قراءة في نص "اعترافات عاشقة" للدكتورة أمال بوحرب
بنية نص "اعترافات عاشقة" وصوته العاطفي
النص أقرب إلى مناجاة شعرية أو صلوات حب؛ إذ تتخذ المتكلّمة نبرة اعترافية صريحة، تُشبه طقسًا روحانيًا تعيد فيه المرأة اكتشاف ذاتها عبر الآخر. يُهيمن على النص صوت الأنثى العاشقة التي تتجاوز حدود الوصف إلى التقديس الرمزي، فتجعل من الحبيب محورًا كونيًا يتّسع لكل معاني الوجود.
ومن اللغة ما تميز به عزفها المنفرد ليشمل عدة خصائص ميزت النص الشعري على غيره حيث تقوم لغة النص على تكثيف الصور الوجدانية باستخدام كلمات ذات طاقة إيحائية عالية: الأماني، ملامح روحي، هدية ربي، طمأنينتي، دفء المدى…
الاعتماد على التكرار الطقسي مثل: أشهد، أنت، مما يعمّق الإيقاع الداخلي ويؤسس لحالة من الانخطاف العاطفي.
حضور واضح للألفاظ ذات المرجعية الدينية أو الروحانية: دين، ملة، أشهد، هدية ربي، لتأكيد الطابع القدسي للحب.
النص مكتوب بجملة قصيرة مكثّفة، تُضفي إيقاعًا ناعمًا يشبه النَّفَس الشعري المتقطّر من عاطفة صافية.
كما تعتمد الشاعرة على الاستعارة الممتدة التي تجعل الحبيب:
ماءً يُشرب: "شربتك ماءً هنيئًا" → صورة للارتواء الروحي والوجودي.
ثوبًا يُرتدى: "ارتديت حبك" → اتحاد كلي بين الذات والآخر.
مطرًا طريًا ينعش الجسد والروح → تشبيه يمزج بين اللطافة والخصب والحياة.
وعدًا يشرق مع الفجر → الحبيب كأفق انبعاث وتجدد.
هذه الصور تتدرّج من الملموس (الماء، المطر) إلى الرمزي (الوعد، الطمأنينة، الهدية)، في رحلة صاعدة نحو صفاء روحي.
وعدة دلالات عميقة
أكدت أن الحب وجود
حيث أن المتكلّمة تُقرّ بأن الحبيب ليس مجرّد علاقة، بل هو سبب للبقاء:
"لولاك ما كنت أبقى"
وهذا يشير إلى اتحاد الهوية بالحب، حيث تتحوّل العلاقة إلى ضرورة وجودية.
وأيضا صورة الحب كدين وطقس
قولها: "أنت دين وملة" يُظهر أن الحب يتجاوز التجربة الإنسانية العادية ليصبح إيمانًا، أي علاقة ذات أبعاد روحية مقدّسة.
والحب كمأوى وملاذ
"أنت حضني المنير"
هنا يتجسد الحبيب ملاذًا مضيئًا، كأنه الدفء يمنح الاستنارة، وكأنّها عاشقة تعيش عبره وضوحها الداخلي.
والحب كإحياء للجسد والروح
في المقطع الأخير:
"يمسح عن جسدي غبار التعب"
يتجلى الحبيب كمطهّر، كقوة حياة، كفجرٍ يعيد توازن الأنثى وبهاءها.
الشاعرة تعيش حضور الحبيب بوصفه مبدأ وجود يهب الكيان جذوره الأولى هذا يشبه ما يصفه ابن رشد حين يشير إلى أنّ الإنسان يسعى دائمًا إلى “مقام أصيل” يستعيد فيه اتّصاله بجوهره.
في القصيدة يتجلّى ذلك عبر صور الارتواء واللباس والاحتضان، حيث يصبح الحبيب مادة روحية تُعيد بناء الذات.
إذا النص يحتفي بفكرة الحب الكوني المطلق، حيث العاشقة تتماهى مع الحبيب إلى درجة يصبح فيها جزءًا من تكوينها الداخلي: دمها، طمأنينتها، عبق عمرها.
تتقدّم لغة النص في نسق شاعري لا يخلو من الإشراق الصوفي، يمزج بين الحميمي والروحي، وبين العاطفي والقداسي.
إنه اعتراف حبّ يشبه وَجْدًا أو تسبيحًا، يقدّم الحبيب بوصفه مصدر الحياة والراحة والنقاء.
النص
اعترافات عاشقة
———-
واشهد انك وحدك حبي
لا شريك لك
أنت اختصار الاماني
لولاك ماكنت أبقى
لقد شربتك َماء هنيئا
وارتديت حبك
وعانقتك حتى ضاعت
ملامح روحي
أنت َدين وملة
انت حضني المنير
وأنت حسنٌ تجلى
لروحي
فأنت هدية ربي
أنت دمي وطمأنينتي
وأنت عبقٌ يكتب ملامح العمر
وأشهد أنّك وعد يشرق مع الفجر
يحيي أنوثتي وسرّي
ويمنح أعماقي دفء المدى
ويمسح عن جسدي غبار التعب
كأنّك مطر طريّ يستقرّ في
الأفق
د/آمال بوحرب
المراجع
عبد العزيز حمودة – الخروج من التيه
يناقش آليات القراءة النقدية الحديثة ويقدّم أدوات لفهم النصوص الشعرية.
صلاح فضل – بلاغة الخطاب وعلم النص
مرجع مهم لفهم التراكيب، الصورة، الإيقاع، والبنية الداخلية للنص الشعري.
نازك الملائكة – قضايا الشعر المعاصر
يركّز على الإيقاع واللغة الشعرية والتحولات في القصيدة الحديثة.
عبد القاهر الجرجاني – دلائل الإعجاز
مرجع قديم لكنه أساسي لفهم نظرية النظم ودور العلاقة بين الكلمات في إنتاج المعنى.
يوسف الخال – في الشعر والتجربة
يتناول البعد الوجداني وتجربة الشاعر مع اللغة.
طاهر مشي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق