الثلاثاء، 7 أكتوبر 2025

تحليل نقدي للقصة القصيرة لا تنساني للكاتب المصري أيمن غريب معتوق من مجموعته القصصية أنت والفراشة بقلم الناقدة سهيلة حماد

حليل نقدي  للقصة القصيرة لا تنساني للكاتب المصري أيمن غريب معتوق من مجموعته القصصية أنت والفراشة 

====================

 عنوان القصة القصيرة:


لا تنساني: 


 تقول لك ببساطة وكأنما تلقي بعقب سيجارة في مزبلة: 

- "عذرا هناك آخر ينتظر"

تتمتم بغيظ ويأس: 

- هكذا ببساطة تناست.. أهملت.. مشاعرنا في هذا الزمن العاري.. سراب.. عفتنا بله.. وملائكيتنا  سذاجة.

تسمعك كلمات إنشاء باهتة محنطة باردة عن الأمنيات الطيبة، والنصيب الذي يغط في النعاس في بطون الغيب..

قالت.. وقالت.. وقالت.. كان يصلك صوتها كصدى يتردد في نهاية سرداب ضيق، لم تمسك منه إلا بنبراتها الميتة تتردد بلا معنى كرنين صاجات في يد راقصة..

كان حديثها المدبب كمدية حادة تنغرس بقسوة في قلبك..تغرق في بركة من الصمت.. تنتبه على صوتها الذي طالما أسكرك حديثه يصبح باسمك.. 

"هيه.. أين أنت؟ أتسمعني؟" 

تشعر أنك طفل سرقوه بقسوة وقهر وأمام عجزك ترى أنك مقطوع اليدين والقدمين واللسان.. تتمنى أن تعود طفلا ترتمي في أحضان أمك.. تدفن وجهك في صدرها وتبكي.. تتمنى أن يضمك أيا كان ويلملم دمعتك وحياتك المراق..

يقع بصرك على صدرها المتمرد الذي يكاديخترق النسيج الرقيق يقيده ليهاجم العيون المتطفلة والنفوس المتحفزة.. تفيق على صوتها يردد:

"هيه.. فلنكن أصدقاء"

تسمعها بآلية مرتبة عبارات منمقة كالمحفورة على جدران التوابيت وأبواب القلوب..

قالت " لا تنساني واسمح لي أن أراك بين الفينة والفينة"

تومئ مبتسما، وتفترقا..


1/3

القراءة والتحليل


عتبة العنوان: لا تنساني


جاء العنوان على شكل طلب مركب من حرفين: اللام الناهية وفعل مضارع موجه لمخاطب ما، ومن ناحية أخرى يبدو أن الكاتب تعمد اختيار صيغة النهي حتى يحدث إيقاعا فونميا مهموسا يفيد معنى الرغبة في عدم النسيان. علاوة على ذلك كان بإمكانه استخدام كلمة "افتكرني" في صيغة الأمر، بالإضافة إلى ذلك كان بإمكانه اختيار عنوان آخر على شكل: "حاول تفتكرني" كما نلاحظ أن الكاتب لم يلجأ إلى استخدام نقاط التتالي، وذلك للدلالة على وضوح الطلب، مع الرغبة في البقاء في ذاكرة الشخص الآخر.


القفلة والمقولة:


جاءت القفلة على شكل مقول قول يلقي الضوء على عمق الألم الذي يعاني منه البطل. المقولة "لا تنساني واسمح لي أن أراك بين الفينة والفينة" تؤطر العنوان وتفتح باب التأويل. من خلال هذه المقولة، نرى كيف أن اللغة قادرة على التعبير عن مشاعر الشخصية بدقة، حتى أن الرسام قد يعجز عن نقلها. استخدام الكاتب للتشبيهات، مثل "كأنما تلقي بعقب سيجارة في مزبلة"، يزيد من عمق الألم ويعكس قسوة المرأة المستهترة بمشاعر البطل. هذه العبارة البسيطة تحمل في طياتها الكثير من المعاني، وتجعل القارئ يلوم المرأة والزمن نفسه نتيجة انهيار الأخلاق.


التكرار والتأثير العاطفي:


تعمد الكاتب تكرار ملفوظ "الفينة" في عبارة "بين الفينة والفينة" في مقول القول الوارد في الخاتمة، لخلق شعرية ونغمة إيقاعية تعكس الأذى النفسي الذي أصاب البطل. هذا التكرار يلعب دورًا مهمًا في تعزيز التأثير العاطفي للنص. في المقابل، نجد البطل يستيقظ على حطام وجع كلمات إنشاء باهتة، ترتطم بصخور القسوة وتتهشم معها كل الأمنيات. مقطع "تسمعك كلمات إنشاء باهتة محنطة باردة عن الأمنيات الطيبة" يمثل نقطة تحول في القصة، حيث تتبخر أحلامه وتتحول مشاعره إلى سراب. البطل يشعر بالعجز والتوهان، كمن أضاع بوصلة اتجاهه، فيغرق في بحر الذكريات. يصل به الحال إلى الرغبة في أن يرتد طفلاً ليجد الأمان في حضن أمه، ويعيد بناء نفسه من جديد. كان يتمنى أن يجد حضنًا جديدًا يعوضه عن خسارته ويجبر كسره.


تقنية التحدث إلى النفس والتشظي:


استخدم الكاتب تقنية التحدث إلى النفس ليدعم شدة وقع الألم النفسي وانكساره مما جعله يتكلم مع نفسه كمن فقد عقله من شدة الصدمة، وقد أربك قارئه بذلك عند قوله "تتمتم بغيظ ويأس: هكذا ببساطة تناست.. أهملت مشاعرنا" مما حمله على إعادة قراءة النص ليتأكد بأن المتكلم السارد البطل العاشق المكلوم، فعند قراءة المقطع "يقع بصرك على صدرها المتمرد الذي يكاد يخترق النسيج الرقيق" يقتنع القارئ بأن كامل النص هو عبارة عن منولوغ داخلي تضمن السرد والحوار مما ساهم في عنصر التشويق. وليزيد في تصوير شدة عنف الموقف وأثره في طبقات النفس العميقة لدى البطل السارد، نراه لجأ إلى تكرار بعض الكلمات ك: {ببساطة، وقالت، لا تنساني، الفينة..} وكذلك لجأ إلى تكرار مقاطع الصمت(...) (لتفعيل معنى الضجيج الداخلي الناجم عن تداخل الذكريات والوجع العميق للبطل) وهذا التكرار بمستواييه الظاهر والمضمر؛ يترك في نفس المتلقي صدى كترنيمة صغيرة تقابل معنى "نبراتها الميتة" ونقصد نبرات صاحبته التي كانت تتردد بداخله "كرنين صاجات في يد راقصة" التي بدت بلا معنى، والتي كانت تصل مسامع البطل السارد -المكلوم- كصدى "في نهاية سرداب ضيق" كما حرص على إبراز معنى التردد هذا لدى القارئ حتى يشاركه وجعه، وذلك باستخدمه صغة تفعل ليفعل صوت الشدة كقوله: "كصدى يتردد" وكذلك قوله: "تتردد بلا معنى" وذلك إمعانا في إيصال شدة وقع الصوت مع إظهار صورة معنى التردد، كما سعى إلى تحريك الزمن في المضارع الآن بغاية إيهام القارئ بأن تردد الصدى يحدث الآن.. ليرغم قارئه على التفاعل.. أيضا نلاحظ حضور معنى التشظي والتشرذم الذي أصاب الإنسان والزمان على حد السواء، سواء ذلك على مستوى تقييم المشاعر، كالتأكيد علىى انسيابية الزمن واللاتواقت التي أشار إليها جرار جينات في كتابه "خطاب السرد" أو "خطاب الحكاية"، باعتماد الكاتب تركيب جمل يجمع بينها التشظي عبر نقاط التتالي على غرار "هكذا ببساطة تناست.. أهملت.. مشاعرنا في هذا الزمن العاري.. سراب.. عفتنا بله.. وملائكيتنا سذاجة" وقد أحدث الكاتب بذلك تزاوجا بين انسياب الصوت وانسياب الزمن، ليضفي تناسقا بين المعنى والمبنى والرؤية في إشارة إلى توصيف حالة العجز والاستسلام التي بلغها في المضمر، وذلك في السكون في آخر الكلمات التي نستشفها في: ألف المد في آخر الكلمة في "مشاعرنا" و"ملائكيتنا" وعفتنا، والياء الساكنة الواردة في آخر كلمة "العاري" والهاء الساكنة سذاجه في سذاجة عند السكوت. أما القلقلة والتي تظهر في الباء الساكنة في" سراب" عند السكوت، فهي تعكس التذبذب والقلق محدثة تموجا يماهي شعور الشخصية البطلة بالقهر والاستسلام بعد الغدر والطعن من الخلف ب"حديثها المدبب كمدية حادة" ليقطع به انسيابية الصوت وجريانه. هذه الانسيابية نجدها أيضا في انعدام تحديد الكاتب للزمن النحوي والصرفي (ماضي مضارع ومستقبل) في بعض المقاطع على غرار قوله (العاري) بدل (تعرى) كقوله: "مشاعرنا في هذا الزمن العاري" لتفعيل معنى الضياع والتلاشي..


خاتمة


إن المتأمل في النص يرصد تأثر الكاتب بأسلوب يوسف إدريس من ناحية استخدامه للهجة المحلية، وكذلك استخدامه اللغة الحية وخاصة تلك المتمثلة في نقله للصوت المحكي "هيه" الذي استدعاه ليعزز به معنى الهوية والدلالة في النص وكي يعكس مدى حرفيته في رصد المعنى وتوظيفه في الشكل المناسب. وقد استخدم هذا الصوت الانفعالي للدلالة على معنيين مختلفين أنتجهما السياق ف "هيه" في السياق الأول يمكن أن يفهم بمعنى النداء "هيه.. أين أنت"، أما في السياق الثاني استخدم "هيه" بمعنى "اتفقنا" أو "موافق"، استخدمت لتأكيد الاتفاق على عدم نسيان البطل لها و القبول بمبدأ الصداقة. وذلك كما جاء في الجملة المنقولة "هيه.. فلنكن أصدقاء" وبناء على ما سبق ذكره في الخاتمة تحتوي القصة على جملتين محددتين تم استخدامهما في التحليل، وهما: "هيه.. أين أنت" و"هيه.. فلنكن أصدقاء" 

2/3

هاتان الجملتان تعكسان حسن استخدام الكاتب للهجة المحلية واللغة الحية في النص بما قل ودل، وتظهران قدرته على توظيف اللغة بطرق مبتكرة وذات دلالة.



هامش: 

• الفونيم: الصوت هو المقطع الصوتي الذي ينطق في نفس واحد  

• جرار جينات: 


انتهى

سهيلة حماد

الزهراء تونس

   بتاريخ 5/10/2025

3/3




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق