روح النص عنصر من عناصر القص
قراءة تأملية
بقلم الأديب المصري /
محمد البنا
في نص(لحظات حرجة) للقاصة الجزائرية/
فايزة عبد السعيد
................
النص
......
#لحظات_حرجة
بحركة خاطفة، سبقت هاتفي إلى السقوط، بمرونة أذهلت عظامي التي قفزت من سباتها المبهم، طبعا
فالتهور والارتباك غيرمسموح بهما، إذا كان الأمر متعلق بسلامته.
وبمهارة لاعب محترف يمتلك فنيات عالية، قذفته عاليا
لكن مشهد تهشمه في مخيلتي جعلني بسرعة البرق أتداركه، وبعد مد وجزر، وصعود ونزول بمنطقة برزخية بين السماء، والأرض، التقطته أخيرا وأنفاسي أيضا.
ثوان قبل لقطةالارتماء!
بينما كنت أراسل صديقتي المفضلة على المسنجر،
التي تحبني كثيرا، أقصد أنها معجبة بشخصيتي الأنيقة، والمرتبة، الراقية...
فهي تعلم وتعرف عني كل شيء إلا الحقيقة طبعا،
فلطالما حدثتها عن مستواي الاجتماعي، والفكري، الأخلاقي، المذهبي، السياسي، وحتى عن الجمعيات والملتقيات الفكرية، والمنتديات الرياضية..
المهم، متأكدة أنني أذهلتها بشخصيتي...
وأنا أحدثها، عن اللقاء المهم، الذي كنت بصدد
حضوره هذا المساء، في قاعة ثقافية،
بلحظة لا وعي داهمتني فجأة...
لا أخفيكم سرا، غبائي يفاجئني كثيرا، خاصةحينما أقحم الكثير من التكلف والتفلسف دفعة واحدة إلى عقلي الفارغ..
ضغطت على زر الاتصال، وما إن داهمني رنين الاتصال،
حتى لحقه الارتباك، دقات قلبي تحتفل به بكل سخرية،
اختلطت الأزرار، وأنا أفكر في الفوضى المتصارعة من حولي، وصور الفنانات الهابطات تتراقص من خلفي، الألوان السحرية التي تمسح ملامحي الضبابية
الباهتة من السهر غائبة تماما، كيف ستبدو صورتي
بكاميرا جهازي القديم، الذي أعطانيه أخي
بعدما ابتاع لنفسه هاتفا أحدث تساءلت؟!
شعري غير المسرح تذكرت، ببيجامتي التي لا أخلعها إلا نادرا تفاجأت، فزدت البلة للطين؛ والمكالمة المباشرة فتحت...
_ماذا أفعل؟
_أين ذكائي المزعوم لينقذني؟
يا إلهي كم طال عمر تلك اللحظات،
حمدت الله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، لأن كل ذلك الغباء مجتمعا، متحدا مع التهور والبلادة، لم ينجحوا في مراوغتي، ومنعي من الوصول إلى منطقة الهدف،
الذي كان زر إخراس الهاتف نهائيا.
وأنا أحتفل بنشوة الفوز عليه بحركات ساذجة،
أطلق أبي صافرته، التي أعادت الاتزان المفتعل إلي،
وهو يقول لأمي:
ليت الدولة تتخذ قرار التجنيد الإجباري للفتيات.
فايزة عبد السعيد..١٧ مارس ٢٠٢١
................
القراءة
.........
وإنه لمن أشد ما يلفت نظر المتلقي، عندما يطالع النص لهو روحه الشبابية، وحيوية سرده المتدفق كشلال هادر، مطعمًا بسخرية تتخفى خلف كلماته وجمله.
نص يحاكي أنموذجًا مثاليًا من نماذج جيل الشباب المعاصر، والمتوافق تمامًا مع محدثات العصر وأحدث ابتكاراته التقنية ( الهاتف المحمول )، ذلك الذي جمع في يماثل كف يد جميع المتناقصات، فهو الصامت الناطق، الصديق اللدود، جالب المتعة وسارق الوقت، وهو أيضًا الجامع المُفرّق، أقامت الكاتبة على أحداثياته بنيان نصها، بروح مرحة لا تخلو من طرافة وشقلبظات ضاحكة، ومواقف كوميدية خفيفة الدم بطلاقة وعفوية.
نص برعت الكاتبة في سرده بضمير المتكلم، لكنه ومنذ بداية استهلاله يشعر القارئ أنها تخاطبه، إلى أن يتقين من ذلك عين اليقين حين تقول (لا أخفيكم سرًا..).
نصٌ يُحكى بشخصيتين، أحداهما ظاهرة تتسم بالخداع والتفلسف والكذب والتجمل، توازيها أخرى باطنة تقر بالحقيقة ( الفراغ العقلي)، تصم بنات جيلها، وتنصفهم، وتلقي ضوءًا خافتًا على مظلوميتهن ( المرتبة الثانية ) بعد ذكورية تتبوأ دائمًا المركز الأول في كل شيء(جهازي القديم الذي أعطنيه أخي بعد أن أشترى جهازًا جديدا).
وتمضي الكاتبة في سردها المتدفق إلى أن تختتم النص بالجملة الجادة المتماهية تمامًا مع ناطقها، الأب المتابع عن كثب وبعين ثاقبة مجريات الأمور (ليت الدولة تتخذ قرار التجنيد الاجباري للفتيات ).
تغيّر الصوت فتغيرت الروح.
أخيرًا ارى أنه لزامًا عليّ أن أنوه إلى سقوط بعض الكلمات ( عفوًا ) فبدا الربط مختل او منقطع في عدة فقرات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر(ثوان قبل لحظة الارتماء ) والمفتقد ها هنا (في) مع حذف النقطة الناهية لما قبلها، فتكون هكذا( وأنفاسي، في ثوانٍ قبل لحظة الارتطام).
.............
محمد البنا..٢٨ مارس ٢٠٢١


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق