الخميس، 30 أكتوبر 2025

قراءة نقدية: "القصيدة بين الحبيبة الأيقونة والقهوة الأسطورة" القصيدة:"هي وقهوتي" الشاعر: محمد الحفضي (المغرب). الناقدة :جليلة المازني (تونس).

 قراءة نقدية:

"القصيدة بين الحبيبة الأيقونة والقهوة الأسطورة"

القصيدة:"هي وقهوتي"

الشاعر: محمد الحفضي (المغرب).

الناقدة :جليلة المازني (تونس).


القراءة النقدية: "القصيدة بين الحبيبة الأيقونة والقهوة الأسطورة"


1- العنوان:"هي وقهوتي"


أسند الشاعر عنوانا لقصيدته "هي وقهوتي" وقد ورد مركبا بالعطف .


والعطف هو علاقة تقوم بين تابع يسمى معطوفا وبين متبوع يسمى  معطوفا عليه


والعلاقة في هذا التابع لا تقوم على المجاورة بينه وبين متبوعه وإنما تحصل التبعية  بينهما بواسطة حروف العطف.


والشاعر ربط بين القهوة والحبيبة فأية علاقة بينهما؟


وأية علاقة تربط بين "هي" وقهوتي"؟


والشاعر تحدث عن الحبيبة بضمير الغائبة "هي" لإضفاء مزيد من الموضوعية في علاقة الحبيبة بالقهوة وكأني به يرتقي بهذه القصيدة من تجربته الخاصة مع حبيبته الى الحقيقة المطلقة في العلاقة بين الحب والقهوة.


2 – التحليل:


ان الربط بين القهوة والحبيبة واقتران الواحدة بالأخرى يعود الى تشبيه القهوة بالأنثى فقد قيل في هذا التشبيه ما يلي:


 لماذا شبهت القهوة بالأنثى؟


"القهوة امرأة مُدلّلة في حلاوتها وقاسية في مرارتها وجورية في رائحتها..القهوة أنثى سمراء مخلصة وأنيقة ولا تخذلك ان احتجْت اليها"(1).


ان العديد من الأدباء تحدثوا عن هذه العلاقة بين القهوة والحبّ والكثير من الأقوال وردت في هذه العلاقة بينهما:


 - فيكتور هيغو يقول: "القهوة تلهم الحب كما تلهم الكلمات"


- جبران خليل جبران يقول:الحب يشبه القهوة كلما كان صادقا زادت روعته


- القهوة في الحب واجبة وكأنها الشاهد الأعظم على العلاقة.


 يقول:"القهوة مثل الحب لها طعم مختلف في كل مرة.Unknown-


الحب والقهوة يشتركان  في سحر البداية ودفء التفاصيل"


- أورد الكاتب إبراهيم محمد(19/ 02/ 2024) عدة أقوال تقْرِن القهوة بالحب:


* "مثل المزيج المثالي من حبوب القهوة ,حبّنا هو مزيج متناغم من النكهات والقوام".


* "القهوة والحب : كلاهما يدفئ الروح وكلاهما أفضل عندما نتذوقهما ببطء"


*" الحب مثل القهوة يوقظ الحواس ويشعل الروح"


*"عندما يبدأ اليوم بالقهوة فليكن حبّنا هو شروق الشمس الذي يضيء كل لحظة"


وفي هذا الاطار من الجمع بين القهوة والحب ماذا قال شاعرنا محمد الحفضي؟


استهل الشاعر محمد الحفضي قصيدته بحوار بينه وبين حبيبته التي سألته عمّا يشرب فقال الشاعر:


قالت :ماذا تشرب حبيبي؟


قلت: فنجان قهوة مثلك


ان الحبيبة استغربت من تشبيهه القهوة لها قائلة :"ماذا تقصد حبيبي؟


في هذا الاطار استخدم الشاعر أسلوبا انزياحيا دلاليا يقوم على التشبيه بين


القهوة وحبيبته فقال:


قهوة سمراء في لون بشرتك


ذوقها بطعم ثغرك


رائحتها بطعم طيب أنفاسك


قطراتها بجمال جدائل شعرك


نكهتها تلائم عذوبة شفتيك


ان الشاعر نزّل القهوة منزلة الحبيبة وفي ذلك إدهاش للقارئ .


وهو أيضا يتناص مع العديد من عشاق القهوة الذين يجمعون بين الحب والقهوة خاصة مع من قال:" الحب مثل القهوة يوقظ الحواس ويشعل الروح"


ان القهوة توقظ في شاعرنا محمد الحفضي:


- حاسة البصر:" فالقهوة سمراء كلون بشرتك".


- حاسة الذوق: "ذوقها بطعم ثغرك" / "نكهتها تلائم عذوبة شفتيك".


- حاسة الشمّ : "رائحتها مثل طيب أنفاسكّ"


- حاسة البصرو اللمس والسمع معا: "قطراتها بجمال جدائل شعرك"..


انه تراسل الحواس.


ان الشاعر رسم لنا صورا شعرية حسية توقظ مشاعره وتدغدغ أحاسيس القارئ لتجعله هذه الصور الشعرية الحسية يتوق الى حبيبة بكل مواصفات القهوة والملامح التي نحتها الشاعر في حبيبته.


انه تراسل المشاعر من الشاعر الى المتلقي .فالشاعر يرسل  مشاعر المتعة التي


يشعر بها الى المتلقي الذي أيقظ فيه كل حواسه ليستمتع بثنائية الجمال بين القهوة والحبيبة.


ان هذا الوصف لجمال القهوة اعتبرته الحبيبة تغزلا بالقهوة فيقول الشاعر:


قالت: هذا غزل حبيبي.


قلت: غزل يليق بمعشوقتين


انت حبيبتي فتنتني


وقهوتك بلسمي


لا تغاري حبيبتي.


ان الشاعر الحبيب تفطن الى غيرة حبيبته من تغزّل حبيبها بالقهوة لانها لن تقبل ان تكون لها منافسة في حبّه لها.


ان الشاعر الحبيب يصرّح أن القهوة والحبيبة هما معشوقتاه ولئن كانت الحبيبة من فتنتْه فالقهوة هي بَلسمُه . انها ثنائية الداء والدواء.


والشاعر لا يخفي عنا عشقه للقهوة التي وازاها بحبيبته ولعل خطابه معها باستخدام هذا الحوار بينهما (قالت:/قلت:) يضفي شيئا من الواقعية في حديث الشاعر الحبيب مما قد يجعل المتلقية مكان الحبيبة تتعاطف معها لترفض أن تنافسها القهوة في حب حبيبها.


بيد أن الشاعر الحبيب يعود الى الحوار ليؤجج المشاعر ويشعلها  وهو في نفس الوقت يريد أن يثلج صدر حبيبته ويُطمئنها.


انه ادهاش ثان ومفارقة عجيبة بين تأجيج الحواس وإطفاء نار الغيرة لدى حبيبته


يقول:


مع كل رشفة أتحسس شفتيك


دفؤها يذكرني بلهيب أنفاسك


لمسة الفنجان وخصرك تغريني


كأني أقبلك حبيبتي


كلما أطبقت شفتاي على الفنجان


ان الشاعر هنا خصّ حاسة اللمس بأن جعل المتعة حكرا عليها وحاسة اللمس في علاقة الحب لها أفضليتها.


ان الشاعر مسكون بمعشوقتيْه وهو يطمئن حبيبته .


انها حتى في غيابها هي حاضرة معه بالغياب في قهوتها التي تعدها بيديها.


انها نشوة وانتشاء بهما فيقول:


لا تخافي حبيبتي


وان غبت عني


أتسلّى بقهوة من يدك


في انتظار عودتك.


ان الشاعر قد صنع  في قصيدته من القهوة أسطورة ومن الحبيبة أيقونة.


فما سرّ هذه القهوة الأسطورة؟


هنا قد يتدخل القارئ ليستحضر أسطورة القهوة قائلا:


" يعود أصل القهوة الى منطقة كافا في إثيوبيا وهناك أسطورة تحكي قصة راع


يدعى كالدي .تقول الأسطورة أن كالدي لاحظ ن ماشيته أصبحت نشيطة وحيوية


بعد تناولها لثمار حمراء من شجيرات معينة. قرر كالدي تجربة هذه الثمار بنفسه


وشعر بتأثيرها المنبه ومن هنا بدأت رحلة القهوة من اثيوبيا الى العالم"(2).


ولعل هذا ما جعل محمود درويش  يقول عن معشوقته القهوة في كتابه(ذاكرة النسيان):


"أريد رائحة القهوة لا أريد غير رائحة القهوة ولا أريد من الايام كلها غير رائحة القهوة رائحة القهوة لأتماسك لأقف على قدمي لأتحول من زاحف الى كائن"


و في هذا الاطار قد صنع شاعرنا محمد الحفضي في قصيدته من القهوة أسطورة ومن حبيببته أيقونة نشوة وانتشاء بمعشوقتيه.


سلم جليل حرف الشاعر المتميز الذي تمرّد عن المألوف.


بتاريخ 10/ 01/ 2025


المراجع:


https://www.facebook.com>posts (1)

 قهوة شتاء- النساء يفضلن القهوة لانها تشبههن القههوة امراة...

https://picolo.sa>)أخبار ورؤية2)

القهوة واثيوبيا, إرث وأسطورة.



الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025

قراءة نقدية في قصيدة"حال وطن" للشاعر الدكتور كمال الدين حسين القاضي بقلم الاستاذ محمود البقلوطي ََ/ تونس

 الاستاذ محمود البقلوطي ََ/ تونس

قراءة نقدية في قصيدة"حال وطن"

للشاعر الدكتور كمال الدين حسين القاضي


عبر الشاعر عن حالة من القلق والأسى إزاء الأوضاع التي سيطرت على وطنه فصوره بلا روح وقلب، غريق في أمواج البحور كلمات وصور توحي بشعور عميق بالضياع والانهيار...  الوهن الشديد والضمور في المجد يزيدان من حدة الشعور بالانكسار.

ان الصور الشعرية التي استخدمها مثل "وسوس الشر ينحر في عظام" و"بات العرب في لحد القبور"، تعبر بقوة عن الفساد والانحدار الذي تشهده الأوضاع في و،طن موبوء. والطعن من الأهل يزيد  من تعقيد المشهد، حيث يبدو أن الجميع يعيش في حالة من التدهور والانحلال.

ويوضح الشاعر إن الوجع الأليم الناتج عن هدم المعالم وتدمير الدور  بعكس حجم الكارثة التي تعيشها الأمة. العيش في دياجير (ظلام دامس) ومحاربة أنواع النمور يوحي بالصراع المستمر ضد قوى الشر والتحديات الجسيمة.

النار التي أذكتها اللصوص واليأس من نار الفجور تعكسان حالة اليأس والإحباط التي يعيشها الناس. سفك الدماء في البر والبحر، وتلوث الطهر والنور بفيض الدماء، هي صور مؤلمة تعبر عن حجم الفقد والدمار.

ان الاحساس بالخوف من المستقبل يترك القارئ في حالة من القلق والتساؤل حول ما سيحدث لاحقًا.

لقد سلط الشاعر الضوء على قضايا جوهرية وأوضاع مؤلمة في وطنه، وعبر عنها بأسلوب شعري مؤثر

لكنه لم يتم الإشارة بوضوح للقوى الداخلية والخارجية الَمتسببة في هذا الوضع الماساوي الذي يعيشه وطنه وهذا اعتبره نوع من التقصير

لان المنطق يقول ان وراء كل كارثة

هناك مسؤولون على وجودها و حدوثها.


القصيدة

حال الوطن

 أرى وطني بلا روحٍ  وقلبٍ

 غريق ٌفوقَ أمواجِ  البحورِ


  يعيشُ اليومٰ في وهنٍ شديدٍ 

وكلُّ المجدِ في حالِ الضمورِ


 وسوسُ الشر ِّينحرُ في عظامٍ

 وباتَ العربُ في لحدِ القبورِ


  لقد أمضى الجميعُ بلا حماسٍ

وماتتْ كلّٰ نخواتِ النسورِ


 وزادٰ الطعنُ  من أهلٍ وكفرٍ

 وعاشَ الكلُّ في وزن النطور

      

 وكل الأرض في وجعٍ أليمٍ

 إذا هدمتْ معالمَ  كلّٰ دوْرِ


 وعشنا في دياجيرٍ وغابٍ 

 نصارعُ كلّٰ أنواعِ النمورِ


 ونار الشر أذكتها لصوصٌ

   وزاداليأس من نار الفجورِ 


 وسفكٌ صارَ في برَّ وبحرٍ

وسال الدمُ من طهرٍ ونورٍ

  

كفيض الماء في بحرٍ ونهرٍ

وعشنا الخوفَ من فزعِ الدهورِ


بقلم كمال الدين حسين القاضي



الاثنين، 27 أكتوبر 2025

رواية "موسم الهجرة إلى الشمال*"-الطيب صالح.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 رواية "موسم الهجرة إلى الشمال*"-الطيب صالح..

رحلة أمةٍ تبحث عن نفسها في وجه الاستعمار والاختلاف والهوية..بأسلوبٍ شعريٍ عميق..


رواية"موسم الهجرة إلى الشمال"للأديب السوداني الطيب صالح تُعدّ من أعظم الروايات العربية في القرن العشرين،إذ تمزج بين السرد الواقعي والتأمل الفلسفي في صدام الشرق بالغرب،والهوية بالاغتراب،والحب بالموت.

تبدأ القصة بعودة الراوي إلى قريته السودانية بعد سنواتٍ من الدراسة في أوروبا،وهناك يلتقي برجل غامض يُدعى مصطفى سعيد،القادم بدوره من رحلةٍ طويلة إلى الغرب.خلف مظهره الهادئ تختبئ حكاية مليئة بالعشق والدم والاغتراب.

كان مصطفى سعيد طالبًا لامعًا في لندن،جذبته النساء الأوروبيات بغموضه الشرقي،لكنه انتهى إلى مأساةٍ دامية بعد سلسلة من العلاقات التي خلط فيها الحب بالانتقام،والرغبة بالبحث عن الذات.

قصته،ترجمت بعقمق صراعه بين كراهيته للاستعمار وانجذابه إلى الحضارة الغربية، 

وبين عقلانيته الجامدة وعواطفه المكبوتة،بذلك خلق دراما نفسية مأساوية تظل عالقة في ذهن القارئ.

بعد عودته إلى السودان،يحاول مصطفى أن يعيش حياة هادئة،لكن ماضيه يظل يطارده حتى نهايته الغامضة في النيل.ومن خلاله،يرسم الطيب صالح صورة الإنسان العربي الممزّق بين ثقافتين، بين إرثه الجنوبي الحارّ وفتنة الشمال البارد،بين الانتماء والضياع.

نهاية الرواية،حيث يختار الراوي أن يسبح ضد التيار ولا يستسلم،هي واحدة من أكثر النهايات قوة في الأدب العالمي.إنها ليست نهاية يائسة،بل هي بيان بالإرادة والقدرة على الاختيار،وترك سؤال "ماذا سيحدث؟" مفتوحاً أمام القارئ.

ختاما،"موسم الهجرة إلى الشمال"ليست فقط قصة رجل،بل رحلة أمةٍ تبحث عن نفسها في وجه الاستعمار والاختلاف والهوية.بأسلوبٍ شعريٍ عميق،يجعلنا الطيب صالح نتأمل سؤال الوجود ذاته.

فهل يمكن لمن عبر البحر أن يعود كما كان..أم أن الرحلة تغيّرنا إلى الأبد؟!

هذا السؤال المربك أجاب عنه نجلي ( رحمه الله) إذ تغير إبني..لم يعد كما كان..عاد نعشا محمولا على أكتاف الرجال،بعد أن عبر الأبيض المتوسط في رحلة بحث عن رغيف،ممزوج بعطر شقروات أوروبا..وعرق شباب عربي حالم بفردوس في الضفة الجنوبية للمتوسط..براعم شبابية  شردتها أوطانها السليبة والمستلبة..!

هو الآن ( إبني) في الماوراء حيث نهر الأبدية ودموع بني البشر أجمعين..انتهت رحلته..ومحنتي "الإغريقية" لم تنتهي بعد..!


محمد المحسن  


*موسم الهجرة إلى الشمال" هي أكثر من رواية، إنها ظاهرة أدبية وفكرية.لقد نجح الطيب صالح في تحويل قصة رجل واحد إلى ملحمة عن أمة بأكملها،بل وعن الإنسان المعاصر في عالم مليء بالتصادمات الثقافية.

لا عجب أنها اختيرت كواحدة من أهم 100 رواية في التاريخ،وكأفضل رواية عربية في القرن العشرين.جمالها لا يكمن في تقديم إجابات،بل في قدرتها على إثارة أسئلة تظل حية فينا حتى بعد عقود من نشرها.



النقد: "شاعرية السرد والتمرد في رواية "ظل أعرج" الروائية زهرة الظاهري(تونس) الناقد: يونس شعبان الفنادي (ليبيا). نقد النقد: " تجليات شاعرية السرد والتمرد في رواية "ظل أعرج" ناقدة النقد: جليلة المازني (تونس)

 النقد على النقد (جليلة المازني)

النقد: "شاعرية السرد والتمرد في رواية "ظل أعرج"

الروائية زهرة الظاهري(تونس)

الناقد: يونس شعبان الفنادي (ليبيا).

نقد النقد: " تجليات شاعرية السرد والتمرد في رواية "ظل أعرج"

ناقدة النقد: جليلة المازني (تونس)


لقد كتب الناقد يونس شعبان الفنادي مقالا نقديا في رواية "ظل أعرج" للروائية التونسية زهرة الظاهري تحت عنوان :

" شاعرية السرد والتمرد في رواية ظل أعرج"

لقد كان مقالا قيّما أتى فيه الناقد على عدة جوانب إيجابية تستحقّ التثمين:

أ - التثمين:

+الربط بين صفتي العرج والعوج في سجع جزئي واختلاف معنوي.

+التناص بين الصفتين (عرج/ عوج) وبين قصيدة أبي ذؤيب الهذلي.

+ قراءة في الغلاف لغويا وتشكيليا ودلاليا.

+ الاشارة الى استخدام الروائية لغة سردية شاعرية.

+ الإشارة الى متعة التصديرات للفصول بتوطئات استهلالية و مضمونية

لعدة مشاهير من الفلاسفة والأدباء والمفكرين.

+ توظيف نظرية التناص الحديثة بين التصديرات ومتْن كل فصل من الفصول.

+ التمييز بين العمل الروائي التسجيلي التوثيقي وبين السيرة المنتمية الى الواقع الحقيقي.

+قلب الطاولة على مشاعر النوستالجيا الى الزمن الجميل لتتحول الى استرجاع ماضوي لمعاناة عاشتها الشخصية.

+ ذكر غايات ورسائل السيرة المتمثلة في الانتصار للمرأة والمطالبة بحقوقها كما الرجل.

+ التركيز على شخصية الطفلة المتمردة التي تبعث برسالة المساواة بين الذكر والانثى.

+ تصنيف الشخصيات:

- الأب انسان مكافح يناضل من أجل انتشال أسرة فقيرة من العدم

 - الطفلة (زهرة) مناضلة لمقاومة معاناتها.

- الجدة طيبة ومحبة.

-الجارة هادية جميلة وغاوية وتستبيح الرذيلة.

+ تصنيف الرواية ضمن الأدب الواقعي.

وفي هذا الاطار فان الناقد يونس شعبان الفنادي قد لعب على الشكل والمضمون في رواية "ظل أعرج" من خلال شاعرية السرد شكلا والتمرّد مضمونا وهذا طرح جميل في قراءته النقدية.

بيْد أن تجليات شاعرية السرد والتمرد في حاجة الى مزيد من الغوص فيها في الرواية:

ب - تجليات شاعرية السرد  والتمرد في الرواية:

1- تجليات شاعرية السرد في الرواية:

+ عنوان الرواية "ظل أعرج"

تعرّض الناقد الى العلاقة بين العرج والعوج كمُحسّن بديعي قائم على السجع وتناص الصفتين مع شعر أبي ذؤيب الهذلي.

بيد أن الناقد لم يضع فرضيات حول تأويل العنوان المشحون بظلام الظل وبعاهة العرج .

وبالتالي الى ما قد يرمز كل من الظل والعرج في الرواية؟

+ في قراءة غلاف الرواية:

تعرض الناقد الى قراءته للغلاف لغويا وتشكيليا واكتفى بالوصف دون ممارسة حقه في التأويل كمتلقّ خاصة في تأويل رمزية الألوان الأبيض والأسود والرمادي في علم النفس وعلاقة هذه الألوان بعنوان الرواية وبمتْنِها خاصة وأن الناقد  قد استشهد بقول الفيلسوف الفرنسي والكاتب الشهير رولان بارت بأن "اللون في حد ذاته لغة ناطقة".

+ اللغة السردية الشاعرية :

يقول الناقد:".. تحملك كلمات اللغة الشاعرية على بساط من الرفاهة والمتعة والبساطة و التدلل والجمال والدهشة تتسابق مفرداتها وأساليبها وعباراتها السردية في الركض لبناء هياكل تصويرية متعددة".

بيْد أن الناقد لم يُمتّعنا باستدعاء مقاطع نصية للغة بليغة من الذخيرة النصية بالرواية.

+ سيميائية الشخصيات :

-الطفلة (زهرة) اختارت الروائية أن تتقمص شخصية الطفلة لدلالة اسم زهرة الوجداني والعقلي.

- الجدة عيشوشة :فالتصغير لاسم عائشة دال على الاعجاب والحميمية وهذه سمة من سمات اللغة الشاعرية في السرد .

- الجارة هادية فاسمها مشحون بمفارقة بين معنى اسمها (الهدوء والرصانة)وبين سلوكها المشين(الغواية والميل الى الرذيلة).

وهذه المفارقة  من جماليات السرد التي تثير دهشة القارئ .

+ التصديرات:

 لقد ذكر الناقد أن لكل فصل تصديرا يشي بمحتواه وضرب لذلك  مثلا بالتصدير بقول الشاعر الانكليزي وليام شكسبير والذي يتناص مع محتوى الفصل.

ان التصدير في خدمة نظرية التناص الحديثة بامتياز لكنه يتنافى مع نظرية التلقي الحديثة القائمة على التأويل بما في التأويل من نسبية .وهذا التصدير يحدّ من زاوية النظر عند القارئ العادي وحتى عند القارئ النموذجي وزاوية النظر ركن من أركان نظرية التلقي الحديثة واذا كانت زاوية النظر محدودة مسبقا فالقارئ يفقد متعة التأويل وإمكانية تعدده بين القراء حين يحومون حول زاوية نظر واحدة

اما التأويل الذي تحدث عنه الناقد في صلب التصديرات فهو تأويل محدود.

وفي هذا السياق كما يقال "النص لقارئه وليس لقائله".

 2- تجليات التمرد في الرواية:

إن ما يبرّر وخْز المعاناة لدى الشخصية الطفلة (زهرة) أنها عاشت هذه المعاناة وكتبتها  فتتحول بذلك الضحية الى شاهدة على معاناتها الواقعية وتتكلم عنها فتكون قابلة للتأمل .

ولعل الرواية  هي وسيلة للشفاء من المعاناة ولعل هذا ما يجعلها تندرج ضمن أدب الاعترافات.

أ- التمرد ضد الذكورة:

يقول الناقد :" انها (الطفلة زهرة) تحاجج بالحق في كل نقودها لممارسات الحياة الاجتماعية ومواجهتها لوالدها الذي تحب  وتحترم أبوته ولكنها تعارض فكره الشرقي المنحاز لإخوتها الذكور حتى وإن كانوا على خطإ"

ان  تمرد الطفلة على هذا الميز بين جنس الذكور وجنس الاناث قد عبر عنه الناقد بوضوح  .

بيد ان هذه المعاناة الواقعية قد استبدلتها بتعويض يشفي ويبرئ سقمها:

ب - التحليل النفسي في الرواية:

ان الكاتبة بقدر ما تسرد معاناة الطفلة الواقعية بقدر ما تكشف خبايا النفس البشرية

لذلك عمدت الى تحليل نفسيتها وهي تتحدى معاناتها الواقعية فاستبدلت الواقع البائس برسم لوحة بعيدة كل البعد عما تعيشه بالواقع .

تتمثل هذه اللوحة حسب ما ذكره الناقد:" وهذا ما عكسته لوحة البيت التي رسمتها بعيدا عن حقيقته في الواقع البائس حيث استبدلت مكوناته التصميمية الهندسية فجعلته كبيرا واسعا مغايرا لأصله يحتوي حديقة وورودا وخضرة"

وتقول الروائية زهرة الظاهري (الطفلة):

"ولأضيف لمسة سحرية على خيالي الجامح عمدت لرسم قفص بصدر البيت ويد تفتح الباب للعصفور السجين فيحلق مرفرفا عاليا في الفضاء الرحب".

ان الروائية في شخصية الطفلة عوضت بالرسم ما يُخفِفُ عن نفسها الواقع البائس

وفي هذا الاطار قد زاوجت الروائية زهرة الظاهري بين السردي والتشكيلي لتحرر نفسها من قيود الواقع ولطالما كان الرسم التشكيلي متنفسا للفنان:

تقول الطفلة:" تأملت رسمي بعد أن أنهيته  فارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي وعدت الى النوم وصورة العصفور المنطلق لا تفارق ذهني".  

وفي هذا السياق زاوجت الروائية  بين الواقعية في الأدب والتحليل النفسي وهي في ذلك تتناص مع الأديب الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي المحسوب على الواقعية لكنه وضع أسُسًا قوية للتحليل النفسي في الأدب *.

ج - رسالة الرواية:

لقد رأى الناقد ان للرواية مشروعا تنويريا يناصر قضايا المرأة وينحاز للمطالبة بحقوقها أسوة بالرجل.

انه مقصد آجل بالرواية .

بيد أن المقصد العاجل فهو يستهدف الطفولة.

ان  الروائية ومن وجهة نظر ميتا رواية:

+ تهدم مفهوما للطفولة المقيدة (رسم القفص).

+ تؤسّسُ لمفهوم لطفولة متحررة من خلال المونولوغ ومحاججة الأب رغم يقينها بحبه لها(فكيف لأبي الذي أكنّ له كل هذا الحب أن يميّز بيني وبين إخوتي الأولاد ويؤثرهم عليّ؟).

ولعل الروائية زهرة الظاهري تستحضر مجلة حقوق الطفل الصادرة بموجب قانون عدد 92 المؤرخ في 09/ نوفمبر1995 **.

ومن حقوق الطفل  المساواة وعدم التمييز بين الاطفال.

د - انفتاح الرواية على الأدب العالمي:

ان معاناة  هذه الطفلة التي رسمتها لنا الروائية زهرة الظاهري برواية "ظل أعرج" ترتقي بالرواية الى العالمية :

- قد تكون هذه الطفلة التي عانت وتعذبت في طفولتها إحدى المعذبات من شخصيات طه حسين في روايته " المعذبون في الارض".

- ان هذه الطفلة التي عاشت طفولة بائسة تعدّ بائسة من بؤساء فيكتور هيقو في "كوزات الطفلة البائسة.cosette في روايته "البؤساء" وتجسد شخصية"

سلم القلمان مبدعة (زهرة الظاهري)وناقدا (يونس شعبان الفنادي) بمنحي فرصة الاستمتاع بالنقد على النقد.

بتاريخ 22/ 05/ 2025

 المراجع:

* ابراهيم العريس باحث وكاتب :شاعرية وأنانية وتحليل نفسي لدى دوستويفسكي قبل سنوات من النهاية.(يونيو 2023).

** مجلة حماية الطفل الصادرة بموجب قانون عدد 92 مؤرخ في 09/ نوفمبر 1995.



الأحد، 26 أكتوبر 2025

أحلامى بقلم عبدالمنعم عدلى

 أحلامى

أحلامى منذ عرفتك فى البستان

وغبت عنى عمر فوق عمرى

حتى إشتريت عمرا جديدا

وكتبت لك ألف قصيدة وقصيدة

وكل حرف سطرته على السطور كان بمثابة أنفاسى

فتنفست الحياة من جديد من خلال كلماتى

فأنا فى إشتياق الى رؤياك كى أستمد الروح التى أخذتيها ورحلت عنى منذ القاء

فتعال ولاتتنيا

فى القاء روحى بجسدى كى أستمد الحياة

ياتوؤم الروح والنفس

لاتتأخرى عنى حتى ولو تحت التراب

فالانتظار مميت من غير لقاء

فالحب داء من غير دواء 

فيانور الصباح طلت إشراقتك مع شمس البلاد والبستان فارغ 

وأرضه فى البوار سارحات

فتعالى تعال بروحك الطيبة وإملئ الكون ضياء وحياة

بقلمى عبدالمنعم عدلى


يوميات زوج ام عبدو لمحمد مطر

 يوميات زوج ام عبدو

لمحمد مطر 


استيقظت  من  نومي  اليوم   متأخرا فوجدتها 


وضعت يديها  بخصرها وأمام الباب بي  تنمرت


و نظرت  إلي بنظرة  جابت عيوني و صلعتي و


اقدامي حتى ظننت أنهالي من شدهاقدأحرقت


و لكنني ماكنت اعبأ بها فلقد تعودتها فهكذا هي


منهاحياتي على النظرات الحادة منها قداعتدت


واستفقت أجرالنعال لاغتسل فوجدتها بالمطبخ 


تغني وكأنها هيفاءوهبي ببوس الواوا قد شدت


و لكنها لم تكتف  وبدأت  كهيفاء وهبي  أو بنت


 عجرم بالموسيقا تمايلت و تراقصت أو دندنت


قلت  علها  بالطبخ  سعيدة.  أو علها لنا  يصنف


 جديد  من  طعام   بالغداء  لمعانا كانت اتحفت


وكلما مررتها اراها شمرت عن ساعديها وتعرقت


 و سوائل الأنف منها قهقه  لكل المكان تسربت


فأقول في نفسي هذي امرأة رقيقةاعرف اهلها 


ولعل   الابصال تبا لها.  لعينيها   كانت   أدمعت


وها قد.  مرت سويعات  عصيبة فدخلت   انظر


 لماذا بالمطبخ من صبحي تلك التعيسة تسمرت


ولعلي افوز  بقطعة لحم مسلوقة أو بعضا  مما 


كانت من  صبح  يومي  تشن وترن قد  أمرقت


ولكنني  وجدت  ما أدهشني لها وجدت  ثلاثين 


بيضة بطحين و ماء و سكر وزيت وخل عجنت


فسألتها ماذا  تعدين  حبيبتي  قالت اعد  كعكة 


لي صديقة وعزيزة  بالأمس  فيها كانت امهرت


فقلت و ماذا دهاك  قالت ضاعت الوصفة تبا لها


 و لكنني ماهرة كم  يداي  الكعك كانت  اعددت


خرجت و انا اضرب كفا بكف ثلاثون بيضة  قد 


كسرت ياليتها مامن صبحي عن ساعديهاشمرت


وكلما نظرت لمطبخي حسبنت عليها وعلى  من


 كانت لها بتلك الوصفةالمتينةاللعينة قد  وشت 


وكل ساعة امضي نحوها متلهفاعساها لكعكاتي


 الميمونة  اللذيذة .لي كانت بسرعة قد  أنجزت


و لكنها تنهرني و تقول   لم.  التسرع و لم معاك


 لأجل؟ كعكاتي منذ  صباحي تبا كانت  اعجلت


فاعود  مكسورا  خاطري  و لكن في نهاية الأمر 


وجدتها مطأطاة  الرأس  إلي ببطء قد.  سعت


وكمارايتها من ساعةدموعها تنسال وماء الأنف


 منهافقلت تباللابصال بهامنك دموعك قد همت


ولكنها استدارت  و قالت  يا أعمى الناظرين  ما


بال الكعكات والبصل أرى ألفاظك مني اسخرت


كتمت الضحكات وقلت ما سبب البكاء قالت تبا


 لهاتلك الصديقةطريقتها للكعكات مني أحرقت


فنظرت للكعكات فوجدت قطعات فحم لهاشكل 


دوائركعك زوجي المصون بصبحي كانت دورت


و تعالت ضحكاتي و قلت فعلا تبا لها فهي  من 


لثلاثين بيضةمن حرمالي بالصباح ايضاهشمت


فقالت وقد احمرت عيونها اسخرية تقول فقلت 


حاشاوحاشاولكن أين وأنى فنارالشجارقدبدت


ومن امسي وانااكتب للاحبةوعيناي متورمتان 


ومعركتي معها بكعكاتي المشؤومةابدا ماانتهت


فعزمت  الا آكل  كعكعة كانت معاي ابدا تشتهي 


 فبسببها  المصارعة المجنونة.  لعيني.  أورمت


محمد مطر


**((يظة شرف)).. قصة: مصطفى الحاج حسين.

 **((يظة شرف))..

قصة: مصطفى الحاج حسين.


- سلسلة قصص عن أبي -


جدّتي (صبريّة) من أقوى النّساء، إلّا أنّها تنصاعُ لرغباتِ وأوامرِ جدّي؛ فهي تخافُه وتحبُّه، منذ اللحظة التي تعرّفتْ عليه فيها، يوم الحصاد.

 

أشفقت عليه، ساعدته، وعلّمته، وأُعجبت به، بل فُتِنَت بجماله وأحبّتْه.  


وجدّي (سامي) لا يُغيّر من طبعه؛ فهو ابن (الأغا)

، الذي يفرضُ إرادته على كلّ الناس.


في بداية شبابها، تزوّجتْ من ابن عمّتها، في بلدها (حماة)، التي هرب منها والدُها، بعد أن ارتكب جريمة قتل، ولجأ إلى قريتهم (أبو طلطل) البعيدة، بعد أن تنكّر، وغيّر اسمه، كي لا يعرفه أحد، ولئلّا يقع بيد (الدرك)، الذين يبحثون عنه في كلّ البلاد السّوريّة.


والدها (قدري) اشتغل عند جدّها، والد أمّها (ليلى)، مزارعًا في أرضه الشّديدة الخصوبة، والعظيمة العطاء، بعد أن صارحه بحقيقة أمره، ووضعه الحقيقي؛ فهو مجرم عند (الدرك)، لكنّه أمام الله، بريء، وشهم، وقبضاي، ورجلٌ شريف، وحرّ.

 

فقد أُجبِر على ارتكاب جريمته بدافع المروءة، والنّخوة، والشّهامة، وكان ذلك في الزّمن (العثماني)


كان (قدري)، والدُ جدّتي، في أيّام صباه، له أصدقاء وأصحاب، يلتقي بهم، ويمضي وقته بصحبتهم، لكنّهم كانوا يعانون من ضيق الحال؛ فلا عمل عندهم، ولا (مصاري) يشترون بها ما يحتاجونه، وخاصّة التّبغ، الذي أدمنوا عليه.


فقال (فارس) احد أصحابه:


- ما رأيكم أن نتسلّل، في عتمة الليل، ونسطو على مسكن رئيس (الركون)

؟!.. فهو مليء بالذّهب، و(المصاري)!


أُعجِبوا بفكرة (فارس)، وراحوا يُراقبون مسكن رئيس (الكركون). وحين يغادره ليلًا، يُداهمونه، وهم خمسة شبّان، مسلّحين بالخناجر.


وحين حانت الفرصة، وتأكدوا أنّ رئيس

(الركون) ليس في مسكنه

،تسلّلوا ملثّمين في العتمة

، وبأياديهم الخناجر.

 

توزّعوا على الغرف لتفتيشها، والبحث عن الذّهب و(المصاري).


دخل والدُ جدّتي، وصديقه المقرّب (فارس)، إلى غرفة النّوم. 


أوقد (فارس) شمعةً كانت معه، وضعها على طرف النّافذة. 


كانت هناك امرأة تغطّ في نومها على السّرير الواسع، ويرقد إلى جانبها طفلها الرّضيع. 


اقترب والدُ جدّتي من السّرير، وراح (فارس) صديقه، يفتّش في الخزائن والأدراج.


وصَحَتِ المرأةُ على الأصواتِ الخافتةِ التي صدرت عن فتحِ الأدراج، ولمحت (قدري) والدَ جدّتي، الملثَّم، والقابضَ على خنجرِه فوق رأسها، فصدرت عنها صرخةُ رعبٍ.

 

أسرع والدُ جدّتي لإسكاتها، واضعًا يدَه على فمِها، ودمدم بصوتٍ مرتعش:


– أخرسي! واحذري أن تُصدري أيَّ صوت، وإلّا قتلتُكِ وقتلتُ ابنكِ! نحن لن نؤذيكِ، إنْ أعطيتِنا الذّهبَ و(المصاري) التي عندكم.


انكمشتْ... شدّت نحوها اللحافَ لتستر صدرَها المكشوف، وقالت، ودقّات قلبِها تسبقُ صوتَها الخائف:


– أرجوك... لا تقتلني، ولا تقتل ابني... سأُعطيكم ما تريدون.


– اطمئنّي، ولا تخافي... لن نؤذيكِ،لا أنتِ ولا ابنكِ

.لكن أعطِنا، وبسرعة، ما عندكِ.


توقّف (فارس) عن البحث

، وترك الخزائنَ والأدراج، واقترب من السّرير، في حين هرع رفاقُهما الثّلاثة إليهم.

 

وفي هذه الأثناء، صحا الطّفلُ، وفغر فاهُ باكيًا، فخاطبته أمُّه:


– اصمت يا بُنَيّ، واصبر، حتّى أُعطي أخوالك الذّهب و(المصاري)، ثمّ أُرضِعك.


حين سمع (قدري)، والدُ جدّتي، هذه المرأةَ تقول لابنها عنهم: "أخوالك"، خجل من نفسِه، وصحا على أمره، وتراجع عن السرقة، وقال:


– يا شباب، بما أنّ هذه المستورة تقول عنّا لابنها: "أخواله"، فقد تحرّم عليّ سرقتُها، ولن أسمح لأحدٍ أن يسرقَها.

  

هي بعهدِ الله، صارت أختي، وأمانةٌ في رقبتي، هي وابنها، منذ هذه اللحظة.


صرخ (فارس)، وكأنّه مجنون، وقد صدمه ما سمع من صاحبه (قدري):


– ماذا تقول؟!.. أبعْدَ أن نجحت خطّتُنا، تريد التراجع؟!.. لأنّها قالت عنّا لابنها "أخواله"؟!.. فلتَحمد ربَّها، أنّنا لم نغتصبها، أو نؤذِ ابنها!.

 

صاح والدُ جدّتي (قدري)، محتدًّا:


– اصمت يا (فارس).. وارجع من هنا!


فأماط (فارس) اللثام عن وجهه، وعلَا صوتُه:


– هل صِرتَ شريفًا الآن يا (قدري)؟!.. من أين جاءك هذا "الشّرف" فجأة

؟!.. إن كانت أعجبتك، فاغتصبْها وارتَوِ منها، ونحن ننتظرُك خارج الغرفة!


زعق (قدري)، والدُ جدّتي، وكان الغضب قد تملّكه:


– اخرس يا حقير!.. أنا نعلُ رجلي أشرفُ منك ومن عائلتك!


وكانت المرأة مرعوبة، منكبّةً على نفسها، تحاول ستر جسدها، بينما ولدها غارق في بكائه، وبدأ رفاقهم الثلاثة يتدخّلون، ويحاولون تهدئة الوضع.


وَهَجَمَ (فارس) على السَّرِير، وَانْقَضَّ على الطِّفْلِ الصَّغِير، مِن جِوارِ أُمِّهِ، الجَزِعَةِ، وَالبَاكِيَةِ، وَالمُنْهَارَةِ... تَضَاعَفَ بُكَاءُ الصَّغِير، أَحَسَّ بِيَدٍ مُتَوَحِّشَةٍ، شَرِسَةٍ، خَلَعَتْ قَلْبَه، وَأَطْبَقَتْ على أَضْلُعِهِ، بِعُنْف:


- أَعْطِنِي الذَّهَبَ... قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَهُ لَكِ!


وَجَأَرَتِ المَرْأَةُ، مِن شِدَّةِ خَوْفِهَا:


- أَرْجُوكَ... أَتْرُكِ ابْنِي... وَأَنَا أُعْطِيكَ كُلَّ مَا تُرِيدُه!


وَانْبَعَثَ صَوْتُ رَفِيقِهِمُ الثَّالِث:


- تَوَقَّفْ يَا (فَارِس)... دَعْنَا نَتَفَاهَمْ مَعَ (قَدَرِي)!


صَاحَ (قَدَرِي)، وَكَانَ في قِمَّةِ غَيْظِهِ:


- قُلْتُ لَكُمْ... هَيَّا بِنَا نَذْهَبْ، قَبْلَ أَنْ يَعُودَ زَوْجُهَا!


وَلَكِنَّ (فَارِس) صَاحَ مُوَجِّهًا كَلامَهُ إِلَى المَرْأَةِ العَاجِزَةِ، عَنْ فِعْلِ أَيِّ شَيْء:


- اخْلَعِي ذَهَبَكِ، وَأَعْطِينِيهِ

، بِسُرْعَة!


وَبَدَأَتِ الأُمُّ، تَنْزِعُ الأَسَاوِرَ مِنْ يَدَيْهَا، بَيْنَمَا كَانَ (قَدَرِي) يُنَبِّهُه، وَيُحَذِّرُه، وَيُهَدِّدُه. 


و(فَارِس) مُصِرٌّ على أَخْذِ مَا عِندَهَا، مِن ذَهَبٍ وَ(مَصَارِي)... حَاوَلَ (قَدَرِي) الاقْتِرَابَ مِن صَدِيقِهِ، المُتَأَهِّبِ لِخَطْفِ رُوحِ الطِّفْلِ، دُونَ أَيِّ تَرَدُّد.


صَاحَ (فَارِس) بِغَيْظٍ شَدِيد:


- ارْجِعْ يَا (قَدَرِي)... ابْتَعِدْ عَنِّي... وَإِلَّا...


وَهُنَا... كَانَ الخِنْجَرُ، قَدِ انْغَرَزَ في قَلْبِ (فَارِس)، وَ(قَدَرِي) لَا يَدْرِي كَيْفَ؟! اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْتَرِبَ مِن (فَارِس) وَطَعَنَه؟!


سَقَطَ الطِّفْلُ، مِن بَيْنِ أَيْدِي (فَارِس)، وَتَمَكَّنَ... وَبِسُرْعَةٍ فَائِقَةٍ... (قَدَرِي) مِنِ الْتِقَاطِ الطِّفْلِ، لَمْ يَتْرُكْهُ، يَسْقُطْ عَلَى الأَرْض.


وَانْبَعَثَ أَنِينٌ صَادِرٌ، عَنْ أَلَمٍ هَائِلٍ، وَتَدَفُّقِ دَمٍ غَزِيرٍ، مِن صَدْرِ (فَارِس)... تَرَنَّحَ، وَتَحَرَّكَ نَحْوَ البَابِ، قَبْلَ أَنْ يَرْتَمِيَ عَلَى الأَرْضِ.


وَتَعَالَى صِيَاحُ المَرْأَةِ، وَصَرَخَاتُ الرِّجَال المندهِشةُ ممّا حدث، بهذهِ السُّرعةِ الخاطفة، صاحت:


- ماذا فَعَلْتَ يا (قدري)

؟!.. لقد قتلتَ (فارس)، صديقَ عُمرك، وأخاك!!  


وخرجوا من الغرفةِ، هاربين.


لكنَّ (قدري) التفتَ إلى المرأة، وطلب منها أن تهدأ، وتُرضِعَ ابنَها، الذي فَرَط قلبُه من كثرةِ البكاءِ، ثم قال لها:


- سامحيني يا أُختي، عليّ أن أهرب، قبلَ مجيءِ زوجِكِ.


وقبل أن يخرج، صاحت من خلفِه:


- توقّف يا أخي (قدري).. أرجوك!


استدارَ إليها، وعيناهُ تلمعانِ من كثافةِ الدّمع، فقالت:


- ألا تتعرّفُ الأُختُ على وجهِ أخيها؟!.. انزعِ اللثام، لأرى وجهك، وأحفَظَ ملامِحه، وتقاسيمه، إلى آخرِ لحظةٍ من حياتي.


نزع (قدري) لثامَه، وعاد نحو المرأةِ خطوتين، وردّد:


- سامحيني.. أنا لستُ حراميًّا، لكنّ الشيطان، والظروفَ الصعبة، كانتا السّبب.


مدّت يدها إلى طرف السّرير، وأخرجت كيسًا فيه (مصاري)، وناولته لـ(قدري)، الذي انتفض، ورفض، وقال:


- لا.. أنا قتلتُ رفيقي، لأجلِ ألّا يسرقك أحد، فكيف آخذ منكِ الآن؟!.. هذا مستحيل!


- إلى أين ستذهب الآن؟


- سأهرب.. إلى بلدٍ بعيد.


- لهذا أعطيتك (المصاري)

، ستحتاجها.. خذها أرجوك، أنت ابنُ حلال، وشهم.. سأطلب من زوجي أن يُسامحك، وأن لا يبحث عنك.. ألم تقل إنّي أختك؟!.. وهل الأخ يرفض عطاءَ أُخته؟!


أخذ (قدري) (المصاري)، وتسلّل.. وهرب.*


 مصطفى الحاج حسين*



حين أغفو..يشبّ حريق بجسمي..! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 حين أغفو..يشبّ حريق بجسمي..!


حين أغفو،بلا أي نوم يا بني

يشبّ حريق بجسمي

 وينقر نافذتي..

طائر من لهيب

غريب،هنا من بعدك في مدينتي

         نبأ رحيلك جاء من الأفق

            يحمل حقلا من الحزن

ملتبسا بالوجَع

وقطر الدجى

أزيل همومي

                  وأوراق حزني

أشمّ المدى

أتنفّس نفسي

صباح الجمال والسكينة-يا مهجة القلب-

أنت أجمل مما أرى

   ٣    يا توأم الرّوح

يا وجع القلب

يا برزخ الشوق بين الرؤى..

والمدى


محمد المحسن



حتى يكون النقد الأدبي-كفكر وفن وعلم-في مستوى التحدي.. وفي طليعة-الثورة الثقافية الشاملة- بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 حتى يكون النقد الأدبي-كفكر وفن وعلم-في مستوى التحدي.. وفي طليعة-الثورة الثقافية الشاملة-

ليس هناك نقد لأنه ليس هناك أدب “هكذا يقال..الصحافة خطفت خيرة النقاد وحولتهم إلى صحفيين ” قيل أيضا،لكن أليست علاقة الأدب بالنقد،علاقة الندية والتكافؤ والأسرة الواحدة!؟

 ثم ألا يجوز القول بأن “حضور” أحدهما مرهون بحضور أو غياب الآخر، وإن كان غياب “الأدب” يكاد يكون أمرا مستحيلا!؟

 ثم أولا وأخيرا: ألم يحن الوقت بعد، لصياغة عطاء نوعي ومستقل في حقل النقد الأدبي ينأى عن ” العفوية ” التي تفرض الإنطباعات الجزئية دون استخلاص المعيار!؟

قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا ما قيل أن ” التقصير ” في النقد العربي الحديث ذو دلالة سوسيولوجية تتجاوز أسوار المصطلح الجمالي للنقد إلى أبعاد اكثر شمولا يمكن ايجازها في الإشارة التالية:

تتجلى أبرز ملامح التقصير في مجمل الحركة النقدية العربية الحديثة في غياب ” المناهج ” التي تضبط ايقاع هذه  الحركة مما يعني التقصير في إكتشاف قوانين التطور الأدبي العام في بلادنا، أي اكتشاف المسار العام للحركة الأدبية العربية الحديثة من ناحية ، والقوانين المضمرة في التجربة الأدبية النوعية كالرواية والمسرح والقصيدة والقصة القصيرة من ناحية أخرى . وقد يظل هذا التقصير قائما ما لم يرافق هذا الأكتشاف المزدوج ” نقد النقد ” وهذه مسألة أخرى تدعونا بإلحاح إلى وضع “إستراتيجية”نقدية تضع في الإعتبار خصوصية الظاهرة الأدبية مع الإفادة من مكتسبات التراث النقدي الذي مازال في حاجة إلى الدرس والإضاءة (1) ” لا سيما أن هذا النقد (نقد النقد) هو نقد للذات كما أنه نقد للأخر، وذلك بقدر ما يتيح طُرق بعض القضايا  المحورية، وبلورة المنهجيات المناسبة للمقاربات التي تفترضها.

ومن هنا فالنقد مدعوّ الى ” الأخذ بمنهجية محددة في البحث وإعتماد طريقة موضوعية في معالجة المادة الأدبية،وإجتراح المصطلاحات والمفاهيم الملائمة لها والسعي إلى غايات مستقلة بها(2) ” مما يعني أن النقاد -مدعوون-إلى الإستفادة من كافة مناهج النقد الغربية،ولكن دون نقلها نقلا أعمى لا يراعي خصوصيات النص الإبداعي العربي،ناهيك وأن التطبيقات البنيوية والتفكيكية وغيرها موغلة في الغموض والتعقيد مما حدا ببعض المبدعين للقول بأنهم لم يستفيدوا مطلقا من النقد ولم يسهم في تطويرهم كما أعلن ذلك مرارا الراحل نزار قباني.

 ضمن هذا السياق  علينا الإعتماد على خبرنتنا الخاصة وتجربتنا النوعية التي تستفيد من المنهج الحديث بالإضافة إليه والحذف منه  والتعديل فيه بما من شأنه أن يرمّم الجسور بين العمل الأدبي المعاصر والنقد من ناحية،و يردم الهوة بين القارئ والناقد من ناحية أخرى..

كذلك يغيب عن نقدنا الحديث تقليد البحث عن المواهب الجديدة والإحتفال بها  فقط عندما تتحول إلى مؤسسات، أي بعد أن تكتمل ولا تعود هي أو القراء إلى النقد،هذا في الوقت الذي بتناسى فيه النقاد.

إني أتكلم هنا عن ” النقاد الأكادميين ” بالمعني المدرسي للإصطلاح،لا عن أشباه-النقاد- ممن يعملون مديري دعاية للأدباء والفنانيين-أن الموهبة الحقيقية الجديدة تعني بالأساس أن ثمة نبضا متميزا جديدا في الثقافة والمجتمع .و الإحتفال بها ليس تطوعا أو منّة ولا حتى ” واجبا ” بالمعنى الأخلاقي وإنما هو اكتشافا لظاهرة ثقافية-جتماعية لمن يريد أن يبني رؤيا صحيحة للثقافة والمجتمع الذي يعيش فيه.اي لمن يريد أن يكون ناقدا ذا نهج.

 أقول هذا لأن ساحتنا النقدية بخاصة غدت مرتعا ل(تكتلات) غير بريئة،مافتئت تصنع من بعض الأسماء المشهورة( ….) في الشعر والقصة والرواية أصناما تعبد وتمجّد.وكأن الإنجاز الإبداعي العربي في هذه الفنون توقّف عندهم (!).

بعض النقاد  إن لم أقل الكثير منهم "ينظر الى المسألة نظرة مصالح،فلا يلتفت لما تطرح ما لم تكن ذا مكانة اجتماعية او اعلامية مثلا يمكن ان تعود على ذلك الناقد بفوائد جمة وانت تعرف مثل هؤلاء.

ومنهم من يعيش نرجسية تامة او ربما تحجبه عن النظر لما يقدم هذا المبدع او ذلك الكاتب لانه اي الناقد اعلى من مستوى ان يلتفت لمثل هؤلاء ويظل متشبثا بتلك الاسماء اللامعة التي يعتقد انها هي الاولى بقلمه,ومنهم من شغلته الصحافة بحكم عمله بها من المواصلة بجدية في عالم النقد,،فالساحة تائهة يا عزيزي،وكما انه هناك تراجع ملحوظ في اعداد القراء والمهتمين بالقراءة،فان هذا سينعكس على الجوانب الثقافية والمعرفية بلاشك ولقد قال لي احد النقاد من الاسماء اللامعة: انه بات يخجل الآن من المواصلة في تقديم زاويته الاسبوعية والتي تمتاز بالطابع الاكاديمي البحت في الطرح في المجال الادبي لانه يتساءل وبكل بساطة من سيقرأ هذا الكلام." (3)

 وهذا يعني عدم الإهتمام بالأسماء والمواهب الجديدة في الفنون كافة ولسوف تظل معظم الكتابات النقدية -هنا وهناك-كتابات فوقية على هامش النص الإبداعي مالم تتجاوز هذه السلبيات نحو أفق حركة نقدية واعية وواعدة..

ما أريد أن أقول؟

أردت الإشارة إلى أن التعالي على أية ظاهرة أدبية -اجتماعية كالتجاهل المقصود لهذا الكاتب او ذاك لمجرد أننا نختلف معه فكريا،أو لأن أدبه لم يحقق  مستوى جماليا راقيا هو في الحقيقة إحتقار لعديد القراء،أكثر مما هو إحتقار للكاتب نفسه،في حين نولي وجهنا عنه بدعوى أنه تحت مستوى النقد (…).

 "النقد المحلي بحاجة لان يواكب الحركة الثقافية والادبية المحلية،النقد بحاجة لان يكون متتبعاً لكل ما يكتب،ويكون متميزاً،اما ان نهتم باسماء ونغفل اسماء اخرى فهذا في ظني هو الخطأ."'(4)

وإذن؟

 ليست هناك إذا،ظاهرة أدبية تحت أو فوق مستوى النقد، طالما أنها “ظاهرة” وطالما اننا ندعي الإهتمام بالمتلقي.وطالما ندّعي أننا أصلا نقاد أدب مهمتهم استكمال دورة الكتابة والقراء بالنقد. وأخيرا طالما أننا “نقاد نبحث عن مناهج تسترشد بالمدلول العام لحركتنا الأدبية في خط متواز لتطورنا الإجتماعي-الثقافي وفي خط متقاطع مع القوانين النوعية لفنوننا الأدبية”(5)

استتباعات:

إن ما يفضي إليه الرصد المقتضب للخطاب النقدي الحديث استتباعا لما تقدّم هو أن النص النقدي يتموقع في خانة التقصير-التي يعسر الخروج منها بغير السعي الحثيث إلى أن يكون همزة وصل بين نهضتنا والحضارة الحديثة في العالم،وهذا يقتضي منه “النضال” بقدر ما يستطيع في سبيل المشاركة الفعلية في نبض العالم بالإنتاج والعطاء، لا بالإستهلاك أو النقل لاسيما وأن الثقافة لم تنته بعد بانتهاء الحضارة الغربية أو انقطاع العطاء الغربي للحضارة بتعبير أدق .

على أية حال،بقليل من التفاؤل وبمنآى كذلك عن التعسفية أو الإسقاطية الذاتية أقول: إن النقد العربي الحديث قد حقّق بعض النجاحات سوى بتحويل مجموع اجتهاداته إلى “حركة من تيارات” لا مجرد التماعات فردية،أو بإقترابه الجسور من جوهر التجربة الأدبية المحلية، أو بإلتصاقه الحميم بالطبيعة الخاصة للأدب.و مع ذلك فليست النيات-على طيبتها-هي المقياس أو الحكم في مثل هذه المسألة،بل  الفعالية الإجرائية العملية في مقاربة النصوص الأدبية وهي تتجلى في مدى اتساق المنهج البحثي وملاءمته للعمل الأدبي المتناول،و مدى إقناعه  بتماسك طرحه وخصوبة نتائجه ..

و تظل المفارقة في حالة توالد مع الأصوات النقدية الجديدة التي تنحت دربها  في الصخر بالأظافر،حتى أنها ” تؤسس لتحويل نقدنا العربي الحديث الى حركة قومية من ناحية  وتخصصات نوعية من ناحية أخرى.. الأمر الذي يشير ببطء شديد إلى إحتمالات نظرية أكثر شمولا في المدى المنظور (6).

على سبيل الخاتمة:

إن العمل الفني الجدير بصفة الإبداع هو ذاك الذي يصوغ جدلية العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل في حوار مجلجل ومساءلة عميقة،كما أن النقد المنهجي الجدير بصفة الإبداع هو أيضا ذاك الذي يعتقد في جدلية التطور التاريخي وينآى عن التضخم  النرجسي والأحكام المسقطة ليستشرف  المستقبل  بعمق وثبات..

وأخيرا،فإن التقصير في النقد العربي الحديث ليس خاصا بالنقاد كأفراد، بل كحركة نقدية عربية معاصرة شهدت "إشراقات خلاقة" على درب الإبداع،منذ فجر النهضة إلى مغيبها.وكل ما أقصده هنا، أننا غدونا نعيش في ظل متغيرات كونية كاسحة تعبق برائحة التحديات،إذ أننا على هذه الأرض في مفرق الطرق بين الإنسحاق خارج التاريخ أو الولادة الجديد في ” ثورة ثقافية ” تصحح التاريخ باشراكنا من جديد في العطاء الحضاري للعالم.وما على النقد الأدبي-كفكر وفن  وعلم-الإ أن يكون في مستوى التحدي وفي طليعة هذه-الثورة الثقافية الشاملة-كي يسجّل بحضوره الفعال علامة مضيئة في طريق التحول ومنعطف الإنتقال..


محمد المحسن


الهوامش:

1–  زهرة الجلاصي: أنظر مقالها المنشور بمجلة الآداب – البيروتية- العدد 12/11 – ص  100

2–  سامي سويدان – المرجع السابق  – ص 54 – بتصرف طفيف

3-عن القاص السعودي د-خالد الخضري-صحيفة الجزيرة العدد9996

4- د-خالد الخضري-.ذُكر سابقا-المرجع نفسه

5- الدكتور الراحل – غالي شكري- عن كتابه: سوسيولوجيا النقد العربي الحديث – ص257.

6- د. غالي شكري –ذُكر سابقا – ص 223 – بتصرف-



رؤية نقدية حول رواية الكبسولة للأديب - كميل أبو حنيش الشاعر الناقد/ سامي ناصف

 هذا جانب من رؤيتي النقدية التي قدمتها حول رواية الكبسولة للأديب - كميل أبو حنيش منذ أكثر من سبعة أعوام ، وهو بالأسر ، والآن تحققت نبوءة الرواية في تحررها

يقدمها لكم الشاعر الناقد/ سامي ناصف . جمهورية مصر العربية.

دور النزعة الفلسفية في رواية الكبسولة لكميل أبو حنيش.

………

 لقد نجح كميل أبو حنيش، في تحويل المكان الأكثر ضيقًا - الزنزانة - إلى أفق وجودي مفتوح  على أسئلة الوعي والحرية والمعنى.  

فالسجن، الذي يُفترض أن يكون انغلاقًا، يتحول في النص إلى فضاء فلسفي رمزي، تتجسّد فيه كلّ ثنائيات الإنسان الكبرى:  

الحياة والموت، الحضور والغياب، الجسد والروح، الحرية والقيد.  

إنها رواية لا تكتفي بتسجيل معاناة الأسر، بل تُخضع هذه التجربة لاختبار فلسفي عميق، لتستخرج  من الألم معرفة، ومن العزلة تأمّلًا في الكينونة الذاتية.


ثانيا:  النزعة الفلسفية، من التجربة إلى الفكر.

تتبدّى النزعة الفلسفية في الرواية عبر ثلاث محاور جوهرية:

أ- محور الوجود:  حيث يتحول سؤال -من أنا؟ إلى مواجهتة مع العدم، في غياب كل صدىٰ خارجي للذات.  

  هنا يستعيد النص الهاجس الوجودي.

حيث إن الوجود لا يُقاس بما نملكه، بل بوعينا بالحدود التي تطوّقنا.  


ب - محور الزمن: إذ تتفتت الحدود الزمنية بين الماضي والحاضر، ليصبح الزمن تجربة وعي داخلي لا قياسًا فيزيائيًا.  

  الأسير يعيش الزمن بوصفه (مطلقًا راكدًا)وفي تلك الرتابة يكتشف هشاشة إدراك الإنسان للوقت.

ج- محور الحرية: الحرية تتحوّل من شعار سياسي إلى (سؤال ميتافيزيقي)  

  ما الحرية إن لم تكن اختيارًا داخليًا؟  

  وهنا يُظهر الكاتب وعيًا فلسفيًا عميقًا بالحرية بوصفها، مسؤولية الذات عن معناها، لا مجرد خروج من الجدران.


ثالثا: البعد الرمزي فرواية الكبسولة بوصفها استعارة كونية

تؤدي  - الكبسولة- دورها  في الرواية كرمز مركّب يجمع بين الواقعي والخيالي؛

 فهي من جهة أنها رسالة المهربة التي تعبّر عن فعل المقاومة والتواصل الإنساني في السجن.  

- وهي من جهة أخرى، رمز الوعي المضغوط داخل الجسد، أي الإنسان المقموع الذي يحمل في داخله سرّ الخلاص.  

 كما يمكن قراءتها كـرمز كوني للوجود الإنساني: مخلوق صغير محدود، لكنه يحمل في جوفه جوهر الكون. 

بهذا المعنى، تتحول الكبسولة إلى استعارة فلسفية للإنسان الفلسطيني نفسه،  

المحاصر بالحديد والسياسة، لكنه لا يتوقف عن الحلم، عن البثّ، عن إيصال صوته، حتى لو كان عبر ثقبٍ في جدار الزمن.

رابعا:  البعد السياسي.

 تبقى الرواية(لكميل أبو حنيش) منغرسة في السياق السياسي الفلسطيني.  

لكن أبو حنيش لا يقدّم خطابًا شعاريًا أو خَطابيًا، بل يجعل السياسة، تتجسّد في التجربة الإنسانية.  

فالفكر الفلسفي هنا لا يُقصي البعد الوطني، بل يرفعه إلى مستوى الوعي الوجودي بالتحرر.  


إن الحرية في الرواية ليست فقط تحررًا من الاحتلال، بل تحررًا من الاستسلام، من الخوف، من اغتراب الإنسان عن ذاته.  

بذلك، تمارس الرواية فعلاً نقديًا مزدوجًا:  

نقد الاحتلال بوصفه سجنًا مادّيًا،   ونقد الاغتراب الإنساني بوصف سجنًا معنويًا.


خامسا: الكتابة كفعل خلاص فلسفي

الكتابة في رواية الكبسولة، لكميل -  ليست وسيلة للتعبير فحسب، بل فعل وجودي مقاوم.  

هي استمرار للوجود رغم محاولات إلغائه، واستعادة للزمن رغم توقفه.  

وهنا يظهر البعد الفلسفي الأسمى:  

أن الكتابة، هي  الحرية الأخيرة التي لا يمكن لأي سلطة أن تصادرها.  

إنها شكل من أشكال التحرر الداخلي التي  تعيد الإنسان إلى ذاته، وتمنحه خلودًا روحيًا.  


بهذا المعنى، تتحول الرواية إلى نصّ أنطولوجي، أكثر من كونها سردًا واقعيًا.  

إنها تأمّل في ماهية الإنسان وهو في أقصى درجات انكشافه على الوجود.


سادسا: التركيب النقدي النهائي

يمكن القول إن رواية الكبسولة تجمع بين ثلاثة مستويات متداخلة تشكّل بنيتها الفلسفية، والرمزية،  السياسية.


سابعا:  جُملة القول:  رواية الكبسولة ليست رواية عن السجن، بل عن الوعي داخل السجن  

وليست عن الأسير فحسب، بل عن الإنسان حين يُختبر وجوده في أقصى درجات العزلة.  


هي رواية تُعيد تعريف المقاومة كفعل تفكير،  

وتُعيد تعريف الفلسفة كفعل حياة،  

وتُعيد تعريف الأدب كمساحة يلتقي فيها السياسي بالميتافيزيقي، والرمز بالواقع، والإنسان بالمطلق.


بهذا تضع - رواية الكبسولة -  نفسها ضمن تيار الأدب الفلسفي المقاوم، الذي لا يكتفي برفض القيد، بل يسعى إلى فهم معناه،  

فتغدو الرواية رسالة من داخل الأسر إلى وعي العالم، وكبسولة فكرية تحمل في داخلها نبض الإنسان الباحث عن معنى الحرية وسط العدم.

هذا جانب من دراستي النقدية التي قدمتها منذ أكثر من سبعة أعوام حول رواية الكبسولة للكاتب والأديب والشاعر الأسير المحرر مؤخرا ( كميل أبو حنيش

حيث تم  إذاعتها عبر الزوم بنادي الأسير بغزة العزة الدراسة كاملة بالصوت والصورة.

يقدمها لكم:

الشاعر الناقد/ سامي ناصف

جمهورية مصر العربية.

واتسآب ٢٠٠١٠٠٨٠٣١٦٤٨



السبت، 25 أكتوبر 2025

حرفية الغموض والأدبية الشعرية في ترسيخ العلمية رؤية نقدية للناقدة التونسية سهيلة حماد في شذرة الدكتورة الشاعرة السورية نادية حماد:

 حرفية الغموض والأدبية الشعرية في ترسيخ العلمية رؤية نقدية للناقدة التونسية سهيلة حماد في شذرة الدكتورة الشاعرة السورية نادية حماد:

=========

الشذرة:

 الدكتورة الشاعرة نادية حماد


الشعر بحرقلاع


والدهشة  قارب بلاشراع

==========

التعقيب:


الله الله ما هذه البلاغة الإيقاعية المستفزة للممهجة والروح في تناسق المبنى والمعنى المنتجة لصورة على غاية من البلاغة والفصاحة..

دام نبض حس قائلها مستمرا منغما منسقا  لسنفونية الإبداع في رقة  يترجم تدفق مشاعر فياضة تتعالق مع ما يرغب في قوله القارى ولا تعسفه الكلمات..

بعد التفاعل الأول مع الشذرة نلاحظ أن قائلها يحمل رؤية وذائقة علمية سعى إلى طرحها بطريقة غير مباشرة 

وهي في هذا تسير على خطى الأوائل في وضع القواعد العلمية للنحو والصرف..


إذن هي شذرة زئبقية مشاكسة مخاتلة، إذ تجمع بين العلمي وبين الشعري  المخاتل لتكون الأنموذج المرغوب للمقاطع الشعرية التي تكون القصائد، فالشذرة التي بين أيدينا  تشد قارئها  بواسطة الإيقاع الصوتي المنغم بمقاطع صوتية ذات أثر بليغ على نفسية القارئ، مصحوبة بصورة شعرية واضحة  وموظفة بطريقة ذكية.

تعريف الشعر في الشذرة:


الشعر بحر قلاع المقصود أن الشعر كجنس هو عالم تركبه زوارق وقوارب ومراكب ذات أشرعة قد تقودها الرياح بواسطة أشرعتها حيث لا يرغب ربانها في حال زوبعة،  وقد ينجح  الريان في إيصالها إلى مرفئها، فلكل سفينة وجهتها. وبالتالي نتبين كيف أن الشعر عالم قد تحكمه الحرية  والقيود  كقواعد العمودي الحاسمة والتفعيلة وقد يكسر الشعر أغلال التفعيلة في ثورة على النمطية لينتج شعرا حرا، يستلهم إقاعه من الصورة  والبلاغة.. وعليه نستنتج أن الشعر بحر من البحور والمتاهات في كل الاتجاهات تحكمه الثقافة وترند  العصر.. 


أما الدهشة فلا شراع لها شريعتها هي شعارها، الدهشة ولا شيء غير الدهشة، زادها وزوادها لمسة غموض بمقدار، فالغموض في شذرة الشاعرة يغذي الدهشة كما يعمل  على تحريك محرك البحث عن الخيط الرابط الذي يؤلف بين جملتين  تسبح كل منهما في فلكها غير آبهة بالثانية في الظاهر، غير أن حرف العطف (الواو) جاء  ليؤكد وجود علاقة  بينهما، ليكون الضفيرة التي تشد أزر المعنى  وهذا ما سنعمل على توضيحه على مهل حتى نفهم معا المغزى...


منحى الوظيفة العلمية: 

 وردت الشذرة في جملتين اسميتين، معطوفة إحداهما على الثانية، وكأنها معادلة في ميزان قياس جمال أثر  إبداع الشعر والدهشة على المتلقي، وكأننا بالشاعرة تذكر قارئها بأن الشعر ليكون شعرا تتحقق أدبيته، لا بد أن يقترن بالدهشة، لذلك استخدمت حرف العطف (و) بدلا عن حرف العطف (ف) الذي يرتب الأشياء على حسب أهميتها.  للتذكير فإن كل من الجملتين  تتكونان من مبتدإ مفردة  (الشعر)  (الدهشة).

الشعر جنس أدبي  من خصوصيته تحريك الوجدان عبر صور شعرية، في حين أن الدهشة هي ردة فعل ونتيجة لا بد أن تقترن بالقرض.

أما كلا خبر الجملتين فوردا على نحو مركب إضافي يصف خصوصية كل مبتدأ.


الخاتمة

وهكذا نتبين كيف ألفت الشاعرة بين الأدبية الإنشائية والعلمية في عبارتين خفيفتين بما قل ودل متعمدة طرح معادلة إشكالية مقنعة، لتمتحن قارئها وترسخ القاعدة بشطارة الحرفية المتمكنة بلباقة العارف المتواضع..



الخميس، 23 أكتوبر 2025

قراءة نقدية وفقة مقاربة ميتاروائية الرواية: "سين تريد ولدا" الروائية : لطيفة الحاج (الإمارات) الناقدة جليلة المازني (تونس)

 قراءة نقدية وفقة مقاربة ميتاروائية

الرواية: "سين تريد ولدا"

الروائية : لطيفة الحاج (الإمارات)

الناقدة جليلة المازني (تونس)

القراءة النقدية وفق مقاربة ميتاروائية:

المقدمة:

ان رواية "سين تريد ولدا" للروائية الاماراتية لطيفة الحاج هي رواية تتحدث عن امرأة تقترب من سن الأربعين من عمرها وتتوق بشدة لإنجاب  ولد فتقرر الحصول عليه بأي ثمن .

والرواية تطرح قضية الشوق الى الأمومة وصعوبات  الارتباطات بعد سنوات من الوحدة وهي تعكس واقع العديد من النساء  في المجتمعات العربية.

ان  هذه الرواية هي رواية الشخصية بامتياز وقد اختارت الروائية لطيفة الحاج شخصية المرأة "سين" لتجعل الأحداث تدور حولها وهي تحاول إنجاب مولود قبل وصولها لسن اليأس فتجرّب طرقا مختلفة لإيجاد زوج مناسب.

وفي هذا الاطار لا تخلو الرواية من الحديث عن نفسها وعن هاجسها  فالذات الروائية تهدم نموذجا وتؤسس لنموذج  آخر من المرأة .

وهذا ما يطلق عليه  بالميتاروائية التي تجسدت شكلا ومضمونا بالرواية:

1-على مستوى الشكل:(العتبات الميتاروائية):

أ- عتبة العنوان:" سين تريد ولدا"

+اسم المرأة :"سين" لقد أسندت الروائية لهذه المرأة التي تريد ولدا اسما هو في الحقيقة حرف.

وحرف السين في علم الطاقة والأحرف:" يُنظر اليه كحرف متمرد وغامض يمتاز بالشخص الواثق بنفسه المبدع والمحبوب ويتميز بالعفوية والاعتماد على الذات مع حساسية عالية ".

هل هذه الثقة في النفس تجعل لها ارادة قوية في إنجاب ولد ذكر؟

+العنوان مشحون بخطاب الكراهية لجنس الأنثى والذي يتنافى وقوله تعالى"لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء.. يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور..(49)ويجعل من يشاء عقيما "(50) سورة الشورى.

ولعل القارئ هنا يتفاعل مع هذا العنوان ويستحضر الآية الكريمة(8) من سورة التكوير" واذا الموؤودة سئلت باي ذنب قتلت) ليعتبر ان شخصية "سين" لا تخفي عنه عقدتها الموروثة للأنثى.

+صورة الغلاف: تمثل صورة امرأة تدير وجهها للآخر رافعة يديها كأنها تعتذر له عن تمرّدها من خلال تلك الألوان الحارة (الاحمر والاصفر خاصة).

ام اللون الأبيض فقد يوحي بتكفيرها لتطرّفها الفكري.

ب- التصديرات التي أوْرَدَتها الكاتبة :

التصدير ص(3) "ليت الحب ينقذنا من الحياة" نيرودا.

-التصدير ص (4)" إنه يرحل.." يحزّ في نفسها رحيله.

التصدير ص (5)"انما يفتضح العاشق في وقت الرحيل" ابو نواس: تفضح مشاعر العشق.

ص(9) "العشق جميل حين نعيشه مع الآخر وقاتل عندما نفكر فيه وحدنا"

ميادة كيالي: انها رسالة تشي بها الروائية للقارئ.

ص(22) "الأحزان جيوش  والفرح قلعة صغيرة" جاسم كلمد.

ص(35)سأصبح أمّا:

هل ستصبح أما تحت مؤسسة الزواج؟

هل ستصبح أما تحت قيمة الحب؟

هل ستصبح أما تحت خارج اطار الزواج؟

ص(36) "الحياة مع الحب مليئة بالأشواك لكن الحياة بدون حب لا ورْد فيها" نيتشه: انها تشي للقارئ بقناعتها بقيمة الحب

2- على مستوى المضمون:

الشعور بالندم على ايقاف الحياة الزوجية بينهما:

("سين" نادمة على قرارها غير المسؤول لالغاء ارتباطها بالزوج).

تقول في ص (5)"باغتني وكأنه كان يحسب الأيام. وفي ذكرى زواجنا الثانية خرج من حياتي كما جاء في الاتفاق.. لم تطاوعني أصابعي لأكتب له ردّا وكلماتي ضاعت ,الدموع حجبت رؤيتي والشاشة لم تعد واضحة.. لماذا ردة الفعل هذه وهذا الشعور الذي ينتابني الآن ,أنا التي لم أدخر جهدا لأبدي له أنني لا أطيق وجوده في منزلي بعد ان حصلت على مرادي.."

اليوم انقطع حبل سعادتي الوهمية حين وصلتني رسالته ولم أتمكن من الرد عليها"ص(8).

حديث النفس السلبي: ص(6): وهو نوع من جلد الذات:

-"أنا التي غضبت عندما  أبدى رغبة في التعديل على شروط  الاتفاق"

كان شرطي  الأخير والأهم هو أن يبقى حتى يأتي الطفل ثم يصبح حرا"

لو لم يأت الطفل هل سأستجديه  للبقاء لنحاول من جديد" ؟

يكفي أنه وافق على  هذه المسرحية.

استحضار حياة  شقيقتها فاطمة السعيدة ص(7)

الخوف من زوج لا يكون داعما ومساندا لها أوخائنا لها مع من هي أصغر منها سنا ص(12). "سين " تخفي عقدة نفسية.

ادخار حنانها لطفلها فقط ص(13)

التطرف في الشوق الى الأمومة الى حد التفكير في خطف أحد الاطفال ص(19) هاتفها المكتض بصور الأطفال ص(19)

التذبذب في المشاعر ص (18) وقد دعمته صورة الغلاف

اعتبار الزواج اتفاقية مجردة من كل المشاعر كأنها اتفاقية شغل او مسرحية عابرة.

وفي هذا الاطار ومن خلال العنوان وصورة الغلاف والتصديرات وبعض المضامين نقف على  هاجس الذات الشاعرة. فالروائية لطيفة الحاج  تهدم نموذجا للمرأة وتؤسس لنموذج آخر فهي:

تهدم لتؤسس.

تقوّض لتبني.

تنفي لتثبت.

تدحض لتدعم...

ترفض أن تكون المرأة لا تعطي قيمة للآخر(الصورة) .

تدعم أن تكون المرأة أنثى بعشقها وحب الطرف الآخر (التصديرات).

تقوّض نموذجا للزوجة التي تحصر الزواج في الانجاب.(العنوان).

+تبْني نموذجا للزوجة التي تجعل من الزواج سكَنا ايمانا منها بقوله تعالي :

" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة "سورة الروم (21)

تدحض زواجا بدون حب .

تدعم زواجا  قائما على الحب.

ترفض التمييز بين الذكر والأنثى.

+تنتصر للأنوثة وتقلب الطاولة على الذكورة .

ترفض  البنوة بطرق غير شرعية  والأم العازبة ( التفكير في اختطاف طفل/ الخضوع  لعملية تلقيح اصطناعي)

تدعم البنوة عن طريق الزواج الشرعي.

+تدعم مؤسسة الزواج  التي كادت تندثر في الوقت الحاضر.

والأكثر هو ان هذا الهاجس الذي تتحدث عنه الذات الروائية يزداد دعما حين تكون الكاتبة أنثى وهي  تثير المسكوت عنه .

ومن وجهة نظر حقوقية فهي  تقاوم واقعا متأزما و تدافع عن هاجس يُقِضُّ مضجعها وهو نموذج امرأة هي:

أنثى بمشاعرها ورومانسيتها

أنثى معتدلة عقلا ووجدانا

أنثى هي انسان بما يتمتع به من قيم انسانية قوامها الحب الذي يبني بيوتا لاعماد لها.

ان الروائية لطيفة الحاج تهدم عقلية وتؤسس لعقلية جديدة تستجيب لحقوق المرأة كإنسان.

لقد أتممت قراءتي النقدية ونبع لعبة المتاروائية في الرواية ومتعة التأويل وعمق المعنى لم ينضب بعْدُ.

سلم قلم الروايئة  لطيفة الحاج التي تتوق الى نموذج من المرأة المعتدلة المرأة الانسان.

بتاريخ 19/ 10/2025



حينما يتهاوى هيكل الجدار بقلم الأديب قاسم عبدالعزيز الدوسري

 حينما يتهاوى  هيكل الجدار

كيف يكون الترميم 

مسلّة حمورابي  

لازالت نفسها بقوانينها

رغم القرون التي مضت 

ولكن هناك هياكل انقرضت

لم يسعفها الترميم....

كل الدور العتيقة التي

كانت تملكها البشر

كانت تخرج منها أنفاسها

وأريج عطرها الفوّاح 

باتت أطلال يبكي عليها كل الشعراء....

فياليت شعري يبكي على داري

سقط الجدار...!

ولكن لم تسقط  الروح التي فيه

هنا كانت الطفولة...

وهنا كان الجار الطيب

وهنا درسنا ...

وهنا لعبنا...

وهنا مات أهلونا...

فلا ينفع بعد ذلك الترميم

هياكل الدور أصبحت حطام

أيها الوغد ...إبعد

أيها الغول من سمح لك أن تقتل أحلامنا

من سمح لك أن تدفن عشرتنا

وأن تمحي أثر هيكلنا...

أيها الشرير ...

أعلم إنك لا تقوى إلاّ على الفقير

فألف الف رحمة على ذكريات الأمس

وذكريات الطفولة

قاسم عبدالعزيز الدوسري



الأربعاء، 22 أكتوبر 2025

الغموض في تعزيز جمالية القصيد: رؤية الناقدة التونسية سهيلة حماد في قصيدة الشاعر التونسي طاهر مشي

 الغموض في تعزيز جمالية القصيد:

رؤية الناقدة التونسية  سهيلة حماد في قصيدة الشاعر التونسي طاهر مشي: 


قفي حيث أراك

ااااااااااااااااا اااااااااا

أرتّبُ صمتي على مهلٍ

كأنّي أزرعُ الريحَ في الحقول

وأنتظرُ أن يورقَ الغياب

تمرّ اللحظة...

تحملُ وشوشةً

من زمنٍ

لم أُخلقْ فيه بعد

تسقط في قلبي

كنجمةٍ تائهة

ترشدني

إلى طريقٍ لا يؤدي إلا إليّ...

ألهو بخيوطِ الغيم

أخبئ فيها وجهَ القصيدة

وأعقدُ حول معصمي

وشاحًا من دفءٍ راحل

من حنينٍ

باردٍ

كما لو أنه

ينامُ على عتبة اللقاء

أشدّ المدى نحوي

أخيطُ من صدى العيونِ

نافذةً

وأغلقها

فوق طاولتي

كوبُ قهوةٍ

لم يشربه أحد

سوى الذكرى

ووجهي الآخر

حين يبتسمُ لي من مرآةٍ

تشبهني

ولا تقول اسمي

يا من تعبرُ مواسمي

كحلمٍ ينكسر

عند أول انحناءةِ ظلّ

كُنْ كلّ الجهات

حين تتعب الريح

وأنا أغفو

على زندِ المسافة

افتحْ نوافذك

دعني أذوبُ

وأحكي لك

كيف صار آدمُ ظلًّا

وصارت حواءُ

قلبًا

لا يُحتمل

ااااااااااااااااا

1/7

المدخل: 


قصيدة "قفي حيث أراك" تتقد بلهيب الشعر والشاعرية، حيث يهيم صاحبها بحبيبة حاضرة بالغياب بقوة. وقد أخفى عنا السبب الحقيقي لفقدها، مما خلق لدى القارئ فضولًا وتسبب في فتح صنبور تأويلات شتتت ذهنه وذهبت به في اتجاهات مختلفة.

ما يهمنا ليس معرفة السبب في حد ذاته، ولكن ما يشدنا هي تقنية التعبير التي توخاها مرسل الخطاب الشعري، للتعبير عن مشاعر إنسانية بعمق وإبداع مبتكر. القصيدة تنسج لوحة فنية على غاية من الجمال، حيث غزل المتكلم "الأنا" المعاني، ونفخ فيها بريشة الحرف، فحركها بمجاز اللوعة والتشبيه والرموز في عالم مكتظ بالغموض والضياع.


العنوان: ورد في صيغة الأمر "قفي حيث أراك" 

فعل الأمر "قفي"، ولد حالة من الحزم والقوة في الخطاب، استفزت القارئ وجرته للتساؤل عمن عساها تكون هذه التي يتوجه لها الشاعر بالخطاب. ثم تأتي العبارة "حيث أراك" لتزيد من الغموض.


الاستهلال والقفلة :

على مستوى الشكل:


يتكرر حرف الألف في السطر  الذي يلي العنوان، وكذلك في الخاتمة  (اااااااا)  مما يخلق صورة بصرية مبتكرة. هذا الشكل المبتكر يرمز إلى روح الخطاب الشعري، مشكلًا بذلك مساحة الصمت المرتب بصريًا التي يحاول الشاعر جاهدًا أن يرتبها بداخله شكلًا.

.

الموضوع:


الموضوع الرئيسي للقصيدة هو الشوق واللهفة للحبيبة. القصيدة تعبر عن حالة من الفقد والاشتياق، حيث يشعر الشاعر بالوحدة والفراغ بدون حبيبته.


تحليل القصيدة:


القصيدة تعكس رؤية فلسفية لذات تائهة تشعر بغربة وجودية، وتحاول أن تتعرف على نفسها من خلال مرآة الذكريات. الشاعر يستخدم لغة شعرية مبتكرة ليعبر عن مشاعره وتجربته.


2/7

الزمن في القصيدة: "تمرّ اللحظة... تحملُ وشوشةً من زمنٍ لم أُخلقْ فيه بعد تسقط في قلبي كنجمةٍ تائهة ترشدني إلى طريقٍ لا يؤدي إلا إليّ... ألهو بخيوطِ الغيم أخبئ فيها وجهَ القصيدة وأعقدُ حول معصمي وشاحًا من دفءٍ راحل من حنينٍ باردٍ كما لو أنه ينامُ على عتبة اللقاء".


يواصل الشاعر حلمه الآن لحظة الكتابة باللقاء المستحيل الذي شبهه "كما لو أنه ينتظر اللقاء المستحيل"، بعد أن تسلح بوشاح حنين حيث يقول: "ألهو بخيوط الغيم، أخبئ فيها وجه القصيدة وأعقد حول معصمي وشاحا من دفء راحل من حنين". إن استخدام الشاعر لصيغة "راحل" بدلا من "رحل" توحي بأن الفعل لم ينته بعد، مما يعكس حالة الشاعر النفسية التي لا تزال متعلقة بالأمل في اللقاء.


العبارة "تمر اللحظة" لها أكثر من تأويل. قد تعني سرعة مرور الأوقات السعيدة التي قضاها الشاعر مع الحبيبة، أو سرعة مرور شريط الذكريات في ذهنه، أو مرور أشهر وأعوام على الفراق. وتحمل هذه اللحظة همسة بصوت المفقودة، هذا الصوت الخافت يشبه وشوشة، يوشوش في حياء ورقة، يأتيه من بعيد من زمن الذكريات.. أو ربما يأتيه من عل من الجنة من زمن لاحق: "لم أخلق فيه بعد".


هذه الوشوشة تخلق جوًا من الغموض والدهشة لدى القارئ، وتُربك كل من القارئ والشاعر، فتسقط في قلبه كشهاب أو نيزك كـ"نجمة تائهة" أضاعت مسارها. كأنها أتته خصيصا كي ترشده أين توجد حبيبته، ولكن باقتفاء أثرها في القصيدة ندرك أن هذه النجمة تفشل في إيصاله إلى عنوان حبيبته، إذ تعيده إلى عنوانه، وهكذا تفشل شأنها شأن نجمة تائهة: "ترشدني إلى طريق لا يؤدي إلا إلي". العبارة "إلي إلي" تترك في النفس صوتا غنائيا يذكرنا بمقطع أغنية لنجاة الصغيرة "إرجع إلي إلي"، ليستبدل يأسه. وفي الوقت نفسه، فإن عبارة "النجمة التائهة" خلقت صورة لرمزية عميقة أضفت جمالا على المتن، حيث كشفت حالة الضياع التي يشعر بها الشاعر في رحلة بحثه المضنية عن حبيبته.


يعمد الشاعر إلى عملية تعويض عبر اللهو بغزل خيوط أمل من الغيم يخبئ: "فيها وجه القصيدة" لتمطر حبات وجد تسقي بها زرعه الوهم عل الغياب يورق من جديد.


3/7

آلية حرف النداء ودورها في القصيدة:


يستخدم الشاعر حرف النداء "يا" لاستجداء طيف الحبيبة، حتى يخلق حالة من الشوق والتمني التي تجذب القارئ وتشعره بعمق الحزن والأسى الناتج عن البعد عن الحبيبة. في قوله "يا من تعبرُ مواسمي"، يخاطب الشاعر الحبيبة بلهفة وشوق، ويطلب منها أن تكون بجانبه في كل الأوقات.


دور حرف النداء في القصيدة:


- خلق حالة من الشوق والتمني: يعبر الشاعر عن شوقه وحنينه للحبيبة، ويطلب منها أن تكون بجانبه.

- التعبير عن الحزن والأسى: يظهر الشاعر حزنه وألمه بسبب البعد عن الحبيبة.

- جذب القارئ: يخلق حرف النداء حالة من الاهتمام والتفاعل مع القصيدة.


4/7

-للغة الشعرية:


اللغة الشعرية في القصيدة غنية بالصور والرموز، مما يخلق جوًا من الشوق واللهفة. إن استخدام الشاعر للاستعارة والكناية يضيف عمقًا وجمالًا للقصيدة


صورة رائعة في وصف الشوق: 


يخاطب الشاعر حبيبته ويطلب منها أن تفتح نوافذها ليشكو لها ما أصابه في غيابها. يستخدم الشاعر صورة رائعة لوصف حالة الشوق واللهفة، حيث يقول "يا من تعبرُ مواسمي كُنْ كلّ الجهات حين تتعب الريح وأنا أغفو على زندِ المسافة افتحْ نوافذك دعني أذوبُ وأحكي لك كيف صار آدمُ ظلًّا".


5/7

الرمز في القصيدة:


الرمز في القصيد اتسم بالمخاتلة ونحت الكلمات في سياقات تستجيب لإبداع الشاعر في تشكل المعنى ورؤيته الفلسفية. الشاعر يعي ما يقول، ويستخدم الرموز لتعزيز المعنى والدلالة في القصيدة.

من ذاك استخدام الشاعر لرمز "الريح" يرمز إلى التغيير والتحول كما سنراه لاحقا.


تأويل رمز آدم وحواء في القصيدة:


- استخدام الشاعر لرمز آدم وحواء يضفي عمقًا وجمالًا للقصيدة.

- قصة الخيبات بين آدم وحواء هي قصة تتكرر منذ خلق آدم وحواء ولن تنتهي إلا بانتهاء العالم.

- تصبح القصيدة قصيدة كونية تنفتح على كل الأزمنة والأمكنة.


الغرض من استخدام أنواع خيوط مختلفة:


- ابتكار الصور الشعرية التي تنسج من غير الملموس خيوط غزل في رؤية فلسفية عجائبية.


- جمع الخيال بالواقع: عبر غزل الماضي البعيد، مع ترتيب تدفق ذكريات وغزلها بخيط رفيع مع الزمن الحاضر.

- الرؤية العجائبية تتمثل في جمع المستحيل بالممكن.


تفسير الريح في القصيدة:


- الريح الطيبة يمكن أن تعيد له الحبيبة، مثل عودة يوسف إلى والده.

- الرياح حمالة غيث ونفع، والريح الطيبة يمكن أن تجلب الخير والنماء.

- المكن هو السحاب الحامل لغازات منتجة للمطر بإذن خالق الأرض والسماء.

- غير الممكن هو كيفية غزله لخيوط من هذه الغازات المتبخرة التي تتشكل من تبخر الماء كالحلم المتبخر لحظة اليقظة.

6/7

الخاتمة: 


قصيدة "قفي حيث أراك" تعتبر لوحة فنية رائعة، تعبر عن مشاعر إنسانية بعمق وإبداع. الشاعر يستخدم لغة شعرية قوية مبتكرة، مكنته من خلق رؤية؛فلسفية لذات تائهة. فالقصيدة تركت للقارئ مساحة للتأمل والتفكير في المعاني والرموز المستخدمة. وإن ساهم الغموض في تعزيز الجمالية الأدبية للقصيدة بقوة، إلا أن هذا الغموض قد يعيق فهم المقصود من حياكة العبارة لدى البعض. فقوله مثلا: "أزرع الريح في الحقول" قد لا ينجح البعض في بلوغ معناها، والتي يقصد بها الشاعر كمن يحفر في الماء حفرة، إشارة إلى استحالة اللقاء غير الممكن في الظاهر، ولكن قد تصبح إمكانية اللقاء ممكنة بروح التحدي والأمل، لو حفرنا في معنى مفردة الريح كما أشرنا إلى ذلك آنفا، وجمعناها بفعل "أزرع" الذي يعكس تفاؤل ذات تأبى الانهزام. وتعترضنا أيضا عبارة "أخيط من صدى العيون نافذة"، هي الأخرى تبدو أكثر تعقيدا، وهي يمكن تأويلها بأن الشاعر يرغب التواصل معها عبر إيجاد معبر يمكنه من الوصول إلى عينيها أو يستقدمها إليه. 

للتذكير فإن الغموض رافقنا مذ العنوان  ففي "قفي حىث أراك" حذف لتحديد المكان مع تركيز على المشاعر  فالمكان مبهم وغير محدد، وهذا مهد لنوع من الغموض المكاني والتشويق وهكذا يدفعنا العنوان نحو تكهن مشاعر المتكلم

ويفتح مجال التأويل.


وبناء على ما سبق تحليله يحسب لناظم القصيد قوة حياكة العبارات في صياغة أدبية إنشائية ساهم في تكثيف وتوليد  صور شعرية  ذات أثر فاعل لدى القارئ.  هذا إلى جانب 


ملاحظة:  إن تحليلي هذا كان نتاج إنصات  إلى القصيد النثري   وتفاعل  مباشر انفتح انفتاحا على مختلف التاويلات والمناهج 

النقدية بما يتناسب مع الخطاب المعروض ومراعات ميزاته..


المراجع المؤثرة في التحليل بصفة غير مباشرة: خطاب الحكاية جرار جينات 

لذة النص رولان بارت 

أساليب السرد في الرواية العربية، دكتور صلاح فضل 

 السيمياىيات مفاهيمها وتطبيقاتها سعيد بن كراد 


7/7

الناقدة الأستاذة سهيلة حماد



الشاعرة الفلسطينية الكبيرة الأستاذة عزيزة بشير تطرز قصيدة ذات جمالية فنية خلابة-مبنى ومعنى-عن "ألثّوبُ الفلسطيني المطرّز" بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 الشاعرة الفلسطينية الكبيرة الأستاذة عزيزة بشير تطرز قصيدة  ذات جمالية فنية خلابة-مبنى ومعنى-عن "ألثّوبُ الفلسطيني المطرّز"

قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن الثوب المطرز هو رمز عريق للهوية الفلسطينية والموروث الحضاري.إنه أكثر من مجرد قطعة قماش،إنه سجل حي لتاريخ فلسطين وجغرافيتها وتراثها.

وفي ظل الظروف السياسية الصعبة التي بمر بها الشعب الفلسطيني الشامخ،أصبح الثوب المطرز رمزًا للصمود والمقاومة الثقافية.فالحفاظ على التطريز وارتدائه هو تأكيد على الهوية الفلسطينية والوجود على الأرض.كما  يعبر التطريز عن الإبداع والدقة والصبر،مما يجسد القيم الجمالية للمجتمع الفلسطيني.هذا الثوب المطرز يحمل ذاكرة الشعب الفلسطيني،ويحكي قصة الأماكن التي هُجر منها الفلسطينيون،مما يجعله وسيلة للحفاظ على التاريخ والهوية.

وكما أشارت الشاعرة الفلسطينية الكبيرة الأستاذة عزيزة بشير بكل فخر واعتزاز في قصيدتها العذبة،الثوب المطرز هو روح فلسطين المطرزة على قماش.إنه ليس مجرد زي تقليدي،بل هو هوية وطنية،وشهادة على التاريخ،وتعبير عن الانتماء إلى أرض وتاريخ وحضارة عريقة.إنه رمز للجمال، والصمود،والكرامة الإنسانية.

في هذا السياق تقول شاعرتنا السامقة ( الأستاذة عزيزة بشير)

"ألثّوبُ المطرّز  رمزٌ لهويّتِنا الفلسطينيّة وَموروثِنا الحضاريّ الذي سرقهُ الصّهاينة وألبسوهُ 

كمَوْروثٍ يهوديٍّ لِمضيفاتِ العال الإسرائيليّة فالتقطتهُ الملكيّةُ الأردنيَةُ مشكورةً وألبستهُ لِمُضيفاتها حفاظاً عليه ومساندةً لتراثنا الفلسطينيّ الذي لُبْسُهُ يعتبرُ مقاومةً للاحتلال فتفنّنا به،

لِيُشاركَ في مسابقة ملكات الجمال!


ألثّوبُ أصبحَ شارةً لِتُراثِنا

لِقضيّةٍ فيها الوُجودُ …………تَحَيّرا


ألبِنْتُ تلْبَسُهُ وأُمُّهَا مثلُها 

والكُلُّ يَلبَسُهُ ؛لِيَروِي …….ما جَرى:


صهيونُ سارقُ بدْلَتي مع بَلْدَتي

سَرَقَ التُّراثَ ومعْهُ عُمرُنا.. والثّرى


كلٌّ  تفنّنَ  بالتّراثِ  مُعبِّراً 

عَنْ جُرحِ غزّةَ،عن جنينَ وَما دَرى


أنّ القضيّةَ في اللُّصوصِ ِلِأرْضِنا

افْلسْطينُ أضحَتْ في حِماهُم مَجْزرَة


فَلتْسمَعِ الدُّنيا مُصابَ بِلادِنا

ثوْبٌ يُحدِّثُ عن  بلادِي ….؛ لِيُنشَرَ


ليَقولَ لِلكُلِّ البَسونَي  وَسانِدوا

افْلِسطينَ أرضَ العُرْبِ،حتّى تُنْصَرَ


وتفنّنوا  بِجَمالِهِ كَيْ يُلبِسوا

مَلِكاتِ ؛ كَيْ يغدُو التُّراثُ…. مُؤثِّرا


هيّا الْبَسوهُ وقولُوا للدّنياَ انْصِفي

(غزّا ) ؛لِتُنصَرَ، ضِفّتي……. ؛لِتُحرّرَ


صَلّوا  لِعَوْدٍ  للسّلامِ  أحِبّتي

لِيَعيشَ كلٌّ في الدّيارِ ……،مُحَرَّرا!


عزيزة بشير


نعم،لقد صدقت يا شاعرتنا الفذة أ-عزيزة بشير فالثوب الفلسطيني المطرز،هو أكثر من مجرد قطعة قماش،إنه سجل حي لتاريخ فلسطين وهويتها وتراثها وجمال أرضها.وليس من المستغرب أن يكون هذا الإرث الغني مصدر إلهام عميق لإبداعك الشعري،إذ رأيت فيه رمزًا للصمود والجمال والحنين.وقد تعاملت مع الثوب كتجسيد للأرض الفلسطينية نفسها.فالمرأة التي ترتدي الثوب هي رمز للأم-الأم الحنون،والأرض الخصبة، والحافظة للتراث.وفي قصيدتك هذه،تحولت المرأة الفلسطينية ذات العفة العالية والثوب والأرض إلى كيان واحد.

وهنا أقول : مع التشريد والنكبة،أصبح الثوب بالنسبة للاجئين الفلسطينيين تذكارًا ملموسًا للوطن المفقود،للبيت،للقرية،لحياة كانت ذات يوم. أنت-يا شاعرتنا الفذة-تستحضرين صورة الثوب في ديار الغربة لتعبري عن لوعة الحنين والألم.حيث تتداخل صورة المرأة مع صورة الأرض،ويكون الثوب هو الحقل المزهر الذي يمثلها.بل يمثلك أنت يا إبنة جنين الشامخة.

وهنا أضيف : في مواجهة محاولات طمس الهوية الفلسطينية،أصبح ارتداء الثوب المطرز أو التحدث عنه فعل مقاومة.والشاعرة الفلسطينية المغتربة أ- عزيزة بشير استخدمت الثوب كسلاح ثقافي يؤكد على وجود شعب متجذر في أرضه،ويرفض النسيان.

على سبيل الخاتمة :

الثوب الفلسطيني المطرز هو لوحة فنية،ورواية تاريخية،وبطاقة هوية.لذلك،كان طبيعيًا أن يتحول إلى قصيدة في يد الشاعرة الفلسطينية الكبيرة الأستاذة عزيزة بشير.إنه يجمع بين الجمال البصري والعُمق الرمزي،مما يجعله خزانًا لا ينضب للمعاني التي تريد الشاعرة التعبير عنها: عن الحب، والألم،والحنين،والصمود،والانتماء إلى أرض لا تنسى.وفلسطين لن تنسى،بل ستظل ساكنة في وجدان شرفاء الأمة العربية والإسلامية.

سلام هي فلسطين..إذ تقول وجودنا تقول وجودها الخاص حصرا..فلا هويّة لنا خارج فضائها..وهي مقامنا أنّى حللنا..وهي السّفر..

سلام هي فلسطين..وقبعتي يا عزيزتنا وشاعرتنا أ-عزيزة بشير.


محمد المحسن



الثلاثاء، 21 أكتوبر 2025

دور الأدب في تفعيل الوعي القومي..والإرتقاء بمشاعر الإنسان إلى مرتبة الوعي والتحدي بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 دور الأدب في تفعيل الوعي القومي..والإرتقاء بمشاعر الإنسان إلى مرتبة الوعي والتحدي

تصدير :-كان الأدب سبّاقا في سبر أغوار الأمة وفهم تداعياتها في حالتي الإنتصار والإنكسار بما من شأنه أن يشخّص الهموم ويحدّد ملامح المستقبل المنظور ويرتقي بمشاعر الإنسان إلى مرتبة الوعي والتحدي..(الكاتب)


-الأدب الواقعي العظيم منذ هوميروسو مرورا بشكسبير وبلزاك وغوته ومكسيم غوركي.وعبر مساره،كان يضع في أولويات توجهه الدفاع عن مشاعر الإنسان،وعن القيم الفاضلة للإنسانية (الكاتب)


إنّ الوحدة القومية للأمّة العربية يدعمها تراث زاخر من القيم الروحية والأخلاقية،صيغت إبان إشراقات النهضة العربية،تلك القيم تشكّل رافدا روحيا تتوحّد في ظلّه الأمة العربية،فتراثنا الحضاري وأخلاقنا العربية وقيمنا العليا التي ورثناها عبر العصور،هي من أقوى الروافد للأمة العربية،وتشكّل في جوهرها مادة خصبة تصلح لأن تكون موضوع مادة دراسة يتناولها الأدب بأسلوب مستساغ ينبّّه فيه الميول لتلك القيم والمثل العليا،فصياغة مشاهد من حياة المجتمع العربي قديمه وحديثه،والتقاط حوادث مهمة من التاريخ وتقديمها بصيغة أدبية هادفة،تنقل بصورة لا شعورية الإحساس المشترك بوحدة التاريخ وتغذي الشعور الوحدوي،ذلك أنّ تاريخنا العربي حافل بالإبداع ومفعم بالإرهاصات الأولى لقوميتنا العربية وهو بالتالي معين لم يغرف منه الأدب مثلما نريد أو كما يجب أن يكون..

ولعل ما استطاع أبو تمام أن ينقله للعرب جيلا بعد جيل من صور أدبية رائعة لقيم الشهامة والشجاعة والدفاع عن الوجود القومي في قصيدته عما فعله المعتصم في يوم عمورية يشكّل مثالا جيدا لما نروم الإشارة إليه في هذا المجال..

إنّ النّفس البشرية عند الأديب تتماهى مع الواقع لتصوغه في شكل تجليات تعكس ما يمور داخل الوجدان العام من أحاسيس ومشاعر،ولهذا كان الأدب سبّاقا في سبر أغوار الأمة وفهم تداعياتها في حالتي الإنتصار والإنكسار بما من شأنه أن يشخّص الهموم ويحدّد ملامح المستقبل المنظور ويرتقي بمشاعر الإنسان إلى مرتبة الوعي والتحدي،ولذا كانت الثورات مسبوقة بنهضة أدبية وفكرية تستبصر آفاق الطريق وتؤسس للإنعتاق والتحرّر وتسمو بطموحات الأمة إلى الغد المنشود،مثلما حدث في الثورة الفرنسية والثورة الروسية،فلقد كانت مثلا روسيا القيصرية بلدا متخلّفا لكنّه أنجب في القرن عمالقة الرواية والمسرح والقصة القصيرة في العالم:دوستويفسكي،تولستوي،تشيكوف،غوغول..اخترقوا حصار التخلّف ونجحوا في صياغة الواقع:جدلا حيا مع الماضي والحاضر والمستقبل إقرارا منهم بأنّ أحدا لا يملك الحقيقة المطلقة،وأنّ آراءنا جميعها ليست أكثر من اجتهادات نسبية مهما استحوذنا على أدق أدوات التحليل،وبهذا استطاعوا كوكبة واحدة:نقادا وأدباء..-رغم أسوار التخلّف العالية-أن يكونوا طليعة الثورة الثقافية الروسية قبل فلاديمير لينيين،وكان ذلك عطاؤهم الحضاري للعالم الجديد،بالرغم-أكرّر من مطبات الركود والتخلّف..

فلمَ لا يكون لأدبنا في ظل أوضاعنا العربية الراهنة،الدور الفعّال في تثوير الواقع طالما أننا في أمس الحاجة إلى سبر أغوار النفس البشرية،ووصف ما يمور في خباياها من عواطف وأفكار تجسّد علاقة الإنسان بالأرض والوطن ولنا في تاريخنا المثخن بالمواجع أمثلة غنية،فحياة اللاجئين الفلسطينيين وعواطفهم ومشاعرهم أثناء مغادرتهم قسرا لأرضهم أو أثناء عيشهم في الشتات،ثرية بالمادة التي تصلح للإبداع بما من شأنه أن يبلور تلك المشاعر وينقل تفاصيلها للمواطن العربي،وهذا يعني أن قضية الأرض والوطن يجب أن تكون من ضمن التيمات الأساسية في أدبنا الحديث كي يكون-هذا الأخير-صادقا ومؤديا للرسالة التي نرومها..

ومن هنا يجوز القول أنّ للأدب دورا فعالا في تغيير معالم الحياة التي نعيشها من خلال إعتماد رؤية شاملة تستشرف آفاق المدى المنظور وتعتمد في مقاربتها للواقع : الكشف الجارح،التحريض العميق..وبالتالي فإنه يهيئ امكانية لعملية التغيير تفوق امكانيات وسائل التغيير الأخرى..فمن أبرز سمات عصرنا،وبخاصة في المنطقة العربية،هي المحاولات التي لا تتوقّف من أجل تدمير الإنسان،وإهانته،وإلغاء دوره،ونفيه ماديا إذا اقتضى الأمر،تضاف إلى ذلك حالات الإستيلاب الإجتماعي والفكري،في الوقت الذي تفيض فيه ثروات النفط لتطغى على المؤسسات المالية في الغرب،ولتشكّل بطريقة إنفاقها مثلا صارخا على الإنحطاط والتردي وكل ما يرد من أفكار سوداء يروّج لها خصومنا.

فماذا يمكن أن نفعل إزاء هذا الكم الهائل من التحديات،وإزاء هذه الموجة الصارخة من اللاعقلانية التي تسود الواقع العربي في المرحلة الحالية؟

أليس من ضمن مهام الأدب المؤثر المساهمة في وضع حد لهذه التجاوزات التي تجري بشكل صارخ في طول الوطن العربي وعرضه؟!

ألم يكن الإرتباط العاطفي والقومي الحميم بين الثورة والجماهير هو الذي شدّ في البداية قطاعات عريضة من النّاس لشعر محمود درويش وسميح القاسم ومعين بسيسو ومظفر النواب..وهو نفسه الأمر الذي تكرّر في الحرب اللبنانية،حيث انعكس هذا الإرتباط في شعرشوقي بازيغ وغيره..

ألم يتمكّن الراحل نزار قباني بشعره من تحرير مساحات لا بأس بها من أرض الوجدان العربي المحتل بالأمية والخوف والقهر،وهناك كثيرون غير نزار،ولكنه الأكثر شعبية..

أليس بإمكان أدبنا المعاصر واعتمادا على المناخ الذي أفرزته الإنتفاضة صياغة معادلة جديدة،من شأنها منع الإنغلاق أو التسيب،وتحديد الصيغ والعلاقات بين ما هو خاص وقطري،وما هو عام وقومي،وكيف يجب التصرّف في هذه الحالة أو تلك !.

وفي الأخير،هل قُدِّر لنا نحن أبناء الخيبات المتراكمة أن نعيش مرحلة أخرى تتسم بالإنكفاء على الذات والإستبطان العميق دون أن-نراجع-الأسس المشكّلة لمنظومة القيم والمبادئ العربية ودون أن ندرك:أي العناصر في الثقافة العربية تتسم بالأصالة ؟ 

وما الذي يحتويه التراث العربي الإسلامي من دروس وعبر قد تصلح للحاضر ويمكن توظيفها في شكل إشراقات إبداعية تنفض عنا غبار الإنكسارات وتؤسس لغد مشرق في المدى المنظور!؟

إننا من خلال هذه الأسئلة نروم استجلاء أفق جديد لأدب جديد يدرك الحاضر ويتشكّل به،لكنّه يرى المستقبل ويعمل على تشكيله،ذلك أن دور الفرد في الأدب يضاهي دوره في التاريخ : فبمقدار ما يعي الفرد الظرف التاريخي ويتجاوب مع منحاه يكون ممثلا ومحصلة لمجمل الظروف الإجتماعية.ولذلك،فبمقدار ما يعي الكاتب واقعه،أي ظرفه الإجتماعي،يكون محصلة لهذه الظروف،في الوقت نفسه معبّرا عنها،وممثّلا لها في الحقل الثقافي،يساهم في حركتها مثلما ساهمت هي-الظروف-في إيجاده.”فالأدب الواقعي العظيم منذ هوميروسو مرورا بشكسبير وبلزاك وغوته ومكسيم غوركي.وعبر مساره،كان يضع في أولويات توجهه الدفاع عن مشاعر الإنسان،وعن القيم الفاضلة للإنسانية،وذلك عن طريق تعرية الواقع وفضح الجوانب الظالمة،وإدانة قواه الغاشمة في هجمتها الشرسة والرعناء لتحطيم البناء الداخلي السامي للإنسان..“

ما أريد أن أقول :

أردت القول أنّ الأدب الجيّد هو الذي يكون في جوهره رافدا لدعم صمود القومية وحساسية الإنتماء وضمانا اتوجه المجتمع العربي نحو التحرّر والإنعتاق،فالذائقة الفنية للمتلقي العربي نزّاعة إلى التطوّر وتجاوز النموذج التراثي وهي بالتالي تستعجل الوصول إلى المحمول الدلالي والتأثر الجمالي لأسباب لها علاقة وطيدة بطبيعة المرحلة السياسية إن على المستوى القطري أو على المستوى العربي،لذا فإنّ الأدب في منحاه-الواقعي-عليه أن يتحدى الأمر الواقع ويصارع تيار الهزيمة ويتجاوز واقعها المستمر والمستجد،دون أن يكون“أدب“ النصر الشعاري،بل أدب الجدل المثمر بين الهزيمة والمقاومة،لا يكتفي بالإدانة والهتاف "لثورة حتى النصر"،بل يتوغّل في أدغال الهزيمة وشعيراتها الدقيقة وجذورها الدفينة،يعري انعكاساتها على الفرد والجماعة والوطن والعقيدة تعرية قاسية،ويكشف لنور الشمس كل الخطايا والحقائق الخافية تحت أدران من الأراجيف والإفتراءات،وبذلك يقابل التحدي التاريخي بإستجابة تاريخية ويصبح في حلبة صراع الأقدار في المنطقة،البطل الإيجابي للمرحلة بمدها وجزرها معا:لنقرأ لأحمد فؤاد نججم”اصحي يا مصر “و“ايران“وغيرهما..نجد هذا الشاعر الذي يكتب بالعامية المصرية-خارج قاعات الفنادق الفاخرة-ينجح في تحويل كلماته إلى فعل وانفعال بحركة النّاس العاديين البسطاء ورؤاهم،طموحاتهم واحباطاتهم،أحلامهم وأشواقهم،ويصبح شعره خروجا من أسوار الذات الفردية ودخولا ما في دائرة-الوجدان العام-دون أن يكون انفصالا بين الذات والمجموع،بل نوعا من التقارب وأحيانا الإلتحام وفي أغلب الأحيان الحوار مع النفس والجماهير والثورة أو القلق الإجتماعي الدافق،وبذلك أمسى جزءا لا ينفصل عن تيار الثورة القومية وطابعها الإجتماعي المتقدّم..

لنقرأ للشاعر العراقي الراحل مظفر النواب نجد هذا الشاعر المهموم بقضايا أمته في نخاع العظم يجسّد في أشعاره هموم الشارع العربي ويلتحم بكلماته بالوجدان العام للشعب ويتمكّن من توظيف المعجم السياسي للشعر في ارتباط وثيق بقضية الثورة العربية،وفي المقدمة منها المقاومة الفلسطينية منطلقا من أغوار الذات ودهاليزها السرية إلى معروضات الحياة وشواهدها الظاهرة الحية.وبذلك استطاع أن يحرّر أجزاء واسعة من الوجدان العربي،خلقا وتذوقا،من الرواسب الثقيلة الوطأة في تراث المديح والهجاء والفخر والرثاء..

وإذن؟

هل يكون الأمر إذا مبالغة منّي إذا قلت أنّ الأدب في تجلياته المشرقة،عليه أن يكون أدب الرؤيا المضادة لجيل الهزيمة،الرؤيا التي تصوغ معادلة لا إنفصام فيها،تتلاءم مع الديمقراطية والتحرّر الوطني من ناحية والتحرير الإجتماعي من الناحية الأخرى،وتغدو بالتالي الإستيعاب التاريخي لتداعيات هذه الأمة،ذلك بعد أن أصبح الإنسان العربي يعيش لحظة كونية موسومة بكل ما يناقض الكلمة وينقضها في ظل عالم يشي بفساد الضمائر وسقوط القيم الجمالية بفعل سطوة-القاهر-ولهذا فهو يحمل في وجدانه هموم القومية وانكساراتها،واهتزاز الهوية واهترائها،وفقد تبعا لذلك،ومنذ مسيرة الثورة المضادة عام 79(معاهدة كامب ديفييد) المكونات الأساسية لشخصيته القومية الجمعية وهو الثأر واباء الضيم،إلا أنّه لم ينفصل قط عن تصعيد الدعوة الراديكالية لتغيير اجتماعي جذري،ولم ينفصل لحظة عن البحث الدامي الدؤوب عن الديمقراطية والإنفتاح والتطور..

فهل يُحقّ لنا في الأخير أن نتساءل : هل للأدب دور حاسم في تفعيل الوعي القومي ؟

والسؤال في الأغلب هو نصف الجواب..


محمد المحسن



نور التيه: قراءة تحليلية وسيميائية لديوان ‘لا تلمس الضوء… فقط غنِّ’” بقلم د.آمال بوحرب باحثة وناقدة تونس

 نور التيه: قراءة تحليلية وسيميائية لديوان ‘لا تلمس الضوء… فقط غنِّ’”

يبرز الأدب النسوي كصوت إنساني يعبر عن تجارب المرأة في مواجهة التحديات الاجتماعية والنفسية والروحية حيث يحمل قوة المقاومة والتعبير عن الذات في عالم غالبًا ما يهيمن عليه الصوت الذكوري ومن خلال الشعر والنثر تقدم الكاتبات النسويات رؤى عميقة تتناول قضايا الغربة والهوية والألم بل وتربطها بأبعاد روحية تعكس السعي نحو التحرر والمعنى ثم تأتي أعمال مثل ديوان “لا تلمس الضوء… فقط غنِّ” لفيروز مخول لتمثل نموذجًا للأدب النسوي العربي الحديث حيث تمزج بين الحسية الشعرية والتأملات الفلسفية والدينية فتعبر عن الوجع الإنساني بصوت نسوي يتحدى الاغتراب ويبحث عن النور الإلهي ويكشف عن أعماق النفس البشرية وهكذا يصبح الديوان جزءًا من تيار أدبي نسوي يحول الألم إلى فن فيدعو القارئ للتأمل في الذات والخالق.

يمتد ديوان “لا تلمس الضوء… فقط غنِّ” الصادر عن المصرية المغربية للنشر والتوزيع عام 2025 عبر أكثر من 140 صفحة ليقدم لوحة شعرية تتجاوز حدود الشعر التقليدي حيث تمزج فيروز مخول الشعر الحر بالصور التشكيلية والسينمائية في بوح إنساني ،يوصف بـ”نزيف على الورق” وينبع العمل من تجربة شخصية عميقة متأرجحًا بين أسئلة وجودية عن الوطن والغربة والإنسانية المفقودة فيرصد الوجع الإنساني مع نبض الحياة فتتكثف لغته الشعرية بالرمزية والحسية فتحرك الحواس والوجدان والفكر مما يجعل التردد جزءًا من تجربة القراءة ومن منظور ديني يحمل الديوان بعدًا روحيًا حيث يظهر الضوء كرمز للنور الإلهي كما في “الله نور السماوات والأرض” أو المسيح كنور العالم بينما يعكس التيه رحلة المؤمن في مواجهة الابتلاءات فيدعو القارئ للتأمل في علاقته بالخالق حيث الألم والغربة محطات في طريق الخلاص.


منهجية القراءة

تستند قراءة الديوان إلى ثلاثة مناهج مترابطة حيث يبدأ المنهج التحليلي بتفكيك الثيمات الرئيسية كالغربة والألم والحب والتيه فيستكشف البنية الفنية والأسلوبية التي تضفي عمقًا شعريًا ثم يتبعه المنهج السيميائي المستلهم من رولان بارت وأمبرتو إيكو فيحلل الرموز كالضوء والطبيعة والجسد ليكشف عن دلالاتها المتعددة ويأتي المنهج المقارن ليربط النصوص بأفكار وجودية لسارتر وكامو وهايدغر ويقارنها أدبيًا بأحلام مستغانمي وتوفيق الحكيم لكن المقاربة الدينية تضفي بعدًا روحيًا حيث يُقرأ الضوء كنور إلهي والتيه كرحلة روحية كتيه بني إسرائيل أو تجربة المسيح في الصحراء فتحول القراءة إلى تأمل إيماني في الصراع الروحي وسعي الإنسان للتقرب إلى الله


العناصر الأساسية

يتكون الديوان من عناصر مترابطة تشمل ثيمات الغربة والوطن والألم والموت والحب والشوق والأمل والتيه حيث تتجسد عبر رموز كالضوء والطبيعة الزيتون التين المطر والجسد والصمت وأسلوبيًا يعتمد على الشعر الحر الغني بالصور التشكيلية والسينمائية مع تكرار إيقاعي يعزز الموسيقى الداخلية فتشمل المقاربات الجوانب الوجودية والأدبية لكن المقاربة الدينية تبرز حيث يُقرأ الضوء كنور إلهي كما في “الله نور السماوات والأرض” والتيه كابتلاء روحي مشابه لرحلة الحج والجسد كمسرح للصراع بين المادي والروحي فتدعو النصوص للتأمل في الخلاص والسمو الإيماني


التحليل الموضوعي

تنسج فيروز مخول رحلة شعرية تتشابك فيها الغربة والألم والحب والتيه حيث تبدأ الغربة كإحساس ثقيل كـ”صخرة تُحمَل على الكتفين” بينما يظهر الوطن كـ”طفل ينام في الصفحات” أو “بيت مل أعد أعرف موقعه” في قصيدة “مِن هنا جئت” فتصبح الغربة حالة نفسية تعكس اغتراب الروح عن مصدرها الإلهي ويتدفق الألم ،والموت كثيمة مركزية حيث تتردد عبارات مثل “أغنية الموت الغادرة” و”سيارات الموت تشيّع خضرة الزيتون” فيتحول الألم إلى “نزيف” فني في “آلام صمتي” حيث الصمت ضجيج داخلي يشبه ابتلاء المؤمن ثم يبرز الحب والشوق كـ”فحم مشتعل” أو “أيدي بدون أصابع” في “النظرة الأولى” حيث يُقطف الشوق بـ”منجل النار” لكنه مقاومة للفراغ كما في “أنا حرف مسكون بالهوى” مع دلالة دينية كشوق إلى الله وأخيرًا يتجلى الأمل والتيه كـ”تأريخ للتيه” في تأمل وجودي مثل “الحب ليس من نحب بل من نصبح بسببه” حيث يعكس التيه رحلة روحية كتيه بني إسرائيل فتصبح النصوص صرخة إيمانية بين الألم والأمل


التحليل السيميائي

تعتمد فيروز مخول نظامًا علاماتيًا غنيًا حيث يبرز الضوء في “لا تلمس الضوء… فقط غنِّ” كرمز للحقيقة الهشة فيظهر “أسود” أو “مهاجر” معبرًا عن تناقض النور المولود من الظلام كما في “أنا لا أمشي على الضوء… أنا الضوء الذي تمشي عليه” ليصبح نورًا إلهيًا يهدي المؤمن وتجسد الطبيعة كالزيتون والتين والمطر الخصوبة المفقودة حيث “غرّدت طيور حقولي بألوان الربيع” تعبر عن البراءة بينما “أمطرت أحزاني قطرة… قطرة” تحول المطر إلى دموع والجسد يظهر كـ”نزيف” أو “هيكل عظمي” والصمت “ضجيج موتي” في “مذكرات هيكل عظمي” حيث الموت حياة معكوسة فتعتمد الثنائيات نور/ظلام وطن/غربة حوارًا صامتًا ومن منظور ديني يرمز الضوء إلى النور الإلهي كما في “الله نور السماوات والأرض” والتيه إلى رحلة الخلاص والجسد والصمت إلى صراع الروح فتدعو النصوص للتأمل في التقرب إلى الله


الخصائص الفنية والأسلوبية

تعتمد لغة الديوان على الشعر الحر الخالي من القافية الصارمة لكنها غنية بالصور التشكيلية كـ”أنا التي متشط الليل بحروفها” والسينمائية حيث يتجلى الإيقاع عبر التكرار الذي يعزز الموسيقى الداخلية وتترابط القصائد القصيرة بمقدمات فلسفية تنتهي بتأملات وجودية فتبدو النصوص وكأنها “تكتب عن القارئ” ومن منظور ديني تستحضر الصور التشكيلية الصراع بين النور والظلام والتكرار يشبه الذكر الإيماني فتحول القراءة إلى تجربة روحية شبيهة بالتسبيح تدعو للتأمل في علاقة الإنسان بالله


المقاربات

تتعدد مقاربات ديوان “لا تلمس الضوء… فقط غنِّ” لتشمل أبعادًا دينية ووجودية وأدبية لكن المقاربة الدينية تبرز كمحور الأعمق الذي يحول النصوص إلى رحلة إيمانية تعكس صراع المؤمن مع الابتلاءات والبحث عن الهداية فالضوء كرمز مركزي في “لا تلمس الضوء… فقط غنِّ” يمثل النور الإلهي مستوحى من التصور القرآني في الآية “الله نور السماوات والأرض” سورة النور 35 حيث يشير إلى الهداية الإلهية التي يسعى إليها الإنسان لكنه يظل “لا يُلمس” لنقاوته المقدسة وفي السياق المسيحي يتجلى كالمسيح “نور العالم” يوحنا 8 12 معبرًا عن الحقيقة التي تنير درب المؤمن ويظهر الضوء في “أنا لا أمشي على الضوء… أنا الضوء الذي تمشي عليه” كرمز للتحرر الروحي حيث يصبح الإنسان نفسه مصدر إلهام إيماني ثم يتجلى التيه في “تأريخ للتيه” كرحلة روحية مشابهة لتيه بني إسرائيل في الصحراء خروج 13-14 أو تجربة المسيح في البرية متى 4 1-11 حيث يعكس ابتلاء يصقل الإيمان فيدفع المؤمن لمواجهة ضعفه والسعي نحو الله، والألم كما في “آلام صمتي” يُقرأ كابتلاء إلهي كما في قصة أيوب في الإسلام والمسيحية حيث يتحول النزيف الفني إلى تطهر روحي يقرب الإنسان من خالقه والحب في “أنا حرف مسكون بالهوى” يتجاوز البعد الإنساني ليصبح شوقًا إلهيًا مستوحى من مفهوم العشق الصوفي عند جلال الدين الرومي أو الحب الإلهي في التصور المسيحي كما في رسالة يوحنا الأولى 4 16 حيث يصبح الحب طريقًا للتوحد مع الله لكن المقاربات الوجودية تضيف عمقًا آخر حيث يواجه الديوان العبث بالإبداع متأثرًا بفكر سارتر عن الحرية في اختيار المعنى رغم الاغتراب وكامو في رؤيته للتيه كحالة مستمرة يقاومها الإنسان بالسيرورة وهايدغر في القلق الوجودي عبر “الدازاين” الذي يبحث عن الأصالة وأدبيًا يتقاطع الديوان مع “ذاكرة الجسد” لأحلام مستغانمي في تصوير الجسد كمسرح للألم لكن مخول تركز على اللحظة الشعرية الحسية كما في “أمطرت أحزاني قطرة… قطرة” بينما مستغانمي توسع إلى النسيج الاجتماعي ومع توفيق الحكيم يتشابه الديوان في التيه كحالة وجودية لكن الحكيم يعتمد الحوار الدرامي بينما مخول حسية في صور مثل “سيارات الموت تشيّع خضرة الزيتون” فتبقى المقاربة الدينية الأساس حيث تحول النصوص إلى صلاة شعرية تدعو القارئ للتأمل في الإيمان والصبر والخلاص معززة بالشواهد التي تربط الوجع الإنساني بالسعي نحو النور الإلهي


البعد النفسي

تتجلى في النصوص أبعاد نفسية عميقة تعكس صراع الذات حيث تُصور الغربة كـ”صخرة تُحمَل على الكتفين” حالة اغتراب نفسي تنفصل فيها الذات عن هويتها فتولد قلقًا وجوديًا يشبه صراع الأنا عند فرويد ويتجسد الألم في “آلام صمتي” كجرح نفسي يتحول إلى نزيف شعري حيث الصمت “ضجيج موتي” يعبر عن الكبت النفسي من صدمات الحرب ثم يظهر الحب في “أنا حرف مسكون بالهوى” كقوة نفسية تقاوم الفراغ لكن الشوق في “النظرة الأولى” يُقطف بـ”منجل النار” معبرًا عن ألم فقدان الاتصال والتيه في “تأريخ للتيه” يعكس ضياعًا نفسيًا يشبه رحلة التكامل 


في الأدب الصيني الذي  يمتاز بثرائه وتنوعه عبر العصور، يجمع بين الحكمة والفلسفة والجمال الفني في قصائد لي باي (Li Bai)، الشاعر الكبير في العصر التانغ، الذي عبّر عن حب الطبيعة والحنين إلى الحرية بأسلوب شعري رقيق ومجازي كما  في قصيدته عن القمر والنهر، تتجلى فلسفة الوحدة بين الإنسان والكون، حيث ينعكس القمر في المياه كرمز للجمال والصفاء الداخلي أو كما يبرز  في الروايات الكلاسيكية مثل «حلم الغرفة الحمراء»، فهذا الفن من ذاك الفن لان  الأدب يعكس توازنًا فريدًا بين العاطفة والفكر، ويظل مصدر إلهام للأجيال عبر القرون.

د.آمال بوحرب 

باحثة وناقدة تونس