الأحد، 11 أبريل 2021

إشكالية القصة القصيرة بين الواقع والخيال قراءة من منظور خاص بقلم / محمد البنا لنص ( ظلال غاضبة ) للقاصة / إيناس سيد جعيتم

 إشكالية القصة القصيرة بين الواقع والخيال

قراءة من منظور خاص
بقلم / محمد البنا
لنص ( ظلال غاضبة )
للقاصة / إيناس سيد جعيتم
...............
النص
......
ظلال غاضبة
أمسكت قلمي وهممت ببدء مشروع جديد، قبل أن أداعب نقاء الورقة بهلوساتي تسلل لأذني ذلك الصوت، حاولت تجاهله في البداية لكنه أصر على مزاحمة أفكاري فتركت القلم، حاولت تجاهل تلك الهمهمات المنبعثة من حجرتي الضيقة لكنها لم تترك لي سبيلا غير التحقق منها، داخل فراغها اللا متناهي تزاحمن في أحد الأركان تحت شجرة وارفة! كدت أفرك عدسات نظارتي الطبية غير مصدقة لما أرى؛ إذ كيف لهذا الجمع العجيب أن يتوأم بهذه الحميمية؟! لم يكن هذا مصدر دهشتي الوحيد، بل أن تجاهلهن المتعمد لوجودي كان أكثر غرابة وإيلاما في الوقت نفسه! تسلل شيء من الغضب لنفسي أو ربما كانت الغيرة، كل منهن اعتبرتني يوما صديقتها المقربة وأفضت إلي بما لم يعلمه غيري، والآن يولونني ظهورهن بتلك الأزياء التي تبدوا كملابس مرتادي الحفلات التنكرية.
يتبادلن العبارات الغاضبة همسا وينظرن لي، أرى ذلك جليا في نظراتهن الحانقة حينا، واللائمة حينا أخر..
لا.. لن أقف مكتوفة اليدين وأتركهن يفترسن سيرتي، يالهن من جاحدات!!
اقتربت ولايزال القلم يتأرجح بين سبابتي وإبهامي، رأيتها تتوسطهن باكية تمسح دموعها في كم جلبابها الريفي المرقع، بينما تتسابق الأيدي لمواساتها والكلمات للترويح عنها، أزاح فضولي الذي يسري مني مجرى الدم الغضب جانبا بينما تحفز القلم بين أناملي، نظرت إليها مليا، بالتأكيد أعرفها لكني لا أتذكرها، اقتربت قليلا محاولة التقاط ما يذكرني بها من أحاديثهن، خيل إلي أني تذكرتها فرفعت القلم، التفتت لي صاحبة أكثر وجوههن غلا بزيها الفرعوني الأنيق موجهة سبابتها لوجهي قائلة كلمة واحدة:
- إياكِ.
لسبب أجهله أصابتني كلمتها بالشلل فتوقفت، لم أملك إلا الاستماع وتحمل ما يقذفنني به، نظرت لي صاحبة الكرسي المتحرك لائمة:
- واشية.
ردت عليها العروس الشابة وجسدها ينتفض:
- ليتها اكتفت بذلك، ما أفضينا إليها لنكون حروفا تائهة على الأوراق، جئناها طلبا للمساعدة.
بحروف متلعثمة غاضبة صرخت طفلة صغيرة تتوسطهن:
- لقد حرمتيني والدي.
لم تزد من تعاني آلام المخاض بأكثر من آهة وهي تمسك بطنها والعرق يغرق جبهتها، فتواسيها بيضاء الوجه صاحبة الشعر الفضي الحائمة حولهن في الهواء.
لم أتمالك من نفسي شيئا وأنا أرد مدافعة عن نفسي:
- من تدعون بالواشية؟! ما كان بيننا اتفاقا أقررناه جميعنا، ولا أعتقد أني ادخرت جهدا في تبليغ رسائلكن؟
صراخي عليهن دس الخوف في القلوب فبدت الاعتراضات كالهمس، شجعني ذلك على مواصلة حديثي الذي بدا أكثر هدوء:
- أنا لم أقصر في حق أي منكن، ما بيننا يظله تشارك المصالح، ماذا حدث لكن؟
خلت أني لكن أم!! لماذا هذه القسوة؟
قلتها ودمعاتي تتسابق على وجنتي، كدت أشعر بدفء الحضن الذي سيوحدنا جميعا لكن ذلك لم يحدث، خرجت حليقة الرأس من بينهن واقتربت مني، وضعت كفيها على كتفيَّ وتطلعت إلي بنظرات خاوية:
- لم نجد من هي أشد قسوة منك، لقد اخترت لنا جميعا حياوات حزينة ونهايات بائسة، لقد اكتفينا..
تخطتني وسارت نحو اللا شيء وتبعنها الواحدة تلو الأخرى وأنا أقف في ذهول، أفاقني صوت مبحوح يصرخ عليهن:
- انتظروني.
تبعتهم الشجرة تجرجر فروعها على الأرض تاركة أوراقا متساقطة، لمعت عيناي فجأة ورفعت القلم أكتب على للجدار، التفتن إلي فجأة صارخات:
- لا.
...................
إيناس سيد جعيتم..١ أبريل٢٠٢١
.......
القراءة
.........
درج منظرو القصة القصيرة في اوائل القرن الماضي على تصنيف القصة القصيرة على أنها تجربة انسانية، معبرة عن الواقع المعاش وخاصة الطبقة المهمشة من الشعب، وغالوا وشددوا على ذلك، إلا أنّ المدارس السردية الحديثة أفسحت المجال السردي أمام الخيال تأسيًا بالسرد الروائي، ليتمازج الخيال مع الواقع، فأُنسنت الحيوانات والجمادات، وتطور الفن السردي الروائي منتجًا الواقعية السحرية، وما لبث أن خطت القصة القصيرة على نفس الدرب، وخاصة الكثير من مبدعيها العرب، وتطاول التطور فنحا نحو تبادل الأدوار بين عناصر القص القصير، فأعتمد المشهدية الناطقة كعنصر رئيس، وألجأ الحدث الى مصاف الثانوية، كما في مدارس ما بعد الحداثة.
إذًا بعد هذا الملخص السريع نتساءل..إلى أي من هذه المدارس ينتمي نصنا هذا الذي بين يدينا ؟.
النص يتحرك داخل كادر مشهدي واحد متعدد الشخوص منذ بدءه وحتى أخر كلمة فيه .
قصة تنتمي للواقعية السحرية، وقد سبقها الكثير من ابداعات القاصة السردية المنتمية لنفس المدرسة، وأذكر منها (حبة الجوز، قبر من زجاج، عشق)، ومن متابعتي عن كثب لابداعات القصة، فأنا على يقين أنها لا تتكرر نفسها، إذًا ما الجديد في هذه الإطروحة القصصية؟.
ولنضع يدنا على هذا الإبداع الجديد، ننظر إلى المتن بروية وتمعن..في البدء ظلال، والظلال انعكاس مرئي لمادة مرئية متجسدة، لكنه ثابت اللون ( أسود ) ولا ملامح له، والسواد عتمة، والعتمة إبهام وعدم وضوح رؤية، لذا كان المدخل إلى المشهد..أصوات، لتبحث عن مصدرها، فتتراءى لها ظلال متكورة في زاوية تحت شجرة، وتتحول الظلال إلى شخوص، ويتجسد التوهم واقع مرئي مسموع مجادل بل وغاضب! إلى أن ينتهي المشهد بنهي شديد الوطء معلنًا نهاية النص.
يالله!!.. لم تختف الظلال كما ظهرت بل وبخت وعاتبت ولامت وأصدرت أومراها ( أن كفى..لن تكتبي مرة أخرى)..تأويلًا للحاق الشجرة بهم، والشجرة أم الحياة.
صدر الأمر ( لا ) فسقط القلم وارتعشت اليد، وارتعبت القاصة..هنا ينجلي الابداع..أن انتبهوا ايها الكتاب فغدًا ستسيطر عليكم شخوص انتم ابتكرتوها وتقمصتوها مرحليًا في رحلة المخاض الإبداعي، إنها غدًا ستمنعكم من إضافة ظلال أخرى..على الأقل حتى حين.
............
محمد البنا..١إبريل ٢٠٢١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق