السبت، 29 نوفمبر 2025

قراءة في نص "اعترافات عاشقة" للدكتورة أمال بوحرب بنية نص "اعترافات عاشقة" وصوته العاطفي بقلم طاهر مشي

 قراءة في نص  "اعترافات عاشقة" للدكتورة أمال بوحرب 

 بنية نص  "اعترافات عاشقة" وصوته العاطفي


النص أقرب إلى مناجاة شعرية أو صلوات حب؛ إذ تتخذ المتكلّمة نبرة اعترافية صريحة، تُشبه طقسًا روحانيًا تعيد فيه المرأة اكتشاف ذاتها عبر الآخر. يُهيمن على النص صوت الأنثى العاشقة التي تتجاوز حدود الوصف إلى التقديس الرمزي، فتجعل من الحبيب محورًا كونيًا يتّسع لكل معاني الوجود.


ومن اللغة ما تميز به عزفها المنفرد ليشمل عدة خصائص ميزت النص الشعري على غيره حيث تقوم لغة النص على تكثيف الصور الوجدانية باستخدام كلمات ذات طاقة إيحائية عالية: الأماني، ملامح روحي، هدية ربي، طمأنينتي، دفء المدى…


الاعتماد على التكرار الطقسي مثل: أشهد، أنت، مما يعمّق الإيقاع الداخلي ويؤسس لحالة من الانخطاف العاطفي.


حضور واضح للألفاظ ذات المرجعية الدينية أو الروحانية: دين، ملة، أشهد، هدية ربي، لتأكيد الطابع القدسي للحب.


النص مكتوب بجملة قصيرة مكثّفة، تُضفي إيقاعًا ناعمًا يشبه النَّفَس الشعري المتقطّر من عاطفة صافية.


كما تعتمد الشاعرة على الاستعارة الممتدة التي تجعل الحبيب:


ماءً يُشرب: "شربتك ماءً هنيئًا" → صورة للارتواء الروحي والوجودي.


ثوبًا يُرتدى: "ارتديت حبك" → اتحاد كلي بين الذات والآخر.


مطرًا طريًا ينعش الجسد والروح → تشبيه يمزج بين اللطافة والخصب والحياة.


وعدًا يشرق مع الفجر → الحبيب كأفق انبعاث وتجدد.


هذه الصور تتدرّج من الملموس (الماء، المطر) إلى الرمزي (الوعد، الطمأنينة، الهدية)، في رحلة صاعدة نحو صفاء روحي.

وعدة دلالات عميقة


أكدت أن الحب وجود


حيث أن المتكلّمة تُقرّ بأن الحبيب ليس مجرّد علاقة، بل هو سبب للبقاء:


"لولاك ما كنت أبقى"


وهذا يشير إلى اتحاد الهوية بالحب، حيث تتحوّل العلاقة إلى ضرورة وجودية.


وأيضا صورة الحب كدين وطقس


قولها: "أنت دين وملة" يُظهر أن الحب يتجاوز التجربة الإنسانية العادية ليصبح إيمانًا، أي علاقة ذات أبعاد روحية مقدّسة.


والحب كمأوى وملاذ


"أنت حضني المنير"


هنا يتجسد الحبيب ملاذًا مضيئًا، كأنه الدفء  يمنح الاستنارة، وكأنّها عاشقة تعيش عبره وضوحها الداخلي.


والحب كإحياء للجسد والروح


في المقطع الأخير:


"يمسح عن جسدي غبار التعب"


يتجلى الحبيب كمطهّر، كقوة حياة، كفجرٍ يعيد توازن الأنثى وبهاءها.

الشاعرة  تعيش حضور الحبيب بوصفه مبدأ وجود يهب الكيان جذوره الأولى هذا يشبه ما يصفه ابن رشد  حين يشير إلى أنّ الإنسان يسعى دائمًا إلى “مقام أصيل” يستعيد فيه اتّصاله بجوهره.

في القصيدة يتجلّى ذلك عبر صور الارتواء واللباس والاحتضان، حيث يصبح الحبيب مادة روحية تُعيد بناء الذات.


إذا النص يحتفي بفكرة الحب الكوني المطلق، حيث العاشقة تتماهى مع الحبيب إلى درجة يصبح فيها جزءًا من تكوينها الداخلي: دمها، طمأنينتها، عبق عمرها.


تتقدّم لغة النص في نسق شاعري لا يخلو من الإشراق الصوفي، يمزج بين الحميمي والروحي، وبين العاطفي والقداسي.


إنه اعتراف حبّ يشبه وَجْدًا أو تسبيحًا، يقدّم الحبيب بوصفه مصدر الحياة والراحة والنقاء.

النص 


اعترافات عاشقة 

———-

واشهد انك وحدك حبي 

لا شريك لك

أنت اختصار الاماني 

لولاك ماكنت أبقى


لقد شربتك َماء هنيئا 

وارتديت  حبك 

وعانقتك حتى ضاعت 

ملامح روحي


أنت َدين  وملة 

انت حضني المنير 

وأنت  حسنٌ تجلى 

لروحي 

فأنت هدية ربي 

أنت دمي وطمأنينتي

وأنت عبقٌ يكتب ملامح العمر


وأشهد  أنّك وعد يشرق مع الفجر

يحيي أنوثتي وسرّي

ويمنح أعماقي دفء المدى

ويمسح عن جسدي غبار التعب

كأنّك مطر طريّ يستقرّ في 

الأفق 


د/آمال بوحرب


المراجع 


عبد العزيز حمودة – الخروج من التيه

يناقش آليات القراءة النقدية الحديثة ويقدّم أدوات لفهم النصوص الشعرية.


صلاح فضل – بلاغة الخطاب وعلم النص

مرجع مهم لفهم التراكيب، الصورة، الإيقاع، والبنية الداخلية للنص الشعري.


نازك الملائكة – قضايا الشعر المعاصر

يركّز على الإيقاع واللغة الشعرية والتحولات في القصيدة الحديثة.


عبد القاهر الجرجاني – دلائل الإعجاز

مرجع قديم لكنه أساسي لفهم نظرية النظم ودور العلاقة بين الكلمات في إنتاج المعنى.


يوسف الخال – في الشعر والتجربة

يتناول البعد الوجداني وتجربة الشاعر مع اللغة.

طاهر مشي



الأربعاء، 26 نوفمبر 2025

دراسة نقدية تحليلية موسعة لقصيدة " كأنّكِ مريم " . الشاعرة هادية السالمي دجبي من تونس. الناقد : الأستاذ الدكتور حمام محمد

 دراسة نقدية تحليلية موسعة لقصيدة

" كأنّكِ مريم " . 

الشاعرة هادية السالمي دجبي من تونس. 

الناقد : الأستاذ الدكتور حمام محمد


 من الجزائر . 


قداسة القرب و الطهر في الشعر الصوفي المعاصر.. قصيدة  كأنك مريم للشاعرة التونسية  السالمي  هادية


• سيمائية السواد وطقوس الطهارة في روح القصيدة**


حين تمتزجُ القداسةُ بالطهارةِ في النفسِ الهادئة، التي تُدرك أنَّ ربَّها على قُربٍ يَرى ويَنظر ويَسمع، وتعي هي أنّ قربَه نعمةٌ لا تُحصى، كلُّها قداسة… ما أجمل المرأ، وما أجمله من سياقٍ حين يَتهاوى الغريقُ في وسط الطهارة، تلك هي النفسُ يأتيها خبيرُها فتتّعظ، وتتملّك الصراحةَ والحقيقة.


الشاعرة السالمي هادية  توغّلت بنا في القُرب، وبنتْ من سياقها الروحاني لحظةَ بوحٍ في سماءٍ صوفيةٍ غارقةٍ في البحثّ داخل أرخَبيلٍ مُقدَّس، فزرعتْ توبةً ضافيةً في قلوبنا.


• سيمائيةُ السواد وطُهرُ البياض


أغرقتِ الحمامةُ بالعطر الأسود كالمسك، لتُعبّر عن كآبةٍ بشريةٍ غطاها السواد. وفي مُوغِل القدم كانت الكآبةُ كاللّيلِ المُدلهم، لها صولاتٌ في الفزع والضياع، وتلك لحظاتٌ يعيشها الكائنُ القنوطُ حين تُربكه الطوارئُ طيلةَ حينٍ من الدهر، رغم وجود البصيص كنوافذ مُشرعة، وروائح القديد المنتصبة على المناضد،ولمّا يكون الذبابُ محلَّ العقد، تُزهر الكآبةُ في ظهورها غير نادمةٍ على ما يفعله العباد. الليل يستطيل، والتوبة مفتوحةٌ في خلجاته، والناس يعبثون، والحمامةُ تريد أن تخرج من النوافذ المشرعة،العطريةُ هنا جميلةٌ في استعاراتها ومحسّناتها البديعية التي اختارتْها الشاعرةُ بحكمةٍ تُشبه هندسةً مُروَّضةً من الواقع، ولا سيّما حين يلوذ البابُ قَسْريًا على هوى ورقِ التوت.


السياقُ لفتةٌ رائعةٌ لا يعيها إلا متمرّسٌ وشاعر، وانجذابٌ إلى رومانسية الشكل، وأكله نباتي… فما أروع التوت حين يُنافس لونَ الرمّان. وما الرمان؟! ما فرّقتْ بينهما إلا هوًى لونيّ من مدوّنةٍ لونيّة لا تريد أن تنزوِي في مكانٍ ضيّق عند الشاعر، مما يفسحُ المجال لتوليد تناصٍّ وشكلانية لمدوّنة اللون المعطّر، تأمّلْ قولَها، واربطْ ثنايا ما قلتُ، تأتيك اللمحةُ إلى جمال البوح وعجائبية اللون:


معطَّرةٌ بالسّواد


أكُفُّ الحمامِ وأجنُحُها.


وموغلةٌ في القتامةِ


أيدي الضباعِ وأعيُنُها.


وهذي النوافذُ


أترعَها ورقُ الليلِ والوجلُ.


وهذي المناضدُ


نضّتْ قرابينها،


وبين المجامرِ


ألقتْ عناوينَها.


تداعى الذبابُ إليها


يلوكُ غبارَ الفتاتِ على جمرِها.


عليها هوى ورقِ التوتِ لمّا ذوى.**


• بياضُ الطهر في قصص الأنبياء**


أمسكتِ الشاعرةُ الموهوبةُ بمَعدنٍ دينيٍّ تاريخيٍّ قصصي، وأسقطتْ وقعَ الوقوعِ على شخوصٍ طاهرةٍ كمريم وزكريّا، لتبني سياقَ القُرب باستعمال أداة التشبيه "الكاف" التي فتحتْ قصصَ الطهر، وفَسّرتْ ألمَ مريم الذي لم تَمنعْها طهارتُها من الإحساس به، هو ألمٌ فِطريّ في الكائن، من عدلِ الله تعالى. رمتْ داخل الحِصن البريء عدلًا إلهيًا يصفُ الألمَ الذي تُعانيه المرأةُ من مخاض الولادة، أو ألم الحرقة على الذرية… هي آلامٌ أوصلتها الشاعرةُ بأسلوب المحاكاة إلى عين يقين القارئ، يقينٌ غيرُ منفصلٍ عن الطهر الفضيل،واستحضرتِ الشاعرةُ "كعبَ أخيل": أمٌّ غمستْه في بركةٍ مقدّسة، لكنها أمسكتْ بكعب رجليه، فصار الضعفُ موضعَ الألم، وصار ألمُ الضعف من أعظم الآلام،كلُّ أنثى لها مَسامُّ ضعفٍ إذا انطلقتْ منها لتُبعدها اكتستْ بالعظمة. هنا نقيس المخيالَ الشعريّ عند الشاعرة الهادي… انظرْ قولَها مرّة أخرى، واكتشفْ بنفسك ضعفَ الأنثى وانطلاقتها من جديد. ولم تمنع الوقاوق والعناكب من الانتباه لكشف مواطن الضعف.


معطّرةٌ بالسوادِ


أكفُّ الحمامِ وأجنحُها.


وموغلةٌ في الخواءِ


مآقي السماءِ وأضلعُها.


وكعبُ "أخيل"


بها تتلهّى الوقاوقُ والعنكبُ.


وأنتِ هنا


يتجرّعُ وجهُكِ


زرقةَ بدرٍ ينامُ على القرفِ.


خرجتْ من الضعف، ولو لم تهُزّ بجذع النخلة لما تساقط الرُّطب، ولما تقوّتْ… ففازتْ بالقرب، وكلّمتْ العناكبَ صغيرَها الذي أرسل السلامَ وبشّر أمَّه بميلادٍ جديد، وبرِّ والدته.


فكانت الهيمنةُ الثقافيةُ الدينيةُ موعدًا لتغليب طهارةِ الموضوع المتداول. ما تبقّى هو توليدٌ لمأساةِ الإحساس بالضعف، وفرحةٌ بالتشبّث باليقين… بالقرب تتبدّد الأشياء، وتنمحي من الأرض كانقراض برج هامان، ومعه الأسباب.


**كأنّكِ مريمُ


تكتبُ شوقَ النخيلِ بطهرِ اليدِ،


وتغرسُ في الطينِ


مُضغةَ حرفٍ


ينِزُّ ضياءً على الخزفِ…


وتسألُ عن زكريّا نخلتَها،


وتسألُ عنه جداولَ


يمتشقُ العنكبوتُ منابعَها.


كأنّكِ أختٌ لهارونَ


تنأى بغصّتها.


ترتّبُ أنفاسُها جُمَلَ النصِّ


في المُقَلِ.


وينضو بأجراسِها


صدأُ النَّضدِ.


ومن خَطوِها


يتدفّقُ ماءُ الأساطير


في النُّجُدِ…**


• المقومات الدينية والاسطورية  في قصيدة  كأنك مريم


كانت الشاعرةُ ذكيّةً في استعمال المقوّم القرآني والمقوّم الأسطوري، ومزجتهما دون مغالاة، لتُبرهن أن الشاعرة هادية السالمي قدّمت منعطفًا وصفيًا قوامُه امرأةٌ شدّتها أسطورةُ أخيل، ووضّحتْ فيها ضعفَ المرأة ولو بلغتْ مقامَ قدّيسةٍ كمريم عنوانًا لقصيدتها،اعتبارًا لما تقوم به المرأة من مقاومةٍ أسطورية للخروج من الكآبة، جسّدت الشاعرةُ عدّة أدوات منها:


– قداسةُ الصورة:


قطعتْ صورةَ المرأة كقدّيسة أو أمّ أخيل، وهي نظرةٌ تقابلية بين صيغتين استمرّتا في متتالياتٍ سينمائيةٍ جعلت القارئ يشعر أنه يشاهد فيلمًا عن صراع الأسطورة والقداسة، وقد وضعتْ في ذلك متتاليات: الجمر، الخواء، الخزف…


– الترابط النصي:


اعتمدت الشاعرةُ في بوحها المعطّر على التكرار المتجانس "معطّرة بالسواد"، واستشهدت قرآنيًا، مما جعل قراءة النص مستحبّة حتى لمن لا يميلون إلى قصيدة النثر، أقحمت رمزيّاتٍ كثيرة في بنية خطابها: مريم البتول، الألم، زكريا، الطهر، الذباب، الخواء، الماء، بدر، ماء الأساطير…


وكان توفيقها بارزًا في الأسلوب التركيبي الجميل الذي لم يُغَيّب الوضعَ العام الذي تحياه الأنثى، بقولها:"الطُّهرُ لا يُكافَأ بل يُستنزَف".


             أ. د. حمام محمد من الجزائر. 


القصيدة : 


           كأنّكِ مريم 


معطّرَةٌ بالسّواد


 أكُفُّ الحمام و أجنُحُها.


و مُوغِلةٌ في القتامةِ 


أيْدي الضِّباعِ و أعيُنُها.


و هذي النّوافذُ 


أتْرعَها وَرَقُ اللّيلِ  و الْوَجَلُ.


و هذي المناضدُ 


نَضَّتْ قَرَابِينَها، 


و بين الْمَجامِرِ


ألْقَتْ عناوينها. 


تَداعَى الذّبابُ إليها 


يَلُوكُ  غُبارَ الْفُتاتِ على جمْرِها.


عليها هَوَى وَرَقُ التُّوتِ لمّا ذَوَى. 


             **************


مُعَطَّرَةٌ بالسَّوادِ


 أكُفُّ الْحَمامِ و أَجْنُحُها.


و مُوغِلةٌ في الْخَواءِ 


مَآقي السّماءِ و أَضْلُعُها . 


و كَعْبُ " أَخِيلَ " 


بها تَتَلَهّى الْوَقَاوِقُ و الْعَنْكَبُ.


و أنتِ هنا 


يتَجَرَّعُ وجهُكِ 


زرقَةَ بَدْرٍ  ينامُ على الْقَرَفِ.


كأنّكِ مريمُ 


تكتُبُ شوْقَ النَّخِيلِ بِطُهْرِ الْيَدِ ، 


و تغرِسُ في الطّينِ 


مُضْغَةَ حَرْفٍ 


يَنِزُّ ضياءً على الْخَزَفِ… 


و تسألُ عن زكرِيَّاءَ نخلَتَها، 


و تسألُ  عنه جداولَ 


يَمْتَشِقُ الْعنكبُوتُ منابِعَها.


كأنّكِ أختٌ لِهارونَ 


تَنْأَى بِغُصَّتِها.


تُرَتِّبُ أنْفاسُها جُمَلَ النَّصِّ 


في الْمُقَلِ  . 


و يَنْضُو بأَجْراسِها 


صَدَأُ  النَّضَدِ.


و مِنْ خَطْوِها 


يتدَفَّقُ ماءُ الأساطير 


في النُّجُدِ… 


بقلمي :هادية السالمي دجبي _ تونس



قراءة نقدية في قصيدة"حال وطن" للشاعر الدكتور كمال الدين حسين القاضي بقلم. الاستاذ محمود البقلوطي ََ/ تونس

 الاستاذ محمود البقلوطي ََ/ تونس

قراءة نقدية في قصيدة"حال وطن"

للشاعر الدكتور كمال الدين حسين القاضي


عبر الشاعر عن حالة من القلق والأسى إزاء الأوضاع التي سيطرت على وطنه فصوره بلا روح وقلب، غريق في أمواج البحور كلمات وصور توحي بشعور عميق بالضياع والانهيار...  الوهن الشديد والضمور في المجد يزيدان من حدة الشعور بالانكسار.

ان الصور الشعرية التي استخدمها مثل "وسوس الشر ينحر في عظام" و"بات العرب في لحد القبور"، تعبر بقوة عن الفساد والانحدار الذي تشهده الأوضاع في و،طن موبوء. والطعن من الأهل يزيد  من تعقيد المشهد، حيث يبدو أن الجميع يعيش في حالة من التدهور والانحلال.

ويوضح الشاعر إن الوجع الأليم الناتج عن هدم المعالم وتدمير الدور  بعكس حجم الكارثة التي تعيشها الأمة. العيش في دياجير (ظلام دامس) ومحاربة أنواع النمور يوحي بالصراع المستمر ضد قوى الشر والتحديات الجسيمة.

النار التي أذكتها اللصوص واليأس من نار الفجور تعكسان حالة اليأس والإحباط التي يعيشها الناس. سفك الدماء في البر والبحر، وتلوث الطهر والنور بفيض الدماء، هي صور مؤلمة تعبر عن حجم الفقد والدمار.

ان الاحساس بالخوف من المستقبل يترك القارئ في حالة من القلق والتساؤل حول ما سيحدث لاحقًا.

لقد سلط الشاعر الضوء على قضايا جوهرية وأوضاع مؤلمة في وطنه، وعبر عنها بأسلوب شعري مؤثر

لكنه لم يتم الإشارة بوضوح للقوى الداخلية والخارجية الَمتسببة في هذا الوضع الماساوي الذي يعيشه وطنه وهذا اعتبره نوع من التقصير

لان المنطق يقول ان وراء كل كارثة

هناك مسؤولون على وجودها و حدوثها.


القصيدة

حال الوطن

 أرى وطني بلا روحٍ  وقلبٍ

 غريق ٌفوقَ أمواجِ  البحورِ


  يعيشُ اليومٰ في وهنٍ شديدٍ 

وكلُّ المجدِ في حالِ الضمورِ


 وسوسُ الشر ِّينحرُ في عظامٍ

 وباتَ العربُ في لحدِ القبورِ


  لقد أمضى الجميعُ بلا حماسٍ

وماتتْ كلّٰ نخواتِ النسورِ


 وزادٰ الطعنُ  من أهلٍ وكفرٍ

 وعاشَ الكلُّ في وزن النطور

      

 وكل الأرض في وجعٍ أليمٍ

 إذا هدمتْ معالمَ  كلّٰ دوْرِ


 وعشنا في دياجيرٍ وغابٍ 

 نصارعُ كلّٰ أنواعِ النمورِ


 ونار الشر أذكتها لصوصٌ

   وزاداليأس من نار الفجورِ 


 وسفكٌ صارَ في برَّ وبحرٍ

وسال الدمُ من طهرٍ ونورٍ

  

كفيض الماء في بحرٍ ونهرٍ

وعشنا الخوفَ من فزعِ الدهورِ


بقلم كمال الدين حسين القاضي



تحليل وقراءة أدبية بقلم الصحفي الشاعر محمد الوداني. لنص "خريف العمر" للشاعرة عائشة ساكري

 تحليل وقراءة أدبية بقلم الصحفي الشاعر محمد الوداني


نص "خريف العمر" للشاعرة عائشة ساكري يفيض بحرارة الشعور وبوح القلب الذي يكتب وهو مثخن بالألم، لكنه ما يزال يحتفظ بقدر من العناد الجمالي، ذلك العناد الذي يجعل الحرف يقف منتصباً رغم تعب الروح. شكراً للشاعرة على هذا النص العميق، الذي يمزج بين الغنائية والدرامية، ويقدّم تجربة إنسان يقف على حافة العمر متأملاً ما مضى وما بقي.


يبدأ النص بنبرة تحمل طابع الاعتراف المُرّ، وكأن المتكلم يتذكر كل مرة خرج فيها من معارك الحياة محملاً "بجوائز الآلام والآهات"، فالغربة الداخلية تلتف حوله حتى وهو وسط الاحتفال، وبين سطوع الأضواء، تظل الجراح هي الحقيقة الوحيدة التي لا تُمحى. هناك قدرة لدى الشاعرة على جعل المشهد الخارجي—قاعة، نساء، سهرة—مرآة تعكس اضطراب البطل وتيهه الداخلي، حتى إنّ أفكاره نفسها تصبح "حائرات" مثلما هو تائه.


يتجلّى شعور الانكسار في قول المتكلم إنه خاطب لا يرى قيمة للأوسمة ولا للظهور، مادام القلب مطعوناً، والروح معلّقة في "سابع سماوات". هنا تتكشف نبرة التناقض بين حضور الجسد وغياب الروح، بين ما يبدو للناس وما يعيشه الإنسان في عمقه.


ثم يتحوّل النص إلى نبرة اعتراف أكثر عرياً، حين ينتهي الحفل ويعود المتكلم إلى ذاته، حاملاً "داءً" لا يُشفى، كأن الحب صار خمراً لا يداوي إلا إذا قُدم من يد ساحرة، ما يدل على أن العشق عنده ليس مجرد شعور بسيط بل قوة خارقة تقوده وتخيفه في آن واحد. حتى الطبيعة نفسها تُستدعى لتجسيد حالته: ليلة سوداء، رعود قاصفة، نبض خائف… لتصبح الطبيعة انعكاساً مباشراً لقلق الروح.


ويبلغ النص ذروته حين يعترف المتكلم بأن رسالة من أنثى واحدة كانت كفيلة بأن تُحييه من عمق تعبه، وبأن "الحرف تجمد" أمام حضورها. يعترف بعجزه بعدما ظن أنه عبر بحور النساء واعتزل الحسناوات، فإذا برسالة واحدة تعيده إلى ساحة الافتتان. وهنا يظهر جمال المفارقة: رجل مخضرم في الحب يهزمه حرف أنثى واحدة.


وتستمر الصور الشعريّة في اتساعها حين يجعل عينيها أنهاراً تُغرق "الجن والإنسان"، وهي مبالغة لغوية جميلة تكثّف تأثير الأنثى في عالمه كله. لكنه يعود ليواجه الحقيقة التي يريد الاعتراف بها: أنه في خريف العمر، وأن الربيع جاء متأخراً. هذا الاعتراف يفتح النافذة على نبرة هادئة من الحكمة، تستسلم قليلاً للزمن، لكنها ما تزال تحمل بصيصاً من عشق لا يموت.


ويختم النص ببيت بالغ الدلالة، يجعل من الحب عطراً لا يمكن إخفاؤه، تماماً كحامل المسك، ليظهر أنّ الشاعر مهما حاول الاختباء خلف كبريائه أو حكمته، إلا أن العشق يفضحه دائماً.


إن نص الشاعرة عائشة ساكري نص ناضج، يحمل ثراءً تصويرياً وعمقاً إنسانياً، ويمتلك تلك القدرة على مزج الاعتراف بالألم مع فتنة اللغة. شكراً لها على هذا البوح الذي يجمع بين صدق التجربة وجمال التعبير.

مع تحيات ادارة مجلة غزلان.


**خريف العمر**

 

  وفي كل مرة حصدت 

  جوائز الآلام والآهات

  على سفينة الأشواق 

  وفي قاعة الإحتفال 

  إحتشد الجميع 

  والأعصاب مشدودات

 

  كلماتي..حاكت..نادت..

  صدحت..سمت..

  فاختصرت الأمسيات..

  جميع النسوة لبسن أثواب السهرة 

  فكنّ، في الحسن فاتنات..

  بين الهرج والمرج، 

  أفكاري تاهت حائرات..


  أنا خاطب..أنا ما نفع

  الأوسمة البراقات..

  مادام قلبي أثخنته الجراحات،

  جسدي حاضر على  مسرح الشعر 

  وروحي في  سابع سماوات!!!! 


  انتهى الحفل والجمع أثمل 

  وثملي عشقي ككأس طابت أوائله 

  ومجت أواخره بالفاتنات.....


  عدت أدراجي وريب نفسي 

  داء أعياني شفاؤه كسم في جسدي

  بسرّي يستحيل دواؤه إلا بكأس 

  نبيذ من يدي ساحرات.......


  اشتد سواد اللّيل..فأضحى الجوّ 

  أكثر قتامة، والسحب سوداوات...

  وجلجلت الرعود قاصفات... 

  فخاف قلبي واختلجت النبضات...


  كلمات مكتوبة أرسلَتهَا أنثى 

  فقلبي لها أذعنٌٌ مزخرفة، فيها نقش..

  فيها فن..فيها رقص..وفيها ما هو أثمن.

  ابتسمتُ متعجرفاً مزهواً

  لا أبالي ببعض الثرثرات..........


  أنا عبرت بحوراً، ومحيطات

  حتى اعتزلت كل الحسناوات....

 

  جاوبتها، يا غادة الحب لن أستسلم،

  فأنا في الحب مخضرم ماذا عسايَ...أفعل؟

  فالحرف تجمد والكلُم تاهت في غياهبٍ 

  واستلم  لشغف الشقراواتِ... 


   تجردت من سلاحي 

  فلا حول ولا قوة لي يا لشقاوة

  قلب تائه في سراب النسيان..!!

  فالشوق أقحمَ ما عاد في 

  جعبتي رغبة في الكلمات... 

  ولا حروف أبارز فيها 

  بغي قلوب  الحسناوات......... 


  عيناها أنهر حبّ فاضت فاغرقت 

  الجن والإنسان في كلّ الأكوان..!!!

 

  أيا قدر هلا تمهّلت في حكمك فأنا  

  الأنا  باقٍ من عهد الطوفان....... 

  تأخرت يا حب في ربيعك

  فأنا في خريف العمر ما عدت 

  قادرا على الافتتان......

 

  دلائل الحب لا تخفى على الإنسان... 

  كحامل المسك كيف يواري عبقه بأمان....


   عائشة ساكري تونس🇹🇳



غياب الموتى وعودة الذاكرة: قراءة فنية لمجموعة “الموتى لا يطفئون شموع الميلاد” للكاتب “حسن الموسوي” الغياب والذاكرة في النص الأدبي بقلم د. أمال بوحرب

 غياب الموتى وعودة الذاكرة: قراءة فنية لمجموعة “الموتى لا يطفئون شموع الميلاد” للكاتب “حسن الموسوي”

 

الغياب والذاكرة في النص الأدبي

في المشهد الأدبي والفلسفي يكتسي الغياب مكانة مركزية بوصفه ظاهرة تتعدى مجرد الانقطاع المادي أو الفقدان الحسي لتصبح حالة وجودية نفسية وروحية تؤثر في تجربة الإنسان للعالم والذات هو حضور مستمر بالغياب ذاته إذ يتحول إلى مساحة ذاكرة ورمز يثري النصوص ويعطيها بعدًا إنسانيًا عميقًا تؤكد الدراسات البنيوية كما يشير الناقد “صلاح فضل” أن العلاقة الجدلية بين الحضور والغياب تخلق أبعادًا فنية وجمالية متشابكة في النص الأدبي حيث يصبح الغائب حاضرًا في الذاكرة والوجدان بالرغم من غيابه الجسدي يبقى الغياب في نسيج النصوص بمثابة نبع يفيض بالعاطفة والتوتر النفسي خاصة في سياق فقد الأحبة الوطن أو الهوية ويمنح القارئ تجربة مفعمة بالوجدان والتأمل العميق.

أما ذكر الموتى فقد استخدم الأدب هذا الموضوع لتجسيد حالة الإنسانية المتطورة بين الحياة والموت وهو حالة تعبر عن تأمل في الزهد والعبور بوصفها لحظة مواجهة مفصلية تطرح أسئلة فكرية حول معنى الوجود والعدم يضيء النص من خلال الصور الرمزية كالشموع التي لا تنطفئ في الظلام على استمرار الروح وديمومة الذاكرة التي تحاول أن تعانق الحضور رغم غيابه مما يجعل من الموتى حالة أدبية مفعمة بالتهديد والتجاوز في الوقت ذاته فقد تتجسد الصور الشعرية والأدبية بآلام الغياب والحضور حيث تتماهى الذات مع حالة الغياب الحاضر وهو ما يؤكد جماليات الفقد كلغة للحضور في الأدب الحديث كما عند جماليات الفقد في الشعر العربي والنقد الأدبي هذه المفاهيم المتشابكة تجعل من الأدب ظاهرة تتخطى الحزن والتذكر لتصبح تأسيسًا لفضاء إنساني وجمالي يتحدى الموت ويعيد بناء الوجود من تحت رماده مضفياً على النصوص غنى فلسفيًا ونفسيًا عميقًا يحفز القارئ على مواجهة حياته الوجودية بغنائية وتوازن بين الألم والأمل

 

“الموتى لا يطفئون شموع الميلاد” وسياق الإهداء

الموتى لا يطفئون شموع الميلاد مجموعة قصصية للكاتب “حسن الموسوي” تعد تجربة نوعية في الأدب الحديث لعمق المفاهيم والتجارب التي يمر بها البطل مع كل قصة والقارئ مع كل نهاية ويعد فهم الإهداء والسياق العام للنص نقطة انطلاق مركزية لفهم الملامح الموضوعية والفلسفية التي تحكم السرد يتضح من الإهداء الذي يبدأ بتوجيه الكلمات إلى “صديقي الوحيد في وقت غاب فيه الأصدقاء وحضرت فيه المصالح” أن النص ينبض بالوحدة والغياب وهما عنوانان محوريان ينكشفان في عوالم القصص هذا الإهداء لم يقتصر على كونه رسالة شخصية ولكنه شهادة وجودية تعكس تجربة إنسانية متعمقة في خضم الفقد والغربة النفسية حيث تتحول الكلمات إلى فعل مقاومة ووعي ذاتي متجدد كما يشير النص إلى ذات صديقة تتماهى مع الكاتب فتحكي الحكاية في إطار بحث داخلي عن الذات في مواجهة الحضور الفارغ والغياب المهيمن من الناحية السيميائية فإن هذا الإهداء يعمل كعلامة مفتاحية ترمز لبنية غائرة من الافتقاد والغياب مما يدفع القارئ إلى استبصار نصوص المجموعة عبر طبقات متداخلة من الدلالة حضور الصديق في الإهداء رغم غيابه الظاهري يعيد تشكيل فضاء النص بين الحضور والغياب مبرزًا وصمة الفقد التي تلقي بظلالها على تداخلات الذاكرة والهوية

 

تجليات العلامات السيميائية وأثرها في بناء المعنى

 

في مجموعة “الموتى لا يطفئون شموع الميلاد” تتوزع العلامات السيميائية بشكل يعيد تأسيس مفهوم الوجود والغياب عبر رمزيات مركبة تمثل الحالة النفسية والوجودية للشخصيات فعلى سبيل المثال يظهر البيت المهجور كرمز محوري يعكس انقطاع الذات عن العالم مما يحول المكان إلى علامة دالة على قطع التواصل مع الذات والواقع كذلك يتكرر رمز الظل والشموع ليؤشر إلى هشاشة الحياة وسط ظلمات الغياب فالشمعة التي لا تنطفئ وتمضي مشتعلة رغم موت أصحابها تبرز عبثية الوجود وتمسك النفس بالاستمرار رغم الضعف هذا الاستخدام الرمزي يتماشى مع مفاهيم فلسفية حول الوجود والعدم حيث يؤكد النص على الصراع بين مشاعر مستمرة داخل النفس البشرية وهي حالة تربط بين التجربة الفردية والشرط الوجودي العام وتدفع القارئ إلى تأمل تأويلات متعددة تعبر عن أسئلة الهوية والعزلة والذاكرة أما من الناحية النقدية فإن مقاربة “رولان بارت” في العلاقات بين النص والرمز قد تسلط الضوء على كيفية اشتغال هذه العلامات كنصوص مستقلة داخل النص الأكبر حيث يرى “بارت” أن العلامة السيميائية تحتضن تعددية الدلالات وتوجه القارئ نحو تفسيرات متشابكة ومتغيرة

 

السردية والغياب

 

في مجموعة “الموتى لا يطفئون شموع الميلاد” يتجسد الغياب كثيمة مركزية تتفاعل مع الوجود النفسي والهوياتي للشخصيات عبر سرد عميق ومتعدد الطبقات الغياب حالة من الانقطاع الفعلي والرمزي للحضور حيث تغوص الذاكرة في فراغات تتكدس وماضٍ لا يعود فتتصاعد حالة اللاواقع التي تضع الذات في حالة تأرجح بين الوجود والعدم ففي قصة “سراب” يرى السارد كيف أن غياب الحبيب يثقل الذات كالسقوط في هاوية تعمق من شعور الانفصال الداخلي والاغتراب وتعرض هذه الحالة من خلال صور أدبية تزدحم بالرموز مثل الشموع التي لا تنطفئ والتي تحضر عاقدة وتلقي ظلالها على كل لحظة فهي حضور مستمر في غياب تأبى انتهاء الحياة لكنها تعاني من الضعف والعتمة هذا التوتر بين سطوع الشموع وظلام الغياب يستدعي القراءة الفلسفية لغياب الجوهر في الوجود بحيث يغدو الغياب ظرفًا وجوديًا وليس ظرفًا زمانيًا

 

التناص والنسق السردي:

تظهر في المجموعة إشارات إلى نصوص أدبية وفلسفية سابقة كما في فلسفة “ابن عربي” و”سارتر” و”هايدغر” حيث تتقاطع النصوص الحديثة مع الرموز والتجارب القديمة لتصوغ فهمًا متعدد الطبقات للغياب والوجود هذا التناص يعزز عمق القراءة ويدفع القارئ لاستكشاف الروابط بين النصوص المختلفة كما يبرز النص استخدام السرد متعدد الأصوات وتعدد المراتب الزمنية لتقديم تجربة الغياب والعودة من زوايا مختلفة مما يخلق نسقًا سرديًا متشابكًا ومتشابكًا بين الذات والذاكرة والمجتمع

 

العودة ومقاومة الوجود:

تتجسد العودة في المجموعة كفعل وجداني ونفسي وفلسفي يصوغ الذات في مواجهة آليات الغياب والفقد فالعودة هنا تعني محاولة استعادة الروح والذاكرة والذات التي أوشكت على التلاشي بفعل مآسي الاغتراب والخسارة في أحد النصوص يصف السارد كيف عاد المريض إلى أروقة ذاكرته كمن يعود إلى وطن ضائع منذ زمن بعيد فتعود الذاكرة لتشكل نقطة التماس بين الحاضر والماضي حيث الوعي بالغياب يولد رغبة مفارقة ومقاومة في آن وعبر هذه العودة تشكل الشموع رمزًا لاستمرارية الحياة والحركة رغم الموت والغياب فكرمز يُضاء في العتمة تحاول الذات أن تضيء وتنتصر على الظلال رغم هشاشة الوجود والذاكرة هذه العودة الرمزية التي تعبرها القصص من خلال استدعاء الطفولة الأماكن القديمة واللحظات المحفوفة بالألم تمارس فعل مقاومة وجودي ضد الاستسلام للغياب والعدم وهي تتقاطع مع مفاهيم فلسفية عميقة تتناول “الأنامنيزي” كما في فلسفة “ابن عربي” و”سارتر” الذين يرون في العودة تأكيدًا للذات واحتفاءً بالحرية التي تخترق كثافة الفقد فهو فعل إنساني متكرر يعيد تأسيس الوجود من داخل العدم ويرسم الخطوط العريضة لصياغة ذات حية تناضل وتقاوم في مواجهة الغياب المستمر والمأساوي الذي يلف النص ويشكل أفقه الوجودي

 

تأملات فلسفية

 

يكشف الواقع الضمني في المجموعة عن حضور وجودي مستمر يشير إلى فقدان وجودي وانفصال عميق عن الذات والعالم معًا يتجلى في مأزق نفسي ووجودي يعكس حالة العزلة والانكسار ويشبه رؤية الفيلسوف الغربي “مارتن هايدغر” حيث يؤكد أن الإنسان كائن نحو الموت ومفهوم الغياب حالة دائمة تضع الإنسان أمام عتمة الوجود ولحظة مواجهة مع انعدام المعنى الظاهر في المجموعة كما في المشهد حيث الشموع تتراقص في الليل كأنها تحارب سكون الرحيل لا تعرف متى ستخبو لكنها تصر على الوجود يتجسد هذا الغياب كصرخة للوجود كرغبة في التأكيد على الذات رغم الكآبة والاضمحلال من جهة أخرى يمكن ربط هذا الغياب بمقاربة الفيلسوف العربي “ابن عربي” الذي يرى في الغياب حالة من الكتمان الإلهي والسر حيث يختبر الوجود ذاته في حالة الغياب كجزء من تجربة الوحدة المطلقة والبحث عن الحقيقة الغياب عنده تعميق للوعي الذاتي حين يفقد الإنسان ذاته المتجزئة ليصل إلى جوهره الأسمى وهو ما يتقاطع مع دواخل شخصيات المجموعة التي تعيش في حالة غياب شبه دائم لكنها تمنح النص بعدًا تأمليًا وروحانيًا

 

التفاعل بين النص والقارئ في فضاء الغياب والذاكرة

 

يمثل التفاعل بين النص والقارئ في المجموعة ذروة عملية التأويل حيث تترك مساحة واسعة للقراءة المفتوحة التي تتخطى الخطاب السردي المباشر لتغوص في عمق الذاكرة والغياب والعودة كأسئلة وجودية مفتوحة هنا يدعو النص القارئ ليكون شريكًا فاعلًا في إعادة تشكيل المعنى مستثمرًا الرموز والعلامات داخل النص التي تحمل معانٍ متراكمة ومتعددة تذهب أبعد من الأحداث لتصل إلى طبقات نفسية وفلسفية عميقة هذا التفاعل يتماشى مع رؤى الفلسفة الحديثة حول العلاقة بين النص والمتلقي وخاصة مع “مارتن هايدغر” الذي يرى أن الوجود وجود نحو الآخرين فالنص الأدبي يصبح وجودًا متجسدًا يكتمل باللقاء الحي مع القارئ كذلك يؤكد “سورين كيركغارد” على أن الوجود الفردي يتشكل في لحظات التأمل العميق وهذه اللحظات هي التي يجد فيها القارئ نفسه أمام تحدي مواجهة الغياب أو مضاعفته عبر استدعاء الذاكرة والمؤثرات النفسية مما يخلق حالة من الشتات المدروس الذي يحمل ثقل غياب الذات وحياتها

 

في هذا الإطار لا يُفهم النص فقط كمجموعة حكايات بل كساحة لاستثمار الذاكرة المشبعة بالغياب حيث يصبح الغائب حاضرًا بالغياب نفسه والذاكرة المتلاشية مرآة تكشف عن الذات في لحظات التمزق والبحث النص يطرح بذلك فلسفة حضور غير مادي حيث يسقط القارئ نفسه في صميم المشهد مشاركًا في عملية التنقيب عن الرمز والطاقة الوجودية فيه محققًا بذلك مواجهة دائمة بين الذات والغياب بين الاستمرارية والانقطاع يرى الناقد “جميل الدويهي” أن النص الأدبي لا يكتمل إلا باجتماع النص والقارئ في فضاء معرفي وجودي مشترك حيث يتحول التفاعل بينهما إلى عملية استدعاء وتشكيل مستمر للمعنى ويلاحظ أن النصوص التي تستثمر عنصر الغياب والذاكرة كما في المجموعة تخلق حالة من الاشتباك النفسي والفلسفي مع القارئ فيختلط لديه المعقول باللامعقول ويضطرب يقينه في مواجهة الغياب المفتوح فتتولد حالة من الشك التأملي تؤدي إلى تجربة ذهنية مزدوجة تعيد إنتاج النص في كل قراءة هذا الرأي يتواكب مع اعتماد النص على رمزية الشموع والغياب لتوسيع الفضاء السردي إلى فضاء وجداني يحفز القارئ على الدخول إلى دوائر الذاكرة الحية والحضور الغائب حيث يظلّل النص مثل هذا التفاعل ويزيد من تشابك أبعاد الذات والوجود داخل قراءة سردية فلسفية تتلون بها الأحداث لذلك فإن القراءة فعل وجودي ترافق الذات مع نكبات الغياب وألم الفقد مما يجعل النص حالة ديناميكية متجددة تستمد قوتها من اشتباكها الحي والمستمر مع القارئ

 

سؤال الوجود الذاتي للكاتب 

 

أخيرا يجوز القول أن النص الأدبي وخاصة المجموعة فضاء سردي يعرض التجربة الإنسانية  وهو أيضًا فضاء تأملي يطرح سؤال الهوية الذاتية العميق إلى أي مدى يجد الكاتب نفسه في النص كما يوضح الناقد “جميل الدويهي” فإن النص لا يكتمل إلا بتفاعل الكاتب مع ذات النص والذات القارئة في آن حيث يصبح النص موقعًا للحوار الوجودي وليس مجرد كتابة فالكاتب مشارك في بناء النص بهويته النفسية والفكرية متلبسًا برهانات الغياب والذاكرة إذ يعكس النص تفاعلًا حيًا يمثل صلب وجوده في حال ترابط مستمر بين الذات الساردة والذات المتشكلة في النص هذا التأمل يفتح بابًا معرفيًا هامًا عن مدى امتلاك الكاتب لنصه مع تغليب البعد الوجودي كمحصلة لمراحل الغياب والعودة والتوتر النفسي والسيميائي التي تخوضها الشخصية الأدبية ثم يعيد تساؤل العلاقة بين الكتابة والذات إلى بقعة مركزية تضع النص في مواجهة الوعي بالذات والوجود يثير النص سؤال التداخل النفسي بين الكاتب وخياله الإبداعي  بمعنى هل النص يحتفظ بقدر من الغموض يسمح له بأن يكون فضاءً مفتوحا للتعددية والاختلاف داخل الذات الواحدة نفسها ؟ أم أنه يعكس فلسفة هامة عن الأدب ككيان حي مستمر في التشكل بعيدًا عن الانغلاق والانتهاء.

 د.آمال بوحرب 

تونس



الاثنين، 24 نوفمبر 2025

(وردة وقمر) محمد علي حسين احمد العراق الموصل

 (وردة وقمر) محمد علي حسين احمد العراق الموصل بقلمي 


يموتون بجهل القرارات

نحو الهاوية كان الموعد

ياترى من سيستفيق

 وعلى رأسه حورية

أم بين يديه قلب

 احتضنه لحظه القيام

حلم الرجوع انتهى 

في سباق الزمن

كانت أوهاما وأحلاما

وردة وقمر الزمان

إحداهما أخذها نجم 

والاخرى في بحيرة 

معها خمسة أيتام

أنتزع من بينهما نور شمس

في ظلها حنان 

على الوساده ترمي قبلاتي

وعلى خصرها الحان وانغام

تاه قلبي فيمن أحب

فقطرات المطر تبلل عروقي

وجروحي تتراقص ألما 

سوادا وغربة وأنتقاما

سأعود في صفحتي البيضاء

تراتيل وهمس السنين

فما زلت أحب وردتي 

وما زلت اعشق القمر


محمد علي حسين احمد العراق الموصل بقلمي



قراءة نقدية : "القصيدة بين التوتر اللغوي والتوتر الوجودي" التفريغ النصي " لهيب الكفاح " القصيدة:" حين تنادمني الجراح" الشاعر : طاهر مشي (تونس) الناقدة : جليلة المازني (تونس)

 قراءة نقدية : "القصيدة بين التوتر اللغوي والتوتر الوجودي"

التفريغ النصي " لهيب الكفاح "

القصيدة:" حين تنادمني الجراح"

الشاعر : طاهر مشي (تونس)

الناقدة : جليلة المازني (تونس)

القراءة النقدية: "القصيدة بين التوتر اللغوي والتوتر الوجودي"

1- عتبة العنوان "حين تنادمني الجراح"

استهل الشاعر طاهر مشي العنوان بظرف زمان (حين) مصحوبا بجملة فعلية في صيغة المضارع الدال على الدوام والاستمرارية(تنادمني).

والفعل نادم له دلالة المشاركة في مجلس شراب وما يتبعه من لذة ومتعة.

بيد أن الشاعر طاهر مشي قد استخدم توترا لغويا فقلب المعنى وجعل الجراح تنادمه بما فيها من ألم ووجع فتحوّل فعل المنادمة من متعة ولذة الى ألم ووجع.

وعبارة "تنادمني الجراح" حسب المختصين في علم المعاني تعني أن الجراح(جسدية او نفسية) تذكّرُ الشخص بآلامه أو مآسيه القديمة وكأنها صديق يلازمه ويحدثه عن أحزانه مما يعيد اليه الشعور بالألم والحزن القديم.

هذه العبارة استعارة توحي بأن الألم لا يزال حاضرا وله أثر مستمر في حياة الشاعر.

ولعل تقديم ظرف الزمان(حين) على الجملة الفعلية الدالة على الاستمرارية في ملازمة الجراح له لها دلالتها في دوام الملازمة على امتداد الزمان.

وبالتالي فان الماضي المؤلم يعود ليؤثر في الحاضر واذا الجراح لم تندمل أبدا بل وتتراكم الجراح على الجراح.

ولعل الشاعر طاهر مشي يتناص مع المتنبي حين تراكمت الأرزاء عليه فيقول:

رماني الدهر بالأرزاء حتى// فؤادي في غشاء من نبال

فصرت اذا أصابتني سهام// تكسّرتِ النّصال على النّصال

وفي هذا الاطار قد يتدخل القارئ بفضوله متسائلا:

- أي جراح  يعيشها الشاعر على مرّ الزمن؟

- اذا كانت الجراح تلازم شاعرنا على مرّ الزمان فما طعم وجوده؟؟

2- التحليل: "القصيدة بين التوتر اللغوي والتوتر الوجودي"

استهل الشاعر قصيدته باستخدام أسلوب انزياحي تركيبي قائم على الاستفهام (أهكذا تنادمني الجراح؟) الدال على حيرته واستغرابه من ملازمة الجراح له .

والجراح هنا هي جراح نفسية ومعاناة ( قد تكون بسبب الفقد أو الهجر والفراق أو الأذى الذي يلاحقه من الآخر..).

هذه الملازمة للجراح النفسية قد لازمه فيها النحيب حتى جفت مقلته من البكاء فيقول:

وقد استبد بي النحيب وأثلجت مقلتي

توارت العبرات

وانثال على خدي

لهيبك ياكفاح

وعبارة "انثال على خدي" محمولة على المجاز حسب علماء البلاغة  فتعني أن المشكلات تتابعت وانهالت عليه ولم يستطع التعامل معها.

والشاعر بين معاناة جسدية(استبد بي النحيب/ اثلجت مقلتي/ توارت العبرات) ووجدانية وبين مقاومة وكفاح لهذه المعاناة.

انه لم ينهزم ولم يستسلم لتراكم الجراح على الجراح بل سيكافحها ويناضل من أجل وجوده.. انها قضية وجود.

ان جراح الماضي وهي تؤثر على جراح الحاضر التي بدورها تذكره بجراح الماضي جعلته يواجه" لهيب الكفاح".

ولهيب الكفاح حسب المختصين في البلاغة هي تعبير مجازي يفيد شدة النضال والكفاح. والعديد من الشعراء خلدوا "لهيب الكفاح" لشعوبهم بأشعارهم.

- أيّ كفاح شديد سيخوضه شاعرنا لمواجهة هذه الجراح النفسية التي تنادمه؟

- هل هو قادر على خوض "لهيب الكفاح" لمواجهة الجراح؟

ان الشاعر باستخدام أسلوب التوتر اللغوي القائم على المجاز (تنادمني الجراح/ انثال على خدي/ لهيب الكفاح) والقائم على الانزياح التركيبي من تقديم وتأخير  واستفهام وعلى الانزياح الدلالي من استعارة وتشخيص وتجسيد وعلى الانزياح الايقاعي من خلال تكرار محتوى العنوان بالاستهلال (تنادمني الجراح)..

كل هذا التوتر اللغوي الذي يُخرج لغة القصيدة من المألوف الى غير المألوف  والذي يُرْبك القارئ يعكس التوتر النفسي الذي يعيشه الشاعر بسبب ملازمة الجراح له.

ان هذا التوتر النفسي ليس توترا عابرا بل أصبح معاناة وجود .

فهل أنّ قدَر الشاعر أن تتراكم الجراح على الجراح عليه؟

ولعل الشاعر ب"لهيب الكفاح " هنا يطرح المعادلة التي تقول:" أكون أو لا أكون" و هي من أشهر المناجاة في الأدب العالمي والتي قالها الأمير هاملت في مسرحية وليام شكسبير(هاملت):

- ان الشاعر يرفض أن تنادمه الجراح. وهو بذلك يرفض" ألا يكون"

- انه يواجه هذه الجراح التي تنادمه ب"لهيب الكفاح" حتى "يكون"

ان الشاعر في صراع داخلي بين حياة مؤلمة يرفضها ولهيب الكفاح الذي يقتضي نضالا شديدا ليثبت وجوده.

والشاعر بين الوجود واللاوجود يثير ثنائية متضادة أخرى .انها ثنائية الشك واليقين فيقول:

أأدري أم أضل على الطريق

وقد أضناني المسير وشق صدري الاحتراق؟

ان الشاعر بين شك ويقين لمواصلة "لهيب الكفاح" لوضع حدّ لمنادمة الجراح له وتراكم الجراح على الجراح .

ان ثناية الشك واليقين لمواصلة "لهيب الكفاح" تخلق لديه ثنائية أخرى بين مسير مُضْنٍ واحتراق شق صدره وقد يتدخل القارئ يحدوه فضوله متسائلا :

- هل يواصل المسير المضني بلهيب الكفاح؟

- هل يطفئ احتراق صدره بلهيب الكفاح للانتصار على الجراح؟

وفي هذا الاطار يأتي الجواب من الشاعر قائلا :

ومذ رحلت مواسم صبري

عاد في أنحائي الصدأ

وتكسرت في راحتي الأشواق

ان الشاعر يُعْلن نفاد صبره لأن لهيب الكفاح طويل وشاق.

ونفاد صبره دليل على أنه ناضل طويلا لمقاومة الجراح التي تنادمه وعاش المعاناة بلهيب الكفاح:

وبين نضال ومعاناة خانه صبره  و"لهيب الكفاح" صبرٌ أو لا يكون.

وبالتالي فان الشاعر يقف على محدودية الصبر عند الانسان الذي لن يكون له "صبر النبي أيوب".

لقد جسّم هذه المعاناة باستخدام تقنية التشخيص والتجسيد التي خلقت توترا لغويا بالقصيدة أدّى به الى توتر نفسي أفقده صبره الجميل رغم صبره الطويل والذي تواتر عبر الزمن(مواسم صبري).

وكأني به يريد أن يقنع القارئ بوصف حالة المعاناة فمواسم الصبر كأنها شخص خانه ورحلتْ , والصدأ كأنه سوس عاد ينخر أنحاءه والاشواق تكسرت في راحته.

ولعل القارئ هنا يتعاطف مع الشاعر الذي أدرك محدودية صبره وجهده في "لهيب الكفاح " وحده مستحضرا ما قاله أحد شعراء المقاومة في محدودية الصبر:

تنوّعت الجراح فلا اصطبار//  يواجهها ولا قلب يطيق.

ان هذا المشهد الأليم جعل الشاعر يستفهم مستغربا وكأني به يتوجّه الى القارئ الذي يتابع معاناته فيقول:

فكيف أجاهد الأحزان وحدي

وكل جرح في دمي

ينبيك اني قد تفرق بي الرياح؟.

انه مرة أخرى يقف على محدودية قدرة الانسان في النضال وحيدا لمقاومة جراحه التي تنهش كيانه .

وفي هذا الاطار من تواتر الثنائيات المتضادة نرى الشاعر في صراع داخلي بين الشك واليقين وبين النضال والمعاناة وبين محدودية الصبر ومحدودية القدرة على مواجهة الجراح بمفرده وبالتالي بين الوجود واللاوجود.

 والذات الشاعرة بين كل هذه الثنائيات تبحث عن التوازن وحاجتها لإعادة بناء معنى للحياة ومواجهة المصير المؤلم.

وبالتالي فالشاعر هنا يطرح قضية وجودية تتمثل في عجز الانسان على مواجهة الجراح التي تنادمه لمحدودية الصبر والعجز عن المقاومة بمفرده.

بيْد ان القارئ  الذي أربكه التوتر اللغوي وفي المقابل قد يشحذ عزيمة الشاعر لمزيد الصبر والثقة في قدرته على المقاومة المتواصلة لتحدي محدودية الانسان وعجزه مستحضرا قول المتنبي:

أطاعن خيلا من فوارسها الدهر// وحيدا وما قولي كذا ومعي الصبْر

تمرّست بالآفات حتى تركتها تقول // أمات الموت أم ذعر الذعر.

وخلاصة القول فان الشاعر طاهر مشي قد طرح قضية التوتر الوجودي للانسان بامتياز باستخدام التوتر اللغوي الذي غطى تقريبا كامل القصيدة ولعله بذلك ارتقى بقصيدته الى الأدب العالمي الوجودي.

سلم قلم الشاعر طاهر مشي هذا القلم الذي أربك القارئ أسلوبا وفكرا.


بتاريخ 24/ 11/ 2025

القصيدة: (الشاعر طاهر مشي)

حين تُنَادِمُني الجراح

ااااااااااااااااا ااااااااااااااااا

أهكذا تُنَادِمُني الجراحُ

وقد استبدَّ بي النحيبُ وأثلجَتْ مُقلتي

توارتِ العبراتُ،

وانثالَ على خَدّي

 لهيبُك يا كِفاحُ

أأدري أم أضلُّ عن الطريقِ،

وقد أضنانِي المسيرُ، وشقَّ صدري الاحتراقُ؟

ومذ رحلتْ مواسمُ صبري

عاد في أنحائي الصدأُ،

وتكسّرتْ في راحتي الأشواقُ.

فكيف أُجاهدُ الأحزانَ وحدي،

وكلُّ جرحٍ من دمي

يُنبيك أني قد تفرّق بي الرياحُ؟

ااااااااااااااااا

طاهر مشي 



الأحد، 23 نوفمبر 2025

أعطني الناي بقلم الكاتب عبدالرحيم العسال

 أعطني الناي

=======

( أعطني الناي وغنى)

أو فدعني للتمني

ما على قلبي ملام

إن هوى في العشق مني

وجهه كالبدر يسري

في دجى ليلى وظني

وله طرف كحيل

آه يا رب أعني

إن بدا منه كلام

قال فاللؤلؤ سني

وإذا يخطو غزال

شارد يا ويحي إني

قد رفعت الرأي بيضا

وهوت أسيافي مني

أيها الشارد مهلا

وأنظر الدمع بعيني

وأسمع النبض بقلبي

ها هو القلب يغني

يا منى قلبي تعال

وادخل الآن بحصني

نشعل الأشواق هيا

( أعطني الناي وغنى) 


(عبدالرحيم العسال مصر سوهاج أخميم)


خطى لايسمعها أحد… بقلم الكاتب / مقبول عزالدين

 خطى لايسمعها أحد…


كان الليلُ

يرتّبُ حزنه على كتفي،

ويقولُ لي:

لا تخَف…

فالخيبةُ أوفى من البشر،

والصمتُ أصدقُ من كثيرٍ

ممّن مرّوا بقلبي

ومضوا كأنهم لم يمرّوا.


أجلسُ وحدي،

أسمعُ أنفاسَ الأشياء،

أرى الكرسيَّ فارغًا،

والنافذةَ ترتجفُ

من شدّة الانتظار…

كأنّ المكانَ يعرفُ

أنّ غيابكِ ليس غيابًا فقط،

بل قَطعٌ لصوتِ الحياة

من جذوره.


أحاولُ أن أقولَ لنفسي:

إنّ الأيامَ قادرةٌ على تضميدِ الجراح،

لكنّ الأيامَ تكذب…

والوقتُ لا يداوي،

إنّما يعلّمنا

كيف نخبّئ الألم

تحت ثيابٍ نظيفة.


يا من كنتِ بيتي،

وأوّلَ معنى فهمتهُ في الحب،

لماذا تركتِ البابَ

مفتوحًا على ريحٍ

لا رحمةَ فيها؟

لماذا علّمتِ قلبي

كيف يندمجُ بنبضكِ،

ثم مضيتِ

وتركتِه يتعلّمُ

كيف يعيشُ وحده

ولم ينجح…؟


أقولُ للذكريات:

كفِّي عن الظهور.

فتضحكُ،

وتجلسُ في حضني،

وتسألني:

هل تظنّ أننا نرحل؟

نحنُ ننام على وسادتك

كلَّ ليلة.


وما بيني وبينكِ

يا غائبةً

لا زال يَحملُ ملامحَكِ:

طَيفٌ يمرّ فوق قلبي،

يوقظهُ…

ثم يتركهُ

أشدَّ تعبًا ممّا كان.


يا الله…

كم يتسعُ الصدرُ

للحزن،

وكم يضيقُ

عن كلمةِ “أنساك”.

بقلم / مقبول عزالدين



طاهر مشي صوت شعري يعبر كينونة الجرح ويؤسس الجماليات بقلم د. أمال بوحرب

 طاهر مشي صوت شعري يعبر كينونة الجرح ويؤسس الجماليات

يستمد الأدب التونسي وهجه من تنوع الأصوات وتعدد المسارات التي تشكل نسيجه الثقافي، فهو ينطلق من المدارس الكلاسيكية التي أرستها الأسماء المؤسسة وصولاً إلى الأصوات المعاصرة التي توسع الأفق الجمالي وتفتح باب التجريب والابتكار، وقد تشكلت الملامح الأولى لهذا الحراك عبر تاريخ طويل بدءاً من مرحلة مجتمع المشافهة، حيث كانت الحركة الفنية تقتصر على طقوس الخطاب والتواصل في التجمعات البدوية وحلقات الرواة في المقاهي الحضرية.


ساهمت المجلات الثقافية في تونس في بناء فضاء يفيض بالحيوية الفكرية والجمالية، فهي بمثابة الورشات الكبرى التي تتشكل داخلها اللغة الجديدة وتولد الرؤى المتجددة. تفتح مجلة الحياة الثقافية ومجلة الوجدان الثقافية وغيرها أبواباً رحبة أمام النصوص كي تعبر ذاتها وتختبر حدودها، وتتيح لها أن تتنفس في فضاء عام يتفاعل معه القراء والنقاد والمبدعون.


تتحرك داخل هذه المنابر أسماء فاعلة تشكل أعمدة للمشهد، من الناقدة «مفيدة الجلاصي» التي تعيد عبر قراءاتها هندسة النصوص بوعي حداثي عميق إلى «كوثر بلعابي» التي تمنح النقد نبرة فلسفية تعبر الآفاق السيميائية والدلالية. وتتعانق هذه الحيوية مع إسهامات الكاتبة «حياة الرايس» التي تمنح السرد طاقته الأنثوية المتوهجة، والشعراء والفاعلون في الساحة الأدبية مثل «بوبكر عموري» صاحب الأفق النقدي الذي يعيد قراءة الظواهر الأدبية من مسافة رؤيوية، و«كريمة الحسني» التي تمنح القصيدة حرارة الوجدان، و«روضة بوسليمي» التي ترفد المشهد بحساسية لغوية متألقة، و«داوود بوحوش» الذي يساهم في إثراء المشهد الشعري بحساسية لغوية عميقة ويمنح النصوص بعداً إنسانياً وفكرياً وكذلك «محمد المحسن» الناقد المتمكن والمتميز الذي يعيد بناء القراءة النقدية بنضج وعمق

والناقدة جليلة المازني التي تحيي النص من جديد ، تشكل  بالإضافة إلى أسماء وقامات عديدة شكلت جزءاً أساسياً من البناء الثقافي والفني للأدب التونسي هذه الأصوات كونت معاً جسراً يعبر فوقه النص التونسي نحو تجاربه الجديدة، فتتوطد داخل هذا التفاعل ملامح حوار يحمل طابعاً جمالياً وفلسفياً، ويمنح المشهد الثقافي تنوعاً يكتب به الأدب التونسي امتداده وتفرّده، ويحرك الشعر نحو فضاء يستعيد فيه الإنسان صوته الكوني.


كما يساهم اتحاد الكتاب التونسي تحت قيادة الناقد «بوراوي بعرون» في صوغ فضاء حيوي للمشهد الأدبي والفكري، إذ يرسخ هذا الاتحاد دور المنابر الثقافية في تقديم النصوص ومناقشتها، ويتيح للأدباء والشعراء التبادل المستمر للأفكار والتجارب.

ومن خلال هذا الحراك الأدبي، يبرز الشاعر «طاهر مشي» بتجربة شعرية متفردة جديرة بالاهتمام والتحليل، إذ تجسد نصوصه انسجاماً فريداً بين العمق الوجداني والابتكار الفني. تتيح قصائده للقارئ الانغماس في مسارات متعددة من العاطفة والتأمل، حيث يتحول الألم والحنين والحب إلى عناصر بنيوية تشكل عالمه الشعري. 

ولقد انعكس هذا الزخم بشكل مباشر على تجربة الشاعر «طاهر مشي»، التي تتشكل في ظل بيئة نقدية ومؤسساتية تدعم الإبداع، فتتجسد قصيدته كرفيف لغوي متحرك يفتح أبواب العودة إلى الذات عبر بوابة الوجدان، فتتحول اللغة إلى جسور تنقل القارئ إلى أعماق الروح، وتتيح له تجربة حضور الألم والحنين والحب في آن واحد داخل فضاء يثري الوعي ويعيد تشكيل الفهم الإنساني للشعر والتجربة الجمالية فهي  مشروع شعري يفتح فضاء للحوار مع الذات والآخر، ويؤكد دوره كأحد الأصوات البارزة في المشهد الثقافي التونسي المعاصر، القادر على تحويل اللغة إلى جسور تعبر بالمتلقي نحو أعماق الروح.


الرؤية الوجوديةو استجواب الكينونة:

تتوجه قصائد «طاهر مشي» نحو الإنسان في جوهره فترتقي بالألم إلى مستوى التجربة الوجودية التي تحتضن الكينونة يتجاور عنده الجرح والحنين والحب في حركة تؤسس معنى جديداً للوجود لأن الذات لديه تتحول إلى مرآة لوعي ممتد يتجاوز حدود اللحظة يقدم الشاعر رؤية تضع الإنسان داخل صراع دائم بين الرغبة في الاحتفاظ بالعالم والرغبة في تحرير الروح من أثقالها يشكل هذا الصراع لبنة فلسفية قريبة من رؤى هايدغر حول مقام الكينونة داخل العالم حيث تصبح اللغة مقام الوجود الأول يأخذ هذا البعد طابعاً إنسانياً عابراً للحدود يلتقي مع ملامح عميقة في الأدب الروسي عند دوستويفسكي حين يضع الروح البشرية في مواجهة قدرها الداخلي ويقدم صراعاتها كتجربة مطلقة للبحث عن النور


 المقاربة السيميائية وعوالم العلامات والدلالات


تتحرك القصائد داخل فضاء سيميائي غني بالعلامات فالجُرح علامة والليل علامة والذكريات علامة والمحبوب علامة والمطر علامة وكل عنصر يصوغ في تشكيله بنية دلالية تفتح المعنى يستخدم «طاهر مشي» صوراً تتخذ شكل إشارات تنسج شبكة من العلاقات بين الذات والعالم فيتحول الألم إلى رمز يتجاوز حدوده المباشرة ويتحول الحنين إلى بنية لغوية تشير إلى حضور متجدد داخل الذاكرة تنفتح العلامات لديه على حقل دلالي يقترب من تصور «فوكو» للخطاب كفضاء يعيد ترتيب السلطة والمعنى لأن القصيدة تصبح سلطة رمزية تمنح الذات قدرة على إعادة تشكيل جراحها كما يقترب من تصور «هيغل» للروح وهي تبني وعيها عبر مسار التوتر والتحول لأن المعنى يتشكل من حركة جدلية تجمع بين الألم والضياء.


قصيدة “حين تنادمني الجراح”سردية الوجع الفلسفية:

تبدأ هذه القصيدة بارتجاج داخلي يفتح باب المواجهة مع الجراح فيتحول الوجع إلى شريك حميم كأن الألم أصبح كياناً حياً يرافق الذات في رحلتها الجراح تتنادم مع الشاعر تتسلل إلى أعماقه وتستقر في تفاصيله الدقيقة وتأتي الصور محملة بلهيب واحتراق وصدأ تتراكم فوق ذاكرته فتشكل كثافة وجودية تقود الذات نحو أفق يشبه الرؤية الهيغيلية للروح التي تسعى نحو تمامها عبر صعود دائم في حركة جدلية مستمرة بين الظل والضياء بين الألم والتحول


يتجلى في هذه الصور التشابك بين الجرح والوجود حيث تتحول كل لحظة ألم إلى مؤشر فلسفي على تجربة الذات في مواجهة الحياة والمصير هذا الصراع الداخلي يقترب من فلسفة هايدغر حول الكينونة في العالم فالذات تدرك محدوديتها وحاجتها لإعادة بناء معنى الحياة عبر مواجهة ألمها كما تتماهى الصور الشعرية مع بلاغة «فيكتور هوغو» الذي كان يعيد خلق الجراح كينابيع نور في العتمة فيتحول الألم إلى مصدر تأمل ووعي فتعمل الكلمات كجسور بين التجربة الفردية والنور الداخلي تتحرك القصيدة كسرد داخلي يصوغ مسار الروح خطوة خطوة نحو منطقة من الصفاء حيث تتقاطع العلامات الرمزية للجراح والذكريات والصدأ والاحتراق في فضاء سيميائي غني يمثل الذات في حالة بحث دائم عن التوازن والاعتدال الداخلي.

أهكذا تُنَادِمُني الجراح

وقد استبدَّ بي النحيب وأثلجَتْ مُقلتي

توارتِ العبرات

وانثالَ على خَدّي لهيبُك يا كِفاحُ

أأدري أم أضلُّ عن الطريق

وقد أضنانِي المسير وشقَّ صدري الاحتراق

ومذ رحلتْ مواسمُ صبري

عاد في أنحائي الصدأ

وتكسّرتْ في راحتي الأشواق

فكيف أُجاهدُ الأحزانَ وحدي

وكلُّ جرحٍ من دمي يُنبيك أني قد تفرّق بي الرياح


قصيدة “قد غاب عني من أحب”سيميائية الحنين والغياب:

تقدم هذه القصيدة مشهداً شعورياً عالياً من الحنين والافتقاد حيث يتحول الغياب إلى قوة محسوسة تشعل القلب وتعيد تشكيل الليل داخل الذات تتجاوز رؤية الشاعر حدود الحزن لتخلق جمالاً داخلياً ينبثق من أثر الذكرى فتتحول الذاكرة إلى نور دائم يتجدد في قلب الشاعر مع كل لحظة ألم حاملة طابعاً وجودياً قريباً من فلسفة تولستوي التي ترى في الذكرى قوة داخلية تعيد ترتيب العالم وتجعل الإنسان يواجه مصيره بوعي أعمق


من مثل قلبي في الفراق تيتّما

لكن وجهي للأنام تكرّما

من مثل صدري في الأسى قد ضاق به

فكان رغم جراحه متبسما

قد غاب عني من أحب

فمزّقت أطيافه ليلي

وجفني أظلما

لكنني أبقيت ذكراه سناً

في القلب يُزهِر كلما أتألما


تتعالق الصورة الرمزية للغياب مع نور الذكرى فتخلق ثنائية متناقضة بين الظلام والنور بين الألم والحياة وبين الحزن والجمال هذه الثنائية تتحقق في النص عبر حركة سردية متسلسلة تجعل القارئ يعيش تجربة الحنين كما لو كانت رحلة وجودية نحو المطلق حيث يتحول الألم إلى زهرة متفتحة داخل الروح تحمل في طياتها طاقة التجدد والتأمل الدائم.


قصيدة “أنا الغريق”: سيمياء العشق والاحتراق:

تتحرك هذه القصيدة داخل فضاء شعوري تتلاقى فيه المتناقضات لتصوغ تجربة عاطفية وجودية متكاملة تتعانق النار بالمطر والحنين بالظمأ والصوت بالصمت فيصبح العشق عند «طاهر مشي» تجربة كونية داخل الذات حيث تتحول اللغة إلى مادة سائلة قابلة للانصهار والانسياب مع التدفق الشعوري للشاعر تأتي الصور الشعرية كأمواج متتالية تتقاطع مع الرغبة في معانقة الضوء فتتفاعل الحرارة بالعطر والحريق بالحب لتصبح القصيدة جسداً ممتداً من العلامات والدلالات الرمزية كل منها يحمل معنى يتجاوز سطحه المباشر


سأكتفي بحنين قد تُعانِقُه ذكرَاكَ تمطر في قلبي بلا خجل

وأرتوي من هواك العذب في شغف كأنني ظامئ في لجّة الأمل

دعني أذوب بعطر من أناملك

أنا الحريق فهل أخشى من الشعَل

تلتقي هذه العلامات مع رؤى «فوكو» إذ يصبح الجسد خطاباً متحرراً يعلن قوته عبر التجربة الحسية كما تتوافق مع روح الأدب الروسي في شعر بوشكين الذي يجعل من الحب قوة تتجاوز حدود الجسد فتفتح الصور نوافذ نحو العالم وتعكس قدرة اللغة على خلق مساحة تجريبية للروح والمشاعر


الوجودية والرمزية:

تتجلى مقاربات «طاهر مشي» الفلسفية في قصائده من خلال تحركه داخل فضاء وجودي رمزي حيث تصبح الكلمات بوابة لاستكشاف الذات ومكانها في العالم فتتقاطع مع رؤى الوجودية التي ترى في الألم والحنين تجربة مركزية لبناء معنى الحياة في نصوصه يتحول الجرح إلى علامة ونافذة للوعي والغياب إلى قوة تجبر الروح على مواجهة حدودها تماماً كما تتجلى فلسفة هايدغر في إدراك الذات لمقامها في العالم والبحث عن الحرية في ظل قيود الكينونة


يتماهى هذا البعد الوجودي مع الرمزية فيتحول كل عنصر شعوري إلى رمز يحمل دلالة أعمق من واقعه الظاهر كالنور الذي ينبثق من الألم والذكرى التي تشعل الروح والصمت الذي يعلن حضوره كصوت داخلي فتتداخل الصور لتصوغ سرداً يعكس تناقضات الحياة الإنسانية في تناغم مع الألم والرجاء تماماً كما فعل «فيكتور هوغو» في نصوصه حين حول الجراح والمعاناة إلى ينابيع نور داخلي تضيء الطريق أمام القارئ لتأمل الروح والعالم.

في هذا التمازج بين الفلسفة والرمزية يصبح النص الشعري تجربة معرفية ووجدانية في الوقت ذاته حيث يسافر القارئ بين الذات والكون بين الظل والضياء بين الألم والصفاء فتكتمل الرؤية الشعرية كمسار للوعي يتخطى حدود اللغة ليكشف عن الإمكانات الوجودية للروح ويؤكد أن الشعر هو مجرد تعبير عن المشاعر  كما جسوراً تمتد بين القارئ والعالم بين الجرح والنور بين الذات والمطلق.

الناقدة والباحثة 

د.آمال بوحرب 

تونس



السبت، 22 نوفمبر 2025

قراءة نقدية: "التوتر اللغوي وبناء المعنى بالقصيدة" القصيدة "جدائل الخيال" الشاعرة الهام عيسى (سوريا) الناقدة جليلة المازني (تونس)

 قراءة نقدية: "التوتر اللغوي وبناء المعنى بالقصيدة"

القصيدة "جدائل الخيال"

الشاعرة الهام عيسى (سوريا)

الناقدة جليلة المازني (تونس)


1- المقدمة:


لقد استخدمت الشاعرة الهام عيسى أسلوب التوتر اللغوي لبناء المعنى بدءا بالعنوان مرورا بمتن القصيدة  ووصولا الى القفلة.


+مفهوم التوتر اللغوي:


والتوتر اللغوي حسب بعض النقاد :هو صراع  بين الفكرة التي يريد الانسان قولها وما تسمح اللغة بإيصاله.


وهو الديناميكية التي تتكون بين الفكرة التي يريد المتكلم التعبير عنها والحدود التي تفرضها اللغة مما يؤدي الى تشكيل المعنى بطريقة مركبة عبر التفاعل بين ما تقوله اللغة وما يريد المتحدث قوله.


هذه العوامل تساهم في تشكيل الرسالة ونقل المعنى بشكل يتجاوز الكلمات نفسها وتشكل جزءا  لا يتجزّأ من عملية بناء المعنى.


+ آليات  توليد التوتر اللغوي في بناء المعنى:


- الصراع بين المعنى واللغة.


- تغيير المعنى بالبناء اللغوي


- النبرة الصوتية.


- الوقفات لتقسيم الافكار.


- التحيز اللغوي.


- تداخل الدلالات:  قد يتحول اللفظ من مجرد وعاء للمعنى الى محرك نفسي قوي, يؤثر في القرار والسلوك والاتجاه العقلي.


- دور المتلقي في بناء المعنى


2- تجليات التوتر اللغوي في بناء المعنى بالقصيدة :


أ - عتبة العنوان وتجليات التوتر اللغوي:


انطلاقا من العنوان "جدائل الخيال" استخدمت الشاعرة توترا لغويا بين اللفظ والمعنى..


انها تجمع بين الملموس(جدائل) وغير الملموس (الخيال).


ولئن كانت الجدائل برمزيتها الجمالية واقعية ملموسة فان الخيال غير واقعي وغير ملموس.


وجدائل الخيال كما يرى بعض النقاد "تعني مسارات أو تشعبات التفكير الخيالي المتداخلة التي تتشكل داخل العقل. تشمل هذه الجدائل الصور الذهنية والأفكار والأحلام والمشاعر التي ينسجها الفرد في عقله وتكون عادة مرتبطة بالابداع"


وفي هذا الاطار قد يتدخل القارئ للمساهمة في بناء المعنى  من خلال العنوان متسائلا:


 - هل ان الشاعرة تريد ربط  العلاقة بين عالم الواقع الملموس وعالم الواقع غير الملموس؟


- هل أن جدائل الخيال وسيلة للهروب من ضغوط الواقع أو الاحداث الصادمة؟


- هل أن جدائل الخيال قادرة على خلق "حياة أخرى" أو عالم مواز للشاعرة؟


- هل أن جدائل الخيال قد تكون مصدرا للسعادة والراحة النفسية؟


ان دور المتلقي في بناء المعنى  انطلاقا من التوتر اللغوي بين اللفظ والمعنى ومن خلال تساؤلاته قد نقف عليه في صلب متن القصيدة.


ب- التحليل: تجليات التوتر اللغوي وبناء المعنى بمتن القصيدة:


 تستهل الشاعرة القصيدة باستخدام ضمير الخطاب المتصل المسند الى المؤنث


(بابك) والضمير يعود على آخر اسم سابق وهو جدائل الخيال فتقول:


على ثغر بابك أقطف الفجر حنينا


يستيقظ الضوء ضريرا


ان الشاعرة وبنبرة ساخطة ومتألمة  ومذهلة و باستخدام مفارقة بن المؤمل والواقع تجسّد توترا لغويا بين قطف الضياء (الفجر) الذي تحن اليه لتحصل المفاجأة  الصادمة وغير المتوقعة وهي الظلام(الضوء ضريرا)  .


وبين الضياء المؤمل وبين ظلام الواقع  يقف القارئ على أن جدائل الخيال لن تحقق لها السعادة والراحة النفسية التي تصبو اليها.


انها مفارقة بين حنينها للضياء والنتيجة الصادمة التي جسدتها بقولها "يستيقظ الضوء ضريرا"


وأكثر من ذلك فالشاعرة تؤزم الواقع لتجعل الضوء الأعمى يئنّ ويتوجع:


انها استخدمت تقنية التشخيص لتؤثر على القارئ برسم مشهد الأعمى الذي يئن لأنه لن يعرف طريقه ولن يهتدي اليه وهذا التوتر اللغوي من شأنه أن يخلق توترا لدى القارئ.


انها ضغوط الواقع والأحداث الصادمة التي قد تجعل جدائل خيالها وسيلة للهروب من الواقع.


انها ستهرب من الأرض الى السماء فتقول:


أجراس سماوات الاله شاهدت


في خشيع ساجدات تردد التبجيلا


ان الشاعرة باستخدام التوتر اللغوي القائم على  آلية التحيّز اللغوي  قد استخدمت تراسل الحواس بين السمع والبصر حين جعلت الأجراس التي تعود الى حاسة السمع  تدركها حاسة البصر لتضفي الخشوع على هذا الواقع السماوي الذي يمثل الساجدات .


وباستخدام آلية تغيير البناء اللغوي القائم على التقديم والتأخير قد خلقت توترا لغويا بقلب الجملة الفعلية الى اسمية لتجعل الفاعل مبتدأ ليصبح معنى الجملة الاسمية  دالا على الثبات والاستمرارية والدوام (1).


وبالتالي هي بمثابة حقيقة  لا نقاش فيها أمام القارئ.(أصل الجملة: شاهدت أجراس سماوات الاله..).


ان الشاعرة بجدائل خيالها تهرب من الأرض الى السماء حيث تهرب من الضوء الاعمى  الى استعادة البصر بتسخير حاسة السمع لصالح حاسة البصر.


وبالتالي فان جدائل الخيال تجعلها ترفض الواقع المدنس الذي  يسوده الظلام الى واقع مقدس منير(في خشيع/ ساجدات).


وكأني بالشاعرة تريد أن تقنع القارئ بجدائل خيالها باستخدام مقابلة معنوية لا تخلو من نبرة متهكمة فتقول:


أتدثر بالصمت على مقعد متحجر


أغزل من أفق السماء قنديلا


أمشط جدائل الخيال مسترسلا


على رصيف ذاكرتي قنديلا.


انها تقابل بين صمتها المفروض عليها والمرفوض في واقع متأزم (مقعد متحجر)


وبين واقع حاضر تبنيه بجمال جدائل الخيال بما فيها من أفكار ومشاعر وأحلام وطموحات انطلاقا من ذاكرتها المضيئة (قنديلا)  لعلها تحقق حياة أخرى أو عالما موازيا يمنحها السعادة والراحة النفسية  ليخرجها من الضوء الأعمى الى عالم الضياء والنور  وهي بذلك لا تخفي عن القارئ  معاناتها المعنوية (الصمت) والمادية (مقعد متحجر).


لقد عبرت الشاعرة عن واقعية ما تعيشه بامتياز عبر استخدام أفعال مسندة الى ضمير المتكلم المفرد (أنا) في المضارع الدال على استمرارية الأفعال بالحاضر


( أقطف/ أتدثر/ أغزل/ أمشط).


والشاعرة لجأت  الى الجمل الفعلية  وهي تبحث عن الضياء لان الافعال حسب بعض النحاة "أكثر قدرة على تصوير الحالة الانفعالية وتعبيرا عن الحركة والتحول الذي يميّز حياة الشاعر الجديدة".(2).


انها بتواتر الأفعال في المضارع والمسندة الى ضمير المتكلم (أنا) تروي للقارئ تجربتها في البحث عن الضياء والضياء هداية الى حياة أخرى هي تصبو اليها.


انها تتوق الى النور والضياء الذي سيخرجها من عتمة الأعمى الى نور البصير


وكأني بها من خلال هذا التوتر اللغوي تخلق توترا نفسيا لدى القارئ ولعلها في نفس الوقت تدعو ه أن يردد ما قاله الشابي في البحث عن النور:


الى النور فالنور عذب جميل// الى النور فالنور ظل الاله.


وفي هذا الاطار تتقاطع الشاعرة مع الشابي حين بحثت عن النور والضياء بالسماء فسخرت حاسة السمع عند دعاء أجراس السماوات لصالح حاسة البصر لتنتشلها من العمى.


وفي هذا السياق استخدمت الشاعرة معجمية لغوية :


- ذات مرجعية دينية (الفجر/ الضوء/ أجراس سماوات الاله/  خشيع/ ساجدات..)


- ذات مرجعية طبيعية (الفجر/ الضوء/ قنديلا/ الشمس..)


انه التوتر اللغوي بين المرجعيتين الدينية والطبيعية  من شأنه ان يخلق توترا نفسيا لدى الشاعرة ولدى القارئ .


وكأني بالشاعرة تجعل القارئ شاهد عيان  بل عدل إشهاد شاهدا على تواجد الضياء دينا وطبيعة  أرضا وسماء وفي المقابل هي تعيش العتمة والعمى.


وبين مكان ومكان وبين ثغر جدائل الخيال ورصيف الذاكرة وعبر التوتر اللغوي نجدها تستجدي الضياء والنور لتختم في قفلة يسودها التوتر اللغوي:


ج- القفلة وتجليات التوتر اللغوي:


تقول الشاعرة:


لعل الشمس تعيد بهجتها


ويمرّ ليل الصابرين قصيدا.


ان استخدام الشاعرة التوتر اللغوي عكس عليها توترا نفسيا وهي بين أمل ويأس بحثا عن الضياء:


- أمل في عودة الشمس بضيائها باستخدام الحرف الناسخ "لعل" الذي يفيد الترجي والتوقع...انها بين ترجّ وتوقع لعودة الشمس والضياء لتعود البهجة.


وقد تفيد "لعلّ" الاستفهام الذي يجعل الشاعرة في حيرة بين عودة البهجة للشمس وبالتالي السعادة والراحة النفسية اليها.


- يأس: إن هذا التوتر اللغوي بين مختلف معاني لعلّ وتداخل دلالاتها جعلها تختم قصيدتها بنبرة يائسة تنفي عودة البهجة للشمس وتحشر نفسها مع الصابرين ويبقى الحديث عن الليل بما فيه من ظلام وغياب الضياء قصيدة بعيدة عن واقع وحياة أخرى ترنو اليها الشاعرة بجدائل خيالها.


وخلاصة القول فان الشاعرة الهام عيسى وباستخدام أسلوب التوتر اللغوي بقصيدتها "جدائل الخيال" قد عبّرت بامتياز عن توترها النفسي في البحث عن الضياء وفي نفس الوقت قد أقحمت القارئ في هذا التوتر النفسي من خلال تساؤلاته وحيرته وهذا من طبيعة أسلوب التوتر اللغوي.


وفي هذا الاطار لعل الشابي يدعم أمل الشاعرة ويدعوها الى التشبث  بجدائل خيالها  الجميلة بطموحها وأحلامها لتحقيق الضياء من أجل حياة تعيد فيها للشمس بهجتها وهو يقول في قصيدة "ارادة الحياة" التي هي دعوة قوية للأمل والاصرار والتغيير:  ولا بدّ لليل أن ينجلي // ولا بد للقيد ان ينكسر


سلم قلم الشاعرة  الطموح هذا القلم الذي يرنو الى الضياء والضياء حياة وهداية.


بتاريخ:22/11/ 2025


المراجع:


(1)/ (2) الفرق بين دلالة كل من الجملة الاسمية والفعلية- موقع اسلام ويب.


 


 القصيدة: "جدائل الخيال"


بقلم الهام عيسى:


على ثغر بابك أقطف الفجر حنينا


يستيقظ الضوء ضريرا


ينفخ رغم أنف الضباب أنينا


أجراس سماوات الإله شاهدت


في خشيع ساجدات تردد التبجيلا


أتدثر ىالصمت على مقعد متحجر


أغزل من أفق السماء قنديلا


أمشط جدائل الخيال مسترسلا


على رصيف ذاكرتي قنديلا


لعل الشمس تعيد بهجتها


ويمر ليل الصابرين قصيدا



الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي..طائر على أجنحة الإبداع..وعلى طريق الكبار يسير.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي..طائر على أجنحة الإبداع..وعلى طريق الكبار يسير..

ليس مشكلة في أن تستحيل-كاتبا

مبدعا-فالمفردات والألفاظ مطروحة على-رصيف-اللغة،لكن الأصعب أن تكون ذاك المبدع القارئ،وهذا الدور المزدوج يجعل -الكاتب-كرها ملتزما أمام قارئيه في أن يقدّم لهم قدرا معرفيا ومعلوماتيا مهما يشارف اكتمال ثقافة الآخر الذي يجد ملاذه المعرفي عند كاتبه.

هذا الدور قام به ببراعة واقتدار الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي عبر مشروعه الشعري،ومن خلال إبداعاته المدهشة (وهذا الرأي يخصني) وكبار الكتاب والشعراء من أمثال توفيق الحكيم ويوسف إدريس وأدونيس ويوسف الخال ومحمد الماغوط مرورا بالاستثنائي محمود درويش وجمال الغيطاني وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي وغيرهم..كانوا يمررون قدرا معرفيا مذهلا عبر سياقاتهم النصية الإبداعية أو السردية مستهدفين خلق حالة من الوعي المعلوماتي لدى القارئ الذي اختلف دوره عن السابق بعد أن استحال شريكا فاعلا في النص،غير هذه الشراكة الباهتة التي أشار إليها رولان بارت بإعلان موت المؤلف/الشاعر.فالمؤلف أو الشاعر،لم يعد ميتا كما استحال في سبعينيات القرن الماضي،ولم يعد إلى أدراجه القديمة منعزلا عن نصه،بل هو الصوت الآخر الذي يدفع القارئ إلى البحث عن مزيد من التفاصيل واقتناص الإحداثيات السردية أو الشعرية بمعاونة الكاتب نفسه..

هذا الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي كتب نصوصا بجمالية فنية وأسلوبية ذات بصمة مميزة،كنتاج لخبرة وتعمق واهتمام بالجوانب الفنية للغة ولحالات التمظهر فيها وإلماما بالقوالب والأنواع.

وإذن؟

هو إذا،(الشاعر التونسي السامق د-طاهر مشي) شاعر ذو لونِ مميز،جمع بين حروف كلماته قطوفاً من الرومانسية و الرقة و الحلم و الدفء  والجرأة،استطاع عبر قصائده الموغلة في الجرأة والرومانسية التعبير عن المرأة و مشاعرها  وأحلامها و أفكارها بمقدرة فريدة دون أن يهمل القضايا الوطنية المنتصرة للإنسان والإنسانية.

دعوني أقتحم حلبة الشعر للشاعر الكبير د-طاهر مشي وأرقص،رقصة -زوربا اليوناني-على ايقاع كلماته العذبة راجيا أن لا تخني  قدمايَ :

          حين تُنَادِمُني الجراح


أهكذا تُنَادِمُني الجراحُ

وقد استبدَّ بي النحيبُ وأثلجَتْ مُقلتي

توارتِ العبراتُ،

وانثالَ على خَدّي

لهيبُك يا كِفاحُ.

أأدري أم أضلُّ عن الطريقِ،

وقد أضنانِي المسيرُ، وشقَّ صدري الاحتراقُ؟

ومذ رحلتْ مواسمُ صبري

عاد في أنحائي الصدأُ،

وتكسّرتْ في راحتي الأشواقُ.

فكيف أُجاهدُ الأحزانَ وحدي،

وكلُّ جرحٍ من دمي

يُنبيك أني قد تفرّق بي الرياحُ؟

(د-طاهر مشي)

في كتابه (الأسس الجمالية في النقد العربي) يقول د. عز الدين اسماعيل*:” اللغة في الفن غاية في ذاتها،في حين أنها في غيره وسيلة “.

ومعنى ذلك أن مهارة الفنان ( الشاعر ) في إنتاجه الفني يتوقف بالأساس على علاقته باللغة التي يستخدمها.

ونحن لن نعكف على إحصاء الخصائص اللغوية التي يتميز بها الأسلوب عند شاعرنا د.طاهر مشي.ﻷن هذه قراءة جمالية متعجلة اختيرت في الأصل لهدف محدد،وهو التركيز على استقراء اللغة التعبيرية التي يستخدمها الشاعر للتعبير عما يعتمل في وجدانه من صور ابداعية على غاية من الإشراق والتجلي.

غير أن القراءة الجمالية في شعر د.طاهر مشي لا يمكن لها إلا أن تمر بأسلوبه اللغوي الذي بات معروفا به ومميزا له لشدة تعلقه بفنون البلاغة والبيان،بحيث أنه لا يقدم تركيبا لغويا إلا بتلغيمه بإحتمالات متعددة للمعنى.واحتمالات متعددة لتفسير الصورة الفنية نفسها.

لذا فإن المعجم الشعري الخاص بشاعرنا قد بلغ حدا من الدقة في اختبار الألفاظ فرض على المتلقي المتذوق حاجة ماسة للتأمل.

وإذن؟

إذا،نحن أمام مفردات لينة طرية تشبه عجينة الصلصال يضعها الشاعر(د-طاهر مشي) في يد المتلقي لتتحول تحولا سحريا إلى الصورة التي يتوقعها والتي تلائم تطلعات ذائقته الشخصية.

وبهذا نعود إلى أهم مبادئ التشكيل الجمالي للصورة الفنية في الشعر وهو اختيار المفردات التي تسبب إدراكا حسيا مبهما أو غامضا بعض الشيء عند المتلقي.بسبب هذه التعددية في احتمالات معنى اللفظ الواحد.

مناجاة الله في قصيدة”مناجاة” :

الدعاء هو العبادة،وهو لحظة صدق لا يشوبها الكذب،حينها يدرك العبد حقيقة فقره إلى ملك الملوك،ويرى تلك الحقيقة مشرقةً أمام عينيه،كأنه لم يعرفها من قبل،أو حالت بينه وبينها فتن الدنيا وزخارفها البالية،فتفيض دموعه لتمحو آثار غفلته،وتنساب على لسانه كلمات تطرب لها الأسماع،وترقص لها القلوب،فكيف إذا انتظمت هذه الكلمات على أوزان الشعر وقوافيه كما هو الحال في قصيدة د-طاهر مشي التي أشرنا إليها..؟!

-ربي الهي يا حبيبي المنعم

ها قد شكوت الداء بات محجمي

كل الأيادي في رجاك أكفها

تدعوك حمدا يا حفيظا مقدمي..-

لم يفُتْ الشعراء العرب،خلال مسيرة الشعر العربي المجيدة،أن يُفردوا لمناجاة الله تعالى مساحات واسعة ملؤها الإبداع،يسطِّرون فيها تعلُّق أنفسهم،التي زكَّتها التقوى ورقَّقها الأدب،بالخالق الكريم سبحانه وتعالى،الذي لا يقطع التوبة عن عباده وإن ملُّوا من الاستغفار.

ولعلنا نبصر في نص”مناجاة” لشاعرنا الفذ د-طاهر مشي المناجاة التي برع في نظمها هذا الشاعر القدير سمو الأدب الذي يرتقي بالمشاعر ويسمو بها في فضاءات التبتُّل والصفاء،ويدعوها إلى توحيد الله تعالى والإخلاص في العبادة وتجنُّب المعاصي والآثام،وهي أهداف نبيلة جاء بها الشرع،وأُسِّس عليها الشعر،لولا ما اعترى بعض الشعراء من نزعات وشطحات حادت بهم عن المعنى الحقيقي للأدب.

تجليات الإنزياح في قصائد الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي:

إن جمالية اللغة تتحقق من خلال انزياحها عن معايير اللغة العادية،واستغلال كل طاقاتها المعجمية والصوتية والتركيبية والدلالية.فالانزياح هو”انحراف الشعر عن قواعد قانون الكلام،أو اختراق ضوابط المعيار أو المقياس،وهو ظاهرة أسلوبية تظهر عبقرية،حين تسمح بالابتعاد عن الاستعمال المألوف،فتوقع في نظام اللغة اضطرابا،يصبح هو نفسه انتظاماً جديداً،ذلك أن الإنزياح إذا كان خطأ في الأصل،فإنه خطأ يمكن إصلاحه بتأويله”.

وهذا يفيد بأن للإنزياح دورا جماليا كبيرا باعتباره يقوم على وجود علاقات توتر وتنافر بين متغيرين أو أكثر،وخاصة على المستوى الدلالي أو التركيبي.

وهذه الوضعية تحتاج إلى تدخل من المتلقي في إطار عملية التأويل التي تعيد للخطاب انسجامه وتوازنه.وهو بمعنى آخر خرق منظم لشفرة اللغة،ويعتبر في حقيقة الأمر الوجه المعكوس لعملية أساسية أخرى،إذ أن الشعر لا يدمر اللغة العادية إلا لكي يعيد بناءها على مستوى أعلى،فعقب فك البنية الذي يقوم به الشكل البلاغي،تحدث عملية إعادة بنية أخرى في نظام جديد. ‏

والشاعر الكبير د-طاهر مشي استخدم هذه الظاهرة الأسلوبية بغزارة وبشكل ملفت للنظر حتى أصبحت واحدة من أهم السمات الفنية التي تميز تجربته الشعرية.

على سبيل الخاتمة:

قام الشعراء العرب على غرار السياب،عبدالوهاب البياتي،نازك الملائكة وغيرهم..بتجديد قصيدة الشعر الحر وغيرت المناخ العام للقصيدة العربية التقليدية من أجل تقديم مواضيع الإنسان المعاصر وهمومه بحرية أكثر وبانفتاح أكثر على عالم المعرفة..وهذا ما يؤسس له الشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي،داعيا القارئات الفضليات والقراء الأفاضل الإطلاع على نصوصه وتجربته الشعرية الرائدة،ومن ثم نفتح باب النقاش الحضاري للوصول إلى فهم إنساني عميق لكتابة النص الشعري والأدبي العميق،إيمانا منا بدور الآدب في النهوض بالعالم الروحي للشعوب. 

ولنا عودة إلى مشهده الشعري عبر مقاربات مستفيضة..


محمد المحسن


*الدكتور عز الدين إسماعيل عبد الغني (القاهرة،29  جانفي 1929-2007)،ناقد وأستاذ جامعي مصري،تقاسم جائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والأدب لسنة 1420 هـ/2000 م مع الدكتور عبد الله الطيب،ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى سنة 1990،وجائزة مبارك في الآداب.



الخميس، 20 نوفمبر 2025

تجليات الأنثى الحرة قراءة فنية وجودية في «إله سريالي" الناقدة :د.آمال بوحرب (تونس ) الشاعرة سليمى السرايري (تونس )

 تجليات الأنثى الحرة قراءة فنية وجودية في «إله سريالي"

الناقدة :د.آمال بوحرب (تونس )

الشاعرة سليمى السرايري (تونس )


يتشكّل الأدب النسوي في تونس بوصفه مساحة اشتغال حرّ على الذات واللغة والوجود مساحة تبتكر فيها الكاتبة حضورها عبر إزاحة الصور النمطية وإشعال الحقول المعرفية بروح امرأة تعيد التفكير في العالم. 

منذ النصف الثاني من القرن العشرين برزت كاتبات تونسيات عبر نصوص قصصية وشعرية وروائية حملت سؤال الحرية وصاغت الأنوثة بوصفها مشروعًا مفتوحًا يتفاعل مع التاريخ والذاكرة والجسد والرغبة وبهذه الطاقة تتقدم القصيدة النسوية التونسية اليوم داخل مشهد أدبي يتحرك وفق منطق التجريب والاختراق وتأسيس معنى جديد للكتابة.


ضمن هذا السياق تتجلّى قصيدة سليمى السرايري «إله سريالي» باعتبارها تجربة تتقاطع مع الوجودية النسوية كما بلورتها سيمون دي بوفوار في «الجنس الآخر» ومع مفهوم الحرية والاختيار كما يؤسسه جان بول سارتر في «الوجود والعدم» .

الشاعرة تبني فضاءً شعريًا يشبه مسرحًا داخليًا تُعاد فيه صياغة العالم من خلال فعل الرغبة نفسها ويتحوّل فيه الجسد من هيئة مرئية إلى قوة خالقة ومن أثر صامت إلى مشروع حرّ يصوغ ذاته.


تمد الشاعرة جسدها كوعد فجر وتطلق حواسها في هذيان يشرّع أبواب الوجود. هذا الهذيان ليس انفلاتًا عاطفيًا بل فعلًا وجوديًا خالصًا. الجسد يبني حدوده عبر الرغبة التي يختارها ويمنح ذاته سلطة التشكيل ،تمامًا كما ترى دي بوفوار أنّ المرأة تصير امرأة عبر مشروعها الحرّ وتصورها رهن الإرادة والخلق وكما يؤكد سارتر أنّ الوجود يتحقق عبر الفعل فتتجلى الحرية داخل كل حركة تنحت العالم من جديد.


عند اللحظة التي «تمتد فيها الأصابع الثائرة خارج اللوحة» تتجسد ذروة التمرّد. الأنثى تخرج من إطارها الرمزي كما تخرج من التاريخ الذي رسم ملامحهاكحلم تعُد موناليزا صامتة مبتسمة في هيئة أبدية ،موناليزا أخرى تتخطى الإطار وتعيد رسم نفسها بعين ترى وتخلق والحركة هنا فعل فلسفي ينقض الجوهر الراكد ويدفع الذات نحو مشروع يتجدد باستمرار.


ثم تتوالى التحولات: فراشة زنبقة براءة ساحرة وثنية. ليس التحوّل زخرفًا شعريًا بل تطبيقًا مباشرًا لفلسفة دي بوفوار. الأنوثة مشروع في حالة صيرورة تتغيّر صوره بتغيّر الوعي ويتعمّق مع كل فعل تتخذه المرأة لتصوغ طريقها أمّا عند سارتر فالتحوّل علامة القلق الإيجابي القلق الذي يفتح الوجود على الحرية وينقله من كونه معطًى إلى كونه اختيارًا.


يظهر «المعشوق الزجاجي» بوصفه صورة للرجل كما ترسمه الوجودية النسوية كيانًا يضع نفسه مركزًا ويراقب من خلف شفافيته. غير أن الشاعرة تعيد تشكيله من «كرتون ملوّن» كان يومًا علبة فقدت محتواها والتكوين فعل فلسفي خالص والآخر يتخذ قيمته من نظرة الذات لا العكس. بهذا الفعل تنقل الشاعرة العلاقة من هيمنة رمزية إلى خلق حرّ ومن مركزية الرجل إلى توازن جديد تصوغ فيه الأنثى حدود العالم التي ترغب فيها.


تولد «الموناليزا الجديدة» من اللون الذي تخلقه الشاعرة وتذوب بعد ذلك في نقطة فراغ مشتركة في انصهار يتجاوز الثنائية التقليدية. الفراغ هنا مجال إمكان وفضاء يتسع للحرية أشبه بما يصفه سارتر حين يجعل العلاقة بين الذاتين ساحة صراع وتحرير متبادل. غير أنّ الشاعرة تمنح هذا الفراغ بعدًا شعريًا فيصبح وعدًا خلاقًا إمكانية لقاء يتجدد بجمالية تتجاوز الزمان والمكان.


ويتقاطع هذا التوجّه مع شعريات أدونيس حيث يتحوّل الجسد إلى لغة واللون إلى أفق والعشق إلى تجربة تعيد صياغة الذات غير أنّ سليمى تجعل الأنثى حجر الزاوية وهي التي تمنح المعنى وهي التي تبتكر اللقاء وهي التي تحول الحب إلى طريق وجودي كامل.


وفي المقاطع الأخيرة من القصيدة تصبح رحلة «إله سريالي» رحلة إلى ما وراء الحبّ التقليدي نحو عشق يتخذ بعدًا وجوديًا. «أخلق لونًا» «أصير موناليزا أخرى» «أعدك بالوصول من الجهة المقابلة» هذه العبارات تحوّل الوجود إلى خلق دائم وتفتح العشق على أفق مطلق. أفق يشبه الحرية كما رآها سارتر. مشروعًا يتحقق داخل كل اختيار ويتجدد مع كل قفزة نحو المجهول.


تتشكّل القصيدة في النهاية كمانيفستو أنثوي وجودي الأنثى تصوغ وجودها عبر الرغبة وتمتلك العالم عبر اللون وتعيد تكوين الآخر عبر نظرتها. الأنثى حضور يصنع معنى ذاته وحرية تُعلن نفسها من داخل الخيال السريالي. كل صورة تخلقها الشاعرة شهادة على أنّ الجوهر يولد من الفعل وأن الحب مساحة تُبتكر لا تُمنح وأن الوجود الأنثوي يتخذ أعمق أشكاله حين يتحول إلى خلق شعري حرّ.


بهذايصبح نص «إله سريالي» كشفًا لأنثى تُعلن العالم وتعيد اختراعه.

———————-

إلهٌ سرياليّ

تمدد كخيوط فجر في وجه الصمت

كموعد يتهاوى

كلما أينعت حواسي بالهذيان

ها أنا أتهاطل على بقايا العبير

فراشة َ عاشقة ً للرحيق

حيث يرتعش اللون على رفات الوتر

متفاوتَ الزرقة

متموّجَ البياض


كان وهج اللمعان صادماً

حين امتدت من الإطار أصابعُ

ثائرةًً على جمود اللوحة...

شاخصةً كمرآة تسربت منها طلاسم السحرة

أستنشق رائحة بخور أعلن تمرّدَه في الأرجاء

وأجلس في شغف الانتظار

مع غائب كلما طالع خارطتي... تاه عني


الآن، لي رغبة البكاء في يتمي

أنا أغنية من نزْف الضياع

لي شيء يشبه ستارة أعيتها لعبة الريح 

حيث طاعة التسبيح في محراب حبيبي


نصف قمر يباغتني عند احتضار الضوء

حتماً ستعبث الساعة بموعدنا

حتماً سيتوقف الوقت عند اللقاء

كل صمتٍ

كل سرابٍ

أجيء زَنبقة َ عابقة َ بالورد

مصوّحة باللون

أجيء، براءة بلّلت عرائسها ثم رقصت وحدها

هناك... في طرف الطفولة.

ها أنا أخون كل "بروفــيلاتي"

أسترق نظرات إلى صوتك

أحتضن لهفتي، وأغرق في مشهد لعناقٍ خياليّ


أكوّنك رجلاً من كرتون ملون

كان يوماً علبة فاخرةً ضاع محتواها في غمرة نسيان

لن يعود ذلك الشارع عابساً حين نلتقي

الشمس حاضرة تتقن تركيبة الالوان


هناك أفق ...

هناك تشكيلاتٌ غرائبية تكبر

بيوتٌ تطير نحو السماء

غزلانٌ بيضاءُ ترعى حشائش السحاب

أيقوناتٌ تلبس أزرارها

هذياناتٌ أخرى تنتمي إلى مكعبات وتجريد

و "بيكاسو" يستلذّ ايقاعات فرشاة عاشقة


ما زال الموعد يرتب هندامه للقائنا

أكاد ألحق نبضه ذاك المتسارع

مثلي تماماً،

حين أخلــُقُ لوناً...

وأختلس نظرة على امرأةٍ قابعة في لوحة آخر الرِّواق

أصير "موناليزا" جديدة لحبيب زجاجيٍّ

يرسم ضفائري على الماء

فتفيض هالاتٍ وقصائد.


غريب أنت أيها الزجاجيّ

حين يهوي المساء

وتجيء عذراواتُ الليل بأغاني الدهشة

تتجلى شعاعاً "كمسيح"

على تراتيل نشيد "فرجيني" لصبايا

بين أصابعهن كتاب العاشقين المقدس


هناك تبدو كإله "آمون"

توزّع بركاتــِك على البؤساء

تقيهم رياح العواصف الراكضة نحو أكواخهم

ثم تعتكف قلعتــَـك داخل الإطار


أكوابك مترعةٌ،

ألوانُك تسكرُ،

وشهوتك، أبديّةُ الجنون...


هل لي الآن، أن أغنّي مثل ساحرة في وثنية قديمة؟

هل لي أن أعود من آخر الأسطورة،

تسبـِقني النشوة قبل الاحتراق؟


ها أنت هنا قبل الموعد بعمرٍ ودمعتين،

تفتح صدرك حدّ الامتلاء

تستعجل الخطى

تُهرَع نحوك آلاف الجنيات

آلاف العصافير

وتحت قدميك في أسفل اللوحة، مراتعٌ للغزلان

بحيرات للبجع.

غابات لذئاب حلّت عليها لعنة الرعاة


يا سيّد العطور القديمة

يا طيفك

يا "أنا لك"،

خضّب "القماش" بالجنون

أضف تركيبة مباغتة للماء. للشفق


وأنا

أعدك بالوصول من الجهة المقابلة

للموعد/ للون

لننصهر معا في نقطة فراغ...


سليمى السرايري- تونس



نقد على النقد: " المجموعة الشعرية ورمزية العنوان" الناقد :سوف عبيد (تونس) المجموعة الشعرية :"وجهي...والرياح" الشاعرة :سونيا عبد اللطيف (تونس) ناقدة النقد :جليلة المازني (تونس)

 نقد على النقد: " المجموعة الشعرية ورمزية العنوان"

الناقد :سوف عبيد (تونس)

المجموعة الشعرية :"وجهي...والرياح"

الشاعرة :سونيا عبد اللطيف (تونس)

ناقدة النقد :جليلة المازني (تونس)

1- قراءة الناقد التونسي سوف عبيد للمجموعة الشعرية " وجهي.. والرياح":

لقد وردت قراءة الناقد التونسي سوف عبيد للمجموعة الشعرية "وجهي...والرياح" للشاعرة سونيا عبد اللطيف في  صحيفة المثقف بتاريخ 12/ ديسمبر 2023 ونشرها المبدع الاستاذ عمر دغرير بالركن اليومي مطالعات على صفحته بالفايسبوك.

وقد ورد بهذه القراءة  النقدية ما يلي:

أ- الاشادة بتاريخية ابداع الشاعرة سونيا عبد اللطيف.

ب- الاشادة بالأنشطة الابداعية والثقافية المتعددة للشاعرة واشعاعها بالداخل وبالخارج.

ج- تقديم مادي للمجموعة الشعرية وقراءة في االغلاف والعنوان.

د - التحليق على المجموعة الشعرية دون التعشيش بين أغصان قصائدها

2- النقد على النقد: " المجموعة الشعرية ورمزية العنوان"

أ - على مستوى الشكل:

عدم اسناد الناقد سوف عبيد عنوانا لقراءته النقدية واكتفى بقوله "قراءة في وجهي..والرياح" للشاعرة يونيا عبد اللطيف.

لقد استهلك الناقد سوف عبيد  ما يزيد عن نصف حجم قراءته النقدية في الاشادة بتاريخية ابداع الشاعرة انتاجا أدبيا وأنشطة ثقافية ابداعية.

وفي هذا السياق كأني بالناقد سوف عبيد يقدم لنا سيرة ذاتية ابداعية للشاعرة سونيا عبد اللطيف والحال أن مهمته هنا هو قراءة نقدية للمجموعة الشعرية "وجهي ...والرياح".... ان ما كتبه يندرج ضمن أدب المجاملة ولا علاقة له بالنقد الادبي.

في قراءة صورة الغلاف:

لقد اكتفى الناقد في قراءته لصورة الغلاف  بذكر عناصرها التي وجدت عليها دون تسليط الضوء على رمزية صورة المرأة ولعلها صورة الشاعرة نفسها سونيا عبد اللطيف ولا لرمزية ذاك الشعر الذي جعلته الرياح يعبث بوجهها.

في قراءة العنوان :

لقد أطنب الناقد في تأويل "الواو" التي تربط بين وجهي..والرياح.

انه تأويل مجاني لا يضيف  شيئا وهو من باب الحشو الذي يعتبره بعض النقاد بأنه "كولوستيرول الكتابة" ابداعا او نقدا.

حبّذا لو اهتمّ الناقد في قراءة العنوان بذاك الفراغ النصي المتمثل في الثلاث نقاط بين "وجهي...والرياح" وهو ما يسمّى في نظرية التلقي الحديثة ب"الفجوة النصية". ولا أظن ان الشاعرة تركت هذه الفجوة النصية اعتباطا بل هي تعمدت أن تترك تلك المساحة النصية للقارئ ليملأها من خلال خياله وتجاربه لتكوين المعنى...

وفي هذا السياق يرى فولفغانغ إيزر أحد مؤسسي نظرية التلقي" إن هذه الفجوات النصية تشكل القارئ متلقيا نشطا ومبدعا يساهم في إكمال المعنى بدلا من كونه متلقيا سلبيا."

انها أهمية دور القارئ في المساهمة في ابداع المتعة الجمالية.

حبذا لو انك ( سوف عبيد) كقارئ مارستَ حق التأويل ووضعت فرضيات قد تدْعمها أو تدحضها خلال تحليل محتوى المجموعة الشعرية بالقراءة النقدية.

ب- على مستوى المضمون:

ان المجموعة الشعرية هي نص أخرس والناقد يُنْطقُه كما يرى ذلك بعض النقاد:

ان الناقد سوف عبيد قد حلّق فوق المجموعة الشعرية دون أن يعشش بين أغصانها:

ان عدم التعرض لرمزية الوجه بالعنوان باعتبار أن الوجه هو رمز المواجهة ولعله سمّي وجْها لأنه أول ما يواجه به الشخص غيره.

والوجه حسب علماء النفس له دلالته في :

التعبير عن المشاعر فالوجه مرآة المشاعر..

الادراك الاجتماعي  يستخدم الناس وجوه الآخرين لفهم هوياتهم ومشاعرهم وأفكارهم وتوقع تصرّفاتهم..

الارتباط بالشخصية: تشير الابحاث  الى ان شكل الوجه قد يرتبط ببعض السمات الشخصية.

وبالتالي فالشاعرة ترسم مواجهة عنيفة بينها وبين الآخر الذي جسّدته بمعادل موضوعي وهو الرياح.

ولعل عتوّ الرياح التي تواجهها جعلها في صراع بين المواجهة الذاتية والمواجهة الموضوعية:

ان الفنان التشكيلي الذي رسم صورة الغلاف لم يضع خصلات الشعر تعبث بوجه المرأة  اعتباطا ..ان الفنان التشكيلي قد عبر بامتياز عن المواجهة الداخلية التي تعانيها وتصارعها بداخلها...

لقد جعل شعرها وهو جزء منها يعبث بوجهها.

انها مواجهة ذاتية بداخل الشاعرة  تسببت فيها المواجهة الخارجية(الرياح).

في رمزية الرياح:

والرياح في الأدب  حسب بعض النقاد وصفت بأنها "رمز القوة والحرية وكذلك للتغيير وعدم اليقين وفي العديد من القصائد وصفت بأنها قوة جامحة لا يمكن السيطرة عليها"*

وبالتالي اذا  كانت الرياح رمزا للقوة الجامحة التي لا يمكن السيطرة عليها والوجه برمزيته المذكورة  فان هذه الرمزية  قد تثير فضول القارئ متسائلا:

هل ان الشاعرة ستستسلم لهذه القوة الجامحة وتقف عاجزة عن مواجهتها؟

+هل الشاعرة ستواجه هذه القوة الجامحة وتتحداها؟

هل الشاعرة قادرة على تحدّ الصراع الذي تواجهه بداخلها وبالخارج ذاتيا وموضوعيا؟

هل الشاعرة قادرة على جعل وجهها يواجه هذه الرياح؟

=== يتبع ===

=== يتبع ===

يبدو أن الشاعرة سونيا عبد اللطيف قد تصرفت بشيء من المرونة والذكاء في مواجهة ما يعرقل حياتها من قوى ذاتية و موضوعية (الرياح) فتخاطبها بكل تحدّ قائلة ص(120):

لي زهرات الآس

والقرنفل

والفلّ

والياسمين

لك ايتها الريح

الفصل والقضاء

وانا الصبر

والحب والعطاء

انها تستخدم مقابلة معنوية بينها وبين الريح  لتسلط الضوء على تسامحها وتصالحها مع الذات والآخر بما اتصفت به من صبر وحب وعطاء.

انه ليس تسامحا انهزاميا ضعيفا تسامح العاجز بل هو تسامح المتحدية لضعفها كأنثى أمام قوة جامحة هي قوة الرياح التي كانت سببا في صراع بين الذاتي والموضوعي  .

ان الشاعرة قد جعلت من وجهها  وهو في مواجهة مع رياح الداخل والخارج أسطورة  انتشلتها من قوة جامحة فاستطاعت أن تسيطر عليها.

وفي هذا الاطار فان المجموعة الشعرية " وجهي ...والرياح" تعكس صراعا تعيشه الشاعرة بين الذاتي والموضوعي وبينها كأنثى و كإنسان.

ان الجانب الانساني الذي تحلت به من صبر وحب وعطاء جعلها تنتشل صفتها الأنثوية من هذا الصراع لترتقي بها نحو الأنثى الانسان.

ولعل استخدامها للمصادر (الصبر/ الحب/ العطاء) بدل الصفة المشبهة (صابرة/ محبة / معطاء) قد عبّر بامتياز عن هذا الجانب الانساني لان استخدام المصدر أبلغ من استخدام الصفة المشبهة ...

ان الشاعرة سونيا عبد اللطيف قد حوّلت الضغوطات الى موارد حين حولت مواجهة الانثى للرياح الى تحدي الانثى الانسان لكل أنواع الرياح ذاتيا وموضوعيا.

شكرا للشاعرة سونيا عبد اللطيف على هذه المجموعة الشعرية الرائعة "وجهي..والرياح".

اني في هذا الاطار أعتبر  ان ما كتبته من نقد على النقد انصافا لكفاءة الشاعرة  سونيا عبد اللطيف العالية  واعترافا بروعة مجموعتها الشعرية.

شكرا للناشر المبدع عمر دغرير الذي أتاح لي بهذا المنشور فرصة النقد على النقد.

بتاريخ 19/ 11/ 2025

المرجع :

الريح في الثقافة والتاريخ- موقع إنسيري



الأربعاء، 19 نوفمبر 2025

قراءة نقدية في قصيدة الشاعر المصري محمود مطر. بقلم الناقد محمود البقلوطي / تونس

 محمود البقلوطي / تونس

قراءة نقدية في قصيدة الشاعر المصري

            محمود مطر

كيف لا تعشق ساحات الرقص اوتار المطر" وهي تدري أن هناك من يعشق مغازلة تلك القطرات المتبعثرة على نوتات الحرف الذي يلحن الحنين  ويعزف أشواق الغياب فيولدُ الجنونُ تحتَ المطرِ من بيابي القهرِ من زنودِ الكبتِ  المدفونِ فينا، تُوقَدُ جَذْوَةُ الحنينِ شَطْرَ جهةِ الصدرِاليُسرى. وماأجملَهُ من جنونٍ حينما نمتلأ بطوفانِ من الكلمات فنستحضر طيف الحبيبة ونتمادى في التحليقِ فوق اسطرِ القصد ونسافر في الأحلام ونفقدُ تَمَوضُعَنا الحِسِيَّ وتشبثَ أجسادِنا بتلابيب الزمانِ والمكان الاسطوريين فيتعانقُ إيقاعُ الرقصِ الخُرافيُّ مع زخات المطر وأصوات كلمات القصيد. فنسمع رد الصدى لنداء الشاعر لطيف حبيبته تعالي.. تعالي.. تعالي.. ودعيني.. دعيني.. دعيني... 

/عندما قرأت القصيدة ووقفت على ما تضمنته كلماتها من معنى ودلالات استنتجت ان الشاعر عاشق اضناه الحنين،قلبه يراقب ويترقب الغياب، عيناه تملؤها اللهفة، تنتظر عودة الحبيب، مشتاق لاطلالة قمره الغائب حتى ينير حياته ويبعث في نفسه البهجة والفرح ويروي عطه ويَملا دنياه.. طال الغياب وارتفع منسوب الآشتياق والحنين فحلم واستحضر طيفها في مطلغ القصيدة (ساحلم اني احضن طيفك تحت زخات مطر) ليعبر عن اشتياقه وحنينه فابحر في قول جميل الكلام

مستعمل أفعال امر ترمز للحظة التي يعيشها مع طيف الحبيبة.. دعني اتنفس صبحك.. تعالي نتشابك بالاصابع..... تعالي اوسدك ذراعي ونرغي معا حتى الفجر...

تعالي نحلم..... تعالي اطارحك غرامي.. تعالي نستلقي ونشاكس....

تعالي اجعلك انشودة.....

ويطلب منها ان تتركه يفعل بها ما يريد.. مستعمل فعل امر  دعيني...

دعيني اتنفس صبحك...دعيني ابحر في عينيك واتوه.... دعيني الهب خديك قبلا...

لي قفل القصيدة.. اريد ان اغيب فيك... احبك من كل قلبي..

 فقلبي نابضة كمرجل قد هدر

قصيدة حب وغرام استحضرها الشاعر طيف حبيبته ويسافر في الخيال ليعبر ويبوح لها بكلمات رقراقة شفيفة ملأى باللهفة والشوق والحنين ساكنة في كينونة ذاته

دمتم ببهاء الحرف والق الإبداع

محمود البقلوطي   تونس


القصيدة

(خربشة ابن مطر)

الشاعرمحمود مطر 


سأحلم  أني أحضن  طيفك  تحت زخات المطر

فدعني  اتنفس  صبحك  مع  أول نسمة  للفجر

فلتحيي   في  وشبابي   و  عمرا  مني قد  غبر

تعالي  نتشابك  بالأصابع و  نبحر سويافي سفر

وألف  و  سطك بقلبي  في  دنيا الناس ولاخفر

راقصيني و أثمليني أمام مدفأة في ليل السمر

تعالي  اوسدك  ذراعي  و نرغي  و أنت  للفجر

دعيني  أبحر في عينيك و أتوه لآخر أيام العمر

دعيني    ألهب .  خديك   قبلا  فتصبح كالجمر

أسدلي   شعرك.   علي.  وداعبيني  في  الصدر

و تعالي  نحلم.   تكوني.  عروسي إذاطل القمر

تعالي.  أطارحك.  غرامي.  حتى طلات  السحر

تعالي  نستلقي و تشاكس  قدمي رجلك للعصر

ويأخذنا  السبات .  لا  يهم  إن عمرنامناقدعبر

أريد  أن  أغيب  فيك  كما.  لو غصت في البحر

تعالي.    أجعلك.  أنشودة.  تتغنى  مني والبشر

أحبك من كل قلبي فقلبي نابض كمرجل قدهدر