الضغط الإعلامي وسلطة المثقف المريض: حين تتحول العلل إلى رافعة للتأثير...-الكاتب الصحفي الحبيب بن فضيلة-نموذجا-
في المشهد الثقافي والسياسي المعاصر،ثمة ظاهرة لافتة تستحق التأمل: صعود مثقفين يعانون من أمراض أو علل جسدية أو نفسية إلى واجهة الحوار العام،مدفوعين بضغط إعلامي يحول معاناتهم الشخصية إلى رأس مال رمزي يؤهلهم لتوجيه الرأي العام ومخاطبة السلطات.
لم يعد المثقف اليوم هو ذلك الشخص المتعالي بمعارفه الأكاديمية فحسب،بل أصبحت "شهادة المعاناة" تمثل مصداقية جديدة في الخطاب العام. حين يتحدث مثقف عن آلامه المزمنة،أو معاناته مع الاكتئاب،أو تحديات الإعاقة،فإنه يقدم نفسه ليس كمحض ناقل للمعرفة بل كشاهد على تجربة إنسانية عميقة.هذه الشهادة الوجودية تمنح كلمته ثقلاً خاصاً في نظر الجمهور الذي يرى في تجربته الشخصية مصداقية تفوق أحياناً تلك التي يمنحها الإطار الأكاديمي التقليدي.
*الآليات الإعلامية لصناعة التأثير:
وسائل الإعلام،بدورها،تدرك جيداً قوة هذه القصص الإنسانية في جذب الانتباه وإثارة المشاعر.لذا تسعى إلى تسليط الضوء على هؤلاء المثقفين،لا لمحتواهم الفكري فقط،بل لقصص كفاحهم الشخصي مع المرض.هذا التركيز الإعلامي يخلق ضغطاً على السلطات للاستجابة لمطالبهم،حيث يصبح تجاهل صوت "المريض البطل" مجازفةً بسمعة السلطة وعلاقتها بالرأي العام.
اللافت في هذه الظاهرة هو كيف تعيد العلل والأمراض تشكيل موازين القوى بين المثقف والسلطة.فبينما كانت السلطة تقليدياً تحتكر وسائل التأثير،أصبح المثقف المريض قادراً على توظيف معاناته كوسيلة ضغط غير تقليدية.فكيف يمكن للسلطة أن ترفض مطالب مثقف يعاني من مرض عضال؟ وكيف يمكنها تبرير عدم الأخذ برأيه وهو الذي دفع ثمناً وجودياً لموقفه؟
وهنا أقول :رغم الجانب الإيجابي في إتاحة الفرصة لأصوات مهمشة،إلا أن هذه الظاهرة تحمل إشكاليات عميقة.فأحياناً يتم اختزال قيمة المثقف في مرضه بدلاً من فكره،ويتم توظيف معاناته بشكل انتقائي لتلميع صورة السلطة..!
في الختام، بينما يُعد الضغط الإعلامي أداةً هامةً لتمكين أصوات المثقفين المرضى،يظل التحدي قائماً في كيفية الحفاظ على جوهر الفكر دون اختزاله في المرض،وكيفية ضمان أن يكون الاستماع إلى هذه الأصوات أصيلاً وليس مجرد استجابة تكتيكية لضغوط إعلامية عابرة.فالقيمة الحقيقية لأي مثقف،سواء كان مريضاً أو سليماً، تظل تكمن في عمق فكره وقدرته على تقديم رؤى تثري الحوار المجتمعي.
أخيرا،صغنا هذا المقال،بعد أن استجابت سلط الأشراف بوزارة الشؤون الثقافية،للضغط الإعلامي الذي مارسناة-بكل نكران للذات-للأخذ بيد الكاتب الصحفي التونسي الحبيبةبن فضيلة،إذ تم ايوائه بالمستشفى العسكري للعلاج ( أنظروا مقالنا بصحيفة الشروق التونسية الصادر بالنسخة الورقية بتاريخ 25/9/ 2025 ,تحت عنوان : أين أنت ياوزارة الثقافة ؟! الحبيب بن فضيلة يمر بظروف صحية حرجة)..مع تمنياتي له بالشفاء العاجل..
ختاما أقول : في المشهد الثقافي والسياسي المعاصر،ثمة ظاهرة لافتة تستحق التأمل: صعود مثقفين يعانون من أمراض أو علل جسدية أو نفسية إلى واجهة الحوار العام،مدفوعين بضغط إعلامي يحول معاناتهم الشخصية إلى رأس مال رمزي يؤهلهم لتوجيه الرأي العام ومخاطبة السلطات..
والسؤال الذي نطرحه يتعلق بالدور الاجتماعي والمسؤولية الأخلاقية لوزارة الثقافة تجاه المثقفين الذين يعانون من الأمراض،سواء كانت نفسية أو جسدية.هذا موضوع بالغ الأهمية،حيث أن المثقفين هم رأس مال الأمة الفكري وروّاد نهضتها،وتأثرهم بالمرض لا يعني معاناة فرد فحسب،بل قد يشكل خسارة للمجتمع بأكمله.
وخلاصة القول :
دعم المثقف المريض ليس عملاً خيرياً فقط،بل هو استثمار في العقل الجمعي للأمة وحفظ لتراثها الفكري.المثقف الذي يقدم الأفكار ويحلل الواقع ويساهم في تشكيل الوعي، يستحق أن تجتمع جهود الدولة والمجتمع لحمايته عندما يكون في أمس الحاجة إليها.
وواجب وزارة الثقافة يتعدى تنظيم المهرجانات والمعارض،ألى بناء نظام متكامل للرعاية الاجتماعية والصحية يليق بهذه الشريحة التي تقدم الكثير لوطنها.الأخذ بأيديهم وعلاجهم هو تأكيد على أن الثقافة ليست ترفاً،بل هي قضية وجود وإنسانة،وأن الدولة التي تحمي مثقفيها تحمي في الحقيقة مستقبلها وذاكرتها وهويتها.
"إنَّ اللَّهَ لَيُعِينُ الْعَبْدَ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ". دعم المثقف المريض هو تجسيد حي لهذا المعنى النبيل..وأرجو من السيدة الوزيرة ( وزيرة الشؤون الثقافية أن تستسيغ قصدي النبيل،وأن لا يقع إخراجه عن سياقه الموضوعي..!)
محمد المحسن
*ملحوظة تخص السيدة وزيرة الثقافة :
كاتب هذه السطور يعيش" معاناة إغريقية" أشرفت به على هوة العدم،وغدا منها على الشفير ( مرض عضال استنزف صحته وجيبه،وفاة إبنه مما غلب فتقه على رتقه..غربة واغتراب في وطنه..بعد مسير نضالية أدين فيها بكل عقوبات جهنم..استغاث بك مرات عديدة-بمنأى عن التسول والإستجداء-علك تساعدينه ظرفيا على تجاوز محنه وصعابه..ولكن صرخته،كانت كمن يزرع الورد في واد غير ذي زرع..وشكرا..

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق