قراءة نقدية: "الرواية وأدب الفانتازيا "
الرواية :"جواهر قلبي"(دراسة الحكايات العشرالاولى)
الكاتبة الشابة : مريم علاقي (الجزائر)
الناقدة :جليلة المازني (تونس)
أ- المقدمة:
عادة ما تكون الرواية مجموعة فصول تترابط أحداثها لتشكل قصة واحدة متسلسلة و هذه الفصول هي وحدات داخل الرواية.
بيد أن الروائية مريم علاقي في رواية "جواهر قلبي" قد عوضت الفصول بحكايات متسلسلة في أحداثها وموحدة في شخصياتها وتضمّ أربع وعشرين حكاية وكل حكاية لها عنوانها.
ولعل هاجس الروائية مريم علاقي في تسليط الضوء على العديد من القضايا الاجتماعية جعلها تستخدم التصريح بالعناوين التي تشي في جملتها بالقضايا المطروحة في الرواية.
تقول الروائية في المقدمة التي كتبتها ص(9) "كل كلمة لها أثر في قلبي وقلب كل قارئ. كل حرف مضغوط بقلم قد مرّ على مثل هذه الاحداث قصة مؤثرة تحمل في طياتها عبرة ومغزى".
وفي المقابل فان الرواية "جواهر قلبي" تندرج ضمن "أدب الفانتازيا "
والروايات الفنتازية هي" تتناول الواقع الحياتي من رؤية غير مألوفة ما يعني أن هناك شكّا في عالم الرواية ان كان ينتمي الى الواقع أم يرفضه وفي نفس الوقت هو معالجة ابداعية خارجة عن المألوف للواقع المعيش, حيث تعدُّ الفانتازيا نوعا أدبيا يعتمد على السحر وغيره من الاشياء الخارقة للطبيعة كعنصر أساسي للحبكة الروائية" *.
والفانتازيا هي جنس أدبي قائم بذاته حسب مكتبة تكوين.
ب - التحليل من خلال الحكايات العشرالأولى:
1- البدايات المظلمة:
لقد واجهت البطلة جواهر تنمّرا من زميلتين لها بالغرفة بسبب اغلاق حاد للنافذة اثر قيام ريح عاصفة و رؤيتها "لضوء أصفر ساطع مرّ بسرعة كسرعة البرق "ص (16).
2- حظ سيء:
يعود" الضوء الأصفر "من جديد وتجد أمها بجانبها لتواسيها وتقوي عزيمتها.
3- هم سيّئون :
تفاجأ جواهر وهي نازلة السلالم "بتيار ماء بارد ينسكب على رأسها.. رفعت رأسها بسرعة تبحث عن الفاعل لكن كل ما رأته كان ممرا فارغا في الأعلى" وعند عودتها الى غرفتها رأت نفس" الضوء الأصفر" في حين واصلت شريكتاها التنمر عليها ولم تنصفها المديرة في ذلك.
4- الانتقام الصامت:
لقد انتقمت من شريكتيها بالغرفة والمتنمرتين عليها في صمت بوضع أشواك داخل فراشهما.
5- النزول الى القاع:
لقد تواصل التنمر عليها باعتبارها غريبة ووصفها بالضعيفة وبالغبيّة فقالت لها شريكتاها بالغرفة :
-هل أنت غبية؟ كيف تسكتين عن حقك؟
- لماذا أنت ضعيفة هكذا؟
ودخلت جواهر في حديث النفس قائلة: "انها ليست مشكلتي ..لماذا لا تفهمونني؟ أنا عادية مثلكم لكنكم بأوساخكم لوّثتم حياتي ..جعلتموها بكاء و حزنا ..أنتم نشرتم الأكاذيب والآلام...أريد فقط أن أكون إنسانة مثلكم"ص(27).
6- البداية في القاع :
وأكثر من تنمر شريكتيها أن المديرة عاقبتها بالرحيل عن الغرفة للاقامة بالطابق السفلي الموسوم" بالفئات الضعيفة" لأنها لا تجيد الدفاع عن نفسها وقد ساند المدير ة حارس المدرسة بإهانتها قائلا:
- هل تعتقدين انك مميزة هنا؟ تعلمي مكانك ,فهنا لا أحد يهتمّ.
انها تحارب عقلية خطابها خطاب كراهية.
7- الغرفة الجديدة :"بيت المحتقرين"
لقد واجهت جواهر من جديد تنمرا آخر..ص(32)
وفي هذا الاطار من المعاناة قررت الرحيل عن هذه الثانوية لكن صوتا رقيقا بعث في نفسها التفاؤل.
8- أفكار الليل:
اثر دخولها الغرفة الجديدة وجواهر غارقة في ذكريات اليوم اذ بها تواجه معاناة أخرى من احدى الفتاتين قائلة:
- أيتها الجديدة نامي مالذي تفعلينه؟ ص (34)
9- صدمة الصباح الباكر:
تلاقي جواهر مرة اخرى سوء المعاملة بتعنيفها جسديا من قبل مساعدة المديرة قائلة:
- اذا حاولت قول شيء للمدراء الكبار ستجدينني أمامك والآن اكنسي الارض جيدا ,بعدها تعالي لحضور دروسك.
وازاء هذه المعاملة السيئة قررت جواهر الهروب من الثانوية . ص(36).
10- الحرية بعد الظلام :
وجواهر بين البقاء والرحيل تستعيد ثقتها بنفسها لتقوم خطيبة في الحضور قائلة: "كفى كفانا صمتا وخوفا لكن الآن أقسم أنني لن أرحم إنسانا قام بالتلاعب بي.. هذه الثانوية لها قواعد سجن لا قوانين تدريس"ص(38).
أيقظوا الصادقين أظهروا الحق بدل نشر الحقد والكراهية.. تفاجأت بوجود المدراء الكبار ينزلون مع ابتسامة عريضة كانت تحمل معنى الحرية حيث أخبروها أنهم فخورون بانجازها لأنها تحدت مخاوفها دون تردد"
وقد ازداد فرحها بعد سماع خبر طرد المديرة ومساعدتها وتلقين الطلاب الآخرين درسا في الاخلاق ومحاربة ظاهرة التنمر"ص(39).
وفي هذا الاطار ومن خلال هذه الحكايات العشر المتسلسلة والتي تطرح ظاهرة العنف بين الطلاب وفي المقابل هي طيبة وذات أخلاق عالية .
ولعل الكاتب والمفكر الروسي فيودور دوستويفسكي يدعمها حين يقول:" انك تعيش في مجتمع منحط وفاسد ومليء بالقذارة الاخلاقية, مجتمع يرى البراءة سذاجة واللطف ضعفا والاخلاق موضة قديمة والصدق عجزا عن المراوغة.. وهكذا صار من يعيش بقلب سليم أبله بينما الماكر في مجتمع الذئاب هو الذكي".
وقد يدعمها الكاتب الروسي أيضا ليون تولستوي بقوله:" كن طيّبا على الدوام, واحرص على ألا يعرف أحد أنك طيب"
قد يشفي فيودور دوستيوفسكي او تولستوي سقمها ولكن الكاتبة اختارت حلا آخر لتجاوز محنتها..انه التحدّي الذي جعلها تثبت وجودها.
لقد اختارت ان تكون قويّة حتى لا يستهين بها أحد بل قامت خطيبة في الصادقين انصافا لهم ولكرامتهم لتزيح عنهم كل خطاب كراهية لكل غريب.
ولعل القاسم المشترك بين هذه الحكايات يتمثل في تواتر ظهور ذاك "الضوء الاصفر" وكأني به يرافقها في تنقلها من مكان الى آخر.
ان هذا الضوء الاصفر المرافق لها أضفى على الحكايات المسرودة طابعا عجائبيا وفنتازيا اضافة الى ذاك "التيار من الماء" الذي انسكب على رأسها دون ان يكون هناك فاعل.
وهنا قد تثير هذه الظاهرة العجائبية فضول القارئ متسائلا:
- هل ان تواتر ظهور الضوء الأصفر قد أوردته الكاتبة اعتباطيا في روايتها أم هي تعمدت ذلك؟
- هل ان هذا الضوء الاصفر كان بمثابة الاشارة اليها لتواصل طريقها وكأنه نور يلقيه الله في قلبها لمحاربة التنمر بالتحدي وافتكاك حريتها وانجلاء الظلام والظلم عنها؟
- هل ان هذا الضوء الأصفر لتضليل القارئ وهو من باب التقية وهي تثير قضايا عصرها في مكان معين؟
- هل ان ذاك" التيار من الماء" الذي انسكب على رأسها دون ان يكون له فاعل قد أوردته اعتباطا ؟ أم انها جعلته اشارة ليضفي على قلبها برودا لتواجه كل من يتنمّر عليها؟
ان الكاتبة استخدمت الظاهرة العجائبية لبثّ الشك في نفس القارئ لتجعله بين الشك واليقين:
- اليقين بقضية التنمر وقضايا اخرى واقعية بالرواية.
- الشك بان ما تعالجه من قضايا واقعية هو من باب العجائبية التي يتستّر وراءها الكاتب.
ان استخدام أدب الفانتازيا يجعل رواية "جواهر قلبي" ترتقي الى العالمية وتتقاطع مع أهم كتب الفانتازيا العربية ككتاب "الف ليلة وليلة" وكتاب "كليلة ودمنة" لابن المقفع ورواية "أرض النفاق" للكاتب المصري أحمد مراد.
سلم قلم الكاتبة مريم علاق هذا القلم المتمرد على السرد التقليدي المألوف لتنْحُوَ
بروايتها نحو السرد غير المألوف.
بتاريخ 18/ 11/ 2025
المرجع:
* فانتازيا - ويكيبيديا.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق