** قراءة نقدية لقصيدة
((أستاذة الجحيم)).
(( جماليات الهجاء العاطفي ))..
للشاعر ((مصطفى الحاج حسين)).
الأستاذة ((زهرة زميطة))
تمثل قصيدة "أستاذة الجحيم" مثالًا بارزًا على ما يمكن تسميته بـ الشعر المضاد للعاطفة، حيث تتحول العلاقة العاطفية من مصدر للإلهام إلى حقل للصراع والانهيار والهجاء الشعري. يتخذ النص بُنية هجائية تراجيدية تفيض بالسخط، ويحوّل الانكسار العاطفي إلى فعل كتابي تمردي.
يتمركز المتكلم في موقع الضحية الغاضبة، التي ترفض العزاء وتُدين محاولات الإنقاذ، في صورة شعورية تتسم بالانغلاق على الألم والارتماء فيه. العلاقة هنا مازوخية عكسية، يتغذى فيها الشعور من العطب لا الشفاء.
(أستاذة الجحيم).. تركيبة لغوية مشحونة بالإيحاء.. (أستاذة).. تفترض هيمنة معرفية وسلطة معنوية.. (الجحيم).. مجال للتعذيب والاحتراق.
الجمع بينهما يُنتج كيانًا رمزيًا للأنثى الجلّادة، القادرة على ترويض الشعور وإحكام السيطرة عليه.
القصيدة تزخر بصور، صادمة وجريئة، تعيد إنتاج العاطفة في ملامح العنف والتفكك:
- شمطاء الأفق.
- كفن العذوبة.
- المسيج بخيوط العنكبوت.
تُستخدم الصور في القصيدة كأدوات للهجوم العاطفي، لا للتجميل أو التزيين. فنحن أمام شاعر يُقشر الحب من رومانسية اللغة، ويستبدلها بـالشمطاء، والكفن، والصحراء، والحطام. هذه الصور تقلب الموازين الجمالية، وتُعلن قطيعة مع المعجم التقليدي للحب.
شمطاء الأفق.. يشيخ الأمل، ويتجعد الضوء، ويصير الأفق ذاكرة مثقلة، لا وعدًا بالامتداد.
كفن العذوبة.. تتكفّن الرقّة، وتموت الأنوثة الناعمة، ويتحوّل الحنين إلى مأتم.
المسيج بخيوط العنكبوت.. إشارة إلى المراوغة، الضعف، والتمسك الزائف بالقداسة
المتكلم يعيش في حالة شبه إدمانية على الألم. هو لا يرفض محبوبته رغم الجحيم، بل يرفض من ينصحه بالابتعاد عنها. يلعن كل من يمسك دمعته أو يجره إلى النجاة. هنا يظهر مفهوم الافتتان بالجراح، الذي يقود النص إلى مزيج من المأساة الشخصية والنشوة الشعرية.
الأسلوب الفني.. قصيدة نثر، لا تعتمد على الوزن أو القافية، بل على الإيقاع الداخلي والتوتر الشعوري.. اللغة مباشرة وسوداوية، تتعمد الابتعاد عن البلاغة اللامعة.. تراكم الجمل الاسمية والفعلية، في نسق متسارع، يشبه الانهيار العاطفي ذاته.
القصيدة موجّهة إلى أنثى غائبة/حاضرة، تمتلك سلطة التأديب لا الحنان. والمتكلم هنا ليس ضحية ضعيفة، بل شاهد على احتراقه، يوثق المأساة بأدق تفاصيلها، ليرسم ملامح أنثى أسطورة قاسية، متعالية، مُدمّرة.
(أستاذة الجحيمِ).. ليست قصيدة حب مكسور، بل هي ضد الخذلان العاطفي
تكتب الذات فيه انكسارها بفخر، وتلعن الحب عندما يتحوّل إلى أداة قهر.
إنها قصيدة تؤمن بأن الاعتراف بالألم هو أعظم أشكال النجاة، حتى وإن كانت النجاة نفسها مستحيلة.*
زهرة زميطة.
**(( أُسْتَاذَةُ الجَحِيم ))..
أحاسيس: مُصْطَفَى الحَاجّ حُسَيْن.
الجُثَثُ الهَامِدَةُ
تَتَفَاعَلُ مَعَ قَصَائِدِي عَنكِ
بِالدُّعَاءِ لِقَلْبِي:
ــ بِهُدُوءِ البَالِ، وَبِالنِّسْيَانِ الوَفِيرِ.
وَالنِّسْيَانُ يُذَكِّرُنِي
بِمَوَاعِيدِكِ المَارِقَةِ
وَصَقِيعِ بَسْمَتِكِ الغَائِبَةِ
وَأَنَا أَلْهَثُ خَلْفَ تَأَخُّرِكِ
وَصَحْرَاءِ أَصَابِعِكِ
وَغِيَابِكِ المُمتَدِّ
عَلَى مِقْيَاسِ عُمْرِي.
الأَيَّامُ تَنْصَحُنِي
وَاللَّيْلُ يُفْتِنُ مَا بَيْنَكِ
وَبَيْنَ هَوَاجِسِي
وَقَلْبِي لَا يَصْحُو
مِنْ خَمْرَتِهِ.
مَلْعُونٌ مَنْ يُمْسِكُ دَمْعَتِي
وَيُبْعِدُنِي عَنْ بَابِكِ
المُسَيَّجِ بِخُيُوطِ العَنْكَبُوتِ!
مَلْعُونٌ مَنْ يَنْصَحُنِي
وَيَجُرُّ لُهَاثِي
عَنْ أَمْوَاجِكِ
الهَادِرَةِ بِالحُطَامِ!
يَا شَمْطَاءَ الأُفُقِ
يَا صَلْعَاءَ النَّدَى
يَا كَفَنَ العَذُوبَةِ
أُسْتَاذَةَ الجَحِيمِ!*
مصْطَفَى الحَاجّ حُسَيْن.
إسطنبول

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق