رسالة إلى شاعرة" لوحة فنية موشحة بالإبداع..رسمها الكاتب والشاعر الفذ الأستاذ محمود البقلوطي بمداد الروح..
قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن معظم الأدباء الكبار انطلقوا من كتابة الخاطرة،فهي فضاء يستوعب كلّ مَن يمتلك قلمًا ويريد أن يستمطر الكلمات والمعاني من سماوات وجدانه أو فكره، سواء كان كاتبا له صلة وثيقة بالكتابة أو عاشقا يتذوّق اللغة ويهوى التّعبير..
ورغم أنّ الخاطرة جنس أدبي له مزاياه وخصائصه وجماليّاته،فإنّها لم تأخذ مكانتها بين الأجناس الأدبية الأخرى،ولم تحظ بالدراسات النقديّة..
وربّما يُعدّ كتاب "خواطر" لعميد الأدب العربي "طه حسين" من أشهر الكتب التي قدّمت أدب الخاطرة للقارئ،في جزء منه تناول فيه انطباعاته وتقييمه لبعض القصص القصيرة والمقالات التي قرأها.. ومثله الكثير من الأدباء والشعراء العرب الذين لم تنقطع علاقتهم مع الخاطرة الأدبية مهما تعمّقوا وأوغلوا في نوع الأدب الذي اختاروا لأنفسهم السَّير في رحابه وامتهانه من شعر وقصّة ورواية..
في هذا السياق،هناك سر خفي آخر أود المرور عليه،وهو أن الكاتب حين يقرأ فهو يكتب في الوقت نفسه،يكتب في لا وعيه كل ما يتفق أو يختلف معه،لكي يظهر لاحقاً في سطوره دون أن يدري كيف حدث ذلك بالضبط.
فإذا كانت الكتابة قدراً فإن القراءة حرية،والكاتب الجيد من وجهة نظري هو الذي يجري مصالحة بين قدره وحريته..كالمصالحة التي أبرمها بعفوية مطلقة الكاتب/ الشاعر والأستاذ المبدع محمود البقلوطي..
وإليكم-خاطرته-التي خطها بمداد القلب..ورحيق الروح،ولكم حرية التفاعل والتعليق..
"رسالة إلى شاعرة
حين تكون الأبجدية تترنح على ظهر السطور تتراقص الحروف بين كفيك تغرد الطيور وتهطل السمأء شذى العطور فاي كلمات تدونها اقلامك وبأي الفصول تنبض ومضاتك الشعرية بين جحافل الحروف ربيع مزهر بورد الإبداع وسواقي تسيل من ماء حبرك تداعب جداول الكلمات العاشقة يتساقط الوجد على ارصفة السطور ويتراقص الهمس بين كفيك ينهل من حروفك وومضلتك المتعددة صبوة الذهول كم تمنيت أن اخطف من قصائدك ومن ومضاتك الشعرية نفسا من عطر الزهور.."
هذه الخاطرة تمثل لوحة انطباعية عشقية،حيث المشاعر والأحاسيس هي التي ترسم الصور لا الوصف المباشر.الكاتب هنا لا يصف الشاعرة بل يصف تأثيرها عليه،مما يجعل القارئ يشعر بقوة هذا التأثير دون أن يرى مصدره مباشرة.إنها رسالة جاءت في شكل فسيفساء من المشاعر المنبجسة من خلف الشغاف،لترسم لوحة إبداعية تصل إلى درجة التقديس الفني.
هوذا،الإبداع الجميل كلما تعددت تفسيراته يزداد عمقا و ثراءً،بل أُحادية النظرة هي التي تحشره في دائرة ضيقة و محاصر جدا.
ودون أن أرمي الورود جزافا أقول : هذه اللوحة الإبداعية أفضل ما قرأت من خواطر و قصص قصيرة جدًا لكثير من الكتاب،ففيها تتوافر عناصر القصة القصيرة جدًا وكذا المقومات الفنية للخاطرة،وما يتطلبه هذا الفن من تكثيف وصور ورموز.
لقد أبدع الكاتب والشاعر السامق الأستاذ محمود البقلوطي في رسم هذه اللوحة الإبداعية ( الخاطرة/ قطعة نثرية ) بأسلوب سلس،لامس ذائقتنا الفنية،وداعب وجداننا،إذ أراها كتبت بطريقة عفوية سريعةٍ خاليةٍ من الكُلفة والرَّهَق،ووفق نسق خاص في التعبير عن أحاسيسه ومشاعره وما يجيش في أعماقه من عواطف وأفكار..كما أنها مشحونة بشعريّةٍ هائلة وباختزالٍ لفظي لآفاق من المعاني المترامية..
خلاصة القول : هذه اللوحة النثرية الموشحة بالإبداع صاغها الكاتب في عبارات مرتجلة،لا تكلف فيها ولا تعقيد،وكان فيها من الجمال اللغوي ما جعلها فنًّا جذّابا ومؤثّرا،وقعا وإيقاعا،وقد اعتمد الكاتب اعتمادا كبيرًا على شخصيته وثقافته الغنية وموهبته الفذة وأسلوبه السلس في آنٍ معًا،موحيا إلينا بمهارة بأن هذا اللون من الكتابة النثرية لا يخلو من جمال،وهو تعبير صادق عن المواهب والقدرات والمهارات الذهنية والنفسية والعقلية والوجدانية،مثله مثل غيره من فنون الإبداع.
وهذا النوعُ الأدبيُّ-في تقديري-يحتاج فيه الكاتب إلى الذكاء،وقوة الملاحظة،ويقظة الوجدان..
ختاما أقول : إنّ تحليل النص الوارد يدفعنا إلى الإسترسال والإستفاضة والبحث في تقنيات الخاطرة المطرزة بالإبداع.
والمقام هنا لا يسمح بذلك،وهو ما يمكن أن يكون في دراسات لاحقة.
محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق