الأربعاء، 14 يوليو 2021

جدارية سردية لنفسية ممزقة قراءة حداثية بقلم / محمد البنا لنص * امرأة من هناك* للقاصة / أمل البنا

 جدارية سردية لنفسية ممزقة

قراءة حداثية
بقلم / محمد البنا
لنص * امرأة من هناك*
للقاصة / أمل البنا
........................
النص
امرأة من هناك
_ حسناً. عليكِ الهدوء الآن
بنبراتٍ متشنجة تغالب الغثيان، عقدت ذراعيها فوق وجهها: كيف؟.. لا، لا أريد مهدئات. ابتعد عني. ابتعدوا جميعاً
_لحظات يا غادة وستنعمين بعدها بهدوئك..
_ أنعم بالهدوء!!. أي قبحٍ، وأي هراء تُرسلني إليه أيها الكاذب اللعين. تلك النشوة التي تضخها في دمائي. هذا الترياق اللاذع بلون الغسق.. كلكم عراة عاهرون. أبغضكم جميعاً
تُفلت يديها المرتختين فوق صدرها. بينما أخذت تعبث بأزرار قميصها في وهن. تُخرج اثنين من عُروتيهما
_ ماذا تفعلين؟. أتشعرين بشيء من الضيق؟
تقضم شفتيها وهي تتحسس صدرها النافر. وبنظرة فزعة تقول: تريدني؟. من المؤكد أنني أغيب عن الوعي بتلك المهدئات؛ كي تتمكن من...يالكم من سفلة. لمَ لا تُجاهر مثله؟!.. لمَ كل شيء يتم تحت وطأة المهدئات؟..
_ تعتقدين أنني أحقنكِ بالمهدئات كي أتمكن منكِ؟
_ نعم
_ ولكنك تبقين مستيقظة، واعية لكل شيء
_ كذب. هذا ما تود أن يصل إلى عقلي وروحي. أشعر أنك تقوم بكل الأفعال الخبيثة معي. لا تنكرها.. يمكنك أن تحصل على ما تريد، على أن تقايضني دون اللجوء إلى ما تفعله كل يوم
_.. وبما أقايضكِ؟
_ تسمح لي بالخروج إلى الشرفة؛ أريد أن أشعر الهواء فوق وجهي. أرى الوجوه التي تبدو مبتسمة من بعيد وهي تخفي قواطع أسنانها
_ ألهذا تريدين اثارتي لأكمل عنكِ ما بدأتهِ؟
تلتفت إلى الجهة الأخرى وهي تقبض على أطراف قميصها المفتوحة صارخة: ابتعد عني، لا أريد أي يد تمتد نحوي
_ لن تجدي يدي ترفع نحوكِ فاهدئي
_تؤكد على هذا. رغم أنني أشعر في كل مرة بسحرك الذي يمسسني كصورة غارقة في حوض تحميضك
_ دعينا ننتشلها لتجف. قد تبدو جميلة كقمر غيبته الغيوم
_.. في كل ليلة أتذوق بلساني أملاح جسدي. كم هو مالح يتعرق في كل لحظة بلا توقف. من المؤكد أن هذا يعود للمسام الواسعة، أو الغدد المفرطة بالتعرق
_ أو ربما يكون هذا لخوفكِ المفرط
_ أنا لا أخافك.. بل أنا فقط أخشاك
_ وما الفرق بينهما؟.. أتدركين هذا الفرق؟
_ لا ينبغي أن أتحدث إليك. فأنت تأكل مثله أحشائي كأطفالي الصغار
_ أمازالوا صغاراً؟
_ نعم. ينتشرون فوق اللوحات هناك. أحملهم بين ذراعي و أجلب لهم ماء الآبار.. ربما تجدهم مسخاً في بعض اللوحات، بعيون واحدة.. رؤوسهم تكعيبية متداخلة. أو ذوا أنوف طويلة مثلي
_ أتعتقدين أن أنفك طويل؟!
_ أجل
_ لمَ لا تتحسسيه؟، لتكتشقي الحقيقة بأنه دقيق وصغير
_ لا أحتاج لأصابعي، أو لأي حواس أملكها
_ كيف، وهي وسيلتك الوحيدة للوصول إلى الحقيقة
_ أتعتقد بأن هناك حقيقة؟!؛ الأصابع فيها الوسيلة، و العين لهي بؤرة الصواب
_ وإذا كانت الأشياء كلها تدعو إلى الشك، فأين يكمن اليقين لنا ؟
_ هناك...
باعد بين ذراعيها.. رِجليها.. يقطعها.. تنظر بنصفها المشطور إلى هوة الفراغ الذي أحدثه فوق لوحته. بينما نصفها الآخر يدنو من نهاية اللوحة..
أمل البنا ٦ يوليو ٢٠٢١
.............
القراءة
ما هذا الالداع!!..خيال خصب كشجرةٍ لا تشيخ، ونهر لا ينضب فيضه..هذه هى أمل البنا..عرفناها قاصة نفساوية حصريًا وبامتياز في معظم روائعها السابقة مثل ( الفنار / ذباب / باب مغلق ونوافذ مفتوحة،..،..)، وها هى تفاجئنا في هذا النص بمخيلة متسعة الأفق والتصور، وتخرج بقوة وثقة واقتدار لتسعدنا بواقعية سحرية متفردة، متمثلة في هلاوس فكرية تنتاب بطلة أقصوصتها، فبدت لنا في ثوب مريضة نفسية تعاني رهاب الاغتصاب الجسدي من معالجها وآخرين، فخط قلمها في انسيابية موحية مصورًا مشهدية ناطقة لا تقل روعة عن بهاء كلماتها وتراكيب جملها اللغوية في حوارية نفسية دقيقة عميقة سلسة، متضمنة في خلفيتها الاسقاطية اشارة سيميائية بتقنية جديدة بعيدة كل البعد عن الدال والمدلول، فأشارت إلى حقيقة في علم النفس مفادها أن المغتصبة لأول مرة تعاني وتقاوم، وفي المرة الثانية تستسلم خشية التعنيف الجسدي وفي الثالثة ربما تساوم مقايضة الاعطاء بمقابل، لفتة عرضية عفوية ولكنها ضمن تأهيلها النفسي وامكاناتها المعروفة باقتدارها سبر أغوار النفس البشرية كما سبق وأشرنا إلى منهجيتها السردية وملعبها المفضل ( حقل النفس البشرية )، وإذا بها وإن خرجت تعود ، فتمزج بين الخارج والداخل في لوحة سردية تتمازج بمهارة مع لوحة تعبيرية، وتمسك القلم كريشة رسام يبدع لوحته، فيأتي الحصاد (نص/ لوحة) وتظهر البطلة ألوانًا على فراغ أبيض هو لوحة رسام!
وي كأني أرى مايكل أنجلو وقد استبدل قلم بريشة، والأحرف بألوان، وكأن أمل البنا استبدلت ريشة بقلم، والألوان بكلمات!!
ويمزق الرسام بطلته، يشطرها إلى نصفين!..منشئًا بينهما فراغ!..فهل هو فراغ حقًا ؟ ..أم قتل عمد مع سبق الاصرار والترصد؟..هل يدري القاتل كم الألم الذي يكابده قتيله؟..ولو كان مجرد خليطًا من ألوان على ورقة بيضاء!..أهو فراغ ؟ أم مقصلة فصلت الرأس عن الجسد؟..أيدري الرسام معاناة شخوص لوحاته، وقد انطقتها أمل البنا !.. وكأني بها تلمح وبقوة إلى الآية القرآنية ( هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) سورة الكهف.. وكم من ضالٍ في هذا العصر يحسب أنه يفعل خيرا!!
النص ليس لوحة لرسام وخلطة ألوان تعترض..النص صرخة مدوية في وجه كل متعد، وكل ظالم، وكل متجبر
أمل البنا تصرخ وتجاهر ، والمجاهرة حين يقع الظلم جائزة شرعا...فهل من أذن تسمع وقلب يعي..أم على قلوب أقفالها؟!
إنها امرأة ليست من هناك..بل امرأة من هنا، من داخلنا، من أنفسنا، وما هناك ليس إلا هنا، وهنا قلب الحدث..هنا معاناة المرأة وإن كانت جمادًا وإن كانت مزجة ألوان صُبغت بها ورقة بيضاء.
النص انموذج عملي يعضد وبقوة النظرية التوليدية التحويلية لعالم اللسانيات الأمريكي ناعوم تشومسكي، حيث الكلمات تبعث حية لها صوت ولها روح دالة معبرة ناطقة مسموعة.
أي إبداع هذا يا سيدتي!!
محمد البنا ٧يوليو ٢٠٢١

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق