الخميس، 25 سبتمبر 2025

قراءة نقدية:" القصيدة ومتعة السجال" بقلم الناقدة : جليلة المازني (تونس)

 قراءة نقدية:" القصيدة ومتعة السجال"

القصيدة (1) : "تخبّط"

الشاعرة: زينب التميمي(العراق)

القصيدة(2):"اعتلال"

 الشاعرة :أميمة عمران(سوريا)

القصيدة (3):آه ..لو يصيييير

الشاعرة: زينب التميمي (العراق)

الفنانة التشكيلية : سعيدة البركاتي (تونس)

 الناقدة : جليلة المازني (تونس)


القراءة النقدية : "القصيدة ومتعة السجال"

1 - القصيدة الأولى (زينب التميمي).

 أ - العنوان "تخبط"

أسندت الشاعرة عنوانا لقصيدتها "تخبط" وهو مصدر من فعل مزيد (تخبّطَ)على وزن تفعّل ويفيد المطاوعة :خبطه في الشر مثلا فتخبّط فيه.


والتخبط كما ورد في معجم المعاني الجامع- عربي عربي هو الوقوع في شيء ومحاولة التخلص فيما حصل الوقوع فيه :


وورد في معجم العربية المعاصرة:" تخبط , اهتزّ, تقلقل ."تخبط من الألم أخطأ وغلط." تخبط في اتجاهات مختلفة",تخبط في الجهل: بقي في حالة تخلف, تخبط في شقاء نفسي: تاه ووقع في حيرة من أمره".


فأي تخبط تشير اليه الشاعرة باعتبار أن العنوان هو محتوى مصغر للقصيدة؟؟


ب - التحليل: 


تستهل الشاعرة زينب التميمي قصيدتها بظرف مكان (نحو) يفيد الاتجاه بيْد أن هذا الاتجاه لم يكن محدّدا فهو اتجاه نحو المجهول.


وهذا الاستهلال يتناص مع قصة "رحلة نحو المجهول" للقاص والشاعر التونسي القدير كمال العرفاوي ويتناص أيضا مع يوميات طالب سعودي في لندن بعنوان "نحو المجهول" للكاتب أحمد بن سعد أبو حميد والعديد من الكتاب تحدث عن هذا الاتجاه نحو المجهول.


والسؤال المطروح هنا:


اذا كان المجهول مجهولا بغموضه وإبهامه والخوف منه و هو طريق مسدود و قد يكون حالة يأس :


 ما الدوافع التي تدفع للمغامرة والمخاطرة وركوب المجهول؟


- هل هو الايمان بأن المحاولة تضيف خبرة للإنسان؟


- هل هو الإيمان بأن المحاولة والفشل أفضل من عدم المحاولة؟


- هل الانسان يتجه نحو المجهول بسبب الخوف أو بسبب الاستكشاف؟


- هل ان الاتجاه نحو المجهول حالة يأس؟


- هل هو هروب من المعلوم المرير وركوب للمجهول مهما كانت عواقبه؟


تقول الشاعرة:


نحو المجهول...نجرّ أقدامنا


نقتات خوفنا المرير


لقد استخدمت الشاعرة ضمير المتكلم الجمع (نحن) والذي مسح كل القصيدة


( نجرّ/ أقدامنا/ نقتات/ خوفنا/...).والشاعرة تقحم نفسها داخل المجموعة ولا تستثني نفسها منها إيمانا منها بالشعور بالإنتماء الى هذه المجموعة المتخبطة في المجهول.


ولعلها ترمز بهذا الجمع المتكلم الى الأمة العربية.


 وبين رهبة وخوف كان السيْر نحو المجهول.


وبين حاستي اللمس والذوق كان السير نحو المجهول.


لئن كانت حاسة اللمس متخاذلة ومترددة فالقدمان اللذان يحملان هذه المجموعة على السير متراخيتان فحاسة الذوق تقوم مقام المشاعر لتجعل للخوف من هذا المجهول طعما مرّا.


انها مرارة المجهول والطريق المسدود الذي يجعل الشاعرة و الامة العربية في تخبط.


وبين مهاداة الريح وهدهدة أيام العمر تعيش الشاعرة مع المجموعة سباقا.


والسباق يقتضي ربحا وخسارة:


- هل هو تخبط بين الربح والخسارة؟


- هل الحياة سباق بين متناقضين بين الخير والشر ؟


- هل الانسان يتخبط بين ضدينّ؟


- هل هو سباق في الزمان والمكان؟


تقول الشاعرة:


نهادي الريح


أيّنا يسابق الآخر


نهدهد سنوات العمر


انه سباق بين كرّ وفرّ واقبال وادبار ومد وجزر...انه التخبط في المجهول.


انه التخبط بين أمل الأحلام وألم التعثر فيها و أكثر من ذلك ألم عدم الوعي بهذا التعثر. تقول الشاعرة:


لم نعِ يوما أننا سنغدو


متعثرين بأزهار أحلامنا


مثل نبتة صبّار


تحمل أشواكها


لاعنة حظها العاثر


تبكي عصارة روحها المرة


مرة تلو مرة


وما تلبث حتى تعود ونعود


بخطى باردة


لقد استخدمت الشاعرة أسلوبا انزياحيا دلاليا قائما على التشبيه لتشبيه الأحلام المتعثرة بنبتة الصبار بأشواكها وبعصارتها المرة.


إن تعثر الأحلام قد يحُول دون بريق هذه الأحلام وتحقيقها تماما كما تحول بين منافع نبتة الصبار وفوائدها تلك الأشواك المؤذية ليصبح طعمها مرّا بسبب صعوبة الوصول اليها.


انه التخبط  مرة أخرى بواسطة حاستي اللمس والذوق فاللمس يشي بسرّ الوجود في المكان والذوق يشي بطعم الحياة وهل للحياة طعم في مكان به أذى وبه أشواك؟


والشاعرة لا تكتفي بحاستي اللمس والذوق باستدعاء صورة نبتة الصبار بل ترتقي بقصيدتها الى بصرية الرسم والمسرح وكأن الواحد من هذه المجموعة المقصودة يعيش تخبطا بين فوائد نبتة الصبار وأشواكها التي تحول دون قطفها.


انها صورة الواحد من المجموعة وهو مُنْحنٍ على نبتة الصبار وهو متردد بين قطفها والاستمتاع بفوائدها وبين الخوف من أشواكها.


ولعل الشاعرة بهذه الصورة الشعرية الحسية تسعى الى أن تجعل المجموعة


تنحو نحو التحدي ورفض الواقع الشائك من أجل حلم جميل.


انه الصراع بين الحلم والواقع.


ان هذا الصراع قد جنح بالقصيدة من واقعية التخبط  الى التحليل النفسي للمجموعة .


والتحليل النفسي قد دأبت عليه شاعرتنا أسوة بالأديب الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي .فنجدها في القصيدة بين:


- أفعال وجمل  تجسد التخبط :(نقتات/ نهادي/ نهدهد/ سنغدو متعثرين/ تحمل أشواكها/ لاعنة حظها العاثر/ تتأفف بهوادة/ تبكي عصارة روحها المرة/ ..)   


- أفعال وجمل تحلل نفسية المجموعة: (نلعن أسرنا المعقود بالغربة/ نصاهر في المتعة حظنا العاثر/ نخمر من بواقي حاضرنا ماضينا الغابر/ ).


وكأني بالشاعرة من خلال هذا التحليل النفسي لنفسية المجموعة(وهي واحدة منها) تلقي اللوم عليها وتجعلها سبب المشكل فالمجموعة هي المشكل والحل. فتقول :


ونعود بخطى باردة


نلعن أسرنا المعقود بالغربة


نصاهر في المتعة حظنا العاثر


ونخمر من بواقي حاضرنا


ماضينا الغابر.


انها حالة نفسية تعيشها المجموعة بين برود ووعي فهي تلعن الأسر المعقود بالغربة وهى تصاهر في المتعة حظها العاثر وتخمر من بواقي حاضرها ماضيها الغابر... انه نوع من جلد الذات الجماعية .


ان المجموعة واعية بالمشكل لكن برودها وعدم حماسها يجعلها لا تعرف الحل.


ولعل الشاعرة هنا تتناص مع ما قاله الامام الشافعي:


نعيب زماننا والعيب فينا// وما لزماننا عيب سوانا.


و تتناص أيضا مع ما يقول ابن القيم الجوزية" تأكد حين تنكسر لا يرمّمك سوى نفسك وحين تنهزم لن ينصرك سوى ارادتك فقدرتك على الوقوف مرة اخرى لا يملكها سواك..لا تبحث عن قيمتك في أعين الناس..ابحث عنها في ضميرك فاذا ارتاح الضمير ارتفع المقام  واذا عرفت نفسك فلا يضرك ما قيل فيك"


وما يدعو اليه ابن القيم الجوزية هو خطاب المفرد في صيغة الجمع مما يجعله متناغما مع خطاب شاعرتنا لان المجموعة هي مجوعة أفراد.


وتعود الشاعرة من خلال تحليلها النفسي الى الوقوف على حقيقة عدم وعي المجموعة بان انصهار الاشياء لا يحتاج حرارة وان الرئتين لا تحتاج غليونا لتدخن غبر الزمن فتقول:


لم نكن نعي


ان انصهار الاشياء


لا يحتاج حرارة


وان رئتينا لا تحتاج غليونا


لتدخن غبر الزمن


كأني بالمجموعة في صراع بين الوعي واللاوعي:


- وعي بالمشكل.


- لاوعي بالحل.


ان الشاعرة تثير ثنائية الذاتي والموضوعي والداخل والخارج:


ان الذاتي الذي يسكن المجموعة بالداخل يؤثر على ما يحصل لها وتضرب لذلك مثل سواد العيون الذي يبكي بياضها .


انه طباق (سواد/ بياض) يعكس مقابلة معنوية بين المشكل (السواد) والحل (البياض) فالمشكل الموجود يرثي الحل المنشود لإزاحة هذا التخبط فتقول:


سواد عيوننا يبكي بياضه


وسكناتنا تأبى الهوادة


تعد السنين


تقلب ومضات الذكرى


خسارات فادحة


وبين ثنائية الومضات (الأمل) والخسارات (الألم) تختم الشاعرة قصيدتها بقفلة مدهشة كسرت أفق انتظار القارئ وانتهكت مسحة التشاؤم بالعنوان (تخبط) وبالاستهلال(نحو المجهول) لتحولها الى أمل وتفاؤل فتقول:


والصمد في داخلنا


يقارع وينازع


يتأمل الانفراج لزاويته الحادة


والصمد من أسماء الله الحسنى في الاسلام ومعناه السيد الذي تصمد اليه الخلائق في حاجاتها ترجوه وتسأله وتضرع اليه حاجاتها (ويكيبيديا).


ولعل الشاعرة ترمز بالصمد الى قوّة الايمان الكامنة فينا والتي تقاوم ما يكبّلنا لتتحوّل الزاوية الحادة بما فيها من ضيق المكان الى زاوية منفرجة بما فيها من اتساع ورحابة وانفراج .


والشاعرة لم تجعل هذه القوة الكامنة فينا تقاوم فحسب بل جعلتها تتأمل وفي التأمل تفكير وإعادة نظر وبحث عن حل للانفراج للخروج من هذا التخبط.


 وفي هذا الاطار لعل اللوحة المصاحبة  تجسد بامتياز هذ التخبط فقد تدخلت معي الفنانة التشكيلية سعيدة  البركاتي لفكّ شفرة اللوحة قائلة:


"حين تنظر للوحة تراها تتحرك لوجود عنصر الماء فيها والماء حياة...


يحتار القارئ في "قطرة الماء" هذه هل هي دمعة عين أم حبة مطر؟


للاقتراب أكثر من اللوحة, نرى البئر والدلو ورمزية البئر هي الحكمة والدلو الوسيلة الوحيدة للوصول لهذه الحكمة فالدلو على حافة البئر ينتظر من يدلو به الى القاع...


التأويل الأقرب الى اللوحة :عين مغمضة دامعة على وتد في شكل غصن "يابس"


هو الآخر يشكو العطش وبئر مشدود حبلها الى طرف العين الدامعة كأنه يتوسل اليها  ان تفتح لتروي عطشه.


رغم هذا اللون الأزرق السماوي المحاط به والأرضية الخصبة باخضرار عشبها


فالبئر هجرها الماء وتشكو الضمأ.


هي رسالة على شكل شكوى حين وصلت الى أعلى عبرت عنها دمعة العين التي تعلقت بالسماء عسى بملحها يعود للأرض ملحها وللبئر ماؤها.


فاللوحة تفاعلية في حركتها" أرض في معاناتها وسماء تدمع لهذه المعاناة"


بالعودة الى ما ذكر أعلاه: الأرض عطشى الى حكماء يديرون شؤونها , والبئر أهمّ عنصر باللوحة, غابت منه الحياة (الماء) فدمعت لأجله السماء.


فالعلاقة وطيدة جدا بين السماء والأرض دمعت عينها ليُروَى ترابها ويعود الماء


لآبارها. فالبئر إن هجرها الماء صارت قبرا فقبورا فمقبرة.


نتساءل: نحيا لنموت؟ ونصارع لأجل البقاء؟ ولكن إن غابت الحياة عن الأرض فهذا حتما فناؤها".


*التعقيب على القراءة التشكيلية:


ان قراءة الفنانة التشكيلية سعيدة البركاتي للوحة محكومة بالعديد من الثنائيات:


الماء والعطش/ السماء والأرض/ البئر والدلو/ الغاية والوسيلة/ الحياة والموت...


انها ثنائيات تجسد بامتياز معنى التخبط.


وفي هذا الاطار يمكن أن نلاحظ ما يلي:


- لئن اعتبرت الشاعرة زينب التميمي أن مشكل التخبط نابع من المجموعة وأن الحل للخروج من هذا التخبط كامن فيها فان الفنانة التشكيلية سعيدة بركاتي ترى أن الحل للخروج من هذا التخبط يكمن في حكماء يديرون شؤون الأرض ولعلها بوجه من الوجوه تلتقي مع الشاعرة في القفلة التي تدعو فيها للتأمل وفي التأمل حكمة حين تقول:


والصمد بداخلنا


يقارع وينازع


يتأمل الانفراج لزاويته الحادة.


- ان الفنانة التشكيلية قد أغفلت في اللوحة المصاحبة صورة المرأة التي قد ترمز بها الشاعرة الى الأمة العربية وهي تتأمل مصيرها وتنتظر قدرها بين ماء السماء وعطش الارض .


فالامة  العربية بين منتظرة للحل(مفعول بها) وبين متأملة للبحث عن حل(فاعلة)  - ان اللوحة في خدمة البيئة العربية بامتياز حيث عاش العرب في شبه الجزيرة العربية يشكون شح الماء فهم يتخبطون بين العطش والبحث عن الماء.


- ثنائية اللون الأزرق للسماء  وامتداده واللون الأخضر الذي يغطي الأرض وخصوبته.


انهما لونان يضفيان مسحة من التفاؤل باللوحة وهو تفاؤل يتناغم مع قفلة القصيدة


في امكانية تحول الزاوية الحادة الى زاوية منفرجة للخروج من التخبط.


وفي هذا السياق ما يمكن أن يكون ردّ الشاعرة أميمة عمران؟؟؟


2 - قصيدة الشاعرة أميمة عمران:


أ - العنوان "اعتلال"


لئن اتخذت الشاعرة زينب التميمي عنوانا لقصيدتها "تخبط" وهي حالة للمجموعة العربية وقد تخرج منها وتتخلص فان الشاعرة أميمة عمران قد ردت عليها مُشخصة الواقع العربي بحالة مرضية "الاعتلال".


والاعتلال كما ورد في قاموس معجم المعاني الجامع- عربي عربي "هو مصدر من اعتلّ- به اعتلال: به مرض نتيجة علة".


والعلة مهما كان نوعها (نفسية/ عصبية/ عقلية/ جسدية..) قد تودي بحياة المصاب.


وفي هذا السياق استخدمت الشاعرة أسلوبا انزياحيا  تركيبيا قائما تارة على الاستفهام وتارة أخرى قائما على الأمر الذي يفيد الالتماس.


ان أسلوب الاستفهام يعكس حيرة الشاعرة في البحث عن حل كدواء يقضي على هذا الاعتلال فتقول :


آه كيف أصمد لك المعالي


والورد ورياض قلبك الخصيب؟


كيف أتعلم من جديد أبجدية السماح


وارسم لوحتي بلا اخوة يغدرون


يصهرون أجسادنا بحقد وبالساطور


 يقطعون


يدفنون آمالنا بضغائن من حديد


ان الشاعرة أميمة عمران شخصت العلة في غدر الإخوة ودفن الآمال والقتل والذبح ولعلها تشي لنا بغدر الإخوة العرب  فيما بينهم والنفاق الذي يسْكُنُهُم.


والشاعرة تستدعي في ذلك قصة غدر إخوة يوسف به ومدى إلحاق الأذى بالنبي يوسف.


ان الشاعرة قد راوحت بين استخدام ضمير المتكلم المفرد (أصمد/ أتعلم/ أرسم/) وضمير المتكلم الجمع (نحن)( أجسادنا/ آمالنا/ ).


انه تمزق بين الشعور بالمسؤولية الفردية والمسؤولية الجماعية


انه صراع بين الموجود والمنشود


ثم تستأنف استخدام الأسلوب الانزياحي التركيبي القائم على الأمر لتلتمس من الشاعرة زينب التميمي أن تكون لها معلمة ومنقذة مما هي فيه من معاناة فتقول:


كيف علميني يا حبيبتي


كيف لاااا أموت بالسيف


وذبح ممن يقتلون؟


علميني - اذا نسيت-


كيف أسطر فرحا


ربما يحيا جسدي من جديد


ازرعيني فيئا..ربيعا ..أيكا..


ثم اعزقيني على وتر الحياة


حرريني من القيود


ان اضطراب نفسية الشاعرة أميمة عمران جعلها تبحث عمن يحررها من القيود التي تكبّلها.


وفي هذا الاطار لئن ألقت الشاعرة زينب التميمي اللوم على المجموعة وحمّلتها مسؤولية الخروج من التخبط الذي تعيشه فالشاعرة أميمة عمران عمدت الى جلد الذات لتلتمس النجاة من الآخر وحياة جديدة تقضي على كل اعتلال وهي في ذلك مفرد بصيغة الجمع.


بيْد ان الشاعرة تستدرك  وتندمج ضمن المجموعة وتقحم الشاعرة زينب التميمي للتحدث باسمها " لتوريطها "في تحمل المسؤولية معها فتقول:


تعالي نمتشق هيافة المجد


ونشمخ من قساوة آخر


شهقة من عصيّهم ساعة فرقة أرواحنا


لنبني وطنا من الهدوء وعرسا من السكينة


ثم تعود من جديد الى ضمير المتكلم المفرد ربما لاقناعنا بانها شاهد عيان.


هذه المراوحة بين المتكلم المفرد والمتكلم الجمع تعكس مسؤولية مزدوجة لا تستثني منها نفسها لبناء وطن هادئ حيث لا خطف ولا اغتصاب ولا سطو


انها تحن الى الوطن القديم حيث الايمان والعدل والابتعاد عن الكفر والظلم..


وهي تستدعي الشخصية الدينية "يوسف" كرمزا للايمان  والشخصية الأسطورة


"فرعون" كرمزا للكفر والطغيان والتجبّر.


انها تحلم بسفينة نوح لتنقذهذا الوطن الذي تحن اليه من الغرق,من غرق الكفر والتجبر والسطو والظلم...


انها تقابل بين وطن يقوم على الايمان بما فيه من عدل وتنبذ وطنا قائما على الكفر بما فيه من ظلم وقهر وتجبر.


انها تريد أن تجتث هذه العلة علة الكفر والظلم والقهر من جسد الوطن.


والشاعرة لا تخفي عنا ما تُسِرّهُ من حزن وأسى في لهجتها الباكية على أمة


في صراع طويل ومريرمع العلة التي قد تودي بحياتها.


ومن واقع مرير معتلّ تخرج بنا الشاعرة الى الحلم.


انه حلم بمصير جميل فتقول:


تعاليْ نرسم المصير


ونزرع الحب, ويهرب الابليس


تعالي نرسم المصير, وبقميص يوسف


نحيي الكسيح وقتلانا وجميلاتنا


ومستقبلنا


ونعيد بسمة الثكالى


والايتام ويشمخ الربيع فهلا يستحيل


الحلم الذي نريد كما السمييق؟؟؟


آه لو يصيييير.


ولئن عمدت الشاعرة زينب التميمي الى دعوة  المجموعة العربية الى تغيير الواقع للخروج من التخبط فالشاعرة أميمة عمران اختارت الحلم بمصير مريح مستخدمة أداة الشرط "لو" التي تفيد التمني والتمني هو طلب المستحيل .


انها لا ترى دواء للعلة التي سكنت قلوب رموز الكفر والطغيان الا الحلم.


وبين تغيير الواقع والحلم مسافة جعلت شاعرتنا زينب التميمي تتفاعل وتدْخل في سِجال مع الشاعرة أميمة عمران للردّ عليها.


ترى ما كان ردّها؟؟؟


3 - القصيدة (3) للشاعرة زينب التميمي "آه لو يصييييير":


لقد استعذبت الشاعرة زينب التميمي رد أميمة عمران ودخلت في سجال للرد عليها وابتدأت ردها حيث انتهت  "آه لو يصيييير" وهو قانون لعبة السجال:


في لهجة مشحونة بالاستغراب من تحقيق حلم مستحيل ترد الشاعرة زينب التميمي وفق معطيين لا نقاش فيهما مستخدمة أسلوبا انزياحيا دلاليا قائما على الاستعارة والمفارقة :


+ استحالة عودة العمر الذي انقضى وعودة الراحلين دون هجرة وتمرّد المصير ليكون لصالح الأمة العربية.


+ الظلم والجور المتفشيان فتقول:


لكن كيف صديقتي


وموائدهم ملأى كؤوسا من دم الفقير


والدين منهم آيات بطش وسُوَر من بيع الضمير


- انها مفارقة عجيبة بالكؤوس الملأى ولكنها بدم الفقير .


والشاعرة استخدمت ضمير الغائب الجمع (هم) تحقيرا للظالمين في أنحاء العالم ولحشر كل ظالم كيف ما كان ظلمه بنفس كيس الظلم وامتصاص دم الفقير: انه استغناء مقابل تفقير =انها معادلة ظالمة ومن ثم كانت المفارقة.


- انها مفارقة عجيبة بين روح الدين و الممارسة الواقعية:


فالآيات التي من المفروض أن تكون آيات بينات لفعل الخير تتحول لدى تجّار الدين الى آيات بطش على الضعيف وعلى الفقير.


والسور انقلب مفهومها من الصدق والاخلاص والحق الى بيع الضمير لتكريس مبدإ الغاية تبرّر الوسيلة. وهو مبدأ ظالم.


وبالتالي فالشاعرة زينب التميمي لا تخفي عنّا استغرابها من حلم مستحيل بل تسرّ حزنها العميق من الظلم الذي استشرى وكبل المظلوم وأسره فتقول متأوّهة  لوجعها وحزنها:


أوّاه أميمتي..كلانا في الظلم مكبول أسير


فكيف أميمة يصير؟


وكيف يعود الوطن حرّا


مجيد؟


ان الشاعرة تعيش حيرة وجودية حول كيفية عودة الوطن حرا كما وُلِد قبل أطماع الظالم فيه واستغلاله فكرا وثروة.


وأكثر من ذلك فالشاعرة تتساءل وبنزعة فلسفية عن كيفية موت وحياة من جديد لهذا الوطن فتقول:


كيف نموت ونحيا من جديد؟


إنها مفارقة مدهشة بين الموت والحياة بين:


- كيفية القضاء على هذا الوطن العربي المستكين للقوي القابل بقدره الضعيف الراضي بالظلم ,المقتنع بجدلية الظالم والمظلوم والقوي والضعيف .


- كيفية بعثه من جديد رافضا الظلم المسلط عليه, قالبًا الطاولة على كل من تسوّل له نفسه حرمانه من حقوقه وسَلبَه حريته التي وُلد بها, على حد قول الخليفة العادل عمر ابن الخطاب" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"


ان الشاعرة لم ترَالحل إلا في كيفية القضاء على وطن مستكين وبعث وطن حرّ بنحت ملامح الحرية في الأطفال الذين هم بناة الوطن وحاملو رايته نحو التغيير والحرية ليسعد الوطن فتقول:


كيف نعلم الأطفال شعارا


"وطن حرّ وشعب سعيد"


وخلاصة القول فإننا من خلال هذا السجال بين الشاعرتيْن نخرج بموقفين:


- موقف الشاعرة أميمة عمران التي تتبنى موقف الحلم العربي للخروج من "الاعتلال"لان العلة متفشية في الجسد العربي ولعل الحلم يجعله في تحدّ للعلة.


- موقف الشاعرة زينب التميمي المدعوم بتلك اللوحة المصاحبة التي حاولت الفنانة التشكيلية سعيدة البركاتي فك جلّ رموزها.


هذا الموقف الذي يتبنى التيار الواقعي لتصوير الواقع والعمل على تغييره ليكون واقعا يليق بكرامة الوطن العربي الانساني للخروج من التخبط والقضاء على أي نوع من الاعتلال.


ولعل الحلم الذي تبنته الشاعرة أميمة عمران يكون حافزا ودافعا لتغيير الواقع الذي تنشده الشاعرة زينب التميمي.


سلم القلمان سجالا وامتاعا ومؤانسة.


بتاريخ 04/ 05/ 2025


تخبط (القصيدة (1)...


بقلم/زينب عبد الكريم التميمي


نحو المجهول... نجر أقدامنا


نقتاتُ خوفَنا المرير


نُهادي الريح


أيّنا يسابق الآخر


نهدهدُ سنوات العمر


لم نعِ يوماً أننا سنغدو


متعثرين بأزهارِ أحلامِنا


مثل نبتةِ صبّار


تحمل اشواكَها


لاعنة حظَّها العاثر


تتأففُ بهوادة


تبكي عصارةَ روحِها المُرة


مَرةً تلوَ مَرة


وماتلبثُ حتى تعود


ونعودُ


بخطىً باردة


نلعنُ أسرَنا المعقود بالغربة


نصاهرُ في المتعةِ حظَّنا العاثر


ونُخَمِرُ من بواقي حاضرِنا


ماضينا الغابر


لم نكن نعي


أنَّ انصهارَ الأشياءِ


لا يحتاجُ حرارةً


وأن رئتينا لا تحتاجُ غليوناً


لتدخن غُبرَ الزمن


سواد عيوننا يبكي بياضه


وسكناتنا تأبى الهوادة


تعدُ السنين


تقلّبُ ومضاتِ الذكرى


خساراتٌ فادحة


والصَمَدُ في داخلنا


يُقارعُ وينازع


يتأملُ الانفراجَ لزاويتهِ الحادة


          قصيدة(2)  الشاعرة أميمة عمران


 اعتلال ))


آهِ كيفَ أضمّدُ لك المعالي


والوردَ ورياضَ قلبِك الخصيب!!؟


كيف أتعلّمُ من جديد أبجديّةَ السّماحِ


وأرسمُ لوحتي بلا أخوةٍ ،يغدرون


يصهرون أجسادنا بحقدٍ وبالسّاطور


يقطّعون


يدفنون آمالَنا بضغائنَ من حديد!؟


كيف أنسلُ أولادي وأهلي و


العلماءَمن القبور؟!


كيف علِّميني ياحبيبتي


كيف لاااااا أموت بالسّيف


وذبحٍ ممّن يقتلون!؟


كحّلي حبري بدماكِ الطّهووووور


علّميني -إذ نسيت-


كيفَ أسطّرُ فرحاً


ربّما يحيا جسدي من جديد!!


ازرعيني فيئاً ..ربيعاً ..أيكاً


ثمّ اعزفيني على وتر الحياة


ربّما أنزعُ الموتى من القبور أحياءَ


أمنع السيّاف، وهو يقطع الرّؤوس


وينبتُ دمي ،الّذي اغتصبوه،


جرثموهُ من حقدهم


ومن السّيوف


..حرّريني من القيود،ثمَّ


تعالَي،نمتشقْ هيافةَ المجد


ونشمخ من قساوة آخر


شهقةٍ من عصيّهم ساعةَ فرقة أرواحنا


لنبنيَ وطناً من الهدوء..وعرساً من السّكينة


حرّريني من شووووك الطّريق


ومن قميصٍ عاهرٍ


يزني كلَّ يومٍ ،ويميد..


من العفن من مدن حياكة القبور،


لنُنظّفَ الكرومَ ،وينتشيَ العنقود بلا انتهاكٍ ولا سكٍرٍ ..ولا شيطنة العريش


هناك حيثُ لا يُصَدُّ ،


أو يتلعثمُ الكلام


،ولا يُخطَفُ العريس،


أو يُغتَصَبُ شرفُ العروس


في فضاءٍ.. بلا سطْوٍ على انبثاق


سموّنا من فيالق الجهل


وأنيابٍٍِ لا تسلك إلّا الوحول


تعالَي نحلمُ بوطننا القديم ..الجميييل


ويستيقظُِ المنام على وطن قشيب


فسمواتنا ولّادةٌ ،لا تهوى مضغَ


التّجهّمِ وسمومَ الوثنِ


وعبادةَ الشّيطان كما لا نريد


فنعيش لنشبَّ من جديد


دون قمعٍ لطلولنا


ولا قطفٍ لأعمارِنا


هناك.. حيثُ يكاغي طفلُنا


ويغرّد العصفور .تحتفي


بملاحمِنا النّجووووم


ويسهرُ القمر


لنبنيَ عزفَ نهارِنا وسهرةَ


ليلِنا بعيداً عنِ الباطل ولْنبتعدْ


عن كهوف يوسفَ


وسحَرة فرعون..،ونحلمْ بسفينة نوحٍ


نتخلص منهم من كبّلونا باسم الدّين


ويمّحي تجبّرُ السّاطور ..وشراذمةُ الكفر


حيثُ


يغرقون،ليُحتَفَى بنصرِنا


ربما هذا يصير


تعالَي نرسمْ معرِضَنا الجديد، لنطيحَ بوحلهم ..وبخارطة


الطريق


ونعيشَ نعشقُ الحياة


نُهدَى من خيرة الأقوام


ومعاً نقتل الظلّامَ


لنعيشَ مع نسلٍ


دون شائبة حقدٍ


ولا اغتصاب فلذاتِنا


وحرّيّتُنا أميرةً تعيش


وبجمالها ينتشي المصير


ونزرع الحبَّ ،ويهربُ الإبليس


تعالَي نرسمِ المصير ،وبقميص يوسف


نحيي الكسيح وقتلانا وجميلاتِنا


ومستقبلنا


ونعيدُ بسمةَ الثّكالى


والأيتام ويشمخ الربيع، فهلّا يستحيل


ُ الحلمُ الّذي نريد كما السّمييييق؟!!


آهِ لويصيييير!!


أميمة عمران سورية في 27 نيسان عام 2025م


 


القصيدة (3) زينب التميمي


اه ...لو يصير


اه... لويعود العمر


ويعود الراحلون بلا هجير


اه لو تمرد المصير


لكن كيف صديقتي


وموائدهم ملأى كؤوسا من دم الفقير


والدين منهم آيات بطش وسُوَر من بيع الضمير


أواه أميمتي ...كلانا في الظلم


مكبول أسير


فكيف أميمة يصير


وكيف يعودالوطن حرا


مجيد


كيف نموت ونحيا من جديد


كيف نعلم الاطفال شعارا


"وطن حر وشعب سعيد"



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق