رواية "موسم الهجرة إلى الشمال*"-الطيب صالح..
رحلة أمةٍ تبحث عن نفسها في وجه الاستعمار والاختلاف والهوية..بأسلوبٍ شعريٍ عميق..
رواية"موسم الهجرة إلى الشمال"للأديب السوداني الطيب صالح تُعدّ من أعظم الروايات العربية في القرن العشرين،إذ تمزج بين السرد الواقعي والتأمل الفلسفي في صدام الشرق بالغرب،والهوية بالاغتراب،والحب بالموت.
تبدأ القصة بعودة الراوي إلى قريته السودانية بعد سنواتٍ من الدراسة في أوروبا،وهناك يلتقي برجل غامض يُدعى مصطفى سعيد،القادم بدوره من رحلةٍ طويلة إلى الغرب.خلف مظهره الهادئ تختبئ حكاية مليئة بالعشق والدم والاغتراب.
كان مصطفى سعيد طالبًا لامعًا في لندن،جذبته النساء الأوروبيات بغموضه الشرقي،لكنه انتهى إلى مأساةٍ دامية بعد سلسلة من العلاقات التي خلط فيها الحب بالانتقام،والرغبة بالبحث عن الذات.
قصته،ترجمت بعقمق صراعه بين كراهيته للاستعمار وانجذابه إلى الحضارة الغربية،
وبين عقلانيته الجامدة وعواطفه المكبوتة،بذلك خلق دراما نفسية مأساوية تظل عالقة في ذهن القارئ.
بعد عودته إلى السودان،يحاول مصطفى أن يعيش حياة هادئة،لكن ماضيه يظل يطارده حتى نهايته الغامضة في النيل.ومن خلاله،يرسم الطيب صالح صورة الإنسان العربي الممزّق بين ثقافتين، بين إرثه الجنوبي الحارّ وفتنة الشمال البارد،بين الانتماء والضياع.
نهاية الرواية،حيث يختار الراوي أن يسبح ضد التيار ولا يستسلم،هي واحدة من أكثر النهايات قوة في الأدب العالمي.إنها ليست نهاية يائسة،بل هي بيان بالإرادة والقدرة على الاختيار،وترك سؤال "ماذا سيحدث؟" مفتوحاً أمام القارئ.
ختاما،"موسم الهجرة إلى الشمال"ليست فقط قصة رجل،بل رحلة أمةٍ تبحث عن نفسها في وجه الاستعمار والاختلاف والهوية.بأسلوبٍ شعريٍ عميق،يجعلنا الطيب صالح نتأمل سؤال الوجود ذاته.
فهل يمكن لمن عبر البحر أن يعود كما كان..أم أن الرحلة تغيّرنا إلى الأبد؟!
هذا السؤال المربك أجاب عنه نجلي ( رحمه الله) إذ تغير إبني..لم يعد كما كان..عاد نعشا محمولا على أكتاف الرجال،بعد أن عبر الأبيض المتوسط في رحلة بحث عن رغيف،ممزوج بعطر شقروات أوروبا..وعرق شباب عربي حالم بفردوس في الضفة الجنوبية للمتوسط..براعم شبابية شردتها أوطانها السليبة والمستلبة..!
هو الآن ( إبني) في الماوراء حيث نهر الأبدية ودموع بني البشر أجمعين..انتهت رحلته..ومحنتي "الإغريقية" لم تنتهي بعد..!
محمد المحسن
*موسم الهجرة إلى الشمال" هي أكثر من رواية، إنها ظاهرة أدبية وفكرية.لقد نجح الطيب صالح في تحويل قصة رجل واحد إلى ملحمة عن أمة بأكملها،بل وعن الإنسان المعاصر في عالم مليء بالتصادمات الثقافية.
لا عجب أنها اختيرت كواحدة من أهم 100 رواية في التاريخ،وكأفضل رواية عربية في القرن العشرين.جمالها لا يكمن في تقديم إجابات،بل في قدرتها على إثارة أسئلة تظل حية فينا حتى بعد عقود من نشرها.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق