هذا جانب من رؤيتي النقدية التي قدمتها حول رواية الكبسولة للأديب - كميل أبو حنيش منذ أكثر من سبعة أعوام ، وهو بالأسر ، والآن تحققت نبوءة الرواية في تحررها
يقدمها لكم الشاعر الناقد/ سامي ناصف . جمهورية مصر العربية.
دور النزعة الفلسفية في رواية الكبسولة لكميل أبو حنيش.
………
لقد نجح كميل أبو حنيش، في تحويل المكان الأكثر ضيقًا - الزنزانة - إلى أفق وجودي مفتوح على أسئلة الوعي والحرية والمعنى.
فالسجن، الذي يُفترض أن يكون انغلاقًا، يتحول في النص إلى فضاء فلسفي رمزي، تتجسّد فيه كلّ ثنائيات الإنسان الكبرى:
الحياة والموت، الحضور والغياب، الجسد والروح، الحرية والقيد.
إنها رواية لا تكتفي بتسجيل معاناة الأسر، بل تُخضع هذه التجربة لاختبار فلسفي عميق، لتستخرج من الألم معرفة، ومن العزلة تأمّلًا في الكينونة الذاتية.
ثانيا: النزعة الفلسفية، من التجربة إلى الفكر.
تتبدّى النزعة الفلسفية في الرواية عبر ثلاث محاور جوهرية:
أ- محور الوجود: حيث يتحول سؤال -من أنا؟ إلى مواجهتة مع العدم، في غياب كل صدىٰ خارجي للذات.
هنا يستعيد النص الهاجس الوجودي.
حيث إن الوجود لا يُقاس بما نملكه، بل بوعينا بالحدود التي تطوّقنا.
ب - محور الزمن: إذ تتفتت الحدود الزمنية بين الماضي والحاضر، ليصبح الزمن تجربة وعي داخلي لا قياسًا فيزيائيًا.
الأسير يعيش الزمن بوصفه (مطلقًا راكدًا)وفي تلك الرتابة يكتشف هشاشة إدراك الإنسان للوقت.
ج- محور الحرية: الحرية تتحوّل من شعار سياسي إلى (سؤال ميتافيزيقي)
ما الحرية إن لم تكن اختيارًا داخليًا؟
وهنا يُظهر الكاتب وعيًا فلسفيًا عميقًا بالحرية بوصفها، مسؤولية الذات عن معناها، لا مجرد خروج من الجدران.
ثالثا: البعد الرمزي فرواية الكبسولة بوصفها استعارة كونية
تؤدي - الكبسولة- دورها في الرواية كرمز مركّب يجمع بين الواقعي والخيالي؛
فهي من جهة أنها رسالة المهربة التي تعبّر عن فعل المقاومة والتواصل الإنساني في السجن.
- وهي من جهة أخرى، رمز الوعي المضغوط داخل الجسد، أي الإنسان المقموع الذي يحمل في داخله سرّ الخلاص.
كما يمكن قراءتها كـرمز كوني للوجود الإنساني: مخلوق صغير محدود، لكنه يحمل في جوفه جوهر الكون.
بهذا المعنى، تتحول الكبسولة إلى استعارة فلسفية للإنسان الفلسطيني نفسه،
المحاصر بالحديد والسياسة، لكنه لا يتوقف عن الحلم، عن البثّ، عن إيصال صوته، حتى لو كان عبر ثقبٍ في جدار الزمن.
رابعا: البعد السياسي.
تبقى الرواية(لكميل أبو حنيش) منغرسة في السياق السياسي الفلسطيني.
لكن أبو حنيش لا يقدّم خطابًا شعاريًا أو خَطابيًا، بل يجعل السياسة، تتجسّد في التجربة الإنسانية.
فالفكر الفلسفي هنا لا يُقصي البعد الوطني، بل يرفعه إلى مستوى الوعي الوجودي بالتحرر.
إن الحرية في الرواية ليست فقط تحررًا من الاحتلال، بل تحررًا من الاستسلام، من الخوف، من اغتراب الإنسان عن ذاته.
بذلك، تمارس الرواية فعلاً نقديًا مزدوجًا:
نقد الاحتلال بوصفه سجنًا مادّيًا، ونقد الاغتراب الإنساني بوصف سجنًا معنويًا.
خامسا: الكتابة كفعل خلاص فلسفي
الكتابة في رواية الكبسولة، لكميل - ليست وسيلة للتعبير فحسب، بل فعل وجودي مقاوم.
هي استمرار للوجود رغم محاولات إلغائه، واستعادة للزمن رغم توقفه.
وهنا يظهر البعد الفلسفي الأسمى:
أن الكتابة، هي الحرية الأخيرة التي لا يمكن لأي سلطة أن تصادرها.
إنها شكل من أشكال التحرر الداخلي التي تعيد الإنسان إلى ذاته، وتمنحه خلودًا روحيًا.
بهذا المعنى، تتحول الرواية إلى نصّ أنطولوجي، أكثر من كونها سردًا واقعيًا.
إنها تأمّل في ماهية الإنسان وهو في أقصى درجات انكشافه على الوجود.
سادسا: التركيب النقدي النهائي
يمكن القول إن رواية الكبسولة تجمع بين ثلاثة مستويات متداخلة تشكّل بنيتها الفلسفية، والرمزية، السياسية.
سابعا: جُملة القول: رواية الكبسولة ليست رواية عن السجن، بل عن الوعي داخل السجن
وليست عن الأسير فحسب، بل عن الإنسان حين يُختبر وجوده في أقصى درجات العزلة.
هي رواية تُعيد تعريف المقاومة كفعل تفكير،
وتُعيد تعريف الفلسفة كفعل حياة،
وتُعيد تعريف الأدب كمساحة يلتقي فيها السياسي بالميتافيزيقي، والرمز بالواقع، والإنسان بالمطلق.
بهذا تضع - رواية الكبسولة - نفسها ضمن تيار الأدب الفلسفي المقاوم، الذي لا يكتفي برفض القيد، بل يسعى إلى فهم معناه،
فتغدو الرواية رسالة من داخل الأسر إلى وعي العالم، وكبسولة فكرية تحمل في داخلها نبض الإنسان الباحث عن معنى الحرية وسط العدم.
هذا جانب من دراستي النقدية التي قدمتها منذ أكثر من سبعة أعوام حول رواية الكبسولة للكاتب والأديب والشاعر الأسير المحرر مؤخرا ( كميل أبو حنيش
حيث تم إذاعتها عبر الزوم بنادي الأسير بغزة العزة الدراسة كاملة بالصوت والصورة.
يقدمها لكم:
الشاعر الناقد/ سامي ناصف
جمهورية مصر العربية.
واتسآب ٢٠٠١٠٠٨٠٣١٦٤٨

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق