إحراج النقاد : حين تصبح المقاربة سجلاً للضحل الأدبي.. في زمن الضجيج والكم..!
(حتى نحمي المشهد الأدبي من التردي،والحفاظ على مكانة النقد..كممارسة ثقافية جادة.)
في المشهد النقدي المعاصر،تواجه المنظومة النقدية معضلة متجددة: كيف تتعامل مع نصوص لا ترقى إلى مستوى الإبداع الحقيقي،بينما يجد النقاد أنفسهم مضطرين لمقاربتها؟!
هذه المعضلة تضع النقاد في موقف محرج،حيث يصبحون أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن ينتقدوا النقد ذاته عبر كشف ضحالة النصوص،أو أن يمارسوا نوعاً من التبرير الاصطناعي لمقاييس إبداعية غائبة.
*ضحالة النصوص وإشكالية المقاييس
النصوص الضحلة تفتقر إلى العمق الفكري والفني، وتخلو من الابتكار في الرؤية والأسلوب.هي نصوص تكرر المألوف دون إضافة،وتستعير أشكالاً جاهزة دون تطوير.لكن الإحراج الحقيقي يبدأ عندما يُطلب من الناقد معاملة هذه النصوص بمنطق النقد الجاد،وكأنها تحمل نفس وزن النصوص المبدعة.
المعضلة تكمن في أن بعض النقاد،بدافع الانسياق وراء تيارات ثقافية عابرة أو ضغوط إعلامية، يلجأون إلى مقاربات تبالغ في قيمة ما هو سطحي،مستخدمين مصطلحات نقدية معقدة لتغطية فراغ المضمون.هذه المقاربات تشبه "إكسير التحويل" الذي يحاول تحويل النحاس إلى ذهب،لكنها في الحقيقة لا تنتج سوى نقداً متكلفاً يفتقر للمصداقية..!
*تزييف الوعي النقدي
عندما يمارس الناقد "تضخيماً" للنصوص الضحلة، فهو يساهم في تزييف الوعي الجمالي للقارئ، ويخلق معايير مشوهة للإبداع.هذا التضخيم يخدم آليات السوق أكثر مما يخدم الأدب نفسه، حيث تتحول القيمة النقدية إلى مجرد أداة تسويقية.
الأخطر من ذلك أن استمرار هذه الممارسات يؤدي إلى تآكل مصداقية النقد ككل،ويخلق فجوة بين النخبة النقدية والجمهور الذي يدرك فطرياً فرقاً بين الإبداع الحقيقي والنتاجات الضحلة.
*نحو نقد شجاع
الخروج من هذه المعضلة يتطلب من الناقد الشجاعة للتمييز بين ما هو إبداعي وما هو ضحل، والتصدي لمهمته الحقيقية في التمييز النوعي. هذا لا يعني الانغلاق أمام التجارب الجديدة،بل يعني تطوير حساسية نقدية قادرة على التمييز بين التجريب الحقيقي والانزياح المجاني،بين السعي للإبداع والاكتفاء بالتقليد.
كما يتطلب تطوير لغة نقدية توازن بين الموضوعية والجرأة،قادرة على قول الحقيقة دون تجريح،ناقدة للعمل دون انتقاص من صاحبه.نقد يرفض الانسياق وراء التيار،ويحافظ على استقلاليته وقيمته المعرفية.
*خاتمة:
إحراج النقاد بمقاربة نصوص ضحلة هو إحراج مفتعل ناتج عن تنازل بعضهم عن دورهم الحقيقي كحراس للقيم الجمالية.النقد الحقيقي-في تقديري-ليس مجرد شرح أو تحليل،بل هو حكم قيمي يستند إلى معايير راسخة.والتمسك بهذه المعايير هو الكفيل وحده بحماية المشهد الأدبي من التردي،والحفاظ على مكانة النقد كممارسة ثقافية جادة.
ختاما أؤكد أن النقد الصادق والموضوعي هو الذي يوازن بين الإيجابيات والسلبيات،ويقدم اقتراحات للتحسين،بمعنى آخر،هو الضمانة لتطور الإبداع والحفاظ على المعايير الفنية والأدبية الرفيعة.
والموازنة بين الاحترام والتقدير من جهة، والصراحة والموضوعية من جهة أخرى،هي السبيل لبيئة إبداعية حقيقية تنتج أعمالاً ذات قيمة.راجيا أن تستساغ..رسالتي جيدا..
محمد المحسن
*ملحوظة :
سهولة النشر الإلكتروني التي أتاحت للجميع فرصة "الكتابة" دون وجود رقابة جودة حقيقية.
أنتجت ثقافة "الظهور" و"الكم" التي طغت على ثقافة "الجودة" و"الكيف" وأفرزت بالتالي غياب النقد البناء الذي يرتقي بالذائقة الأدبية.
وهنا أشير إلى أن الأدب الرديء موجود منذ بدء الكتابة،لكن الأدب المتميز هو الذي بقي عبر العصور واستحق الخلود.على هذا الأساسى أحاول جاهدا البحث عن الجودة،وأن أكون قارئًا ذكيًا يعرف كيف يختار،وكيف يقول "لا" للنصوص التي لا تستحق وقتي.علما أني لست وحدي في هذا الشعور،وكثيرون يشاركونني-إحباطي-.لكن الجيد لا يزال موجودًا-هو فقط يحتاج إلى جهد أكبر لاكتشافه في زمن الضجيج والكم.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق