قراءة بعنوان العبور وحقيقة المؤامرة واتهام الأنثى بالقصور : للقصة القصيرة "عابرة" للأديب السوري المغترب زهير شلبي.
===========
==============
لعبور وحقيقة المؤامرة واتهام الأنثى بالقصور:
مؤامرة ذكوريّة أطفأت شموع بعض الإناث، ممّن أوقعهن الحظّ بالزّواج من يعسوب تافه، جرّدهنّ من أنوثتهنّ، ومن كلّ حقوقهنّ المشروعة، مستكثرين عليهن المشاركة بالاستمتاع برقصة الحياة، وببلوغ منتهى لذّتها التي قد تخفّف من حدّة قسوتها... حُرِمت بطلة القصّة حقّ قيادة رحلة عمرها، بحجّة قصور في العقل والدّين محتسبا الشّهريار نفسه كاملا، وفي لحظة تاريخيّة فارقة قرّرت أن تركب القطار بمفردها، وأن تختار رفيقا عابرا لربع ساعة عابرة، من زمن رحلة مقصودة، من دون قيد ولا عَقد يأسرها ويخنقها، لتكتشف لذّة متعةِ اختيار عنوان الرّحلة والقطار الذي تركبه، واختيار الرّفيق الذي تفضفض له بحكايتها، من دون حسابات مسبقة، ولا لاحقة وسيُصيّرها الزّمن بدوره إلى أسطورة باختيارها، بعد أن استفاقت ذات يوم، وأدركت
أنّها ركبت قطارا في الزّمن الخطإ، وأنّ الرّحلة لم تكن رحلتها هي ولا المحطة محطّتها المنشودة؛ لنكتشف معا أنّها أضاعت محطّات عمر بأكمله، فقرّرت في ربع السّاعة الأخيرة من رحلة اختارتها، أن تغيّر مصيرها ومسارها بإرادتها. تذكّرنا بذلك برواية (اليوم الأخير)، لميخائل نعيمة، ضاربة عرض الحائط بكلّ النّواميس والطّقوس والقواعد، لتفكّ جميع القيود والأغلال والأعراف التي كانت سببا في فشلها، مقترفة خطأ آخر في حقّ نفسها عن قناعة حسب زعمها ، معتبرة بذلك أنّها حقّقت حرّيتها وحقّها في تقرير مصير ها، وكانّي بالكاتب هنا ينبّه المجتمع الذّكوري إلى ضرورة الانتباه، لما سيجرّ إليه المجتمع في قادم الأيّام من انفلات أخلاقي، ومن عهر جماعي بدعوى تحقيق عدالة كاذبة واهية موهومة، ستوقع الكلّ في المحضور بسبب نرجسيّة الذّكور اللّامسؤولة، التي تمادت وأوقعت بالأنثى، منذ نعومة أظفارها، لتكون فريسة التّسلّط الذّكوري القاهر بدءا من سلطة، الأب المتجبّر إلى الأخ المتحكّم إلى الزّوج الشّهريار القاهر المتغطرس، وهي بذلك تنتقم لا من سلطة الذّكور فحسب، بل من استسلامها وخضوعها وخمولها وخنوعها طيلة عمر كامل لقبولها الارتباط بمن لم تكن يوما تحبّه وترغبه، بحيث عوّدت عليه نفسها كدواء ارتفاع ضغط الدّم، تشربه مجبرة عليه، طول العمر ، فيما يأكلها هو بشهيّة ونهم معتبرا إيّاها لقمة سائغة ونعمة لن تزول أبدا. لم يفكر بحمد وشكر صاحب الفضل عليه مكتفيا بآداء دور الشّهريار والسّيد الآمر النّاهي الذي لا يعجبه العجب...
إنّ استبداله بالنّسبة لها كان بمثابة الثّأر لنفسها من زوج مستعبِد فقط بل كانت تثأر لنفسها من أهلها ومن والدها الذي سلّمها من دون مشورتها... ناسية أنّها ربّما تكون بذلك قد شوّهت سمعة فلذات كبدها... فما ذنب أبنائها يتحمّلون وزرا وذنبا لم يكن لهم الحقّ في اختياره ولا الحقّ في الاعتراض عليه؟.
المرأة (الأنا) ضمير المتكلّم في القصّة القصيرة والصّوت المسموع في الفلم المعروض الذي قام بإخراجه وتسويقه الأديب زهير شلبي بعنوان (عابرة) من مجموعته قصص عربية ممنوعة كان أهداها لعشتار قصصا لم يقلها أحد ظلت إلى وقت قريب من التابوهات،
تمثّل أناة كونيّة وصوتا لكلّ أنثى مكلومة مقهورة مهزومة في عشّ الزّوجيّة، فهي تشكّل قنبلة موقوتة لمشاعر مكبوتة، قد تنفجر في أيّ لحظة، قد تقلب بها كلّ الموازين في لحظة حصول وعي غير كاف، وإدراك غير ناضج لديها، قد يقذفها في مستنقع الرّذيلة، بعد أن تكتشف أنّها كانت مجرّد وسيلة متعة لشريك، يأكلها لحما ويرميها عظما وكأنّها كانت مغيّبة أثناء آداء دور ، بسبب إعاقة أصابت جهاز استشعارها، مصدر التّذوّق والشمّ لديها بسبب كوفيد خارج سياق الزّمن والمكان ، خارج الماضي والحاضر حرمها التّذوّق واللّمس لتتلمّس طريقها... ما زاد في ألمها وحملها على التّأمّل، ليعتبر الكلّ من تجربتها، فتقرّر الانتقام من كل شهريار مع شهريار آخر. بعد أن اتّضح لها أنّها كانت مخدوعة شأنها شأن بعض إناث العالم العربي، الحالمات بمستقبل مزهر ربيعي جميل، ولكن من دون اتّخاذ قرار حاسم منطقي، يقودهن لبلوغ تحقيقه... مكتفيات بتسليم القيادة للشّهريار وبمواصلة الحلم بعالم ورديّ، مستعملة ريشة مغمّسة في ألوان رماديّة قاتمة. ومع تقدّم العمر، يكتشفن هشاشة قصورهن الواهية التي شيّدنها، تلك المنسوجة بخيوط بيوت العنكبوت، وخلال طوال الرّحلة غابت لديهنّ حاسّة الذّوق والتّذوّق والشمّ فبالتّالي حرمن من حقّهن في الاستمتاع برحلة العمر...
وكأنّ الرّحلة والوليمة كانت من حقّ الذّكر على حساب الشّهرزاد الأنثى... كأنّهن خلقن ليؤنسنه وليمنّ عليهن كلّ شهريار أنّهن خلقن من ضلعه الأعوج، لذلك انشغل بعضهم بالتفنّن في تقويم المعوجّ حسب زعمهم، وفي تعذيب زوجاتهم متلذّذين بذلك... إلى أن كُسر حبل الودّ، كما ورد في الفلم، وبانكسار مشاعرها قرّرت بإرادتها أن تفكّ قيودها وتكسر الأغلال التي كبّلتها، محطّمة الحدود عابرة المحطّات جسَدا، مجسِّدة حدثا خارقا سجّله الزّمان اختراقاً للنّواميس، للعرف والأخلاق معلنة التّعنّت، محقّقة التّمرّد، لا لبلوغ لذّة حرمت منها فحسب، بل لتنتقم ممّن سلبها أنوثتها، بحجّة أنّها لغم عار لا يجوز أن تتساوى مع الشّهريار في القيمة والقدر والحقوق، فيما تستنزف طاقتها في واجبات لا أوّل لها ولا آخر، بعد أن علّموها الطّاعة العمياء التي حرمتها البصيرة، فضلّت تستظلّ بظلّه عمرا بحاله، ثم تفطّنت بعد أن بالغ في اعتصارها كخرقةبالية، وهي "الجميلة الفاتنة إلى حدّ لافت" كما جاء في الفلم على لسان الملقي، وقد تعمّد الكاتب ذلك ليبرهن أنّ المرأة التي تتعرّض لهاته الممارسات المرأة الجميلة التي لاتشوبها شائبة المرأة الوردة والزّهرة الفوّاحة، تلك التي مازالت مرغوبة من غيره تلك التي قصفها ولم يرعها فرغم محاولاته إطفاء
نورها إلّا أنها شمعة وستظل وردة غصبا عنه...
غير أنّ القدر أوقعها فريسة ليعسوب غير مناسب لها، أحاطها بعيون ، ليمنع عارا متربّصا بها حسب اعتقاده، سكن خياله التّافه فتلبّس به، في مجتمع ذكوري صاخب أوكَل مفتاح شرف العائلة لإناث العائلة ليحرسنه من دون سلاح وعوقبن على ذنب قبل وقوعه، من دون وجه حق، لذلك اقترف المتغطرس زوج بطلة الفلم الخساسة للنّيل منها بدون شفقة ولا رحمة. فرضخت واستسلمت لقدرها كقدر شبيهاتها ممّن قدّر لهنّ أن يكنّ لهنّ نفس الحظّ...
ينتهى الفلم برقصة لمجموعة من النّساء وكأنّهن يعلنّ عن انتصارهن بثورتهنّ... منسجما مع نهاية الفلم التي أحدثت الدّهشة...
ينطلق الفلم بعرض صورة لشارع كبير مكتظ ثم يعرض شمعة تحترق تجسّد كلّ امراة أفنت عمرها من أجل استمرار الحياة، لتكتظ الأرض بطرشان لا يكترثون لها بفعل الضجيج، رغم تضحياتها الجسيمة فهي الولادة والوسادة والأخت والخالة والعمّة وحضن الحنان الدافئ والقلب النابض والعين السّاهرة على جميع أهل الدار ...
صاحبَ القراءة عزفُ ناي لمحمد فتيان، مقطوعة تناغم لحنها مع نفس (العابرة)، حيث تراقصت على أنغامها ضوء شمعة يحترق انسجم مع ظاهر وباطن القصّة التي ألقاها صاحبها الأديب زهير الشلبي بصوته المعبّر...

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق