الثلاثاء، 6 يوليو 2021

ثلاثية فرويد وتخريج جديد قراءة بقلم / محمد البنا لنص " غرفة بلا نوافذ" للقاصة المبدعة / إيناس سيد جعيتم

 ثلاثية فرويد وتخريج جديد

قراءة بقلم / محمد البنا
لنص " غرفة بلا نوافذ"
للقاصة المبدعة / إيناس سيد جعيتم
............................................... .
النص
.........
غرفة بلا نوافذ
(وسط البلد) مكاننا المفضل الذي لا نمل من التجوال فيه، أطرح من همي على أرصفته.. وألملم شتاتي من واجهات المحلات متكئا على كتفه.
تعجبت كثيرا من صحبته لي رغم صمتي الدائم! اكتفيت دوما بالإنصات له وهو يمازح هذا ويطري على تلك، وأحيانا وهو يسترسل في حديث فلسفي عميق الألفاظ، خاوي الدلالة.
لم يشتك قط من صمتي الطويل، ربما وجد ضالته في مستمع يفضي له بأفكاره المجنونة المنمقة، وقفنا أمام واجهة تعرض الملابس النسائية المثيرة، غضضت بصري وأشحت بوجهي جانبا، ثم عدت للنظر له لأجده يرمقني بنظرة لم أستطع تفسيرها، كذبت نفسي لكني رأيتها منه كثيرا مؤخرا.
عدنا لحجرتنا الضيقة التي نتشاركها سويا منذ زمن، لم ألحظ سابقا خلوها من النوافذ! استلقيت على السرير الوحيد فيها موليا له ظهري، بينما أشعر بنظراته تخترق ظهري وتتسلل لنخاعي، تكومت داخل قوقعتي محاولا الاحتماء من أفكار لم أعرف أهي لي، أم له؟
استفقت على همسه الذي غاب عنه مرحه المعتاد مختلطا بصوت أخر، لم يحاول صاحبه اخفاء نبرته العدائية الصاخبة، لم أحرك ساكنا واكتفيت بالاستماع لهما، خيل إلي أن ذلك الغريب يتعمد أن يسمعني ما يقول، قالها بغل لم أغفله:
- جبان، لا أعرف كيف تتحمل هذه الحياة الرتيبة(معه).
لم أتمالك نفسي، رغبتي في رؤية رد فعله أجلستني رغما عني، هالتني نظراته الواجمة، أيفكر في كلام هذا الغريب؟ حولت بصري له لأجده يجلس مقابلا له في مكاني على الطاولة التي لا تتسع إلا لكرسيين، نظر لي بعينين تحملان المكر، عاد للحديث مع رفيقي:
- ألا ترى؟ إنه متعب حقا، كيف له أن يحيا بين جدران الصمت.
رفع رفيقي عينيه لي في إشفاق، أردت أن أصرخ فيه:
- لا تصغ لهذا المحتال، هو لا يعرف ما يجمعنا.
لكن شفتي المطبقتان خذلتاني كالعادة، بل امتد الخذلان لسائر جسدي فتجمد، اتسعت حدقتاي وأنا أرى الغريب يخرج من جيبه سكينا ويضعه أمامه قائلا بهدوء:
- ساعده في التخلص من ضعفه، دعنا نمضي معا في طريقي.
قلب بصره في الحجرة وصاح بثقة:
- هذه الغرفة تحتاج لنافذة.
ثقته وارتباك صديقي وهلعي.. والسكين، وصمت ملأ فراغ حجرتنا الصغيرة، رأيت الأت بوضوح، سيتخلصان مني، فأنا الحلقة الأضعف هنا، صراخي وانفعالي لم يظهرا إلا في ارتعاشة خفيفة اجتاحتني، عينا رفيقي مثبته على السكين ويده ترتجف وهي تمتد نحوه، ابتسامة الغريب وهو مغمض عينيه رافعا ذراعيه للسماء كمن يوشك على التحرر..
أمسك رفيقي السكين ونهض في تثاقل واضح متوجها إلي، رفع السكين عاليا ثم أفلته، هوى السكين نحوي فالتقطه وغمدته بصدري، ليسيل دم ثلاثتنا.
إيناس سيد جعيتم..٦ يونيو ٢٠٢١
عندما روّج الطبيب النمساوي سيجموند فرويد لنظريته في تحليل النفس البشرية( الأنا العليا والأنا وال هو أو السفلى ) عارضه كثيرون من أطباء وفلاسفة عصره وقتئذ، إلى أن دانت لها السيطرة على علم النفس ومخرجاته، وأنا واحدٌ من المقتنعين بسلامة هذه النظرية وصحتها لتماهيها شبه التام مع معتقدي الديني، وورود ما يؤيدها في قرآننا الكريم من آيات تتحدث عن النفس البشرية التي خلقها الله وسوّاها، فألهمها فجورها وتقواها، وها هى القاصة المبدعة المتألقة عن جدارة - والمتخصصة في جل نصوصها في تحليل النفس البشرية - تضع بين يدينا أقصوصةً لها ترتكز في جل متنها وجزئه على ثلاثية فرويد، فنحن أمام حالة انفصام ثلاثي الأبعاد بامتياز..الشخصية الصامتة المتأملة المنصتة ( الأنا العليا بتصرف شديد ومستحدث أيضًا، وتخريج مبتكر يضاف لرصيد الكاتبة)، والشخصية الثانية الانفصامية شخصية الانسان المتعايش مع محيطه بايجابياته وسلبياته ( انموذج مثالي للأنا ) وأخيرًا الشخصية الثالثة الانفصامية الأخيرة..الشخصية السوء المحرضة على القتل الحاضة على الكره والنفور ( ال هو..في أشد حالاتها ترديا ).
نص نفساوي متقن الصنعة في حبكته، تماهت ألفاظه السردية المنتقاة بدقة وعناية شديدتين لتضع لنا الكاتبة لوحة مشهدية متكاملة، تولت هى بقلمها رسم خطوطها العريضة، وأوحت لمخيلة المتلقي تدوين باقي التفاصيل بمعيته الخاصة وخياله المتعايش مع الحدث.
نص استاتيكي حصريا في ظاهره ( غرفة بلا نوافذ)، وفي باطنه صراع محتدم وآتون مشتعل انتهى بالتهام شخصياته الثلاثة.
ولنقف طويلًا متأملين المعالجة- هى في رأيي قمة النص وقوته ويعزو إليها الفضل كل الفضل في روعة النص واقترابه من الكمال الأدبي- ..ماذا في المعالجة من جديد إذًا ؟ ..وما سر جمالها الخفي؟.. وي كأنّ الكاتبة المبدعة تصر إصرارًا متعمدًا وبوعي ويقظة تامتين أن تؤكد لنا انصهارها التام في بوتقة ثلاثية فرويد، بل وأضفت عليها من عندياتها بالجديد الجديد، إذ أنّ الصراع في ثلاثية فرويد يرتكز أساسًا على وسطية الأنا بين تطرفين ( الأنا العليا والأنا السفلى)، بينما قسمت الكاتبة في معالجتها لتلك الثلاثية إلى ثلاث ثنائيات منفصلة بالإضافة إلى الصراع الثلاثي المتصل كما سيق ونوهت، فنرى ثنائية بين الأنا السفلي والأنا، وثنائية ثانية بين الأنا والأنا العليا، ثم تأتي بغتة الثنائية الثالثة والأخيرة ثنائية الأنا العليا والسفلي في المشهد الأخير حيث حديث صمت بينهما انتهى بانتحار.
نقطة أخيرة:
العنوان من الروعة بمكان، وأهنئ القاصة على مهارتها وتوفيقها في اختياره عنوانًا لهذه اللوحة التشكيلية الناطقة، ولكن وللأسف أضر بدون قصد بمتن النص، إذ توافق مع جملة كان الأصوب حذفها من المتن السردي تلافيا للتكرارية من جهة ومن جهة أخرى وهى الأهم دلالة أنها أوقفت الفكرة على الواقع المادي دون غيره..اي الغرفة...لذا اوصي بحذفها من المتن، لانها معيقة ومكررة وحاجبة للغرفة الأساس ( النفس البشرية ) أو في تخريج آخر وأقوى ( الأنا العليا/ المثل والقيم) ورغبة ال هو في التنفس خارجها ممتعضًا ومتأففًا عندما قال ( هذه الغرفة بلا نافذة ) وهى جملة شافية وافية وتعد من أهم مفاتيح النص.
محمد البنا ٧ يونيو ٢٠٢١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق