الأحد، 11 أبريل 2021

الإسقاطات النفسية في القص السردي إبحار بقلم الأديبة العراقية / جمانة الزبيدي في نص (المسافة صفر) للأديب المصري / محمد البنا

 الإسقاطات النفسية في القص السردي

إبحار بقلم الأديبة العراقية / جمانة الزبيدي
في نص
(المسافة صفر)
للأديب المصري / محمد البنا
.......................................
النص
.......
المسافة صفر
قصة قصيرة
.................
خلال المسافة القصيرة التي تفصلني عن باب غرفته تنتابني الهواجس، فأقدم ساقًا وأؤخر أخرى..تُراه سيباغتني كما فعل البارحة؟..أسائل نفسي مندهشًا..ما الذي دعاه للنفور مني وأنا طبيبه؟..وكيف واتته الجرأة لمهاجمتي، وقدماه بالكاد تحملانه؟.. أمشي بتؤدة صوب بابه متمهلًا خطوي، بينما الردهة تعج بالمهرولين في هلع، بدا لي كأنهم لا يرونني!، حتى الممرضة المكلفة بمساعدتي في العناية بذلك المهووس نزيل الغرفة (١١)ألفيتها تجلس القرفصاء واضعةً رأسها بين كفيها، وتجهش باكية..فكرت لبرهة أن أدنو منها وأسألها عن سبب بكائها، إلا أنني تراجعت في اللحظة الأخيرة..لا أدري لم !
دنت خطواتي من الباب المغلق، ولدهشتي وجدته مغلقًا بالشمع الأحمر!..أيقنت لحظتها أنّ حدثًا جللًا قد وقع، فوقفت متحيرًا لا أدري ماذا أفعل، بينما اقترب مدير المصحة وبرفقته آخر يرتدي زيًا أمنيًا، سمعته يقول له: لقد انتحر..حالتة النفسية كانت متردية، وهاجم طبيبه ليلة أمس
دنوت منه متسائلًا: من الذي انتحر يا كتور ؟
وقع مغشيًا عليه لحظة إن التفت إلي، فانتابني الذعر، وعجزت قدماي أن تبرحا مكانهما، هنيهة وأفاق، سأله الضابط، فأجابه: إنه هو!..كان هنا!!..أين ذهب؟
محمد البنا..١٠ أبريل ٢٠٢١
..................................
القراءة
.........
تعانق الأضداد
نحن بين يدي حبكة سردية نفسيةمتضادة الصفة ومتعاكسة الأثر بنتيجة واحدة وقلما إن لم ينعدم من يتناول التضادات النفسية بهذه الحرفة وبلغة أدبية-نفسية بأمتياز .
وإذ يتناولها روائي ملمٌ بالعقد النفسي ومحيط بأثاره عارفٌ لأي عقد نفسي تنتمي نهاية قصته فيصوغها بحرفة مطلع متكئ على خلفية نفسية عارفة إن لم نقل خبرت ماذا تخوض وفي أي غمار يقتحم.وهذا مالا نتفاجأ به عندما نرى القصة ممهورة بمهر الأديب الكبير
محمد البنا
Mohamed Elbanna
يتصدر السرد عتبة ملفتة للأنتباه دافعة للفضول يرمي بها الكاتب شد أنتباه القارئ والأخذ بعنقه حيث يرمي دهاء الكاتب إذ لاتجافي في القيمة الرقمية لقياس المسافات من وجود حيز رقمي لمدلول تلك المسافة وأنعدامها وتلاشي تلك القيمة الرقمية إنما أمر أراد به كاتبه ومؤسسه أن يرمي لأنعدام تلك القيم المادية .
إذن فالحدث خارج السياقات المعهودة من القياس والقيمة المكانية
إذن أين يحلق بنا( البنا) ؟
اللاوعي أو اللازمكان أو المنطقة المعلقة بين الناسوت والملكوت..المكان البوهيمي للحدث الذي تدور عليه سردية الأديب وفكرته.
مستشفى الامراض النفسعصبية ذلك المكان الذي يضم بين جدرانه آلاف القصص والحكايات لقاطنيه مالايقبلها عقل ولاتصدقها ذات.
وهذه الحقيقةالتي غدت مزية لمن أراد الولوج لعالم القص النفسي أو القوطي لأن مرونة الخيال وأتساع دائرة الحدث الواحد تتيح للمحترف التلاعب بالمفردات والمسميات النفسية
ولكن لابد للخائض فيها من الإحاطة إبعاداً للإستفهامات التي تشكلها .
تناول الكاتب مرضا نفسيا أو ربما أوهم القارئ به ألا وهو (الفصام العصبي) فالمعروف أن حالات التشنج والهيجان الخطيرة التي تنتاب مرضى الفصام أشبه بما تناوله القاص وأقرب لتلك النهاية المحزنة.كما تجلى ذكاء القاص وهو يترك باب الإيهام موارباً بين أي الضحيتين كان المتحدث الطبيب أم المريض..وهنا تكمن قطبية الحيرة أي روح كانت تتكلم؟ أهي روح المريض الذي أنهى رحلة العذاب بالإنتحار أم الدكتور الذي أنتهت حياته على يد الداء الذي عمد إلى معالجته..ضدية نفسية بين تصارع الداء والعلاج تنتهي بنتيجة واحدة ..مشهدية في قمة الروعة.
أضاف السارد شخوصا ثانويا تمثلت بالممرضة وموظف الأمن كأنهم شخصيات أرتكازية داعمة للمشهدية تناولها من هنا داخل (المصح) وهناك(خارج المصح)لتكتمل مشهدية الحدث الواحد الذي بدأ وأنتهى كبيراً متأزماً .لغة سهلة ممتنعة وهذه السمة التي غلبت كل كتابات (البنا) بجزله للمعاني وتكثيفه للصور الثرّة التي تختزل ذواتها بأبسط وأسهل المفردات .
حوارٌ يرويه الراوي تاركاً تشخيصه للتأثير الذي يتركه النص بتحديد هويته.
الجرس الموسيقي نغمة عالية مضطربة كأصوات الطبل والدف في تناغم غير مستقر وسلّم موسيقي متذبذب وظّفه الكاتب بما يتواءم والحدث المطروق إذ لامناسبة ولاتجانس بين النغم المستقر والموزون وبين مصح نفسعقلي وهذه لاتتأتى إلا من محترف ضليع بما ينسج.
كعادته يبهرنا دائماً بكل مايكتب وكأنه يقول..
قف إنني هنا.
جمانة الزبيدي..١١أبريل٢٠٢١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق