معاناة الناقد: عندما يدعم..ويتجاهل مجهوده. !
"معظم المبدعين يفضلون أن يقتلهم المدح،عن أن ينقذهم النقد”..!
مما شك فيه أن العلاقة بين الناقد والمبدع هي علاقة جدلية تقوم على الحوار والتكامل،لا العداء، حيث يسعى الناقد المنهجي إلى إظهار جماليات النص وتصحيح مساره،بينما يُستنير المبدع الجاد بالنقد البناء لتطوير تجربته الإبداعية والإرتقاء بخطابه الأدبي إلى الآفاق المنشودة،و تتطلب هذه العلاقة من كل طرف التزامًا بالموضوعية والمنهجية،حيث يجب على الناقد أن يتجاوز المجاملات والشخصنة،وأن يمتلك الأديب القدرة على تقبل النقد كآلية للتطوير،مما يرفع مستوى المشهد الثقافي بأكمله..
من هنا،تُعد العلاقة بين الكاتب والناقد في المشهد الثقافي والأدبي،من أكثر العلاقات تعقيداً وإثارة للتأمل.فبينما ينهمك الكاتب في عملية الإبداع وصناعة النص،يأتي الناقد ليقف على أعتاب هذا العمل محاولاً تفكيكه وتحليله وتقديمه للمتلقي برؤية جديدة.لكن ماذا يحدث عندما يُهمل الكاتب جهود الناقد ويتجاهل تقييمه وتحليله؟!
يعمل الناقد الأدبي كحلقة وصل أساسية بين العمل الأدبي وجمهور القراء،فهو لا يقتصر على تقييم العمل فحسب،بل يضيء زوايا خفية فيه، ويكشف عن طبقاته الرمزية والجمالية،ويساعد في وضع العمل في سياقه الثقافي والاجتماعي المناسب.والنقد الجاد هو عملية إبداعية موازية، تتطلب جهداً فكرياً ومعرفياً كبيراً،ووقتاً طويلاً في القراءة المتأنية والتحليل العميق.
لكن...للأسف،يواجه العديد من النقاد حالة من التهميش والإهمال من قبل الكتاب أنفسهم،رغم الجهود الكبيرة التي يبذلونها.وقد يتجلى هذا التجاهل في عدة مظاهر،كعدم الاعتراف بالتحليل النقدي،إذ يتعامل بعض الكتاب مع النقد وكأنه مجرد رأي شخصي لا قيمة له،دون تقدير الجهد التحليلي والمعرفي الذي بذله الناقد،وكذا الانتقائية في قراءة النقد،حيث يهتم الكاتب فقط بالآراء الإيجابية ويتجاهل تماماً التحليلات النقدية الجادة التي قد تشير إلى نقاط ضعف في العمل،ثم تأتي الردود غير المهنية،إذ أحياناً يلجأ بعض الكتاب إلى الرد على النقد بشكل شخصي وهجومي،بدلاً من الانخراط في حوار بناء حول الأفكار المطروحة.
وهنا نقول: النقد البناء هو وسيلة للكاتب لتطوير أدواته الإبداعية،وتجاهله يحرمه من فرصة النمو والتطور،فعندما يغيب الحوار المحترم بين المبدع والناقد،يفقد المشهد الثقافي أحد أهم روافده الحيوية.
وإن كان الناقد محترفا في نقده،ويحترم ما يقوم به،ويقدر القراء والجمهور،فسيكون نقده حينها أقرب الى الموضوعية والمهنية،يحاول تحييد عواطفه وذاتيته أثناء تناوله لقطعة أدبية، ويتعامل معها قدر الإمكان بشكل مجرد،بغض النظر عمن كتبها،وبذلك ينصبّ اهتمامه على النص فقط،دون الالتفات للكاتب،وهذا ما يسمونه في النقد الأدبي (موت الكاتب). لكن النقد ليس علما معياريا كالفيزياء والكيمياء،على الرغم من أن له قواعده وأدواته وأصوله،لكن الذاتية تدخل فيه من بعض الزوايا من حيث ثقافة الناقد وقدرته على استكناه بواطن النص..
في النهاية،النقد الجاد ليس عدواً للإبداع، بل هو شريك في رحلة إثراء الثقافة والإبداع.وعندما يتعامل الكاتب مع الناقد باحترام وتقدير،فإنه لا يكرم جهود الآخر فحسب،بل يثري مسيرته الإبداعية ذاتها ويسهم في بناء مشهد ثقافي أكثر حيوية ونضجاً..
أخيرا نقول،للنقد دور هام ومحوري في تعزيز المستوى الأدبي الراقي ورفع شان حركة الثقافة. فالنقد يعتبر أحد أهم ركائز الأدب وأهم المقومات والمؤثرات الفاعلة في الحركة الأدبية،وهو إرادة واعية ومنهج يستطيع به الناقد تصحيح مسار حركة الأدب والتأثير فيه.لأنه يضمن عدم الانحراف والتجاوز في مسار الحركة الثقافية ويضمن استمرار الإبداع وتجدده،من خلال موضوعية تامة تبتعد عن المجاملة والمحاباة أو التملق.
وخلاصة القول،سأكون صارما في مقارباتي القادمة لنصوص المبدعين،لكن ليس بهدف الهدم وتثبيط العزائم،بل البناء الموضوعي الذي يستجيب للمناهج النقد الحديثة،لذا أرجو الإستعداد لذلك.سأبرز نقاط القوة أولا،ثم أركز على نقاط الضعف،والفرص للتحسين.
وأرجو أن تستساغ مقاصدي جيدا،وأن لا يقع إخراجها عن سياقها الموضوعي..
محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق