الأربعاء، 8 أكتوبر 2025

قراءة نقدية: "أسلوبية السؤال في القصيدة " (القصيدة ونظرية التلقي الحديثة) . التفريغ النصي :" بين الاصرار والوقار قرار. القصيدة:" ما ذنب إصراري؟ " الشاعر طاهر مشي (تونس) الناقدة جليلة المازني (تونس)

 قراءة نقدية: "أسلوبية السؤال في القصيدة "

             (القصيدة ونظرية التلقي الحديثة) .

 التفريغ النصي :" بين الاصرار والوقار قرار.

القصيدة:" ما ذنب إصراري؟ "

الشاعر طاهر مشي (تونس)

الناقدة جليلة المازني (تونس)

القراءة النقدية: "أسلوبية السؤال في القصيدة "

"القصيدة ونظرية التلقي الحديثة"


1-  عتبة العنوان " ما ذنب إصراري؟


استخدم الشاعر طاهر مشي في اختيار عنوان القصيدة أسلوبا انزياحيا تركيبيا قائما على الاستفهام . فما دلالة هذا الاستفهام؟:


- هل الاستفهام يفيد جذب الانتباه وتحفيز التفكير؟


- هل الاستفهام يفيد تجسيد المعاناة والتجارب؟


- هل الاستفهام يفيد خلق جو من الحوار والتفاعل بين الشاعر والقار ئ مما يجعل القصيدة تفاعلية ويشرك القارئ في عملية  اكتشاف النص؟


- هل الاستفهام يفيد فتح آفاق جديدة للدلالة باعتباره ليس مجرد طلب للمعرفة بل هو مدخل  لآفاق  أوسع من المعاني التي تتجاوز الاجابة السطحية وتتجه نحو المعرفة الوجدانية العميقة؟


- هل الاستفهام إثراء المعنى وتعميق الفهم ليساعد على تنويع الأفكار والصور والمواقف مما يثري معاني القصيدة ويجعلها أكثر عمقا؟؟؟


- هل الاستفهام يفيد خلق الغموض اللذيذ  المقصود مما يضيف في القصيدة بُعْدا جماليا  ويحث القارئ على الخوض في تأويلات مختلفة.؟


- هل الاستفهام يفيد توجيه القارئ نحو التأمّل فيبحث عن اجابات ويؤدي الى خاتمة مفتوحة تستفزّ تفكيره؟


-هل الاستفهام يجسد فرصة للشاعر لابتداع عالمه الشعري الخاص ويعكس قوته وقدرته على صياغة رؤيته الخاصة للعالم.


ان الشاعر من خلال العنوان يطرح مشكلة اصراره عن أمر ما ويتساءل مستنكرا ان كان اصراره ذنبا يُعاب عنه.


- لعل الشاعر من خلال هذا الاستفهام يريد أن  يجسّد معاناته  وتجربته بسبب هذا الاصرار المفرط فيه حدّ اعتباره ذنبا قد يستنكره.


- لعل الشاعر من خلال هذا الاستفهام يورّط القارئ  منذ العنوان في جو من الحوار والتفاعل مما يجعل القصيدة تفاعلية ويشرك القارئ في عملية  اكتشاف النص؟


ان طرح السؤال بالعنوان هو بداية صناعة السؤال  الذي تواتر بالقصيدة:


2- التحليل : أسلوبية الحوار بالقصيدة:


استهل الشاعر القصيدة باستفهام ولعله بذلك يريد اثراء المعنى وتعميق الفهم ليساعد على تنويع الافكار والصور والمواقف مما يثري معاني القصيدة ويجعلها أكثر عمقا فيقول:


قل بربك


هل نسيتَ وقاري؟


فالشاعر يتوجه بسؤاله الى مخاطب مستنكرا نسيانه لوقاره.


وهنا سيقحم الشاعر القارئ في عدة تساؤلات تساعد عل تنويع الافكار والصور والمواقف:


- اي وقار يتحدّث عنه الشاعر؟

- هل ان اصراره يتنافى مع وقاره؟

- هل ان الشاعر لا يريد أن يخرج عن وقاره بهذا الافراط في الاصرار؟

- هل أن الشاعر يعيش صراعا بين إصراره المفرط والتمسك بوقاره؟

- هل الاصرار والوقار أمران أحلاهما مرّ لدى الشاعر؟

- هل أن بين الإصرار والوقار سيتخذ قرارا ويحسم أمره؟


ويواصل الشاعر في طرح السؤال قائلا:

أغتالك الصمت الهجير وناري؟


انه يستنكر اغتيال الصمت الهجير وناره لهذا المخاطب.

والصمت الهجير كما يرى بعض النقاد "هي عبارة تعني صمتا ثقيلا وقاسيا يشبه في شدته حرارة الهجير ويحرق الأحاسيس ويسبب الاختناق او الاحتراق الداخلي والعجز عن التعبير والألم والحزن".


وفي هذا الاطار هل أن إصرار الشاعر هو اصرار على الصمت ضمانا لوقاره وكرامته وكبريائه مما سبب الحزن والألم والاختناق والاحتراق للمخاطب؟


- ان هذا الاستفهام  يجسّد معاناة الشاعر وهو في صراع  بين صمته القاسي الذي قد يحرق أحاسيس المخاطب وقد يخنقه ويسبب له الألم والحزن وبين وقاره الذي يملي عليه هذا الاصرار على الصمت.


وبالتالي فالشاعر من خلال هذا الصمت القاسي  قد يحقق هدفين:


- تلقين الطرف المخاطب درسا في التجاهل له.


- ضمان كرامته والمحافظة على كبريائه.


ويستمر الشاعر في صناعة السؤال قائلا:


أأرضى


بأن يُطفى اشتياقي بغيبتك؟


وتنسى ضياء الوفا


في لب أفكاري؟


لعل الشاعر هنا  استخدم الاستفهام لخلق الغموض اللذيذ  المقصود مما يضيف في القصيدة بُعْدا جماليا  ويحث القارئ على الخوض في تأويلات مختلفة من خلال استخدام مقابلة معنوية بين إطفاء الاشتياق والغياب وبين النسيان والوفاء


كأني بالشاعر يُحكّمُ القارئ ويحثه عل الخوض في تأويلات مختلفة انصافا له:


- فقد يدعو القارئُ الشاعرَ الى شيء من المرونة والرضى رغم تضارب موقفه مع موقف المخاطب .


- وقد يكون القارئ صارِمًا ويدعو الشاعر بعدم الرضى وعدم التنازل.


وهنا يفصح الشاعر مرة أخرى عن إصراره على الصمت وكأني به في محكمة ليُدين هذا المخاطب على هروبه وما سبّبه له في هجره فيقول:


فإن كنت تدري


بما تركته


فلم الهروب؟


وما ذنب اصراري؟


ان الشاعر باستخدام أسلوب انزياحي ايقاعي قائم على التكرار (وما ذنب اصراري؟) وهو تناص داخلي بالقصيدة مع العنوان.


انه يؤكد بذلك على إصراره على الصمت القاتل للطرف الآخر تجسيدا للمثل القائل "ومن الصمت ما قتل" إيمانا منه أن صمته الخانق للطرف الآخر هو دواء له في غربته وهجره له فيقول:


عشت يتيم النبض


في غربة


اشقاني الهجر


وانهارت أفكاري


انها معاناة جسديا ومعنويا ووجدانيا للشاعر.


وأكثر من ذلك فهي معاناة التشظي الجسدي والوجداني:" فاحمل بقاياي"  


وقد يتدخل القارئ بفضوله المعهود وبما أتاحه له الشاعر من فرص التفاعل من خلال صناعة السؤال.. فيتساءل:


هل نحن إزاء مقابلة معنوية بين موقفين وشعورين:


- مازوشية الشاعر وهو يتلذذ بتعذيب المخاطب له وهو يردد على القارئ ما فعله به من هجر وهروب وتشظ بما في ذلك اصراره على صمت ليس قاسيا على الآخر فحسب بل مؤلم أيضا له(فاحمل بقاياي).


- سادية الآخر الذي قد يتلذّذ بتعذيب الشاعر الذي تشظى كيانه (وانتش الطربا).


بيد أن الشاعر يستدرك الأمر وينتشل كرامته من سادية الآخر ليعتبره وهْما لا يعترف به في وجوده فيقول:


قد كنت وهْما


وسربا بأسواري


ان الشاعر يظهر خلاف ما يبطن:


- لئن كان يظهر التحدي تعاليا على الآخر فإنه يبطن الوجع وإن كان مصرّا على الصمت.


- لئن كان يُظهر الصبر فهو يبطن الوجع فهو صبور لكنه لم يَجْن الا الوجع  فيقول:


سقيتك صبري


فهل من جزاء؟


سوى وجع


ينادمه قراري


ان الشاعر يختم باستفهام يجسد فرصة له لابتداع عالمه الشعري الخاص ويعكس قوته وقدرته على صياغة رؤيته الخاصة للعالم.


ان الشاعر قد يجعل القارئ متأملا في العلاقة بين العمل والجزاء بين مدى صبره والجزاء الذي لقيه وهو الوجع ..انها معادلة ظالمة وقاسية  فلا يمكن أن يكون جزاء الصبر الوجع.


ولعل هذه المعادلة  الظالمة والقاسية قد يدعمها القارئ بالمثل القائل "نال جزاء السنمّار"


ان تدخل القارئ باستحضار مثل "جزاء السنمار" هو ما جعل الشاعر يتخذ قرارا ينادم وجعه ويرافقه.


ويخرج بمعادلة أخرى فيقول:


تناسيت عشقي


والهوى صلد قلب


يمر خفيفا


كطيف في مساري


فتناسي العشق يقابله الشاعر بالتجاهل (اصراره على صمت الهجير) تماما كطيف عابر.


وخلاصة القول فان الشاعر باستخدام أسلوب قائم على صناعة السؤال قد استطاع ان " يُوَرّط" القارئ في التفاعل معه وانتاج المعنى مستجيبا في قصيدته الى نظرية التلقي الحديثة وهو في ذلك يتقاطع مع العديد من الشعراء في صناعة السؤال بالقصيدة  كمحمود درويش وغيره.


بتاريخ :08/ 10/ 2025


القصيدة: المبدع طاهر مشي


ما ذنب إصراري؟

ااااااااااااااااا ااااااااا

قُل لي بربِّكَ،

هل نسيتَ وِقاري؟

أغْتالكَ الصمتُ الهجيرُ وناري؟

أأرْضى

بأن يُطفى اشتياقي بغَيبتكْ؟

وتنسى ضياءَ الوفا

في لبّ أفكاري؟

فإن كنتَ تدري

بما قد تَرَكْتَهْ،

فَـلِمْ الهروبُ؟

وما ذنبُ إصراري؟

عِشتُ يتيـمَ النبضِ

في غربـةٍ

أشْقانـي الهجرُ،

وانهارتْ أفكاري

فـاحمل بقايايَ،

وانتشِ الطربا

قد كنتَ وَهْمًا

وسِربًا بأسواري

سَقَيتُكَ صبري،

فهل من جزاءٍ؟

سِوى وجَع

يُنادمُهُ قَراري

تَناسيتَ عِشقي،

والهوى صَلدُ قلبٍ،

يمرُّ خفيفًا

كطيفٍ في مساري

ااااااااااااااااا

طاهر مشي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق