الاثنين، 29 سبتمبر 2025

قراءة نقدية: "القصة القصيرة جدا والأدب السياسي" القصة القصيرة جدا:(ق.ق.ج "استهانة" نموذجا) الكاتبة:فوزية الكوراني(سوريا) الناقدة:جليلة المازني(تونس)

 قراءة نقدية: "القصة القصيرة جدا والأدب السياسي"

القصة القصيرة جدا:(ق.ق.ج "استهانة" نموذجا)

الكاتبة:فوزية الكوراني(سوريا)

الناقدة:جليلة المازني(تونس)

القراءة النقدية:"القصة القصيرة جدّا والأدب السياسي"

لقد اختارت الكاتبة فوزية الكوراني عنوان ق.ق.ج" استهانة".

وردت مفردة  استهانة  مفردة نكرة وهي بصيغة المصدر من فعل مزيد استهان .

والمصدر يقتضي الحديث عن اسم الفاعل المستهين واسم المفعول المستهان به.

فمن المستهين ومن المستهان به وفيما تمثلت الاستهانة؟سنقف على ذلك  أثناء التحليل.

استهلت الكاتبة قصتها بتقديم الاطار الزماني (بعد نصف قرن ونيف)لما يكتنفه من ثقل وطول ولعل هذا الزمان الطويل يجسّد حياة فلسطين المحتلة مع الكيان الصهيوني الذي اضطهدها وانتهك أرضها وكرامتها بين الدول لان الارض من العرض.

لهذا السبب أزهقت الكاتبة كل مافي رحمها من نطاف.

 وفعل أزهق فعل مزيد على وزن أفعل ويُفيد المطاوعة ودلالته "أمات وهلك"

ونقول أزهق الله روحه اي خرجت وهلكت وماتت(معجم اللغة العربية).

وارتبط فعل أزهق بالنص القرآني بالباطل:

يقول تعالى في ازهاق الباطل:"وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا"(سورة الاسراء/الآية 81)

ان الكاتبة بعد طول هذا الزمن وثقله أزهقت كل ما في رحمها من نطاف ..انها جمعت بين المعنوي والمادي. وازهاق كل النطاف هو قراربعدم الولادة والانجاب..انه قرار بالعقم القاسي على النفس.

هل ان الكاتبة بازهاقها كل ما برحمها من نطاف هو ازهاق للباطل؟ وأيّ باطل؟

استخدمت الكاتبة ضمير المتكلم المفرد(أزهقت) لتقحم نفسها في هذه الماسأة شعورا منها بالانتماء العربي لقضية عربية .

 ثم هي باسم المفرد تعبّر عن الجمع انها تتكلم باسم الامة العربية التي حكمت على نفسها بالعقم والله وحده من" يجعل من يشاء عقيما".( سورة الشورى 50)

ان الكاتبة لا تخفي عنّا حزنها فهي تُسرُّ الوجع والألم لهذا العقم العربي.

أي عقم عربي تُلمّحُ اليه الكاتبة؟

هل هو العقم الفكري الثقافي العربي؟ أم العقم السياسي العربي؟

1- العقم الفكري الثقافي العربي:

يرى الباحث الدكتورعبداللطيف قصاب في كتابه العقم الفكري الثقافي العربي ان هذا النوع من العقم أشدّ خطورة من أيّ عقم آخر فيقول:

ولا بدّ أن تتمكن شعوبنا" من الخروج من أزمة عقمها الفكري وادراك خطورة ما يُنسج لها من مؤامرات تحاول سلبها كل شيء ابتداء من السيطرة على العقل العربي بكامله مرورا بالمشاريع الصهيونية كاعْلان القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني وانتهاء بمحاولة تخفيف أعداد العرب المواجهين للمشروع الصهيوني"

وللخروج من أزمة العقم الثقافي الفكري العربي لا بد من"تحقيق وجودنا وعدم السماح باختراقنا من الآخرلان الغزو الثقافي والفكري الذي تهندسه أمريكا والصهيونية العالمية خطر لا يشبهه خطر فهو يهدف الى ترويضنا أمام ثقافة الاستسلام والانهيار وعدم التمسك بأي قيمة ترسخ ثوابتنا".(1)

ان هذا العقم الثقافي هو في الحقيقة عقم يعشّش تحت مظلة العقم السياسي.

2- العقم السياسي العربي:

يقول الكاتب يوسف ابو لوز:"العقم السياسي يشبه عملية التصحّرفهو رمال متحركة وأسوا ما في هذا العقم أن الواقف في بحر الرمل يظن انه في حقل من النرجس وذلك هو العناد السياسي بعينه..أن يذهب ببعض السياسيين الى الاعتقاد

بامتلاكهم الحقيقة هم وحدهم أمّا الاخر فليذهب الى الجحيم كما يقول سارتر"

ويضيف:"انظرالى خرائطك العربية في فلسطين والعراق ولبنان في ارخبيلات التجاذب والتشرذم والانقسام"(2)

ان هذا العقم الفكري الثقافي العربي وهذا العقم السياسي العربي هوباطل لابدّ من  ازهاقه .

هذا ما جعل الكاتبة تبحث عن حل فوجدت الحل في التسوّل دون أخذها بعين الاعتبار بالمثل القائل"كل عمل شريف الا السرقة والتسوّل"فتقول:


"اعتليْت المنبر أتسوّل"

ان الكاتبة تستخدم مفارقة عجيبة لان من يعتلي المنبر عادة ما يكون خطيبا في الناس ليستفيدوا من خطبته لكن هذا الاعتلاء كان للتسوّل .

انها نبرة من التهكم والسخرية والكاتبة باستخدام صيغة المتكلم المفرد فهي تقحم نفسها مرة أخرى مع  الشعوب المُستجْدية والمُتسوّلة والتي تعيش على رحمة أرباب نعمتها .

والكاتبةلا تخفي عنا هذا الوجع الذي يَسْلبُ الشعوب المستضعفة كرامتها وحريتها واستقلاليتها لتعيش مستسلمة لامريكا والغرب مطبّعة مع الكيان الصهيوني ومقابل هذا التطبيع تبيع سيادتها الداخلية والخارجية.

وفي هذا الاطار نفهم معنى "استهانة "التي اختارتها الكاتبة عنوانا لقصتها فالقضية الفلسطينية مستهان بها والشعوب العربية مستهينة لا تكترث لها لانها محكومة بمصالحها شأنها شأن كل الدول المستضعفة في العالم.

أمام هذا الاستضعاف للأمة العربية وذلّ السؤال والاستجداء الذي رضيت به فهي

تُقابلُ بقطع اليد .

انها قفلة مدهشة للقارئ لم يكن ليتوقعها وكسرت أفق انتظاره وانتهكت حرمة جسده حين قالت الكاتبة "رُدّت اليّ يدي مقطوعة".والفعل ورد في صيغة المبني للمجهول فلا نعرف من قطعها.

وهنا قد يتدخّل القارئ ليمارس حقه في التأويل وقد يتساءل:

كيف رُدّت هذه اليد مقطوعة؟

من قطع هذه اليد ولماذا؟

- قد يعتبر القارئ أن أحرار الشعوب العربية التي بنفوسهم بعض الأنفة والكرامة ايمانا منهم بأن" اليد العليا أفضل من اليد السفلى"قد قطعوا هذ اليد الممدودة المُسْتجدية وناضلوا ضدّ حكامهم الانتهازيين لينتشلوا كرامتهم .

- قد يعتبر القارئ وهو الأدهى والأمرّ أن أرباب نعمة الشعوب المستضعفة هم الذين قطعوا هذه اليد الممدودة اذلالا لصاحبها مرّتين مرة وهو يستجدي ومرة ثانية ويده مقطوعة وفي بتر يده اعاقة له هذه الاعاقة التي تحُدّ من حركته وقد تلجمُ لسانه ليكون بصفّهم كالقطيع التابع لهم وفي ذلك تخفيض لعدد المواجهين لهم وامكانية السيطرة أكثر على الذين يعيشون على فتات موائدهم.

وبناء على ما سبق فان هذه ق.ق.ج تندرج ضمن الأدب السياسي بامتياز وهو ما

يُحسبُ للكاتبة  المسكونة بهموم الأمة العربية المستضعفة.

و"الادب السياسي هوالتاريخ الحقيقي للأمة والشعب والوطن والقيم وليس ما يكتبه المؤرخون الذين يستمدّون مادّتهم من الوثائق الرسمية بما فيها من كذب

وتزوير وتضليل"(3)

وبالتالي فان ق.ق.ج "استهانة" تضع اصْبعها على هموم الامة السياسية وتشرّح الجسد السياسي بكل حيادية لا ن التاريخ السياسي يكتبه المنتصرون وفي ذلك تشكيك في مصداقيته.

ان القارئ أيضا قد يندهش لهذه المسحة المتشائمة بالقصة وقد دعمتها الكاتبة بحبكة ممتازة جعلت كل مفاصل القصة تقوم على الادهاش فبعد تحديد الاطار

الزماني يجد القارئ نفسه أمام دهشة تكسر أفق انتظاره(أزهقت كل ما في رحمي من نطاف) وهذا العقم الذي فرضته على نفسها كان القارئ ينتظر دواء له لكن الكاتبة قدّمت له حلّا فيه انتهاك لكرامته (اعتليت المنبر أتسوّل) وأكثر من ذلك فان دهشة القارئ تتضاعف حين تذهله الكاتبة بردّ يدها مقطوعة(رُدّت اليّ يدي مقطوعة).

ان القارئ هنا قد يظلم الكاتبة بوصفها متشائمة بيْد أنّها كانت واقعية نقلتْ لنا الواقع المرير والأليم الذي تتخبط فيه الأمة العربية خاصة حكّامها.

 وهل أكثر من أن الكاتبة تحدّثت بصيغة المتكلم المفرد ايمانا منها بأنها مفرد في صيغة الجمع(الامة العربية) وهي تُسرّ الحزن والوجع.

ان مانقلته لنا الكاتبة يستحيل نقله من طرف المؤرخ المتواطئ و "المُتسيّس".

ان الكاتبة فوزية الكوراني قد حمّلت جنس القصة القصيرة جدّا مسؤولية الزواج بالأدب السياسي هذه القصة التي تستجيب الى خاصية ثنائية الايجاز والتكثيف:

ايجاز في اللفظ بدون عجز وتكثيف في المعنى يدعمه الايحاء.

انه ما يعبّر عنه الكاتب والمبدع المغربي عبد الله المتقي ب"تجويع اللفظ واشباع المعنى".

أشدّ على يديْ المبدعة فوزية الكوراني التي أتاحت لي فرصة الاستمتاع بقراءة ق.ق.ج"استهانة"قراءة نقدية هذه القصة ق.ج التي جعلت الكاتبة لا تشبه الانفسها.

بتاريخ:22/05/2024

=== نص القصة ق.ج. ===(المبدعة:فوزية الكوراني)

بعد نصف قرن ونيّف أزهقت كل ما في رحمي من نطاف.

اعتليت المنبر أتسوّل...رُدت اليّ يدي مقطوعة.


المراجع:

 (6 juin 2012) https://thawra.sy>(1(

العقم الفكري الثقافي العربي جديد الدكتورعبد  اللطيف قصّاب

https://www.alkhleej.ae>(2)

مقالات العقم السياسي ايوسف أبو لوز

 https://ar.wikipedia.org>wiki>..(3)

أدب سياسي- ويكيبيديا



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق