المقالة الثالثة
القصة القصيرة من التقليدية إلى الحداثية
........................
أشرنا في مقالنا الأول إلى التطور الحادث في بنية القصة، والناشئ عن تغول المشهدية وتسيدها القوي للمتن السردي، وتنحية الحدث العقدة إلى المصاف الثانوية، ولعل من أجود الأمثلة تبيانًا لذلك - في دائرة إطلاعي الثقافية- والتي يجدر بنا تفحصها بعينٍ ناقدة للبرهنة على ذلك التطور وتمكنه من تثبيت دعائمه، أجد لزامًا عليّ أن أشير إلى نصين نالا حظهما من الشهرة والاستحسان من جمهرة لا بأس بها من قراء ونقاد..قبر من زجاج / إيناس سيد جعيتم سيد ، فجر الطين / صديقة صديقة علي ..ففي النص الأول حيث البطولة للمشهد ( مقام الولي) بما يضم بين جناباته من ضريح مغطى باللون الأخضر، وسياج معدني مذهب، ومريدين يتبركون ويدعون ويشكون ويتمنون ويرجون، ومن ثم يتقلص المشهد لينحصر بين وليّ ميت، ومريدة تبحث عن ضالتها، لينسجم حوار ذاتي بين هذين الطرفين، بينما الحدث الرئيس ( الابن المفقود) توارى وجوده وتضاءل أمام الوهج الشعوري المنبعث من طرفي المعادلة الحوارية.
وفي النص الثاني..نجد الليل الريفي بأضوائه الخافتة، والتي زادها خفوتًا ضعف بصر عجوز تتكئ على عصا وتفقدها، فتتحسس طريقها وسط ظلام داعس بتلمس الاحجار وتشمم الروائح، بينما تترى دفقات الحزن وتنهمر الدموع متمثلة في عدة مشاهد ثانوية عن طريق الاجترار الذهني، ويتوارى هنا أيضًا الحدث الرئيس ( ويلات الحرب في سوريا الجريحة ) أمام عظم وقوة المأساة المشهدية المتمثلة في عجوز ضائعة تبحث بصبر واناة عن أمل أو ضوء شمعة.
وذكرت أيضًا في مقالتي الثانية في ذات الخصوصية، مقولة ( أعظم القصص ما نرى فيها كل شخوصها من خلال بطل النص او بطلته، وأسوق لكم هنا أيضًا مثالين جيدين يبرهنان بجدارة عن صواب هذه المقولة، وهما نص متلازمة فيتزجيرالد/ كنانة عيسى، ونص مرايا صدئة / محمد البنا، فنجد في النص الأول بطلته السيدة المتزوجة العاشقة لآخر، هى المحور والمحرك للمشهدية والزوج ظل بلا امتداد إلا من خلال كلماتها، والعاشق مترجم طبي يصنف حالتها النفسية المترددة بين هذا وذاك، وفي النص الآخر نرى امرأة متزوجة تعشق زوجها العقيم وتسعى جاهدة لإنجاب طفلًا يشبهه، ولو من شبيه لزوجها، الزوجة هنا أيضًا هى المحور والمحرك، بينما يظل الزوج شبحًا أو ظلًا لا امتداد له، والشبيه مجرد أداة مترجمة لرغبة المرأة إيجابًا أو سلبا.
.................................................
محمد البنا ٩ مايو ٢٠٢١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق