عنوان القراءة: "الصورة البلاغية الملهمة والمحكمة" للناقدة التونسية سهيلة بن حسين حماد في قصيدة: "كبرت بما يكتفي" للشاعرة الدكتورة نادية حماد من سورية
كبرتُ بما يكفي
............
الآن
وبعد مضي نصف العمر وأكثر
أعيش بنصف أمل ،
و نصف حلم ،،
وأقيم في أقل من نصف وطن
كبرت بما يكفي
ونضجت كثيرا ،
لأتأقلم مع هذا العالم الخشن،
فلم يعد يغريني مديح زائف
ولا همسات ناعمة
و لا تعنيني نشوة عطر
لم أعد أكترث كثيرا لاعاصير الزمن
و ها انا اقف الآن في وجه الريح بكامل هشاشتي وضعفي
عنوان القصيدة:
كبرت بما يكفي:
لأبتعد عن التفاصيل المملة
و عن تسلق الأسوار العالية
عن السباحة بعكس التيار ....
لم أعد أُجيدُ اللهاثَ خلفَ ما لا يُشبهني،
ولا أُحسنُ التسلّقَ نحو قممٍ لا تُشبه سمائي
كبرت بما يكفي لتنبتَ
حول فمي تجاعيدي الكثيرة والتي تنزاح قليلا حين أبتسم لك
تجاعيدي التي رسمها
حزني وفرحي وتأملاتي
وضربات الزمن الموجعة،
لن أخفيها بحقن البوتوكس
ولا بمبضع الجراح
لن اغيّرَ مسارَها تحت أي ظرف
كبرتُ...
تعثّرتُ بما يكفي
لأفهم أنّ بعضَ الخساراتِ كانت خلاصًا،
وأنّ بعضَ الأحلامِ لا تستحقّ السهر.
لم أعد أُجيدُ المجادلة،
ولا أُحسنُ الوقوفَ على أطرافِ الأمل،
أصبحتُ أختارُ الانسحابَ من المعاركِ التي لا تُشبهني،
وأُغلقُ الأبوابَ التي تُعيدني إلى نفسي القديمة.
أقولُ لرفيقِ عمري
ذاكَ الذي خذلته الحياةُ مرارًا ،
دعنا نُعيدُ تعريفَ النجاة
لا بالانتصار، بل بالتماسك
لا بالوصول، بل بالقدرةِ على الاستمرار .
دعنا نسندُ أرواحَنا المتعبة ،
نُربّتُ على ندوبِنا ،
ونضحكُ كما لو أنّنا لم نُهزَم
نرممُ ما تهشّمَ فينا
لنموتَ واقفين
كأشجارٍ لم تنحني يوماً للرّيح
دعنانتحرر من أقنعةِ المجتمع
من أعباءِ ذاتِنا
ومن أعباء الآخرين
دعنا نطفىءُ هذا العالم خلف ظهرنا ونمضي
كأننا لم نُكسَر
بل كأننا نولدُ الآن
بحبٍّ لايُنسى
تعالى لفنجان قهوتي
لاكملَ معكَ الباقي من قصتي
هناك الكثير مما نستطيع فعله
و مازال هذا الفضاء يتسع
لبعض أحلامنا ......
...........
د.ناديا حمّاد
2024
----------
القراءة: "الصورة البلاغية الملهمة والمحكمة في قصيدة كبرت بما يكفي:
الكلمات تبدو على غاية من الصدق والإلهام والرقة والجمال مفعمة بنبض الحياة.. تغذيها صور بلاغية راقية مثيرة، تدغدغ الذوات المتأملة في عبثية الوجود.. التي تحاول أن تقاوم الخواء وتبني جدار صد لتقاوم غربة الزمن الحديث بكل تجلياته الموجعة.. وهي بذلك تجسد الصراعات الداخلية والتحديات التي يواجهها الأفراد عند تقدم العمر..
القصيدة تطرح فكرة عميقة وجذابة تتمثل إعادة تعريف النجاة والتماسك في مواجهة تحديات سفينة الحياة وهي تشق عباب بحر مليء بالذكريات مخلفة وراءها مشاعر كأم اج بحر مليئ بالمفارقات ترتطم بجدار الذكريات لتستفيق على صدى سنفونية النضج والارتفاع عن دنس الحياة وتفاهة المادة..
إن الصور البلاغية التي استدعتهاالشاعرة مثل "كبرت بما يكفي" و"أقيم في أقل من نصف وطن" مؤثرة وهي بدورها تشاكس تعبير نصف المتر لعنوان صبري موسى لحادثة النصف متر والتي يعالج فيها مسألة الهوية والبحث عن حضن يشعره بوجوده ويحدد تضاريسه وحدوده..
تستهل الشاعرة القصيدة بتحديد الزمان وتنهي القصيدة
بدعوة شريك الحياة إلى قهوة بما في القهوة من حميمية أثر نفسي وحميمية تعدل المزاج وتمسح غبار تكلس الحياة وتنشط الذاكرة وتدفع الفرد للحلم والاستمرار في تحقيق المستحيل عبر الامل والرغبة في الحياة:
"تعالى لفنجان قهوتي
لاكملَ معكَ الباقي من قصتي
هناك الكثير مما نستطيع فعله
و مازال هذا الفضاء يتسع
لبعض أحلامنا"
وهكذا تضفر القصيدة المعاني بشكل واع وناضج، لتقدم رؤية شاعرة في منصف العمر ترى أنها مؤهلة لتشاركنا رؤيتها وفلسفة وجودها..
دام الفكر و النبع المحكم، ودلال الحرف الذي يحرك السواكن في كل مار بباب حرف يدفع للتأمل في الجمال بغية التخفف من أعباء الحياة وتهوينها.
انتهى
الناقدة التونسية: سهيلة بن حسين حرم حماد
الزهراء تونس في 05/11/2025

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق