المقالة الرابعة
القصة القصيرة من التقليدية إلى الحداثية
آفات القصة القصيرة
............................
كما للقصة القصيرة من عناصر ومقومات ومحسنات تنحو بها نحو الكمال، فلها أيضًا الكثير من المزالق الخطرة تجرها جرًا نحو تهلكة لا قرار لها.
ومن هذه المزالق الناعمة غير المرئية شهوة الحكي، فكثيرًا ما يستولي القلم بسطوته متكئًا على رغبة مكبوتة في لاوعي المبدع، فيسهب في سرده مبينًا وموضحًا ومكررًا نفس الفكرة أو المبتغى وبأساليب متعددة كتعدد الصور البلاغية، او تعدد الأحداث الدالة على نفس المدلول، معتقدًا أنه بذلك أحكم وأجاد توضيح فكرته وأكد عليها بما لا يدع مجالًا للشك في ذهنية القارئ، غير مدرك أنّ في ذلك إسهاب وتكرار لما وقر في مخيلة المتلقي من قبل، وغير ملتفت إلى المقولة الشهيرة ( لا تستهين بذكاء القارئ) والمقولة الأشهر ( ترك ما عُلم بالضرورة) والأكثر شهرة ( القص القصير يقتله التأكيد والتكرار).
وآفة أخرى ينزلق في معيتها الكثير من الكتاب، ألا وهى كثرة الأخطاء الإملائية في المتن السردي، ولا يستقيم ها هنا التحجج بأنّ النص لم يُراجع لغويًا بعد، وعن نفسي إن تجاوزت الأخطاء اللغوية والنحوية في أي نص عدد أصابع اليد الواحدة فسألقي به وراء ظهري ولن أكمل قراءته، فالسرد لغة أولًا وثانيًا وثالثًا، واللغة وسيلتنا الوحيدة لإيصال الفكرة وإظهار جمالية النص، لذا يجب أن تكون سليمة، وكم من أفكار مذهلة أضاعها مبدعوها برداءة اللغة المستخدمة، وينبغي التنويه أيضًا إلى أنّ اللغة ليست فقط قوتها في سلامتها الإملائية ولكن أيضًا في دقة الألفاظ المستخدمة للدلالة على المبتغى.
ولا يجول ببال قارئ أننا ندعو إلى التكثيف القاتل، مما يقذف بالنص إلى مهلكة الجفاف، فلا يروي عطش متلقي، وإنما ندعو إلى التكثيف المحيي للنص، والمتصدي للتكرارية والاسهاب والترهل.
ومن الآفات أيضًا..التلغيز، فالقص قصة والقصة حكاية مشبعة مهضومة مفهومة، وليس حزورة نتحدى بها ذكاء القراء، وكما لا ينبغي التلغيز أيضًا لا ينبغي التسطيح، بطرح الفكرة بأسلوب مباشر كما في فن المقالة، وإنما بين بين، وتستخدم لذلك ما نسميه بمفاتيح النص أو لحظة التنوير، بحيث يسهل على المتلقي الوقوف عليها بجهد بسيط وتحفيز ذهن ويقظة عقلية واعية.
محمد البنا..١١ مايو ٢٠٢١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق