الأحد، 11 أبريل 2021

حينما تمزج الدموع بين حلم وواقع قراءة بقلم/ منى عز الدين لنص ( دخان أسود) ل / إيناس سيد جعيتم

 حينما تمزج الدموع

بين حلم وواقع
قراءة بقلم/ منى عز الدين
لنص ( دخان أسود)
ل / إيناس سيد جعيتم
................
القراءة
.........
هذه القصة منذ قرأتها أول مرة أسقطتني مع هذا الجندي في فوهة مدفع، تسربت في مسامي رائحة النار والبارود لحرب قذرة تصلب أبناءها على تخوم الصدف والانتظار، ودخان يلف الجبهة يجعل الصديق والعدو سواء، ثم قذفتني بعيدا إلى زمن السلم والنقاء في وطني بحقوله الخضراء وأبنائه الذين يمسكون الفأس للعمل للبناء، ويمسكون خصر الحبيبة تارة ويلاحقون أطفالهم تارة ...
إنها إشراقات الضحى تراود غروب ذلك الجندي عن نفسه، وتراود نومنا الطويل كي يستيقظ برمزية الكتاب ..
هلاوس وأحلام تركتهم الكاتبة في صراع وتركتنا في ترقب أما من فجر لهذا الغروب أم أنه الغروب الأخير .
قصة مؤثرة جدا أجادت حبكها وتضفيرها بين واقع وخيال، حلم وكابوس، ماض وحاضر، بداية ونهاية، كل تلك الملاحم كتبتها باختزال مقتدر يعرف كيف يعطي على مقاس المعنى دون ترهل
أما الناقدة الجميلة كنانة فقد كانت الرفيق الوفي للحروف، والناطق ببواطنها، والمؤطر البارع لتراكيبها ونسقها.
....
منى عز الدين.. سوريا..٣ أبريل ٢٠٢١
................
النص
.......
دخانٌ أسود
كمهرٍ صغيرٍ يتقافزُ فرحًا كان يجري وسط الحقولِ الخضراءِ، متعلقةً عيناه بزوجتِه التي تسبقه بأمتارٍ يتبعها صوتُ ضحكاتِها، تلتفت له فتلتفُ ضفيرتاها في الهواءِ لتحتضناها وتعاودان الطيرانَ خلفها، يرقص قلبُه طربًا مع ضحكاتِ صغيرتِه التي تجلس في حجرِ والدتِه أمام بيتِه الريفي البسيط، يجري بسعادةٍ وراء زوجتِه مبتعدًا عنهما فتبتعد عنه لتغيب عن ناظريه، تختفي ابتسامتُه ويبدأ القلقُ يداهمه، يسرع ليلحقَ بها فتخونُه قدمُه ليسقط في هوةٍ سحيقةٍ وكأن الأرضَ انتهت فجأة، يسقط ملوحًا بساقيه وذراعيه في الهواءِ وقد ازدادت نبضاتُه سرعةً حتى كاد قلبُه أن ينفجر، تلاحقت أنفاسُه وشعر بانقباضٍ في صدرهِ وهو يهوي ناظرًا للشمسِ وهي تبتعدُ فيدخل في ظلامٍ دامس..
فتح عينيه فجأةً وانتفض جالسًا ممسكًا بصدرهِ في ألم ، كاد كتابُ (محمود درويش) الذي وضعه تحت رأسهِ أن يسقط فأمسكه بلهفةٍ ووضعه على حافةِ السور، دوار رأسهِ يجعلُها تميل تحت ثقلِ الخوذة، يحاول بلعَ ريقهِ فيستعصى عليه إلا من لزوجةٍ مرةٍ تغلف حلقَه..
«سأصنع أحلامي من كفافِ يومي؛ لأتجنبَ الخيبة»
يرفع زجاجةَ المياهِ الفارغةَ ويرجُها، تأبى شفتاه المتشققتان على الابتسام، يلقيها أرضًا باستسلام، خمسةُ أيامٍ مذ تركوه فوق هذا البرجِ ليقضي مناوبتَه في الحراسةِ التي عادةً ما تستمر لاثنتي عشرة ساعة، عقلهُ المشوشُ يخلط الأحداثَ في سيرياليةٍ مبهرجة، تمزج صوتَ أمهِ بآخر ما سمع من جهازِ اللاسلكي قبل أن تنفدَ بطارياته:
شششش..موقعك..خطوطنا....تعود لي..ششششش.العدو....حبيبي..لازم... شششششش...
وكلمات درويش.
تلعق الهلاوسُ عقلَه على مهلِ، يخيلُ إليه أنه يرى أحدهَم قادمًا، يعتدل في جلستِه ويمسك بمنظارهِ المكبرِ بيدين مرتعشتين وينظر فيه، إنها صغيرتُه تجري فوق الرمالِ هناك، يمد يدَه ليمسكها فيسقط المنظارُ منهما، يخشى أن يغمضَ عينيه فيسقط في الهوةِ السحيقةِ التي تلازمت والنوم ِ لديه، شارفت الشمسُ على المغيبِ، تعجب من لهفتِه لحلولِ الظلامِ وما يرافقُه من إحاطةِ قطيعٌ من الذئابِ للبرج، في الليلةِ السابقةِ شاركهم العواءَ وبكاهم وهم ينصرفون، لا يقوى ذراعاه اللذان اعتادا حمل الفأسَ على حمل البندقية، ماعاد يهمه أيأتيه عدوٌ أم صديق، تكالب عليه العطشُ والجوعُ و... الوحشة، أمسك الكتابَ ووضعه خلف رأسه، أغمض عينيه وهاجرت روحُه إليهم، الحقلُ الأخضر.. زوجتُه الضاحكةُ تسبقه.. ضحكاتُ صغيرتِه ووالدته.. وتنقطع الأرض.. ويسقط...
يهوي في طمأنينةٍ وراحةٍ مودعًا الشمس، يهذي بكلماتٍ لا يعرف من أين أتته:
«ستنتهي الحربُ..
ويتصافح القادةُ..
وتتبقى تلك العجوزُ تنتظر ولدهَا الشهيدَ
وتلك الفتاةُ تنتظر زوجَها الحبيبَ
وأولئك الأولادُ ينتظرون والدَهم البطلَ
لا أعلم من باع الوطن
ولكنني رأيت من دفع الثمن».
...................
إيناس سيد جعيتم
مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق