عندما يكون الضوء قاتلا
قراءة نفسية
بقلم الأديب المصري / محمد البنا
لنص ( متمردة )
للأديبة السودانية / مي ع.الحميد عزت
..................
النص
......
#متمردة..
ضوءٌ حاد، يتغلغل بين خلايا جفنيّ، لا أعلم من أين يأتي!! يخزني ويؤلمني، إلى أن أيقظني لأتفاجأ بهذا المكان!
متى وصلت إليه؟؟
أو بالأحرى كيف وصلت إلى هنا؟
لا أستطيع أن أصف ماحولي؟
فراغ معتم، وبصيص الضوء هذا يزيد من اعتام رؤيتي.
أتراني أطير في الفضاء!!
حتمًا لا!! فما زالت أتلمس الأرض، ضربتها ثلاثاً لأتأكد،
ثم مددت ذراعيّ أمامي، إنهما ليسا جناحين!
وأثناء ذلك بدأت أدور في دائرةٍ قطرها عرض قدميّ،
أدور وأدور، حتى فقدت توازني وسقطت.
لم يكن القمر قريبًا لأتشبث به، رغم أنه قد بدا ليّ يحاول تقديم المساعدة، أليس ذلك المستدير الفضي قمراً؟؟
ما هذا الهذيان؟!
نفضت وجهي، علّي أخرج من هذا الوهم، لكني لم أشعر بنعومة كفيّ، بل شيءٌ حاد فيهما قد خدشني.
آه يا الله، ماذا يحدث؟!
اتكأت على ركن لم يريحني ضيق زواياه، محاولةً استجماع ذاكرتي، علّي أجد حلًا لما أنا فيه.
بعد أن زفرت عدة مرات، بدأت استرجع شيئًا من..... لا أستطيع قول ذاكرتي، فهي بعضُ صور لا أزال استصعب جمعها كاملة.
أهم ما تكرر فيها طلة أربعيني شرقي النظرة، غربي الملامح.
عصا، دخان، عتمة، وضجيج،ثم ..ضوء!!
ضوء يسطع مرة أخرى ليربكني، أحاول جاهدة حماية عيني، لكن شيئًا ما في كفيّ يخزني، ما هذا اليوم الأسود الذي أضيع فيه!
فجأة!!
ارتطمت بشيءٍ ما، وبات رأسي أسفل قدمي، ويديّ ضائعتان في العتمة، لكن!! أتى من بعده هدوء، فكأن استقرارًا حدث، بطريقةٍ أو بأخرى.
بعدها استقمت، وحاولت مرارًا حتى وصلت، نعم وصلت لمنفذ الضوء ذاك، وأمسكت به بيدي، وظلت رأسي تحرك وتدفع جزءًا من هذه العتمة، شيئًا فشيئا، وكأن الشمس قد حنّت عليّ وستشرق لتنتشلني من هذا السواد.
نعم أخيراً تحررت من أسري، لكن هنا كانت الدهشة!!
أحدهم أمسك بعنقي من الخلف، وسحبني للأعلى مباغتاً حذري.
تلمّس شعري، وحين رفعني ونظر في عيني، تجمعت كل المشاهد التي تلاشت من ذاكرتي معه، أنه هو!
غلبني الخوف في ذات اللحظة واغرورقت عينيّ.
من انعكاسي في عينيه رأيتني، أنا قطة، نعم قطة!!
هذه المرة حولني بسحره الى قطة، علّي أداعب قدميه، وأتغنج على صدره، ليحبسني حين يريد، ويطلق سراحي حين يشتهي المتعة.
في آخر مرة تركني مصلوبة على أغصان الوله، تتقاذفني الرياح، وتذلني الأمطار، لكي أغرد له، وأتمايل كعاشقة تغني أجمل ألحان الحب رغم كرهي له.
قبلها كنت ضفدعة، كلما قفزت أمامه لا إرادياً ضحك، واسمتع.
وقبلها كنت نملة، كلما مشيت وضع أصبعه أمامي ليعترض طريقي، ويتحكم في مسارات حياتي.
لم يعرف أبدًا أنّ بداخلي أنثى لن تتحرر له أبدا..
وأنّ سحره يغيّر أي شيء إلا مشاعري.
شمّرت عن مخالبي، تركت على خده علامة ليتذكر بها مكري وغضبي، ثم ركضت مبتعدة عنه، أرفع ذيلي خيلاء معجبة بذكائي؛ لم أكن أعرف بعد أن القطط وجبة دسمة لأسفلت الطرقات.
مي عبدالحميد ..٢٩مارس٢٠٢١
..............
خروجًا عما ألفناه وعهدناه من متابعتنا لجل أقاصيصها السابقة، إرتأت الكاتبة أن تكون قصتها هذه مروية بصوت واحد (ضمير المتكلم) وليس ثلاثة أصوات، رغم ما فيه من خطورة الانزلاق إلى حمى الخاطرة، فكانت حذرة واعية يقظة في تدوين كل كلمة من الكلمات التي شكّلت مجتمعة متن النص.
وحافظت ببراعة على جل عناصر القص القصير، رغم روحانية البوح والصور البلاغية، والحديث الذاتي الموجه خفية إلى متلقي منصت، والكاشف عما يدور في خلد السارد، واصفًا مشاعره الماضية في اتجاه تصاعدي نحو هدف واحد ( التمرد ).
إلا أنّ الجمل النصية حفلت بالاطناب والاستدراك والتضاد اللغوي والمعنوي والدلالي، وغيرهم من محسنات بلاغية، مما أضفى على النص شاعرية مفعمة بالوجع والتيه والتخبط، والسخرية وجلد الذات في مشهدية رائعة، استغرقت نص المتن، ثم يتفجر السرد معلنًا عن نفسه ببراعة، فمن ضفدعة وفأر- حيوانات تتسم بالخوف والجبن- إلى قطة تتحلى بالمشاغبة والشجاعة والجرأة، لتختتم النص بالتمرد على ذئب، فتقع بين أنياب ومخالب ذئاب.
نص اتسم بالجرأة في الكشف عن الذات الأنثوية دون خجل من ابراز ضعف أو الافصاح عن أنوثة مكبوتة، وآدمية منتهكة.
نص اتقنت كاتبته تضمين المحسنات البلاغية كالاستدراك والتضاد، وعلى سبيل المثال لا الحصر
- كعاشقة تغني ألحان الحب رغم كرهي له
- أنثى لن تتحرر أبدا له
- إشراق/ سواد
أرتطام / هدوء
ضوء/ ارباك
- مصلوبة على أغصان الوله.
نحن أمام نص قد يختلف كثيرون في تصنيفه، فمنهم من سيصنفه خاطرة، وله قرائنه المعتبرة، ومنهم من سيصنفه قصة قصيرة، وله أيضًا قرائنه المعتبرة، إلا أنني أميل إلى اعتباره نص نثري مزج بين الخاطرة والقصة ونجح في ذلك، وأراه إضافة جديدة تضاف إلى رصيد الكاتبة الأدبي.
...........
محمد البنا..١ أبريل٢٠٢١


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق