المستويات الدلالية والإيقاعية والفلسفية في قصيد الأديبة أحلام بن حورية: "وما نحن سوى أغنيات"
دراسة تحليلية للقصيد يكتبها الشاعر طاهر مشي
أولًا: المستوى الدلالي – الإنسان ككائن أغنية
يبدأ النص بصياغة وجودية مكثّفة:
"وما نحن يا ولدي سوى أغنيات"
هنا تختزل الشاعرة الإنسان في “أغنية”. ليست الأغنية مجرد تشبيه جمالي، بل هي بنية دلالية معقّدة تجمع بين:
الزمن: فكل أغنية محدودة الزمن، تبدأ وتنتهي مثل حياة الإنسان.
الأثر: للأغنية أثر في الوجدان، كما يترك الإنسان أثرًا في الآخرين.
التكرار: الأغنية تُردَّد، كما تتكرر أفعال الإنسان وتجاربه.
إذن، الإنسان في هذا النص وجود عابر لكنه مُحَمّل بالمعنى.
ثانيًا: الضياع الوجودي – تشتُّت الطرق وتكاثر الاختيارات
تقول الأديبة أحلام بن حورية:
"تتوه بنا هذي الحياة بين السروج وبين الدروب وبين المجادل والأمنيات"
السروج: ترمز للانطلاق والطموح.
الدروب: رمزية الطرق المتشعّبة في الحياة.
المجادل: الصراعات والحيرة الاجتماعية والنفسية.
الأمنيات: أحلام الإنسان ومثله العليا.
هذا التضاد بين الرغبة والواقع، بين الانطلاق والضياع، يولّد حالة وجودية تُشبه ما تحدّث عنه سارتر وكامي من قلق الإنسان أمام الحرية والاختيار.
ثالثًا: العودة إلى الذات – مركز الوجود
اللافت في النص قولها:
"نروح إلينا ونغدو إلينا ونسكن فينا"
هذه الجملة الثلاثية تؤسّس لفكرة أن الإنسان، مهما ضلّ، يعود إلى ذاته باعتبارها:
ملجأً من فوضى العالم،
ومأوىً من صخب الحياة،
ومكانًا لاستعادة المعنى.
الذات هنا ليست مجرد وعي، بل هي بيت وجودي كما يراه هايدغر، مكان يتكوّن فيه الإنسان ويعيد تشكيل هويته.
ولكن الأديبة تضيف: "ونحن حفاة"
إنها عودة عارية وضعيفة.
تُشير للخلو من الحماية، من اليقين، من الأسلحة النفسية.
إنها العودة المضطربة التي يعرفها الإنسان في لحظات الانكسار.
رابعًا: فلسفة الفناء – بقاء الأحجية
تقول الشاعرة:
"ولن نبقى في ذا الكون يومًا سوى أحجيات… سوى أغنيات لا لحن فيها ولا كلمات"
هنا يكتمل البعد الوجودي للنص:
الأغنية بلا لحن ولا كلمات: رمز لعدم اكتمال المعنى الذي يتركه الإنسان بعد رحيله.
الأحجيات: الإنسان لا يترك حقيقة واضحة، بل لغزًا. تاريخه ورحلته يفسّرها الآخرون بطرق مختلفة.
هذا يشبه الفكرة الوجودية القائلة إن الإنسان يسعى إلى المعنى لكنه لا يمسك به كاملًا، وإنّ ما يبقى منه هو صدى غير مكتمل.
خامسًا: الإيقاع الداخلي – موسيقى المعنى
رغم أن النص شعر حر، فإنه يعتمد على:
1. التكرار الإيقاعي
"نروح إلينا"
"نغدو إلينا"
"ونسكن فينا"
التكرار يخلق جرسًا داخليًا ويعزز فكرة العودة الدورية للذات.
2. التقابل الإيقاعي
"السروج / الدروب"
"الأحجيات / الأغنيات"
هذا التقابل يعكس حركة المعنى بين الثنائية الوجودية: الانطلاق/الضياع، الوجود/العدم.
3. الامتداد الصوتي
الألف الممدودة في "حفاة" و"أغنيات" تُعطي إحساسًا بالفراغ والامتداد، بما يناسب الجو التأملي في النص.
ويمكن الاستفادة هنا من مبادئ كتاب "البنية الإيقاعية" لكمال أبو ديب الذي يبرز أهمية الإيقاعات الداخلية في الشعر الحر.
سادسًا: البعد الفلسفي – الإنسان صدى وجوده
إن خاتمة النص:
"ونحن صداها حتى الممات"
تجمع أهم أفكار النص:
الإنسان ليس “الأغنية” في حد ذاتها، بل “صداها” أيضا.
الصدى يضعف ثم يتلاشى بكل إيقاعاته، لكنه يثبت أن شيئًا ما قد وُجد.
الوجود الإنساني إذن امتداد يتناقص، وكأنها محاولة مستمرة للدلالة على بصمة الإنسان حتى وإن لم يكتمل.
هذا يتقاطع مع ما يطرحه هربرت ريد حول الوجودية في الأدب:
"الإنسان كائن يدرك هشاشته ويحاول رغم ذلك أن يخلق معنى".
خلاصة
نص الأديبة أحلام بن حورية هو تأمّل وجودي مكتوب بلغة شعرية شفافة، تتداخل فيه:
صورة الإنسان كأغنية (رمز العبور والجمال والعدم).
الضياع بين الدروب (قلق الوجود).
العودة إلى الذات (الملاذ الوحيد).
الفناء وترك الأحجية (المعنى الناقص).
الإيقاع الداخلي الذي ينسجم مع موضوع النص.
إنه نص يحتفي بالإنسان من حيث هو كائن هشّ، يبحث عن ذاته، ويترك خلفه صدًى يشبهه.
ااااااااااااااااا
النص: وما نحن سوى أغنيات
وما نحن يا ولدي سوى أغنياتْ
وأنّى نكونُ
تتوه بنا هذي الحياةْ
بين السروجِ وبين الدروبِ
وبين المَجادِل والأمنياتْ
نظل نردّد أنغامَ حلمٍ
وآهاتِ قلبٍ مدى الذكرياتْ
نروح إلينا
ونغدو إلينا
ونسكنُ فينا
ونحن حفاةْ
ولن نبقى في ذا الكون يوما
سوى أحجيات.. سوى أغنياتْ
لا لحن فيها ولا كلماتْ
نؤديها دوما في كل خطوٍ
ونحن صداها
حتى المماتْ
أحلام بن حورية
المراجع
ااااااااااااااااا
"البنية الإيقاعية في الشعر العربي الحديث" – كمال أبو ديب
لفهم الإيقاع الداخلي في النصوص الحرة مثل هذا النص.
"مدخل إلى النقد الأدبي" – سيد قطب
يعرّف بأساليب القراءة والتحليل.
"قواعد تحليل النص الأدبي" – ميجان الرويلي وسعد البازعي
نظرًا لأن نص أحلام بن حورية يحمل أبعادًا وجودية:
. "الوجودية في الأدب" – هربرت ريد
طاهر مشي
الوجدان الثقافية

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق