الاثنين، 22 سبتمبر 2025

حول المواقع الأدبية المضللة..! : شهادات"شكر"و"أوسمة"وهمية..تهدى-لكتاب مبتدئين..من يوقف هذا النزيف..؟! ( ج2)

 حول المواقع الأدبية المضللة..! : 


شهادات"شكر"و"أوسمة"وهمية..تهدى-لكتاب مبتدئين..من يوقف هذا النزيف..؟! ( ج2)


(عندما يصبح المدح سلعة رخيصة..تفقد آراء النقاد الحقيقيين قيمتها..!)


قد لا يحيد القول عن جادة الصواب إذا قلت أن الأدب نتاج إنساني،وشكل من أشكال التعبير اللغوي عن الفكر والعاطفة،فهو الثوب القشيب الذي يكسو مخرجاتنا العقلية والقلبية ويقدمها بقالب لغوي مميز وراق ومختلف عن لغة الحياة اليومية.قد يكون شعرا أو نثرا،وهو السجل الذي يحفظ لكل أمة من الأمم قسما كبيرا من تاريخها وثقافتها وحضارتها.

إن الأدب دليل حضارة الأمم ورقيها وعنوان ثقافتها،وهو مرآة الواقع وانعكاس الأبعاد الإنسانية على الحياة،يصورها باحتراف الكلمة وبراعة الأسلوب ورؤية المبدع تصويرا موضوعيا أو ذاتيا بحسب حاله وأهدافه ورؤاه،ووفقا لأفكاره وأحاسيسه،واتكاء على قوة خياله ومدى موهبته وكفاءته في تطريز الكلام ونظمه انسجاما مع فكر عميق وعاطفة مرهفة،ليترك لدى المتلقين دهشة ولذة تمتع النفس وتخاطب الفكر والقلب والروح والوجدان..

ولكن،ما يلفت الإنتباه،سيما في ظل هذه الطفرة التكنولوجية المذهلة،هو ظاهرة ازدحام الساحة الأدبية "بأشباه الكتاب والشعراء"..! هي بالفعل ظاهرة مزعجة،ولها أسباب متعددة وآثار سلبية على الأدب الرفيع.لكن السؤال: من الرقيب والحسيب؟!

هناك العشرات (بل المئات) من الصفحات والمجموعات الأدبية على فيسبوك التي تقدم خدمة "نقد" أو "مراجعة" الكتب مقابل "مبلغ مالي"،وغالباً ما يكون "النقد" مجرد كلمات إطراء ومديح مبالغ فيه،مع منح الكاتب "شهادة تقدير" لا تحمل أي قيمة حقيقية.هذه الممارسات يمكن وصفها بالفعل بـ "المغالطات"و"مضللة".فالكاتب المبتدئ يتلهف للحصول على اعتراف وتشجيع. هذه الصفحات تستغل هذه النقطة النفسية بشكل تجاري بحت.حيث يتم إيهام الكاتب بقيمته،بمعنى  الإطراء غير النقدي مما يخلق وهمًا لدى الكاتب بأنه وصل لمستوى متقدم،فيوقف نموه الأدني، ويحرمه من النقد البناء الحقيقي الذي يساعده على التطوير.كذلك الإضرار بمصداقية المشهد الأدبي،فعندما يصبح المدح سلعة رخيصة،تفقد آراء النقاد الحقيقيين قيمتها،ويضيع التمييز بين العمل الجيد والضعيف.فالقاريء العادي  ينخدع بهذه "الشهادات" و "كلمات المديح" المنشورة فيعلق-مثلا-على قصيدة  ربما لا تستحق،مما يشوه ذائقة القراءة.

والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع : هل من رقيب أو حسيب،لوقف "هذه الظاهرة المرضية" التي استفحلت في السنوات الأخيرة،وأقضت مضاجع النقاد والمهتمين بالشأن الثقافي والأدبي. ؟!

والحل-في تقديري-لا يكمن في وجود رقيب خارجي واحد،بل في تضافر جهود عدة أطراف تشكل معاً "رقابة مجتمعية وأخلاقية" أقوى..

الرقيب الأول: أنت (الكاتب المبتدئ نفسه)..

إذ عليك أن تكون واعياً بأن المديح الحقيقي لا يُشترى.فالنقد القاسي المنصف خيرٌ من مدح كاذب.

وعليه ابحث عن التقييم الحقيقي،بمعنى اطلب رأي قراء حقيقيين في مجموعات نقاش جادة،أو قدم عملك لورشات كتابة،أو اطلب نقاداً معروفين بموضوعيتهم (حتى لو كان رأيهم قاسياً).

ثم اسأل نفسك: هل أريد أن أسمع ما يعجبني،أم أريد أن أصبح كاتباً أفضل؟

وهنا أشير إلى دور الإعلام الثقافي المدعو لتسليط الضوء على التجارب المتميزة حقاً بدلاً من الانجرار وراء ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي.كما أن وعي المبدعين الحقيقيين المتمثل في استمرارية عملهم بتؤدة وإتقان،وادراكهم بالتالي أن الجودة هي سلاحهم في النهاية.

وهنا أدعو إلى خلق بدائل مجانية وجادة من شأنها دعم وإنشاء مساحات نقدية حقيقية تقدم تقييماً موضوعيا،مما يضعف وجود هذه الصفحات التجارية.كما على النقاد والكتاب المخضرمين والمجلات الثقافية الموثوقة توعية المبتدئين بمخاطر هذه الظاهرة عبر مقالات وندوات.

وخلاصة القول :

لا يوجد "رقيب رسمي" واحد سينزل عقابه على هذه الصفحات بين ليلة وضحاها.الرقيب الفعال هو مزيج من: وعي الكاتب،ورقابة المجتمع الأدبي الرصين،ومسؤولية المؤسسات الثقافية في التوجيه.فالمعركة ضد هذه الظاهرة هي معركة توعوية في المقام الأول.إذ كلما ازداد وعي الكتّاب المبتدئين بعدم قيمة هذه "الشهادات المزيفة"، كلما جف المنبع المالي الذي تعتمد عليه، وستضمحل هذه الظاهرة تدريجياً.


متابعة محمد المحسن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق