الأحد، 11 أبريل 2021

من خلف حائل تهمى رسائل قراءة بنيوية بقلم الأديب المصري/ محمد البنا لنص ( حجز في أخريات العمر ) للقاصة العراقية / جمانة الزبيدي

 من خلف حائل تهمى رسائل

قراءة بنيوية
بقلم الأديب المصري/ محمد البنا
لنص ( حجز في أخريات العمر )
للقاصة العراقية / جمانة الزبيدي
...........
النص
......
حجرٌ في أُخرياتِ العمر
..............................
خلف الحاجز رجل سبعيني تجلس أمامه إمرأة ستينية ترمقه بنظراتٍ ملؤها الأمل و الرجاء أن يخترق هذا الحصن الحائل بينهما ليضع يده في يدها ويعودان إلى مملكتهما البسيطة..
-حاجّة إنهضي لقد تعبتِ ولم تتناولي شيئاً..
-كيف أذهب؟ وهو مسجى هنا لا يستطيع ألحراك ...أخشى ان يفتح عينيه ولا يراني..
-ياحاجّة جلوسكِ لا طائل منه ونخشى عليكِ الأصابة..
-ياولدي لم أفارقه منذ أربعين عاماً ...كيف أفارقه الآن
وما أصابه كان بسببي ...فقد خالف الحجر وذهب ليبتاع لي الدواء..
-أليس لديكم أولاد؟
-بلى، لدينا اربعة أولادٍ ولكن مشاغل الحياة ألهتهم ،وتاهوا في دهاليزها...
يستمع الطبيب المشرف على الردهة إلى الحوار الدائر بينها وبين الممرض...ثم يومئ له برأسه...
ينهض الممرض الى الطبيب
-تفضل دكتور..
-دعوها..
-ولكن ..يادكتور غفلنا عنها ليلة الأمس لنجدها تحاول ان تخترق الحاجز وتدخل لتمسك بيديه..
-أعرف...ولكن إبعادها عنه أكثر خطراً عليها من الإقتراب منه!
جمانة الزبيدي / العراق..٦مارس ٢٠٢١
..............
القراءة
.........
النص مشهد واحد، اعتمدت القاصة أسلوب السرد المشهدي ( السيناريو) كبنية أساسية له، فالمكان غرفة عزل طبي في مستشفى يرقد فيها سبعيني يعاني من مرض معد، وخلف الزجاج امرأة ستينية، يجادلها ممرض، وفي خلفية المشهد طبيب شاب، ومن ثم تطعم الكاتبة المشهد بحوار بسيط يطرح العديد من القضايا الاجتماعية الانسانية النفسية.
هذا ببساطة ظاهر النص، أو ما تشاهده العين القارئة، فماذا عمّا استقر في وجدان القارئ المشاهد؟ وهيّج مشاعره، فتراوحت بين حب زوج لرفيقة دربه وتفانيه في رعايتها، وأخلاص زوجة لزوج عرّض حياته لخطر ماحق، ليجلب لها دواءً ينقذ حياتها، فتتمنى حين مرضه أن تذهب روحها معه إن ذهبت روحه، وأن يفنى جسدها مع جسده في ذات اللحظة، كما تعانقت روحاهما وجسداهما طيلة أربعين سنة مضت بثوانيها ودقائقها وأيامها ولياليها..إنها العشرة وما أدراك مع العشرة!
وعقوق أولاد شغلتهم الدنيا بمباهجها ومشاغلها عمّن أتيا بهم إليها، وسهرا الليالي لرعايتهم، عمّن قال فيهما رب العزة من فوق سبع سموات ( وأن أشكر لي ولوالديك)، وقال فيهما رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ( أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك)، عمّن تفتح أبواب الجنة تحت أقدامهما، فتدخلها إن خفضت لهما جناح الذل من الرحمة، وتفتح لك أبواب جهنم إن عققتهما، فالعقوق من السبع الموبقات الموجبات لعذاب الآخرة، وما أدراك ما عذاب الآخرة!
إنها حقًا رسالة النص المخفاة خلف أحرف جملة واحدة وردت فيه كعارض( لدينا أربعة أولاد ولكن مشاغل الدنيا ألهتهم و" تاهوا" في دهاليزها).
بنية أتكأت على ظاهرٍ مفعم بالحنان والفداء والتضحية والحب، وعلى باطنٍ ينبئ بخطرٍ محدق ونذير.
بنية نصية اعتمدت اللغة البسيطة الجزلة دون تقعر أو تفخيم او تضخيم، وجمل سهلة مهضومة معبرة بطلاقة عن سكون المشهد ظاهريًا، ومن تحت الهدوء يشتعل بركان من المشاعر.
..............
محمد البنا..٢٩ مارس ٢٠٢١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق