الاثنين، 8 ديسمبر 2025

قراءة في قصيدة الشاعرة الفلسطينية الكبيرة الأستاذة عزيزة بشير "للٰهِ درُّكِ (غزّا) الأبيّةَ..أرضَ الصُّمودِ بِأعْلى الهِضابْ.." بقلم الشاعرة عزيزة بشير

 قراءة في قصيدة الشاعرة الفلسطينية الكبيرة الأستاذة عزيزة بشير "للٰهِ درُّكِ  (غزّا)  الأبيّةَ..أرضَ الصُّمودِ بِأعْلى الهِضابْ.."

(حين يعلو صوت الحق فوق نباح الرشاشات.. ونعيق المدافع..)


في خضم الحروب والخراب والدمار،تحتفظ قراءة القرآن بأهمية دينية عميقة للمسلمين،إذ يُعتبر مصدر القوة والسلوان ومبعث الراحة والسكينة للنفس في الأوقات الصعبة،حيث يذكر المؤمنين بحكمة الله وصبر الأنبياء على الابتلاءات.والآيات التي تتحدث عن الصبر والثبات في وجه الشدائد (مثل "واستعينوا بالصبر والصلاة") تمنح المؤمنين قوة معنوية.كما تؤكد على عدل الله وأن الظلم لن يدوم،مما يمنح الأمل للمظلومين والمضطهدين،

وتذكرهم  بأن الدنيا دار اختبار وأن الجزاء الحقيقي في الآخرة.وهنا يتحول القرآن إلى وسيلة للدعاء والمناجاة،طلباً للرحمة والفرج ورفع البلاء.

سقت هذه المقدمة المتعجلة وأنا أقراء قصيدة الشاعرة الفلسطينية الكبيرة الأستاذة عزيزة بشير الموسومة ب"للٰهِ درُّكِ  (غزّا)  الأبيّةَ..أرضَ الصُّمودِ بِأعْلى الهِضابْ.."التي صيغت بحروف تداعب الوجدان،وتلامس  الذائقة الفنية للمتلقي،وذلك على هامش حفلُ تكريمِ 581 حافظَا لكتاب اللهِ في (غزّةَ)..إذ تقول :

بِرَغْمِ الدِّمارِ ورغْمِ الحِصارِ 

  ورَغْمِ الإبادةِ،قَتْلِ...الشّبابْ 


ورَغْمِ الدّماءِ وجَهْدِ البلاءِ

ورغْمِ المَجاعةِ ، …رغْمِ الذُّبابْ


ورغْمِ التشرُّدِ،رغْمٍ لِكلٍّ

وَكُلٍّ وَكُلٍّ وَرَغمِ...العذابْ

 

وَرَغْمِ الشّهيد وقتْلِ المَزيد

وَرَغْمِ الصَّهاينَ….

(حِفْظُوا الكتابْ)! !         .             


تَراهُم وُقوفاً،صِغاراً  كِباراً

بِبيضِ الثِّيابِ وخَلف…الحِجابْ


وَكُلٌ   يُرَتِّلُ  آيَ   الكِتابِ

بِصَوْتٍ مَهيبٍ وَعالِي…الجَنابْ


فَلِلٰهِ درُّكِ  (غزّا)  الأبيّةَ

أرضَ الصُّمودِ بِأعْلى ……الهِضابْ


أراكِ العظيمةَ فوْقَ الجِراحِ

تُعِدِّي الرّجالَ …بِدينٍ مُهابْ


وَتَسقِي الرّضيعَِ بماءِ الحياةِ

وَدينِ الأُباةِ،لِقَهْرِ…الصِّعابْ


وقهْرِ العدوِّ  بِجيلِ الكتابِ  

بِجُنْدٍ أُباةٍ...وَجَمِّ الثًًّوابْ


تعالَوْا تعالَوْا  فكانوا مِثالاً

لِحُرِّ الشُّعوبِ بِأسمى …خِطابْ:


"فَكُلٌّ ينادي بِدحْرِ اليهودِ

وَنصْرٍ (لِغزّةَ)، …فَرْضِ الِعقابْ


ومِنهُمْ  تَباهى بإيمانِ( غزّا)

وَدانوا بِدينِها ، ……علُّوا الجَوابْ"


هنيئاً  لِحافظِ وَعْداً بِنَصرٍ

فوعْدُ السّماءِ…إليكُم مُجابْ!


هذه القصيدة الرائعة تقدم رؤية ملحمية لحدث تكريم حفظة القرآن في غزة رغم الظروف القاسية،حيث تلتقي عدة محاور من ضمنها صمود إرادة الإنسان ضد القهر إذ تُصوّر (القصيدة) انتصار الإرادة الإنسانية والدينية على الدمار المادي.وتجسد التمسك بالهوية العربية والإسلامية كأداة للمقاومة الوجودية،وهنا تتجلى الثنائية الضدية حيث تتعارض صور الدمار

(الحصار،المجاعة،الدماء،الموت السافر..والقتل الكافر..) مع صور النقاء الروحي (الثياب البيضاء، الترتيل المهيب) ثم تشير الشاعرة في سياق إبداعي خلاب إلى الأمومة الرمزية،فتُصوَّر غزة بريشة فنانة ذات عبقرية،كأم تعيد إنتاج الحياة والقيم رغم الجراح.أما الطباق فيبرز جليا بين "صغاراً/كباراً"، "الدمار/الحفظ"، "الذل/العزة".

تتخذ القصيدة موقفاً واضحاً من خلال التعريف بالمقاومة كفعل ثقافي وديني وليس عسكرياً فقط،إذ تنجح الشاعرة في توظيف الموروث الديني كإطار للمقاومة الوجودية وخلق أسطورة مكانية ترفع غزة من جغرافيا محاصرة إلى رمز صمود..كما تميزت القصيدة بـالانزياح الدلالي المتمثل في تحويل حفل ديني إلى فعل مقاومة،

وكذا  التكثيف الدرامي حيث الانتقال من صور المعاناة إلى مشهد التكريم المهيب،ثم  الربط العضوي بين الفردي والجماعي،بين الروحي والسياسي..

وهنا أشير إلى أن العدد 581،ليس مجرد رقم،بل رمز للكم النوعي الذي يتحدى منطق القوة.

أما الكتاب،فهو يمثل الثابت الحضاري في مواجهة التغيير القسري،والماء في أرض الحصار،يشير إلى استمرارية الحياة رغم محاولات التجفيف.

ورغم أن القراءة لا تحل محل العمل لوقف الظلم والمعاناة،إلا أنها تظل مصدراً روحياً وأخلاقياً يساعد المؤمنين على الحفاظ على إنسانيتهم وإيمانهم في أصعب الظروف..

على سبيل الخاتمة :

تنجح القصيدة في تحويل حدث محلي إلى ملحمة إنسانية،حيث تتحول طقوس التكريم الديني إلى بيان مقاومة ثقافية.وهي تمثل نموذجاً للشعر المنخرط في هموم أمته دون أن يفقد بعده الجمالي،حيث وظفت التقنيات الشعرية الكلاسيكية والمعاصرة لنقل رسالة تتجاوز الزمان والمكان.

ختاما أقول : هذه القصيدة وثيقة فنية-تاريخية تثبت أن المقاومة ليست بالسلاح فقط،بل بالذاكرة والهوية والإرادة التي تصنع الحياة وسط الموت.


محمد المحسن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق