قراءة نقدية:" القصيدة وفق مقاربة دلالية للعنوان"
التفريغ النصي : "الأنثى والهوية الوجدانية"
القصيدة " قال : من أنتِ؟"
الناقدة: جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية: :" القصيدة وفق مقاربة دلالية للعنوان"
1- دلالة العنوان: "قال:من أنتِ؟"
يرى بعض النقاد ان عنوان النص هو " البوابة الأولى التي يلج منها القارئ الى عالم النص وهو ما يتيح له فهْم الدلالات اللغوية والرمزية لمحتواه "
ان عنوان النص "هو سمة العمل الفني سواء في الشعر أو في النثر و هو إشارة سيميائية . و سيميا ئته تنبع من كونه يجسّد أعْلى اقتصاد لغوي يُغري المتلقي بتتبع دلالته " *
لقد ورد العنوان وفق أسلوب انزياحي تركيبي قائم على الاستفهام يمكن أن يحدّد نبرة القصيد ونغمتها:
- هل أن العنوان بنبرة الاستفهام مشحون بالاستغراب أم بالإعجاب؟
- هل أن العنوان بنبرة الاستفهام يحمل إدْهاشا للمتلقي في صلب القصيدة؟
- هل أن هذا العنوان باعتباره مُحتوى مُصغّرا للقصيدة يُجسّد مَتْنَها ويكشف معناها؟.
- هل هو استفهام لكشف الهوية؟
ان أول ما يتبادر الى ذهن القارئ من خلال سؤال العنوان " قال: من أنتِ؟" هو سؤال حول الهوية:
- هل هي هوية انتمائية ؟(جغرافية / تاريخية؟)
- هل هي هوية ابداعية فكرية؟
- هل هي هوية وجدانية عاطفية؟
2- التحليل :قراءة نقدية وفق مقاربة دلالية للعنوان:
استهلت الشاعرة القصيدة بردّ عن سؤال العنوان "قال من أنتِ؟" باستخدام فعل القول(قلتُ) لتجعل القصيدة محكومة بغرضين:
+غرض الفخر بهويتها الابداعية والتاريخية:
- الهوية الابداعية والتاريخية: أنا ابنة روح الشعر فهي تفخر بإبداعها الشعري جوْهرا وليس مظهرا فتقول:
فقلت أنا ابنة روح الشعر
أضع التاج حيث يليق بالسؤدد
وفي خصري تنام قرطاجة أسطورة لا تخبو
- انها تفخر بجوْهرها الابداعي وبمصداقيتها التي لا تنافق ولا تجامل
- انها تفخر بأصالتها وبجذورها الضاربة في القدم وبالتالي فهي تصنع لنفسها أسطورة الأصالة والتجذر.
ان هذه الأصالة وهذا التجذر وصدق جوهرها الابداعي كل هذه الأسباب أتاحت لها حق البوْح بمشاعرها وحق التغزل بالحبيب.
+غرض الغزل بهويتها الوجدانية العاطفية:
ان العنوان أتاح لها أن تبوح بما يخالج وجدانها بل وجعلت الوجِد وهو من أرقى درجات الحب شاهدا على أنها أنثى:
وفي هذا الاطار يرى الباحثون أن "الطاقة الأنثوية العالية تجسد صفات الحدس, الرعاية, الابداع, الهدوء والرحمة وهي طاقة روحية غير مرئية تعمل بشكل مكمل للطاقة الذكورية.
من علاماتها الثقة بالنفس, القدرة على التعبير عن المشاعر بصدق, والتواصل العاطفي العميق وترتبط هذه الطاقة بالسلام الداخلي وتساعد على الشعور بالاستقرار و التوازن"
ولعل الأنثى التي تتحدث عنها الشاعرة ليست الجسد والشهوة بل هي أنثى الوجدان والمشاعر.
انها أنثى من نور ومن دم ومن شجن.
ان الشاعرة تبتعد عن اقتران الأنوثة بالجسد حين ارتقت بها الى النور وما تحمله الصفة من روحانيات والأنثى من دم فهي حيّة وتحسّ وتشعر ومن شجن لأن المشاعر تتشابك لديها فتقول الشاعرة:
ويشهد الوجد أنني أنثى من نور ودم وشجن
يقال اذا تجلى وجهي أشرقت الكواكب
واذا نطقت ارتجف ربيع الحسن
تغار نجوم الليل من همسة عيني
ويضيع سر العشق
انها تتغزل بجمالها الذي يثير الحواس(تجلى وجهي/ نطقت/ همسة عيني)
انها الأنثى التي تغري بحواسها التي تثير غيرة غيرها ممن ليست لها صفات الأنثى.
ونراها تراوح بين الفخر والغزل بشكل متداخل فتقول:
وأقول : قلبي لا يُمنح لرخيص المشاعر.
وروحي لا تفنى في هوى بعيد لا يعرف أصلي
أنا التي إن اقتربت أحرقت
وان ابتعدت تركت ظلا يتبعني
انها باستخدام طباق لفظي (اقتربت/ ابتعدت) تعكس مفارقة عجيبة تشي للقارئ عن مدى قدرتها على التأثير.
وهذه الثقة في النفس في قدرتها على التأثير جعلتها تبوح تغزلا بالحبيب معتبرة الوجد شاهدا عليها فتنقلب الموازين وتصبح عاشقة والحبيب معشوقا .وهما في نفس الوقت عاشقا ومعشوقا فالأنثى هنا ترتقي الى اسم الفاعل بعد ان كانت اسم مفعول فهي تصبح متغزّلة بعد أن كانت متغزّلا بها فقط.
وتختزل تغزلها بمعشوقها قا ئلة:
والوجد شاهد وهذه كلماتي تفوح بالغزل
فليشهد التاريخ أني أعلنتك مدينة للعشق
وانت فيها تاجها وعطرها.
ان الشاعرة وهي تتغزل بحبيبها لا تكتفي بالقول بل هي ترسم لوحة فنية حسية:
انه مدينة العشق بما في العشق من رموز (غزل به) وهو ملك هذه المدينة وعطرها(فخر به).
ان الشاعرة باستخدام أسلوب انزياحي إيقاعي قائم على التكرار(ويشهد الوجد/ والوجد شاهد/ فليشهد التاريخ) تؤكد التزامها بصدق مشاعرها وتشبثها بالجانب الوجداني كأنثى.
+ وكأني بالشاعرة من وجهة نظر ميتاشعرية تبث للقارئ هاجس القصيدة المتمثل في الاعتراف بالأنثى لا جسدا وشهوة بل أنثى الوجدان والعواطف والمشاعر والأحاسيس :
- انها تهدم مفهوما للأنثى قائما على المتعة الجسدية والشهوة.
- انها تبني مفهوما للأنثى قائما على الاعتراف بوجدانها ومشاعرها ندّا للندّ مع الذكورة.
+وكأني بها من وجهة نظر سريالية ترفض واقعا وتنشد واقعا آخر:
ان الشاعرة ترفض واقعا مريرا للأنثى وتنشد واقعا يرتقي بها ..انها ثنائية الواقع واللاواقع وثنائية الموجود والمنشود.
+ وكأني بالشاعرة من وجهة نظر حقوقية تفرض حق الأنثى في التعبير عن مشاعرها من ذلك التغزل بالحبيب.
وفي هذا الاطار فان عنوان القصيدة "قال :من أنتِ؟" يقتضي ردّا من هذا الذي أعلنته مدينة العشق وتاجا لها... كيف كان ردّه؟
استهل العاشق والمعشوق في نفس الوقت رده بجملة اسمية تفيد اعترافا بحقيقة (وأنا ابن مواسم عاشقة) وهو بذلك يرد على هذه الأنثى بنفس" بضاعة" الفخر والغزل فيعتبر غزله شفاء ومجده عقلا وفضلا:
ان قلت غزلا يطيب من به سقم
والعقل والفضل في مجدي ونطقي
وما تكامل في خلقي من الشرف
ولئن كان الحنين قاتل روحه فالقبل تحييها
وبالتالي فان هذا الرد من العاشق والمعشوق يبوح بهويته الوجدانية فخرا وغزلا.
وفي هذا الاطاران عنوان القصيدة " قال: من أنتِ؟" وما اقتضاه من ردّ قد منح للقصيدة سمة الدائرية فوحدة المعنى بالقصيدة لا يختلّ سواء إن بدأنا من قول الحبيبة أو قول الحبيب فكلا القولين يعود الى الرابط بينهما وهو معرفة الهوية الفكرية والوجدانية....
وبالتالي فعنوان القصيدة يمكن أن يعيد بناء معمار القصيدة ليجعل القول الأول هو الثاني والثاني هو الأول وبذلك يمكن أن يكون العنوان وفق احتمالين:
- قال: من أنتِ؟ فتردّ عليه.
- قلتُ : من أنتَ؟ فيردّ عليها .
وخلاصة القول فلئن لعب عنوان القصيدة دورا بمتن القصيدة بالوقوف على الهوية الفكرية والوجدانية.. فخرا وغزلا فهو قد يلعب دورا في إعادة البناء المعماري للقصيدة.
سلم قلم المبدعة آمال بوحرب المتمرد إيمانا منها بحق الأنثى في الغزل من خلال البوح بمشاعرها العميقة نحو من تحبّ.
بتاريخ 04/ 10/ 2025
المراجع:
https ://asjp.cerist.dz*
أبعاد العنوان ومدلولاته في الشعر العربي المعاصر
القصيدة :د. آمال بوحرب:
قا ل من أنتِ؟
——-
فقلت أنا ابنة روح الشعر
أضع التاج حيث يليق بالسؤدد
وفي خصري تنام قرطاجة أسطورة لا تخبو
ويشهد الوجد أني أنثى من نور ودم وشجن
يقال إذا تجلّى وجهي أشرقت الكواكب
وإذا نطقت ارتجف ربيع الحسن
تغار نجوم الليل من همسة عيني
ويضيع سر العشق
وأقول :قلبي لا يُمنح لرخيص المشاعر
وروحي لا تُفنى في هوى بعيد لا يعرف أصلي
أنا التي إن اقتربت أحرقت
وإن ابتعدت تركت ظلاً يتبعني
والوجد شاهد وهذه كلماتي تفوح بالغزل
فليشهد التاريخ أني أعلنتك مدينة للعشق
وأنت فيها تاجُها وعطرُها
فردّ
وأنا ابن مواسم عاشقة
إن قلتُ غزلاً يطيب من به سقم
والعقل والفضل في مجدي ونطقي
وما تَكامَلَ في خلقي من الشرف
وأمواج الطين والفرات
تهديك روحي على نعش
الحنين وتجيبها منك القبل
د.آمال بوحرب
تونس


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق