأبعد الحدود ولا يحتاج لالة قياس أو أرقام بل يحتاج لامتداد نفسي محاط باسئلة يتيمة محفوف بهواجس ليعطي إحصائيات دقيقة. لغة إنشائية سردية رائعة تفنن الكاتب بإقناع القارئ فيها لما دار أو يدور داخل فلك القصة القصيرة التي بين أيدينا.
لقد امتعتنا كما تفعل في كل مرة استاذ محمد فأنت ( البنا) بكل حرفية
نور الزهراء..١١أبريل٢٠٢١


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق