عندما يصرخ الصمت
قراءة نقدية ( سيميائية)
بقلم الأديبة السورية/ كنانة عيسى
لنص " الفراغ "
للأديب المصري / محمد البنا
..........................
النص
.......
الفراغ
قصة قصيرة جدًا
......
أكاد ألفظ آخر أنفاسي، وأنا أحاول الفكاك منه..لا يزال ممسكًا بريشته، ويواصل تمزيق جسدي بشغف، تفاجأ بي مستعطفة
- ليتك لم تصنع بي ما صنعت يا سيدي
التفت إلى ريشته ثم عاد إليّ والشرر يتطاير من عينيه
- وأنتِ..ما كان يجب أن...
قاطعته السيدة الثرية - التي دأبت على شراء لوحاته - قائلةً
- كم هى جميلة !...بكم تبيعها ؟
هدأت سورة غضبه
- لكنها لم تكتمل بعد
- لا عليك..أريدها هكذا، فإنّ مساحة البياض تضفي عليها جمالًا آخاذا.
ابتسم ونظر إلى خجلًا .
................................
محمد البنا ..٢٠١٤
.................... ..
القراءة
في هذا النص المختلف، يدخل الكاتب عالم السرد من فضاء الأنسنة فيصيغ لغة الخطاب من منظومة فكرية مجردة أساسها اللوحة العذراء ببياضها، بنصعها ونقائها،بدرجة انكسارها ورفضها المتوسل، أمام طغيان الفنان وشراسته في تنفيذ فكرته البوهيمية التي تغتصب تبتل الفراغ الذي ظهر مغرقًا بالأنوثة،طافحًا بالخجل عاريًا من المقاومة، مهتوك الستر،،بلا حول ولا قوة.
فالمشروع الإبداعي في نهاية المطاف حالة من الصراع، صراع بين وعي الفكرة ولا وعي المبدع، احتدام هائل لذهن متوقد يفرض جوهر باطنه على ظاهر الجماد، ورقة كانت أم لوحة أو صلصالًا، استحواذ متعصب وأناني يبرهن سيطرته، و ينشب أظافره بقسوة ليبث مشاعره وأفكاره المتأججة في تجليات رؤيته المتطرفة،إلى أن يرتطم بمادية صرفة (السيدة الثرية) ،رمز السوق الاستهلاكي، الذي يعري العمل الفني والمشروع الثقافي من هويته، ليغدو سلعة متداولة بلا قيمة، تسقط من ارتقاء الفن والفكر إلى هامش الثمن والمفاوضة،و الامتلاك.فيفقد العمل الإبداعي (اللوحة الساردة) صوته ويعلن صمته أمام هامش يحكمه نفوذ المال.
اختار الكاتب تضادًا ملفتًا في إبراز أقطاب صراعه،
في الحالة الأولى اللوحة أنثى والفنان ذكر
علاقة متقلبة تتجاذبها هشاشة الأنثى (مصدر الإلهام) ببياضها و دكتاتورية الذكر وهيمنته (بمشروعه الإبداعي) وألوانه،وأطياف أفكاره المتضادة الكشفية والمتوغلة بنقل المجرد إلى هيئة حسية حيادية.
وفي الحالة الثانية، الفنان المبدع مستسلم راضخ، للأنثى المسيطرة (السيدة الثرية) التي ما أن طلبت منه التوقف إرضاء ً لذائقتها أو معاييرها حتى أذعن في صمت، دون مبالاة لمخاض ناقص، عجز عن إعادة تشكيل رؤيته الكاملة، متقبلا عجزه في هدوء واستسلام.
نص مذهل لم ينقصه التكثيف ولا الإيحاء والمفارقة ، بل تماهى في إبراز الحدث،(الفراغ) كترجمة غير مألوفة للمبدع الباحث عن المعنى والحقيقة والأنا والخاسر أمام اللامعنى والواقع المادي والفراغ الوجودي الفلسفي الذي
يعبث بموازين القبول أمام هيمنة الاستهلاك ولغة السوق والعملة النقدية.
أبدعت أستاذنا Mohamed Elbanna كعادتك.
دام مدادك.
كنانة حاتم عيسى ١٧ يونيو ٢٠٢١


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق