الثلاثاء، 30 سبتمبر 2025

قراءة نقدية:" القصيدة بين الشعور بالانتماء العربي وشعر الحماسة" القصيدة: "فل.س.طين التي في القلب" الشاعر:طاهر مشي(تونس) الناقدة :ليلة المازني (تونس)

 قراءة نقدية:" القصيدة بين الشعور بالانتماء العربي وشعر الحماسة"

القصيدة: "فل.س.طين  التي في القلب"

الشاعر:طاهر مشي(تونس)

الناقدة :ليلة المازني (تونس)

قراءة نقدية :" القصيدة بين الشعور بالانتماء العربي وشعر الحماسة"


أ- عتبة العنوان :" فل.س.طين التي في القلب"

اختار الشاعر طاهر مشي عنوانا لقصيدته "فل. س. طين التي في القلب" وهو عنوان يشي بعلاقة وجدانية بين الشاعر و فل.س .طين .

ان فل.س.طين في مقام الحبيبة التي تسكن  قلب الشاعر ايمانا منه بمدى عشقه لها.

وفي هذا السياق أي عشق يُكِنّه الشاعر لهذه الحبيبة فل.س.طين؟

ب- التحليل: تجليات العشق لفل.س.طين الحبيبة:


استهل الشاعر قصيدته باستخدام أسلوب انزياحي ايقاعي قائم على التكرار للعنوان للتأكيد على مدى قيمة علاقته بحبيبته فل.س.طين التي شبه عشقه لها بالنار التي تسري على الهشيم فلا تبقي ولا تذر منه شيئا وبالتالي فعشقه لها بلا حدود (فلسطين التي في القلب سرت كنار على الهشيم مستديم).

ان الشاعر طاهر مشي كالعديد من المبدعين قد يجمع في قصيدته الذاتي والموضوعي:

- الذاتي: ان هذه القصيدة نابعة من ضمير الشاعر وما احتشد في نفسه  وفي وجدانه من مشاعر وأحاسيس تحرك وجدانه وعليه أن يخرجها بحبره ليتنفس الراحة والطمأنينة خاصة ومشاعره مشاعر عشق لهذه الحبيبة فل.س.طين.

- الموضوعي: ان القصيدة نابعة من إحساس الشاعر بواجبه في التعبير عن مشاعر وأحاسيس  وانفعالات الآخرين الذين لا يستطيعون الكتابة لأنهم ليسوا شعراء ولا مبدعين.

ولعل الشاعر هنا يتقاطع مع شعراء من أبناء فلسطين البررة:

يرى بعض النقاد ان محمود درويش لم يكتب قصيدة كاملة مخصصة لغزة فقط  ولكنه وصفها في مقالات ونصوص نثرية بانها مدينة " الأسطورة" و"كابوس العدو" و"نموذج عمل وإعلان إرادة "

+ يقول محمود درويش شاعر الانتفاضة (1):

ان سألوك عن غزّة قل لهم:

بها شهيد

يسعفه شهيد

ويصوّره شهيد

ويودعه شهيد

ويصلي عليه شهيد


انها الشهادة المستمرّة التي آمن بها درويش حتى النصر.

+ يقول سميح القاسم شاعر المقاومة الفلسطيني في قصيدته "تقدموا" (2):


لا خوذة الجندي

لا هراوة الشرطي

لا غازكم المسيل للدموع

تقدموا

من شارع  لشارع

من منزل لمنزل

من جثة لجثة

تقدموا

غزة تبكينا..لأنها فينا

ونحن في متاهة الإحساس بالذنب

نقول غزة ونقصد فلسطين

+ يقول ابراهيم طوقان الشاعر الفلسطيني من قصيدة "فلسطين مهد الشهداء"(3)

منذ احتلال الغاصبين ونحن نبحث في السياسة

شأن الضمير مع السياسة كالرقيق مع النخاسة

فإلى متى يا ابن البلاد. وأنت تؤخذ بالحماسة

والى متى (زعماء )قومك يخلبونك بالكياسة

ولكم أحطنا خائنا منهم بهالات القداسة

 ولكم أضاع حقوقنا الرجل الموكل بالحراسة

والله ليس هناك الا كل قناص الرئاسة

تأتيه من بيع البلاد وما إليه من الخساسة

واذا اتقاك(فبالجرائد) فالنجاسة للنجاسة

+ يقول غسان كنفاني شهيد المقاومة الفلسطينية بالحرف في كتابه" عائد الى حيفا" وهو يخاطب حبيبته غادة السمان في رسالة :

" لا تكترثي ولا تقولي شيئا. إنني أعود اليك مثلما يعود اليتيم الى ملجئه الوحيد, وسأظل أعود :أعطيك رأسي المبتل لتجفيفه بعد أن اختار الشقيّ أن يسير تحت المزاريب.. هذا العالم يَسْحق العدل بحقارة كل يوم.. سأظل أناضل لاسترجاع الوطن لأنه حقي وماضيّ ومستقبلي" (4).

وفي هذا الاطار وبعد الحديث عن عشقه لفل.س.طين بصفة خاصة  ماذا يقول شاعرنا طاهر مشي في فل.س.طين وهو في تناغم مع شعرائها وشعورا منه بالانتماء العربي؟

ها هو باستخدام ضمير المتكلم المفرد (أراها) يتدخل ويفصل ليبدي رأيه للآخر ليتعاطف مع فلسطين الجريحة والشهيدة :

لقد اختار الشاعر موضعين من رؤيته لفلسطين :

- يراها في دم الأحرار نارا, والأحرار حسب بعض الدارسين هم "من يمتلكون الحرية والاستقلالية  ولا يخضعون لسلطة أو قيد".

ولعل الشاعر لا يخص أحرار فلسطين فقط  بل يقصد الأحرار في المطلق أينما كانوا ...انه يتوجه الى أحرار الانسانية.


ان الشاعر يجمع بين الدم والنار فلئن كان الدم حياة فالنار موت وفناء وبالتالي فحياة الأحرار توازي موتا وفناء لا يبقي ولا يذر لمن يحاول أن يسيطر على الاحرار وان يخضعهم لارادته

ومن هنا تدخل القصيدة ضمن الشعر الحماسي وهو يفخر بالأحرار ويمجّد موقفهم من العدو.

والشاعر يستخدم الشعر الحماسي  لحشد الانصار والمتطوعين من الأحرار للقتال وتعزيز الانتماء والشعور بالكرامة والعزة.


ولئن شبه الشاعر عشقه لفل.س.طين بالنار المستديم التي تسري على الهشيم فانه يحوّل هذه النار لتتماهى مع دم الأحرار.

وكأني بالشاعر يعمد الى إثارة الحماس وتأجيج الروح في المستمع أو القارئ.

- يرى الشاعر فل.س.طين أيضا :

 في عيني طفل مستهيم

هي الأرض التي هي للحق تصحو

وتوقظ في المدى حلم اليتيم


والطفل المستهيم هو الذي يهيم  ويشغل بالهوى ..انه يهيم بأرضه التي هي حق له وهي حلم اليتيم الذي فقد الوالدين بسبب الحرب الي يشنها  العدو على أرض فلسطين.

ان الشاعر بقدر ما تحدث في المطلق عن الأحرار أينما كانوا فهو يخص أطفال فل.س.طين .


انه بين حشد للأنصار واستعطاف لهم لاقناع القارئ بان القضية ليست فحسب هي شعور بالانتماء العربي بل شعور بالانتماء الانساني فدلالة الاحرار بالقصيدة تشمل الانسان في مطلقه لينتصر للطفل الفلسطيني في نسبيته لأن قضية الطفل الفلسطيني قد تطول أي طفل مضطهد في العالم.

وفي هذا الاطار يتحول الشاعر من ضمير المتكلم المفرد (أراها) الى ضمير المتكلم الجمع(تنادينا) شعورا منه بالانتماء العربي لكل عربي غيور عليها:


- انه نداء الوطن و الكرامة لأن الارض من العِرض. ولا يستحق الحياة من لا يدافع عن كرامته.

- انه نداء الصبر و كأني به يلمّح الى الآية الكريمة "وبشر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون"

ان هذا الصبر يجعله يلوذ ويستجير بالكريم وهو اسم من أسماء الله الحسنى وهو اسم ثابت ورد ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى:" فتعالى الله الملك الحق لا اله إلا هو ربّ العرش الكريم"(سورة المؤمنون 116).


يقول شاعرنا  (وان ضاقت دروب  الحزن فيها// تفتح في الظلام يد الكريم)

وكرم الله يسع كل شيء وقد يكون كرمًا بنصر مبين .

ولعل القارئ هنا يدعم قول الشاعر مستحضرا الآية الكريمة (160) من سورة آل عمران "أن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي  ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المتوكلون"

- وكأني  بالشاعر يقوم خطيبا مناديا بالكرامة وداعيا الى الصبر والاستنصار بالله

- وكأني بالشاعر وهو في حماسه  يردد قول الله تعالى الآية42 من سورة ابراهيم" ولا تحسبن الله غافلا عمّا يعمل الظالمون انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار"

ويستأنف الشاعر"الخطيب" في خِطابه الخَطابي  الحماسي:

- تمجيد دور المبدع في شحذ العزائم وشحنه بالحماس للمقاومة ( نراها في الجراح قصيد مجد/ وفي التكبير تسري كالنسيم).

- الشعور بالفخر : فلسطين البطولة في حماها / وتعلينا على لهب الجحيم .

ان فلسطين بلد الأنبياء هي شافعة وحامية من الجحيم.

- تمجيد جند فلسطين لنبذ اليأس وشحن المقاومة بالأمل والايمان:

ويأبى اليأس أن يدنو اليها

وتدفعه الخطى رغم الحطام

ففيها من ربى الايمان جند

يقاوم بالصدى وعد الرغام


وأكثر من ذلك يراها حلم أرواح شعبها لتجعل المقاومة مستمرة حتى النصر:

تبث الحلم في أرواح شعب

يجدد في الدنى عهد السقيم

وتكتب بالمقاومة ارتقاء

على الأفق فوق الغمام


و لعل الشاعر عمد الى شعر الحماسة لعدة أسباب:

- تعزيز القيم البطولية لجند المقاومة لترسيخ قيم العزة والكرامة والشرف في الذاكرة الجماعية للمقاومين.

- تعزيز الانتماء والهوية بتعزيز الشعور بالانتماء للهوية العربية والانسانية والتاريخ.

- تقوية النفسية والتوعية بتحفيز المقاومين  والهاب مشاعرهم وتعبئتهم عسكريا وسياسيا وانسانيا.

- تجسيد القيم الاخلاقية من خلال التغني بجند المقاومة  لتشكيل الخطاب الشعري

الداعي للاتحاد ضد الك. يا. ن الص. ه. يوني المغتصِب للحق الفل.س.طي.ني.

ولدعْم هذا النفَس الحماسي استخدم الشاعر معجمية حماسية  دينية تحرّك الضمير الجمعي فلسطينيا وانسانيا ( أراها في دم الأحرار نارا/ توقظ في المدى حلم اليتيم/  تعبّد بالكرامة والنعيم/  وفيها الصبر/ تفتح في الظلام يد الكريم/ في الجراح قصيد مجد/ في التكبير تسري كالنسيم/ فل.س.طين البطولة/ تعلينا على لهب الجحيم/ فيها من ربى الايمان جند/ يقاوم بالصدى/ تبث الحلم/ يجدد في الدنى عهد السقيم/ تكتب بالمقاومة ارتقاء/ على أفق العلا فوق الغمام).


لعل الشاعرطاهر مشي بهكذا  قصيدة يُحْيِي شعر الحماسة  الذي نبغ فيه المتنبي وأبو تمام وابن هانئ كفنّ مستقل و متطوّرغيرة على بلد الأنبياء فل.س.طين وعشقا لها لتحريك الشعور بالانتماء العربي  في نفس كل عربي غيور على فل.س.طين  ومنتصرا لقضيتها الانسانية.

سلم قلم الشاعر طاهر مشي الذي زاوج بين الشعور بالانتماء العربي وشعر الحماسة .


بتاريخ30/ 09/ 2025


المراجع:

(1) من محمود درويش الى نزار قباني..اجمل القصائد الت كتبت عن غزة(30/10/ 2023))عربي بوست)

(2) أحمد ابراهيم الشريف(16/ 12/2014) سميح القاسم..."غزة تبكينا..لأنها فينا ونحن في متاهة الاحساس بالذنب..

(3)  الديوان" فلسطين" ابراهيم طوقان "اخواننا أهل الوفاء"

(4) غسان كنفاني  كتاب (عائد الى حيفا)

 فلسطينُ التي في القلب ( الشاعر طاهر مشي)

ااااااااااااااااا ااااااااااااااااا ااااااااا

فلسطينُ التي في القلبِ أُسرتْ

كنارٍ في الهشيمِ مستديمِ

أراها في دمِ الأحرارِ نارًا

وفي عينيّ طفلٍ مستهيمِ

هي الأرضُ التي للحقِّ تصحو

وتُوقِظُ في المدى حلمَ اليتيمِ

تُنادينا لنمضي في دروبٍ

تُعبّدُ بالكرامةِ والنعيمِ

وفيها الصبرُ يمشي غيرَ هَزلٍ

كأنّ الصبرَ مِن نسلِ العزيمِ

وإنْ ضاقتْ دروبُ الحزنِ فيها

تفتّحَ في الظلامِ يدُ الكريمِ

نراها في الجراحِ قصيدَ مجدٍ

وفي التكبيرِ تسري كالنَّسيمِ

فلسطينُ، البطولةُ في حِماها

وتُعلينا على لهبِ الجحيمِ

ويأبى اليأسُ أن يَدنُو إليها

وتدفعُهُ الخطى رغمَ الحُطامِ

ففيها من رُبى الإيمانِ جُندٌ

يُقاومُ بالصّدى وعدَ الرَّغامِ

تبثُّ الحلمَ في أرواحِ شعبٍ

يُجدِّدُ في الدُنى عهد السقيم

وتكتبُ بالمقاومةِ ارتقاءً

على أفقِ العُلا فوقَ الغمامِ

ااااااااااااااااا ااااااااااااااااا

طاهر مشي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق