الخميس، 22 يوليو 2021

الجزء 11 من علم الدلالة الوحدة التركيبية :الجملة بقلم (الدكتورة الناقدة مفيدة الجلاصي)

 الجزء 11 من علم الدلالة

الوحدة التركيبية :الجملة
المقصود بالوحدة التركيبية هو أن ما يلفظه الإنسان والذي يعقل تسلسل الحدث الكلامي يكون في امتداده الخطي أو من تعاقبه وتوالد اجزائه بحيث ترتبط أجزاء الكلام في نظام لكن درجة هذا النظام تختلف قوة وكثافة،بمعنى ان كل النص الخطابي يفترض انه مترابط بوجه ما في كل اجزائه بحكم وحدة، السياق التي هي وحدة مقامه لكن هذا الترابط المقامي السياقي الخطابي، قد يبلغ درجة الاقتران العضوي من الناحية التركيبية فتتكون لنا كتلة صغرى داخل النص لا ينفصل بعض اجزائها عن البعض الآخر فتكون هذه الجملة النحوية او الوحدة التركيبية وقد لا يتبين للمتكلم هذا الارتباط السياقي وعندئذ تبرز سلسلة الجمل المكونة للنص او الخطاب الكلامي وهنا يقع تقطيع النص او هذا الخطاب بأكمله إلى مفاصله النحوية أو إلى جمله النحوية في إطار وحدتها التركيبية والمراوحة النحوية دون أن تنقطع الصلة الدلالية
ويمكن في هذا السياق أن نعرف هذه الوحدة التركيبية باعتبارها مجموع العناصر، اللغوية التي ترتبط فيما بينها ارتباطا نحويا يتجسم في تعليل علامات الإعراب عن طريق الارتباط الوظيفي بحيث إن كل جزء، من هذه العناصر يؤدي وظيفة، نحوية في نطاق شبكة العلاقات القائمة بين سائر أجزاء تلك المجموعة
وإذا أردنا أن نضبط مقياسا لسلامة تقطيعنا لأي نص من الناحية التركيبية فإننا نقول إن خصائص الجملة النحوية هي الا يكون شيء، منها في حاجة إلى غيرها والا يكون شيء خارجا عنها في حاجة إليها وكل ذلك يكون في اطار ضبط الوظائف النحوية لكل عنصر من عناصر الجمل التي كونت النص باعتبارها وحدات كلامية تتضمن اسنادا او اكثر، (والاسناد يمثل العلاقة الدنيا التي توفر مبدأ الجملة)
واذا فإن الجملة تركيب نحوي يمثل مركبا اسنادي فعليا او اسميا تتشكل من شبكة من الروابط النحوية لها دلالاتها والغايات الإبلاغية تنطلق من التحديد الزمني الذي فيه الفعل المسند
ومن هنا تكون دلالة الوحدة التركيبية ثمرة أصول الوظائف النحوية التي تقوم بها الجملة ذلك أنه لا تستقيم للكلام دلالة إلا إذا خضع إلى منطق نسيج هذه الوظائف النحوية
كما ان الارتباط، العضوي النحوي هو علم القياس المشترك وإذن فهو المقياس الموضوعي لعلم الدلالة أي المقوم الموضوعي لفهم الدلالة
مثال : عدت وانا أشعر بالتعب، : بيان حالة شعورية بالتعب، عند العودة وهنا نجد دلالة الوحدة التركيبية وهي حصيلة جملة وظائفها
الحصيلة الأولى هو أن القضية الدلالية لها مراتب من التجليات ويتمثل تجليها السياقي في النص الذي وردت فيه وأما التجلي التركيبي فيتمثل في مستوى الجملة اي في مستوى الارتباط النحوي الذي تترجم عنه مقاييس، تحليل الكلام وتركيبه بمقولات الوظائف الإعرابية في كل لغة من اللغات
(الدكتورة الناقدة مفيدة الجلاصي)
Peut être une image de Moufida Jelassi et lunettes

قراءة بعنوان: (ملاءمة القالب للموضوع)، في القصّة القصيرة (خيانة)، للأديب بشير حمد من سوريا، بقلم الناقدة سهيلة حماد.

 قراءة بعنوان: (ملاءمة القالب للموضوع)، في القصّة القصيرة (خيانة)، للأديب بشير حمد من سوريا، بقلم سهيلة حماد.

=========
=============
قصة قصيرة
خيانة.. قصة قصيرة. بقلم: بشير حمد/ سوريا.
برد آخر الليل ينخر عظامه، وعضلات فكه السفلى تتقلص، ورغم ذلك ظلّ واقفاً في مكانه وعيناه معلّقتان بتلك النافذة التي ينبعث منها ضوء خافت يشبه ضوء الشموع في ليلة الميلاد...
نافذةٌ تُطلّ على شرفة صغيرة في الطابق الأول، رأى تلك الملابس المعلقة على الحبل الممتد من أول الشرفة إلى آخرها، إنها لطفل صغير وامرأة ممشوقة القد! حنّ قلبه لتلك الأيام التي نعم فيها بدفء الحب وعاطفة الأبوة! الحب والبرد لا يجتمعان، لا بدّ له من مخرج ما ينهي عذابه، سمع نباح كلاب تقتتل على جيفة رُميت على مزبلة قريبة، لا بد أنه واحد منهم، تلمس السكين التي خبأها تحت ملابسه، أخرجها بدت تحت ضوء القمر لامعة واضحة كوضوح الخيانة في عينيها، المسألة بسيطة طعنة أو طعنتان وينتهي الأمر، الآن سيكون قد صعد تحت الظلام المخيِّم درجات السلم، وسيقرع الباب بخفة وسينفتح الباب، يستقبله هواء دافئء وسيشبع من نهديها، سكتت الكلاب عن النباح يبدو أنها قسمت الجيفة بينها، أو أن كلباً استأثر بخداعه عليها! نظر إلى السماء كان القمر يقطع الغيوم المتفرقة على صفحة السماء.
أنا مريض.
لا لست مريضاً.
المصباح المتدلي من سقف الشرفة يتأرجح كلما هبت نسمة فتتحرك الأخيلة في رأسه! انطفأ المصباح تحرك ببطء وحذر وهو يصعد درجات السلم المظلم، قطة أمام الباب شديدة السواد تبرق عيناها، السكين في يده يكاد يهرس مقبضها في يده، حاول أن ينزوي عنها لكنها قفزت في وجهه،! تلفت كانت زوجته تنام إلى جواره والطفل يبكي لا بدّ أنه جائع…
=========
============
القراءة:
العنوان: ملاءمة القالب للموضوع
قصّة استطاع صاحبها أن ينتزعنا من واقعنا لنركض خلفه لاهثين خائفين نرتعد لنكتشف في لحظة أنّه كان مجرّد كابوس...
قصّة استجابت لكلّ مقوّمات القصّة القصيرة، من قواعد كوحدة الحدث والتّكثيف والصّراع والتّشويق الذي خدم الحبكة بشكل جعلنا نعتقد فعلا أنّنا في الواقع، غير أنّ الخاتمة خيبت آفاقنا محدثة الصّدمة التي علّت في نسق الدّهشة لدينا..
هذا التّوفيق مأتاه تخمُّر الفكرة وحسن التّخطيط، ومنهجيّة العرض وتمكّنه من توظيف لغة بسيطة أدّت الغرض بشكل حرفي، قد يبدو سهلا، ولكنّه يصعب على غيره غزله بتلك الجودة.
الحوار كان عبارة عن مونولوج، أبرز حدّة الصّراع، الذي يعكس حميّة الشّرقي، ونزعة الثّأر لوأد العار النّاجم عن الشّكّ والخيانة ....
أمّا الوصف فقد ساعد في نقل المتلقي إلى بيئة القصّة، جاعلا من الكلاب رافدا دالّا على الخساسة من خلال ملفوظ تقتتل الذي يلتئم مع واقع قصّة الحال، والسّكين اللّامعة، وطعنة وطعنتان، ومع عنوان النّص الذي كشف عن محتواه، وتضارب مع الخاتمة...
أمّا عن الزّمن فقد كان بطلا متعدد الخصائص والوظائف، فهو النّباح وهو بكاء الطّفل، وهو اللّيل وفصل الشّتاء، ومن خلال استحضاره "لضوء القمر" فهو نصف الشّهر القمري، وهو الأمسُ البعيد استرجاعا، وهو الآن الحلم، وهو الآن العلم والواقع والوقْع والتوقّع، وخفقان قلب المتلقي، لحظة القراءة وكسر أفقه بالنّهاية، والحقيقة والكابوس، والفرج والانفراج، والعقدة والدّهشة... فهو الكلّ في واحد، ما جعل للقصّة إيقاعا كإيقاع موسيقى الأفلام البوليسيّة، محاط بهالة من الأضواء، قمر ومصباح، وبريق عيني زوجته الخائنة، وبريق عيني قطّة سوداء، وبريق سكّين وظلام حالك، وضوء منبعث من نافذة وصمت ووقوف وبطء حركة وصعود...
المكان، حارة ومزبلة وسرير وغرفة نوم...
الشّخوص، بطل والزّوجة الخائنة والشّريفة والابن الباكي والعشيق السّاكن في المخيّلّة الحاضر بالغياب...
وهكذا يتبيّن لنا نجاح الكاتب في حسن اختيار قالب موضوعه الذي تلاءم كمّا وكيفا مع جنس القصّة القصيرة، ساعده التّكثيف في بثّ الروح في نصّه في سلاسة مطلقة كما كان للصّورة الشّعرية حضورا زادت الفكرة ألقا...
هذا لا يجعلنا نغفل على زوايا التقاط المشهد، ووضعة عدسة المخرج المتحرّكة بانوراميّة الأبعاد، إضافة إلى تحكمه بالإضاءة والظلام إلى جانب تلاعبه بزومها بمساعدة النّسمة التي هبت معها الأخيلة زادها براع إبداع هندسة الصّوت رونقا كل هذا أنتج أفعالا وانزياحات حرّكت الصّورة محدثة مشهديّة سينمائيّة لتشدّ الرائي وتبهره أبرزت مرة أخرى تفوق اللّغة على ريشة الرّسام روحا حركة و إيقاعا...
سهيلة بن حسين حرم حماد
الزهراء تونس في: 13/07/2021
Peut être une image de 1 personne, foulard, lunettes et texte qui dit ’Souheyla Hammed’

الأربعاء، 14 يوليو 2021

جدارية سردية لنفسية ممزقة قراءة حداثية بقلم / محمد البنا لنص * امرأة من هناك* للقاصة / أمل البنا

 جدارية سردية لنفسية ممزقة

قراءة حداثية
بقلم / محمد البنا
لنص * امرأة من هناك*
للقاصة / أمل البنا
........................
النص
امرأة من هناك
_ حسناً. عليكِ الهدوء الآن
بنبراتٍ متشنجة تغالب الغثيان، عقدت ذراعيها فوق وجهها: كيف؟.. لا، لا أريد مهدئات. ابتعد عني. ابتعدوا جميعاً
_لحظات يا غادة وستنعمين بعدها بهدوئك..
_ أنعم بالهدوء!!. أي قبحٍ، وأي هراء تُرسلني إليه أيها الكاذب اللعين. تلك النشوة التي تضخها في دمائي. هذا الترياق اللاذع بلون الغسق.. كلكم عراة عاهرون. أبغضكم جميعاً
تُفلت يديها المرتختين فوق صدرها. بينما أخذت تعبث بأزرار قميصها في وهن. تُخرج اثنين من عُروتيهما
_ ماذا تفعلين؟. أتشعرين بشيء من الضيق؟
تقضم شفتيها وهي تتحسس صدرها النافر. وبنظرة فزعة تقول: تريدني؟. من المؤكد أنني أغيب عن الوعي بتلك المهدئات؛ كي تتمكن من...يالكم من سفلة. لمَ لا تُجاهر مثله؟!.. لمَ كل شيء يتم تحت وطأة المهدئات؟..
_ تعتقدين أنني أحقنكِ بالمهدئات كي أتمكن منكِ؟
_ نعم
_ ولكنك تبقين مستيقظة، واعية لكل شيء
_ كذب. هذا ما تود أن يصل إلى عقلي وروحي. أشعر أنك تقوم بكل الأفعال الخبيثة معي. لا تنكرها.. يمكنك أن تحصل على ما تريد، على أن تقايضني دون اللجوء إلى ما تفعله كل يوم
_.. وبما أقايضكِ؟
_ تسمح لي بالخروج إلى الشرفة؛ أريد أن أشعر الهواء فوق وجهي. أرى الوجوه التي تبدو مبتسمة من بعيد وهي تخفي قواطع أسنانها
_ ألهذا تريدين اثارتي لأكمل عنكِ ما بدأتهِ؟
تلتفت إلى الجهة الأخرى وهي تقبض على أطراف قميصها المفتوحة صارخة: ابتعد عني، لا أريد أي يد تمتد نحوي
_ لن تجدي يدي ترفع نحوكِ فاهدئي
_تؤكد على هذا. رغم أنني أشعر في كل مرة بسحرك الذي يمسسني كصورة غارقة في حوض تحميضك
_ دعينا ننتشلها لتجف. قد تبدو جميلة كقمر غيبته الغيوم
_.. في كل ليلة أتذوق بلساني أملاح جسدي. كم هو مالح يتعرق في كل لحظة بلا توقف. من المؤكد أن هذا يعود للمسام الواسعة، أو الغدد المفرطة بالتعرق
_ أو ربما يكون هذا لخوفكِ المفرط
_ أنا لا أخافك.. بل أنا فقط أخشاك
_ وما الفرق بينهما؟.. أتدركين هذا الفرق؟
_ لا ينبغي أن أتحدث إليك. فأنت تأكل مثله أحشائي كأطفالي الصغار
_ أمازالوا صغاراً؟
_ نعم. ينتشرون فوق اللوحات هناك. أحملهم بين ذراعي و أجلب لهم ماء الآبار.. ربما تجدهم مسخاً في بعض اللوحات، بعيون واحدة.. رؤوسهم تكعيبية متداخلة. أو ذوا أنوف طويلة مثلي
_ أتعتقدين أن أنفك طويل؟!
_ أجل
_ لمَ لا تتحسسيه؟، لتكتشقي الحقيقة بأنه دقيق وصغير
_ لا أحتاج لأصابعي، أو لأي حواس أملكها
_ كيف، وهي وسيلتك الوحيدة للوصول إلى الحقيقة
_ أتعتقد بأن هناك حقيقة؟!؛ الأصابع فيها الوسيلة، و العين لهي بؤرة الصواب
_ وإذا كانت الأشياء كلها تدعو إلى الشك، فأين يكمن اليقين لنا ؟
_ هناك...
باعد بين ذراعيها.. رِجليها.. يقطعها.. تنظر بنصفها المشطور إلى هوة الفراغ الذي أحدثه فوق لوحته. بينما نصفها الآخر يدنو من نهاية اللوحة..
أمل البنا ٦ يوليو ٢٠٢١
.............
القراءة
ما هذا الالداع!!..خيال خصب كشجرةٍ لا تشيخ، ونهر لا ينضب فيضه..هذه هى أمل البنا..عرفناها قاصة نفساوية حصريًا وبامتياز في معظم روائعها السابقة مثل ( الفنار / ذباب / باب مغلق ونوافذ مفتوحة،..،..)، وها هى تفاجئنا في هذا النص بمخيلة متسعة الأفق والتصور، وتخرج بقوة وثقة واقتدار لتسعدنا بواقعية سحرية متفردة، متمثلة في هلاوس فكرية تنتاب بطلة أقصوصتها، فبدت لنا في ثوب مريضة نفسية تعاني رهاب الاغتصاب الجسدي من معالجها وآخرين، فخط قلمها في انسيابية موحية مصورًا مشهدية ناطقة لا تقل روعة عن بهاء كلماتها وتراكيب جملها اللغوية في حوارية نفسية دقيقة عميقة سلسة، متضمنة في خلفيتها الاسقاطية اشارة سيميائية بتقنية جديدة بعيدة كل البعد عن الدال والمدلول، فأشارت إلى حقيقة في علم النفس مفادها أن المغتصبة لأول مرة تعاني وتقاوم، وفي المرة الثانية تستسلم خشية التعنيف الجسدي وفي الثالثة ربما تساوم مقايضة الاعطاء بمقابل، لفتة عرضية عفوية ولكنها ضمن تأهيلها النفسي وامكاناتها المعروفة باقتدارها سبر أغوار النفس البشرية كما سبق وأشرنا إلى منهجيتها السردية وملعبها المفضل ( حقل النفس البشرية )، وإذا بها وإن خرجت تعود ، فتمزج بين الخارج والداخل في لوحة سردية تتمازج بمهارة مع لوحة تعبيرية، وتمسك القلم كريشة رسام يبدع لوحته، فيأتي الحصاد (نص/ لوحة) وتظهر البطلة ألوانًا على فراغ أبيض هو لوحة رسام!
وي كأني أرى مايكل أنجلو وقد استبدل قلم بريشة، والأحرف بألوان، وكأن أمل البنا استبدلت ريشة بقلم، والألوان بكلمات!!
ويمزق الرسام بطلته، يشطرها إلى نصفين!..منشئًا بينهما فراغ!..فهل هو فراغ حقًا ؟ ..أم قتل عمد مع سبق الاصرار والترصد؟..هل يدري القاتل كم الألم الذي يكابده قتيله؟..ولو كان مجرد خليطًا من ألوان على ورقة بيضاء!..أهو فراغ ؟ أم مقصلة فصلت الرأس عن الجسد؟..أيدري الرسام معاناة شخوص لوحاته، وقد انطقتها أمل البنا !.. وكأني بها تلمح وبقوة إلى الآية القرآنية ( هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) سورة الكهف.. وكم من ضالٍ في هذا العصر يحسب أنه يفعل خيرا!!
النص ليس لوحة لرسام وخلطة ألوان تعترض..النص صرخة مدوية في وجه كل متعد، وكل ظالم، وكل متجبر
أمل البنا تصرخ وتجاهر ، والمجاهرة حين يقع الظلم جائزة شرعا...فهل من أذن تسمع وقلب يعي..أم على قلوب أقفالها؟!
إنها امرأة ليست من هناك..بل امرأة من هنا، من داخلنا، من أنفسنا، وما هناك ليس إلا هنا، وهنا قلب الحدث..هنا معاناة المرأة وإن كانت جمادًا وإن كانت مزجة ألوان صُبغت بها ورقة بيضاء.
النص انموذج عملي يعضد وبقوة النظرية التوليدية التحويلية لعالم اللسانيات الأمريكي ناعوم تشومسكي، حيث الكلمات تبعث حية لها صوت ولها روح دالة معبرة ناطقة مسموعة.
أي إبداع هذا يا سيدتي!!
محمد البنا ٧يوليو ٢٠٢١

قراءةٌ في الفصلِ الأوّلِ للدجّالِ، للروائي التونسي شوقي الصليعي . بقلم الناقدة سهيلة بن حسين حرم حماد

 قراءةٌ في الفصلِ الأوّلِ للدجّالِ، للروائي التونسي شوقي الصليعي .

======
=========
فصل الشّاعرة :
فصلُ الشّاعرةِ، شاعريٌّ عذبٌ مكتظٌّ برؤًى وأحلامٍ و بجميعِ أنواعِ الفنونِ من الشّعرِ إلى عِلمِ الخرافةِ والأساطيرِ ومَنشئِها اليونانِي، إلى المسرحِ الدرامِي والرّسمِ والنّحتِ- في "فارعةٍ كالتّمثالِ "- والأغنيةِ و الصُّحُفِ والمقالةِ، مع الإشارةِ إلى تفاعلِ الجمهورِ العريضِ، إلى جانبِ أسماءِ الأعلامِ رغمَ كثرتِهَا إلّا أنّ الرّوائِي، أحسنَ توظيفَها بشكلٍ لافتٍ... وسط أفعالِ الحركةِ وسحرِ البيانِ والتّبيانِ، وفصاحةٍ وبلاغةٍ فيّاضةٍ للمعنَى، متعدّدةِ الصّورةِ، من شدّةِ الإيقاعِ والصّخبِ، تخالُها ملحمةً، تكادُ تستَمعُ فيهَا لقرقعةِ حوافرِ الخيلِ، ترقصُ على قعقعةِ السّيوفِ وعلى تلاطُمِ أسماءِ الأفعالِ والمصادِرِ،" بين مادحٍ وقادحٍ " و"متحاملٍ نَزقٍ" و"ناقدٍ" و"ناقدةّ" و"شاعرٍ" و"شاعرةٍ ورسّامةٍ تلك التي ذكرها معرَّفةً"والرسّامةُ الشّابةُ " وغيرِها ... بين ميوعةٍ، ومكرِ تلاعبٍ بالكلماتِ، تتضارَبُ في الذّهنِ صورُ المعاني، فيختلطُ المعنَى لدى المتلقِّي، فيحتارُ في تفسيرِ اللّفظِ الواحدِ أيأخذُ المعنَى الأوّلُ أمِ الثّانِي للكلمةِ؟ وهلْ يعتبرُ مثلا لفظَ (نرجسيّةً) مدحًا ماكرًا، أو هجاءً، وسبًّا مباشرًا؟. فبينَ مديحِ مادحٍ وغزلِ متغزِّلٍ بغزالٍ، يهيمُ المتلقِّي بين الأمسِ واليومِ والغدِ ...
في زمنٍ سابقٍ استرجاعٌ حيثُ كان الخِطابُ دائريًّا، نواتُهُ سيادةُ الرئيسِ، والجمهوريةُ جمهوريةُ البيادقِ، تتأرجحُ فيها الرؤوسُ كما الكؤوسُ... كما تتأرجحُ المقالاتُ بين مديحٍ مبالغٍ فيهِ مقزّزٍ، سرعانَ ما تنقلبُ نقديّةً لاذعةً جارحةً... بمجرّدِ أن أبدتِ المتغزَّلةُ بها امتِعاضًا.. يتوقّف الزّمن فاسحا المجالَ للوصفِ... فيستحيل العمقُ مسمارا بعد أن يُفرَغ من معناهُ المتعارَفِ عليه ليستعيرَه المجازُ ليُدَقَّ في خشبِ النّعشِ حاضرا مضارِعا "تُدقُّ"... كما تُجسَّدُ الطّموحاتُ لتُؤنسَنَ جثّةً هامدَةً مكفّنَةً، احتواهَا نعشٌ مساميرُه تُدَقُّ " عُمقٌ، عُمقٌ، عُمقٌ"، في نعشٍ لتَدفِنَ أحلاماً ...
وتَشنُقَ صاحبتُها نفسَها... لتلتحقَ بالموؤودةِ بإرادتِهَا كأنّها بذلك تُحقّق حرّيتَها ثأرا لكرامتِها بحثًا عن العُمقِ الذي ظلّتْ طريقَهُ في الهنا... فلحقتْ به إلى (الهناكَ) علّها تشربُ من كأسهِ، فتروِي عطشَها من مفهومٍ غابَ عنها في الهنَا... ليُجسِّدَ ثقافةَ الحرقِ والانتحارِ، التي استفحلتْ وانتشرتْ بعد الثّوراتِ العربيّةِ، مضيفًا إليهَا فعلَ الشّنقِ... كآخرِ حلقةٍ تربطُها بالزّمنِ الدّائرِي... وآخرِ عِقْدٍ وعُقدةٍ تذكّرُها بالنّظامِ ...
جَماليّةُ النّصِّ ولذّةُ شاعريّتِه أسكرتْنا أنستنَا أنفسنَا ..
حَدَثٌ وموقِفٌ، قد يبدُو للكثيرينَ بسيطاً.. لو انتزعناهُ من ضجيجِ زَخْرَفةِ الأديبِ ومِخيالِهِ، إلّا أنّه صاغهُ بطريقةٍ ماتعة، كما صدّرهُ بمقولةِ أُوكتافيُو باثْ "بينَ ما أرَى وما أقولُ وما أبقيهِ صامتًا، بينَ ما أبقيهِ وما أحلمُ به، ما أحلمُ به وما أنساهُ ، ثمّتَ الشِّعرُ " وأزيدُ ثمَّتَ أيضًا رؤيةَ الأديبِ، رؤيتُهُ للأشياءِ في لحظةٍ زمانيّةٍ معينةٍ، نتيجةَ ثقافةٍ ومخزونٍ فكريٍ، وشعوريٍّ ذاكَ الذي يُترجمُه الشِّعرُ ليَتشكّلَ نصًّا أدبيًّا..
كهذا الذي صُبغتْ مشهديّتُهُ بتكنيكِ رسمِ الحروفِ، بريشةِ رسّامٍ قديرٍ بارعٍ، أبدعَ في اختيارِ الألوانِ، وفي بثِّ الحياةِ في متنهِ هذا، بنفثِه منْ روحِ الشّعرِ وسحرِ بيانهِ وتبيانِه، فزادهُ حُسنُ انتقاءِ اللّفظِ وتزويجهِ لِسِتِّ الحُسنِ، التي تليقُ به، رونقا وحسّا عاليَ الجودةِ، فأنجبَا فصلا مفصّلا تفصيلا دقيقا، موزونا بميزانِ فنّانٍ ضابطِ إيقاعٍ، عازفٍ، عارفٍ بخاصيّةِ كلّ النّغماتِ، و الألوانِ في تناسقِهَا، وتناغُمِها الدّاخلي والخارجِي وتمازُجِها في مكرِها ودَلالِها ومخاتلتِها، مع الحفاظِ على لذّةِ النصِّ وشاعريّةِ المعنَى، وخاصّيةِ المبنَى، في جماليّةِ روعةِ إتقانِ فنّ استعمالِ الاستعارةِ المكنيّةِ المجازيةِ، ووقع المحسّناتِ البديعيّةِ المُزخرفةِ كالجناسِ والطّباقِ والمرادفاتِ والأضدادِ مع التّرصيع ببيتٍ من الشّعرِ تارةً أو بعنوانِ أغنيةٍ تارةً أخرى، ثمّ تضمينِ مثلٍ فرنسيٍّ معروفٍ، أو بإدراجِ مقولةٍ للفيلسوفِ شوبنهاور ..". خيالي هو أنا " لشدِّ أزرِ التّصديرِ لمزيدِ التّنبيهِ، كإشارةٍ ضوئيةٍ، وأيقونةٍ دلاليّةٍ، بأنّهُ هُوَ (الهُوَ).... أيْ أنّ شاعريّةَ النصِّ وخيالَهُ ماهي إلَّا صورةُ الرِّوائِي ... ليصبحَ الفصلُ فصلا موقّعا بإيقاعٍ كونيٍّ...جماليّتُه نابعة من روحِ كاتبِها.
ليؤثّثَ لنَا فصلًا متكاملَ البناءِ والأبعادِ، متماسكًا يشدّكَ من البدايةِ إلى النّهايةِ، بوصفٍ البيئةِ، وصفٍ دقيقٍ، شاعريٍّ، وِفْقَ ما يتطلّبُهُ تنامِي الحكائيّةِ، في حبكةٍ و غزلٍ وتكثيفٍ، يأخذُ بعينِ الاعتبارِ ربطَ الشّواهِدِ بمنطقِهَا، مع إحكامِ تأثيثِ التّفضيةِ في أبعادهَا الرّباعيّةِ برمّتِها، حافلةً بالرّوائحِ، والأصواتِ المختلفةِ، كالصّوتِ الذي يحدثُه الاستنشاقُ، والمضمضةُ، وقهقهاتِ المتنزّهينَ، وتقلقلُ المراكبِ الرّاسيةِ بالميناء، وزمجرةِ أمواجِ البحرِ ومكرهِ وإطاحتهِ بالجميلةِ الحسناءِ، وبرائحتهِ التي تفوحُ من الأجسادِ العاريةِ، التي أحسنَ تصويرهَا بعدسةِ كاميراتِهِ، تلكَ العدسةِ المتحرّكةِ على حسبِ نسقِ السّردِ، فتُضخِّمُ المشهدَ أو تُقلّصُهُ، تماشيًا مع أبعادِ الحكائيّةِ الدّاعمةِ لموقفٍ أو بقصدِ السّخريةِ، بغرضِ شدِّ وتحفيزِ المتلقِّي، لجذبِه بغايةِ التّأمُّلِ ورجِّهِ للتّفاعلِ معهُ، لنسجِ نصٍّ يتعالقُ معهُ... لتلاقُحِ الرّؤَى والتّفاعُلِ من أجلِ التّغييرِ وإيجادِ واقعٍ آخرَ ..
اتحدَ الزّمكانُ فتقاربَا وتلاحمَا، وتلاصقَا،وتفاعلَا، فتولّدت عنهمَا أزمنةٌ آسرة أخّاذةٌ، بين الماضِي والحاضرِ و المستقبلِ جيئةً وذهابًا استِرجاعًا لتَذكُّرِ حادثةٍ أو مواقفَ أو وقفًا، بغرضِ وصفِ ذواتٍ مكلومةٍ، في (الهنا والهناكَ)، متشابهةٍ شخوصُها في القلقِ والضجرِ والمللِ .
راسِمًا المكانَ في شكلِ لوحةٍ فاتنةٍ غرائبيّةٍ، سِرياليّةٍ، موغلةٍ في التَّهويمِ، محتشَدَةٍ بجنونِ عبقريَّةِ الرّوائِي الذِي أخذنَا إلى عوالمِه السّحريةِ، حيث اجتمعتِ الحياةُ.. والموتُ... كذلك العبثُ.. مُشكِّلَةً عبثَ الضجيجِ.. والوجودِ.. والوجوديّةِ.. فكان الفصلُ انعكاسًا لجنونِ أديبٍ لهُ، من الخيالِ ما يحتّمُ على القارئِ إجباريةَ وضعِ حزامِ الأمانِ، تحسّبًا للمطباّتِ، لضمانِ سلامةِ الرّاكبِ طيلةَ الرّحلةِ الخارقةِ لحدودِ المكانِ والزّمانِ، التي يُتوقّعُ منها السّحرُ مخافةَ السُّكرِ من لذّةِ فِخاخِ القصِّ ومكرِ السّردِ، بين مدٍّ وزجرٍ، وسرعةِ جريٍ، وكبحٍ فجائيٍّ خِشيةَ الارتطامِ بمقودِ السيّارةِ ساعةَ الولوجِ إلى عوالمهِ المختلفةِ في جغرافيّةِ شخوصهِ وطُقوسهم...
لتكتمِل لنا الصّورَةُ التي ابتدأها بالفصلِ الأوّلِ للرّوايِة بعنوان الشّاعرةِ ...
لم أستطع بعد قراءةِ الفصلِ الأوّلِ ألا أتفاعلَ مع النصِّ، فالنصُّ كان على غايةٍ من الإتقانِ والبهاءِ ذكّرني بتلك الرّواياتِ العالميّةِ من حيثُ الاعتناءِ بالبيئةِ وبتقديمِ الشخصيّةِ أو الشخصيّاتِ لوضعِ القارئِ في الإطارِ العامِّ لنقلهِ عبرَ التّخييلِ إلى مسرحِ الأحداثِ حيثُ تُدارُ الحكائيّةُ والرّوايةَُ.
لتكتمِل لنا الصّورةُ التي ابتدأهَا بالفصلِ الأوّلِ للرّوايةِ
سهيلة بن حسين حرم حماد
تونس8/10/2020
Peut être une image de 1 personne, position debout, arbre et plein air

حدث في مكانٍ ما مقالة بقلم الناقد المصري / محمد البنا

 حدث في مكانٍ ما

مقالة بقلم
الناقد المصري / محمد البنا
...........................
لكل كاتب قصة فكره وأسلوبه وطريقته في معالجة فكرة قصته، وتقنيته الخاصة في غزل خيوط حبكتها، وفق تصوره الفكري ومخيلته الإبداعية...هذا متفق عليه ولا ولن يجادل فيه أحد، والمحزن والمثير للعجب العجاب أن يتصور قارئ أو ناقد او كاتب آخر مهما بلغ شأنه وعظم قدره ككاتب او كناقد أنه أعلم وأدرى بالقصة من مبدعها، فيعرض عليه ان يعيد صياغتها له، حدث هذا السفه منذ أيام قليلة، وذكرني بنفس الموقف حين حدث لي ايضا منذ سبعة أعوام تقريبا في نفس المكان، أن دخلت كاتبة صديقة على الخاص، وطلبت مني تعديل اقصوصة لي في العديد من محاورها، ولما رفضت اقتراحاتها، بادرت بارسال ذات القصة مدخلةً ما رأته من تعديلات لتصحيح مسارها وتصويبها، فما كان مني إلا أن نشرت القصة الأصلية تحت رقم (١) واتبعتها في نفس المنشور بالقصة المعدلة تحت رقم (٢) وطلبت من القراء والنقاد التفضيل مع بيان المسببات، فكان أن حصد رقم (١) اجماع الأراء ولم يحصل رقم (٢) على أي صوت يؤيده، لأنها انتجت مسخًا بكل ما في الكلمة من معنى وليس قصة، وحصلت انا على بلوك لمدة ثلاثة أعوام من الصديقة ..هل سال احدكم مرة مستنكرًا ( كيف ل سوبرمان أن يطير؟، أو لقطةٍ أن تتكلم؟، أو مصباح علاء الدين او خاتم سليمان أو..صندوق أمنيات يحقق التمني ؟ )..هذا تصور المبدع وهذا خاص به حصريًا بلا منازع، ولنا أن نقتنع بكيفية معالجته للحدث أو لا نقتنع، أما أن نتدخل لتعديل إبداعه، فلا وألف لا ومليون لا، إن شئت اقتبس الفكرة وصوغها كيفما تراءى لك، وينسب النص لك أجدت أم أخفقت.
ولنأخذ قصة ( موت موظف ) كمثال لمن يريد أن يفهم، بنى تشيخوف قصته بكاملها على عطسة ( عطس الموظف في قفا الجنرال ) فهل اعترض أحد قائلا هذا غير منطقي إذ بُنى على صدفة أنّ الجالس أمامه في المسرح جنرال، وماذا لو كان رجلا عاديا وليس جنرالا، بل لم يعطس الموظف أصلا؟ههه او لماذا لم يضع منديلا او كم قميصه على فمه هههه فيجيبه آخر..لم تكن الكورونا قد ظهرت بعد في روسيا إينذاك!!
يا سادة لنا ان نصحح جملة ما لخطأ لغوي فيها( نحوي/ املائي/ دقة / بلاغة)، ولنا ان نشير إلى موضع الخلل أيا كان ( حبكة /معالجة /منطقية)، ولنا أن نشير إلى حذف ما توجب حذفه يقينا( المعلوم بالضرورة/ المتكرر بلا داع لتكراره/ تأكيد المؤكد)، وليس لنا مهما كانت عظمتنا وانتفاخ ذاتنا أن نتدخل بتعديل قصة او اعادة صياغتها لمبدعٍ ما كبيرًا كان أو مبتدئًا، فهذا يخص حصريًا الاستاذ لتلاميذه وفي أضيق الحدود، لأنها منطقة تعليم وليست منصة إبداء رأي.
وأنا أستاذ قصة ونقد ولي تلاميذ كثيرون في مدرستي، واقولها مؤكدًا في مدرستي، أما في العلن ( الندوات/ منتدى التواصل بكافة فروعه) فنحن زملاء مبدعون وفقط..لا أستاذ ولا تلميذ.
محمد البنا...١١ يوليو ٢٠٢١
Peut être une image de 1 personne et lunettes

قراءة بعنوان العبور وحقيقة المؤامرة واتهام الأنثى بالقصور : للقصة القصيرة "عابرة" للأديب السوري المغترب زهير شلبي. بقلم الناقدة سهيلة بن حسبن حرم حماد

 قراءة بعنوان العبور وحقيقة المؤامرة واتهام الأنثى بالقصور : للقصة القصيرة "عابرة" للأديب السوري المغترب زهير شلبي.

===========
==============
لعبور وحقيقة المؤامرة واتهام الأنثى بالقصور:
مؤامرة ذكوريّة أطفأت شموع بعض الإناث، ممّن أوقعهن الحظّ بالزّواج من يعسوب تافه، جرّدهنّ من أنوثتهنّ، ومن كلّ حقوقهنّ المشروعة، مستكثرين عليهن المشاركة بالاستمتاع برقصة الحياة، وببلوغ منتهى لذّتها التي قد تخفّف من حدّة قسوتها... حُرِمت بطلة القصّة حقّ قيادة رحلة عمرها، بحجّة قصور في العقل والدّين محتسبا الشّهريار نفسه كاملا، وفي لحظة تاريخيّة فارقة قرّرت أن تركب القطار بمفردها، وأن تختار رفيقا عابرا لربع ساعة عابرة، من زمن رحلة مقصودة، من دون قيد ولا عَقد يأسرها ويخنقها، لتكتشف لذّة متعةِ اختيار عنوان الرّحلة والقطار الذي تركبه، واختيار الرّفيق الذي تفضفض له بحكايتها، من دون حسابات مسبقة، ولا لاحقة وسيُصيّرها الزّمن بدوره إلى أسطورة باختيارها، بعد أن استفاقت ذات يوم، وأدركت
أنّها ركبت قطارا في الزّمن الخطإ، وأنّ الرّحلة لم تكن رحلتها هي ولا المحطة محطّتها المنشودة؛ لنكتشف معا أنّها أضاعت محطّات عمر بأكمله، فقرّرت في ربع السّاعة الأخيرة من رحلة اختارتها، أن تغيّر مصيرها ومسارها بإرادتها. تذكّرنا بذلك برواية (اليوم الأخير)، لميخائل نعيمة، ضاربة عرض الحائط بكلّ النّواميس والطّقوس والقواعد، لتفكّ جميع القيود والأغلال والأعراف التي كانت سببا في فشلها، مقترفة خطأ آخر في حقّ نفسها عن قناعة حسب زعمها ، معتبرة بذلك أنّها حقّقت حرّيتها وحقّها في تقرير مصير ها، وكانّي بالكاتب هنا ينبّه المجتمع الذّكوري إلى ضرورة الانتباه، لما سيجرّ إليه المجتمع في قادم الأيّام من انفلات أخلاقي، ومن عهر جماعي بدعوى تحقيق عدالة كاذبة واهية موهومة، ستوقع الكلّ في المحضور بسبب نرجسيّة الذّكور اللّامسؤولة، التي تمادت وأوقعت بالأنثى، منذ نعومة أظفارها، لتكون فريسة التّسلّط الذّكوري القاهر بدءا من سلطة، الأب المتجبّر إلى الأخ المتحكّم إلى الزّوج الشّهريار القاهر المتغطرس، وهي بذلك تنتقم لا من سلطة الذّكور فحسب، بل من استسلامها وخضوعها وخمولها وخنوعها طيلة عمر كامل لقبولها الارتباط بمن لم تكن يوما تحبّه وترغبه، بحيث عوّدت عليه نفسها كدواء ارتفاع ضغط الدّم، تشربه مجبرة عليه، طول العمر ، فيما يأكلها هو بشهيّة ونهم معتبرا إيّاها لقمة سائغة ونعمة لن تزول أبدا. لم يفكر بحمد وشكر صاحب الفضل عليه مكتفيا بآداء دور الشّهريار والسّيد الآمر النّاهي الذي لا يعجبه العجب...
إنّ استبداله بالنّسبة لها كان بمثابة الثّأر لنفسها من زوج مستعبِد فقط بل كانت تثأر لنفسها من أهلها ومن والدها الذي سلّمها من دون مشورتها... ناسية أنّها ربّما تكون بذلك قد شوّهت سمعة فلذات كبدها... فما ذنب أبنائها يتحمّلون وزرا وذنبا لم يكن لهم الحقّ في اختياره ولا الحقّ في الاعتراض عليه؟.
المرأة (الأنا) ضمير المتكلّم في القصّة القصيرة والصّوت المسموع في الفلم المعروض الذي قام بإخراجه وتسويقه الأديب زهير شلبي بعنوان (عابرة) من مجموعته قصص عربية ممنوعة كان أهداها لعشتار قصصا لم يقلها أحد ظلت إلى وقت قريب من التابوهات،
تمثّل أناة كونيّة وصوتا لكلّ أنثى مكلومة مقهورة مهزومة في عشّ الزّوجيّة، فهي تشكّل قنبلة موقوتة لمشاعر مكبوتة، قد تنفجر في أيّ لحظة، قد تقلب بها كلّ الموازين في لحظة حصول وعي غير كاف، وإدراك غير ناضج لديها، قد يقذفها في مستنقع الرّذيلة، بعد أن تكتشف أنّها كانت مجرّد وسيلة متعة لشريك، يأكلها لحما ويرميها عظما وكأنّها كانت مغيّبة أثناء آداء دور ، بسبب إعاقة أصابت جهاز استشعارها، مصدر التّذوّق والشمّ لديها بسبب كوفيد خارج سياق الزّمن والمكان ، خارج الماضي والحاضر حرمها التّذوّق واللّمس لتتلمّس طريقها... ما زاد في ألمها وحملها على التّأمّل، ليعتبر الكلّ من تجربتها، فتقرّر الانتقام من كل شهريار مع شهريار آخر. بعد أن اتّضح لها أنّها كانت مخدوعة شأنها شأن بعض إناث العالم العربي، الحالمات بمستقبل مزهر ربيعي جميل، ولكن من دون اتّخاذ قرار حاسم منطقي، يقودهن لبلوغ تحقيقه... مكتفيات بتسليم القيادة للشّهريار وبمواصلة الحلم بعالم ورديّ، مستعملة ريشة مغمّسة في ألوان رماديّة قاتمة. ومع تقدّم العمر، يكتشفن هشاشة قصورهن الواهية التي شيّدنها، تلك المنسوجة بخيوط بيوت العنكبوت، وخلال طوال الرّحلة غابت لديهنّ حاسّة الذّوق والتّذوّق والشمّ فبالتّالي حرمن من حقّهن في الاستمتاع برحلة العمر...
وكأنّ الرّحلة والوليمة كانت من حقّ الذّكر على حساب الشّهرزاد الأنثى... كأنّهن خلقن ليؤنسنه وليمنّ عليهن كلّ شهريار أنّهن خلقن من ضلعه الأعوج، لذلك انشغل بعضهم بالتفنّن في تقويم المعوجّ حسب زعمهم، وفي تعذيب زوجاتهم متلذّذين بذلك... إلى أن كُسر حبل الودّ، كما ورد في الفلم، وبانكسار مشاعرها قرّرت بإرادتها أن تفكّ قيودها وتكسر الأغلال التي كبّلتها، محطّمة الحدود عابرة المحطّات جسَدا، مجسِّدة حدثا خارقا سجّله الزّمان اختراقاً للنّواميس، للعرف والأخلاق معلنة التّعنّت، محقّقة التّمرّد، لا لبلوغ لذّة حرمت منها فحسب، بل لتنتقم ممّن سلبها أنوثتها، بحجّة أنّها لغم عار لا يجوز أن تتساوى مع الشّهريار في القيمة والقدر والحقوق، فيما تستنزف طاقتها في واجبات لا أوّل لها ولا آخر، بعد أن علّموها الطّاعة العمياء التي حرمتها البصيرة، فضلّت تستظلّ بظلّه عمرا بحاله، ثم تفطّنت بعد أن بالغ في اعتصارها كخرقةبالية، وهي "الجميلة الفاتنة إلى حدّ لافت" كما جاء في الفلم على لسان الملقي، وقد تعمّد الكاتب ذلك ليبرهن أنّ المرأة التي تتعرّض لهاته الممارسات المرأة الجميلة التي لاتشوبها شائبة المرأة الوردة والزّهرة الفوّاحة، تلك التي مازالت مرغوبة من غيره تلك التي قصفها ولم يرعها فرغم محاولاته إطفاء
نورها إلّا أنها شمعة وستظل وردة غصبا عنه...
غير أنّ القدر أوقعها فريسة ليعسوب غير مناسب لها، أحاطها بعيون ، ليمنع عارا متربّصا بها حسب اعتقاده، سكن خياله التّافه فتلبّس به، في مجتمع ذكوري صاخب أوكَل مفتاح شرف العائلة لإناث العائلة ليحرسنه من دون سلاح وعوقبن على ذنب قبل وقوعه، من دون وجه حق، لذلك اقترف المتغطرس زوج بطلة الفلم الخساسة للنّيل منها بدون شفقة ولا رحمة. فرضخت واستسلمت لقدرها كقدر شبيهاتها ممّن قدّر لهنّ أن يكنّ لهنّ نفس الحظّ...
ينتهى الفلم برقصة لمجموعة من النّساء وكأنّهن يعلنّ عن انتصارهن بثورتهنّ... منسجما مع نهاية الفلم التي أحدثت الدّهشة...
ينطلق الفلم بعرض صورة لشارع كبير مكتظ ثم يعرض شمعة تحترق تجسّد كلّ امراة أفنت عمرها من أجل استمرار الحياة، لتكتظ الأرض بطرشان لا يكترثون لها بفعل الضجيج، رغم تضحياتها الجسيمة فهي الولادة والوسادة والأخت والخالة والعمّة وحضن الحنان الدافئ والقلب النابض والعين السّاهرة على جميع أهل الدار ...
صاحبَ القراءة عزفُ ناي لمحمد فتيان، مقطوعة تناغم لحنها مع نفس (العابرة)، حيث تراقصت على أنغامها ضوء شمعة يحترق انسجم مع ظاهر وباطن القصّة التي ألقاها صاحبها الأديب زهير الشلبي بصوته المعبّر...
سهيلة بن حسبن حرم حماد
تونس الزهراء في: 10/07/2021


الثلاثاء، 6 يوليو 2021

القصة القصيرة من التقليدية إلى الحداثية للناقد محمد البنا

 القصة القصيرة من التقليدية إلى الحداثية

..........
مرت القصة القصيرة منذ نشأتها في اواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وحتى عصرنا الآني بعدة مراحل، ففي البدء كانت كتابات الرواد جوجول، جي دي موباسان، وأنطوان تشيخوف(بتصرف) تعتمد على ثلاثية ( البداية والعقدة والنهاية)، وهى ثلاثية أزلية شانها شأن الرافد الأساس للفن السردي منذ القدم ( الحكاية )، ومن ثم الرواية والقصة، إلا أن العصر الحديث واكبته تطورات سريعة ومتلاحقة في كافة مجالات الحياة الانسانية، ولم تتخلف القصة القصيرة عن مواكبة هذا التطور السريع، فكان ما كان من التخلي جزئيًا عن أحد عناصر الثلاثية الأزلية، واتخذت شكلًا جديدًا ينحو نحو الدخول المباشر للحدث دون مقدمات أو بدايات لا ضرورة لها، وإن حافظت وبقوة على المقولة الشهيرة ( لا قصة بدون حدث )، وكذلك التشبث بالعناصر الستة الرئيسة لأي فن سردي، وهى كما نعرف ( المكان/ الزمان / الأشخاص/ الحدث /حل العقدة/ الخاتمة )، وأيضًا تميزها عن القصة والرواية بتقييد الزمن والمكان ومحدودية الاشخاص، وتفرد الحدث، ومواصلة للتطور الحداثي نحت القصة القصيرة نحو الاعتماد على المشهدية كمخرج أساسي، وتنحية الحدث إلى مصاف الثانوية، مع التمسك بضرورة بقائه كعنصر من عناصر القص القصير، وكذلك هناك تجارب سردية تختص بالقص القصير ، تهتم بتنحية بعض العناصر مثل الزمان والمكان، ولكنها لا تزال في طور الجنين، ولم يكتب لها النور بعد، لتأخذ موقعها كمرحلة تطويرية معتمدة، مثلما أُعتمدت المشهدية مؤخرًا، ومن رواد هذه المرحلة التجريبية نذكر على سبيل المثال لا الحصر الفلسطيني بسام الأشرم ، والفلسطيني عمر حمش، والمصري عصام الدين محمد أحمد الشاكه، والمصرية أمل البنا، والعبدلله.
ولعل من أبرز ما قيل في الآونة الأخيرة عن القصة القصيرة هو ( إن أعظم القصص القصيرة هى ما نرى كل شخوصها من خلال مشاعر بطلها أو بطلتها)، ولذكر بعض هذه القصص التي اعتمدت بقوة على تلك المقولة، نرى أنه من الجيد أن نذكر ( فجر الطين/ صديقة صديقة علي )،(قبر من زجاج / إيناس سيد جعيتم)، ( هيستيريا/ خالد عجماوي)،(خط أحمر / بسام الأشرم)،( مرايا صدئة / محمد البنا)،(متلازمة فيتزجيرالد/ كنانة عيسى)،(بيردينيا/ أمل المنشاوي)،( الفنار/ أمل البنا),( عرش على الماء/ مي عبده عزت).
.........
محمد البنا ٨مايو٢٠٢١
Peut être une image de 1 personne et lunettes